محمد كمال باحث مساعد في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، حيث يعمل على حماية حقوق الإنسان في مصر والمنطقة.
English
رغم صعوبة أن تتخيل عدم تعرضك للشمس لمدة عامين مثلا، وانت قابع بزنزانة لا يسمح لك الخروج منها. إلا أن الأصعب فعليا، هو أن تشعر بالتعب والمرض ولا يوجد من يقدم لك المساعدة، وأن تدرك أن الإهمال الطبي هو أمر ممنهج لقتل المعتقلين في السجون المصرية.
في مقابلة أجرتها DAWN، يتحدث صحفي مصري، يعمل في موقع رصد الإخباري، تم اعتقاله في سجن العقرب سيئ السمعة، عام 2013 عندما كان يغطي اعتصام رابعة، حول تفاصيل ما رآه هناك عن الإهمال الطبي في حق المعتقلين في هذا السجن، معتبرا أن هذا الاهمال هو أشد أنواع التعذيب التي يتعرض لها السجناء.
ويكشف السجين السابق الذي فضل عدم ذكر اسمه في المقابلة، أن الإجراءات الشائعة التي تتبعها إدارة السجن في سياق الإهمال الطبي تتمثل بمنع العلاج، ومنع خروج المرضى للمتابعة الطبية المستعجلة.
هذا الاهمال الطبي هو أحد أسباب تغير الهيئة بالنسبة المعتقلين، وتردي أوضاعهم وظهورهم بهيئات مختلفة عما كانوا عليه عند دخولهم السجن. أما بالنسبة للأكل، في سجن العقرب، فكمياته أقل بكثير مما تقدمه بقية السجون.
وبينما لن يعالج الابتهاج ببناء السجون التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بما في ذلك أول مجمع من عدة مجمعات جديدة "على الطراز الأمريكي"، هذه المعاملة السيئة، يقول السجين السابق "السجن سجن، حتى لو كان في حديقة، كل ما يفعله النظام يهدف إلى تحسين سمعته في الخارج. لقد تم فضح النظام لأن ممارساته القمعية لا تخفى عن أحد ولا تخفى عن المجتمع الدولي".
النص التالي تم تحريره بشكل طفيف لغايات الوضوح والاختصار.
متى تم اعتقالك ولماذا وكيف؟
تم اعتقالي يوم ٢٤ أغسطس ٢٠١٣ أثناء الحملة الأمنية التي تمت عقب فض اعتصام رابعة والنهضة، وذلك أثناء زيارتي لصديقي محمد سلطان (الناشط السياسي المصري الأمريكي) في منزله بالمعادي، الذي تمت إصابته بطلق ناري في كتفه خلال فض اعتصام رابعة. وقد تم اعتقالنا، وضمنا للقضية ٣١٧ لسنة ٢٠١٣، المعروفة إعلاميًا بـ "غرفة عمليات رابعة". كنت أعمل صحفيًا في شبكة رصد الإخبارية. وقد قمت بتغطية أخبار اعتصام رابعة.
ما هي الاتهامات التي وُجهت إليك؟
قيادة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون (دون تسمية تلك الجماعة) ونشر أخبار كاذبة.
ما أول سجن تم سجنك فيه؟
سجن استقبال طرة هو أول سجن تم ترحيلي إليه بعض قضاء فترة في قسم شرطة البساتين، سيء السمعة، مع الجنائيين.
علمت أنه تم سجنك في سجن العقرب، صف لنا بماذا شعرت عندما علمت بأنك ذاهب للعقرب المعروف عنه بأنه مقبرة الأحياء؟ هل تستطيع أن تصف لنا الأحوال داخل سجن العقرب؟ (التعذيب، الطعام، التريض، النظافة، والتعامل النفسي، الزيارات، والزنازين، تقسيم، وتصنيف المساجين، غيرها من الأمور الأخرى)؟
حينما تم ابلاغنا أنا ومجموعة من المعتقلين أنه سيتم ترحيلنا إلى منطقة طرة – كنت وقتها في سجن وادي النطرون 440، استبشرت خيرًا، وفرحنا جدا لأننا سوف نرحل من هذا السجن اللعين، هذا السجن كان قبر بمعنى الكلمة، كنت أنام فيه على مساحة ٣٧.٥ سم (شبر وقبضة بلغة السجون)، جمعنا كل متعلقاتنا من بطاطين وملابس وكتب وجميع المتعلقات الشخصية. وفي الطريق عرفنا أننا سوف نمر على سجن العقرب. اعتقدنا أن هذا المرور من أجل ترحيل الدكتور صلاح سلطان إلى هذا السجن، وبعدها نذهب إلى سجن الاستقبال أو الليمان. دخلت السيارة سجن العقرب، وكانت الصدمة عندما علمنا أننا سوف نغادر سيارة الترحيلات، لأن اعتمادنا [التسكين بلغة السجون] سيكون في سجن العقرب. دخلت سجن العقرب في 1 فبراير 2016، وخرجت منه في 1 يونيو 2016.
