تقوم المحكمة الأردنية حاليًا بإعادة محاكمة مواطن مسجون ومحاميه إثر شكاوى تتعلق بالتعذيب.
(واشنطن العاصمة، 4 يناير/كانون الثاني 2024)- يجب على السلطات الأردنية التحقيق في مزاعم قيام قوات الأمن الأردنية بتعذيب المواطن الأردني المعتقل عبد الإله المجالي والاعتداء عليه جنسيًا وسجنه. أنهى المجالي مؤخرًا عقوبة السجن لمدة عام بسبب جرائم التعبير المزعومة بناءً على مزاعم أدلى بها حول الفساد المرتبط بأموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ويواجه حاليًا اتهامات إضافية لنفس "الجرائم"، حسبما ذكرت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN). كما اتهم المدعي العام الأردني في عمّان الدكتور ثائر نصار محامي المجالي، فراس الروسان، والناشط كميل الزعبي، بنشر مزاعم المجالي بالتعذيب والاعتداء الجنسي.
قال جمال الطاهات، وهو مستشار أول في منظمة (DAWN): "مهما كانت الأسس الموضوعية لادعاءات الفساد التي ذكرها المجالي، فليس من حق الحكومة الأردنية مقاضاته وسجنه بسبب تعبيره عن آرائه". وأضاف: "وبدلًا من