لمحنا ضابط كان قد قابلنا في سجن الاستقبال، اعتقدنا أنه سوف يعاملنا بشكل جيد. وللأسف استقبلنا أسوأ استقبال، وتم مصادرة جميع متعلقاتنا الشخصية، أخذوا كل شيء، لم يتركوا لنا إلا غيار واحد داخلي فقط، واعطونا بطانية ميري واحدة فقط. من الضباط الذين كانوا مسئولين عن هذه المعاملة السيئة والانتهاكات بحق المعتقلين، محمد العشري وإيهاب سمرة.
دخلنا عنبر أتش٤ في وينج (جناح) 4. بالمناسبة سجن العقرب عبارة عن أربعة عنابر على شكل حرف أتش (H)، لذلك يطلق على العنبر أتش، وكل عنبر بداخله 4 عنابر فرعية يطلق عليه (وينج)، وكل عنبر فرعي به ٢٣ زنزانة، والسجن مصمم أن يعزل كل عنبر عن غيره من العنابر، بحيث لا يعرف أحد ما حدث أو ما يحدث في العنبر الأخر.
العنابر أيضا لها تقسيمة تصنيفية، بمعنى أن كل أتش يتم تسكين – بمعنى توزيع المسجونين على العنابر والأجنحة – مجموعة من القضايا أو مجموعة من الرموز فيه، بمعنى أن أتش٢ مخصص للقيادات، وذلك بسبب تسكين قيادات جماعة الإخوان المسلمين فيه. أما أتش٣ فيكون مخصص للمعتقلين في قضايا نوعية (الجماعات الارهابية) أو تنظيم الدولة. طبعاً، كل فترة يتم إعادة توزيع المعتقلين لضمان عدم الاستقرار بين المعتقلين، وأيضا كنوع من التنكيل النفسي والبدني.
التريض، إذا حدث، هو بمثابة حلم أن تخرج من زنزانة محبوس فيها لشهور طويلة. إذا خرجت مرة واحدة في الشهر لمدة عشر دقائق، عليك أن تحمد ربك على هذه النعمة حتى تتمكن تحريك جسمك لبعض الوقت.
والزيارات (إن تمت) تكون عن طريق حاجز زجاجي من خلال سماعة عند كل طرف. الأكل في السجن هو الأكل الميري الموجود في كل سجن، ولكن بكميات أقل بكتير، وهو مكون من العدس الشايط (المحروق ) والفول الحامض و الأرز المحروق، الخ. في بعض الأحيان يمكن اللجوء للكانتين (وهو مكان مخصص لبيع بعض السلع الأساسية والطعام في السجن)، لكن إدارة السجن تبيع الطعام بأسعار مبالغ فيها، في بعض الأحيان تصل الزيادة إلى حوالي 60٪.
أما فيما يتعلق بحلاقة الشعر، الحلاق لا يحضر إلى السجن بصورة منتظمة، يأتي مرة كل شهرين أو ثلاثة. بالنسبة لتقليم الأظافر، هناك قصافة واحدة فقط لكل أتش يستخدمها كل المساجين كل بضعة أشهر. بالنسبة للنظافة الداخلية، كل ثلاث أو أربع شهور كانت إدارة السجن تبيع لينا مزيل شعر بعد قيام السجناء بعمل اضراب. هذا الأمر يعتبر أفضل الأحوال في ظل الوضع الطبيعي الذي حظيت به أنا في السجن، ولكن كل أتش بيتعامل معاملة مختلفة عن غيره.
هل يمكن أن تحدثنا عن حملات التجريد، لماذا وكيف تتم؟
التجريد معناه مصادرة كل شيء في الزنزانة (الزنزانة لا يوجد فيها شيء يمكن مصادرته) الغريب بقى أن التجريدة يمكن أن تتم كل بضعة أيام. إذا وجد الحراس كيس تضع فيه طعام تتم مصادرته، أيضًا إذا وجدوا بطانية تستخدمها كستارة للحمام تتم مصادرتها كل واحد ليه بدلة سجن لو لقي اكتر من واحدة يصادرها.
رأينا صوراً لمعتقلين في سجن العقرب أثناء محاكمتهم، ولاحظنا تغير هيئتهم وشكلهم للأسوأ ما سبب ذلك؟
سبب ذلك قلة الأكل وعدم التعرض للشمس، تخيل أفراد لمدة عام أو عامين لا يحرجون من الزنزانة. هناك أيضًا المعاملة القاسية والإهانات المستمرة، التحقيقات التي تتم في السجن والتعذيب الذي يحدث من قبل ضباط الأمن الوطني، كلها أمور تساهم في تغير هيئة المعتقلين.
هل يمكن أن تصف لنا الأوضاع الصحية والرعاية الصحية داخل السجن؟ وكيف تتعامل إدارة السجن مع الأزمات الصحية التي تعرض لها النزلاء؟
أسوأ الأمور في السجن هي أن تشعر بالتعب والمرض ولا يوجد من يقدم المساعدة، أو يأتي شاويش ويقول، بصلف، "الصبح لما ييجي الضابط". الإهمال الطبي في حق المعتقلين في سجن العقرب من أشد التعذيب الذي يتم. الإهمال الطبي هو ممنهج لقتل المعتقلين. ومن الإجراءات الشائعة التي تتبعتها إدارة السجن في سياق الإهمال الطبي منع العلاج، ومنع خروج المرضى للمتابعة في سجن الليمان حيث المستشفى المركزي. هناك أيضًا تعطيل عربة ترحيلات إلى القصر العيني حتى يتم (تفويت) موعد متابعة الدكتور، وأخيرًا قيام إدارة السجن بعدم ارسال التقارير المرضية للإدارة الطبية لتكليف قطاع السجون بالترحيلة (أي نقل المريض من السجن إلى المستشفى) اللازمة ومن ثم عدم قدرة المرضى على الخروج للقيام بالكشوفات والفحوص الطبية اللازمة.
هل عاصرت أية حالات وفيات داخل السجن؟ وما هي الأسباب؟ وكيف تتعامل إدارة السجن معها؟
حينما وصلت سجن العقرب في ٢٠١٦ قابلت عدد كبير ممن تم تعذيبهم في السجن، حيث كان مسئولي السجن والحراس يقومون بتعليقهم أمام العنابر. قابلت المعتقل أحمد الدجوي، والذي تم تنفيذ حكم الإعدام عليه فيما بعد، كان لا يستطيع التحكم في أعصاب يديه وقدمه ووجه، وأخبرني أنهم يذهبون به إلى مقر الأمن الوطني لتعذيبه.
لم أعاصر حالات وفاة داخل سجن العقرب، ولكني عاصرت ٤ حالات وفاة داخل سجن ليمان طرة، وبالتحديد مستشفى السجن، وكلهم ماتوا نتيجة الإهمال الطبي المتعمد. ليست هناك رعاية صحية داخل مستشفى سجن ليمان طرة، بل يتم إجبار المعتقلين على التوقيع على ورقة أنهم تم علاجهم من أجل إعادتهم للسجن مرة أخرى فما بالك بسجن العقرب.
هناك أمثلة كثيرة للإهمال الطبي منها منع العلاج ومنع الخروج للمتابعة في سجن الليمان حيث المستشفى المركزي وتعطيل عربة ترحيلات القصر العيني حتى يتم (تفويت) موعد متابعة الدكتور، عدم ارسال التقارير المرضية للإدارة الطبية لتكليف قطاع السجون بالترحيلة اللازمة.
كيف تتم إجراءات خروج المعتقلين إلى جلسات التحقيق أو المحاكمات؟
يتم خروج المعتقلين من الزنازين وسط حراسة مشددة. حيث يتم إعلان المعتقلين قبلها بيوم أو في نفس اليوم أن هناك جلسة محكمة أو عرض على النيابة. كان يتم خروج المعتقلين من الزنازين من الساعة ٧:٣٠ صباحًا. يتم كلبشة كل ثلاثة مع بعضهم البعض، ولو هناك شخص يعتبرونه شديد الخطورة يتم كلبشته منفردا ويديه خلف ظهره. في سيارة الترحيلات (مثل علبة السردين) يتم تكديس أكبر عدد ممكن من المعتقلين فيها. هناك حالات تعرض فيها معتقلين لكسور بسبب تكدس سيارة الترحيلات وطريقة قيادة السيارة.
هناك العديد من الطلاب المسجونين داخل سجن العقرب، هل تسمح لهم إدارة السجن باستكمال دراستهم؟
لا يوجد بيئة اصلا للحياة داخل السجن، فما بالك بطلب السجين أن يكمل دراسته. يتم التعنت في دخول المذكرات والكتب أو منعها تمامًا. طبقًا للقانون فإن محامي او أهالي المعتقل يتقدمون بطلب استخراج قيد دراسة من الجامعة أو المدرسة وجدول الاختبارات أيضًا. ثم يتم إرسال هذه الأوراق الرسمية إلى قطاع السجون، وأحيانا يتم استلامها داخل السجن لاستكمال الإجراءات. ولكن في الغالب الأعم تتعنت إدارة السجن في تسهيل إجراءات استكمال الطلبة لتعليمهم أو حضور الامتحانات. يتم منع الغالبية العظمى بطريقة غير مباشرة، من قبيل تأخر سيارة الترحيلات التي تتولى نقل الطلاب إلى لجان الامتحانات، أو التحجج بأن جدول الامتحانات ليس مختومًا. هناك حالات قليلة يتم السماح لهم بإجراء الامتحانات.
هل لديك أية أسماء عن ضباط وحراس السجون التي سجنت بها (الاستقبال – العقرب) أو غيرهما؟
نعم، ولكن تكمن المشكلة في أن كل الضباط يستخدمون أسماء مستعارة، وعلى سبيل المثال أعرف الضباط محمد العشري وإيهاب سمرة.
بالتأكيد سمعت عن أن الحكومة المصرية افتتحت أكبر مجمع سجون وفقا لـ "الطراز الأمريكي" ما تعليقك؟
"السجن سجن ولو في جنينة"، كل ما يقوم به النظام ما هو إلا لتبييض وجهه خارجيًا، ولكن النظام مفضوح، لأن الممارسات القمعية التي يقوم بها لا تخفي على أحد، ولا تخفي أيضاً على المجتمع الدولي. التقارير التي تخرج كل فترة تأكد إن النظام لن يكف عن الانتهاكات المستمرة تجاه المعتقلين. بناء سجن جديد أو استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان كلها للاستهلاك الإعلامي.
رسالة تود توجيهها إلى الحكومة المصرية؟
يكفي ثمان سنوات من الانتهاكات.
يكفي هذه الأعمار التي تفنى خلف اسوار السجون.
خروج المعتقلين يساهم في استقرار وبناء الدولة.
رسالة تود توجيهها إلى المعتقلين؟
حبيابينا وحشتونا والله.
القلب يعتصر ألمًا ونتمنى نفرح قريبًا بخروجكم.
سامحونا على تقصيرنا في حقكم.
رسالة للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية؟
المنظمات الحقوقية أنتم فعلا دوركم كبير رغم كل العقبات.
استمروا، توثيقكم مهم جدا لمحاسبة كل متسبب في انتهاك، كما أن الضغط الذي تمارسونه قد يكون سبب في علاج مسجون أو خروجه. تعاملوا مع المعتقل كإنسان بعيًدا عن انتمائه السياسي أو الفكري.
أما بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يرى الانتهاكات التي تحدث في ملف حقوق الإنسان والقتل خارج القانون وغياب العدالة والشفافية ويصمت على كل ذلك، فردّي: لا تعليق.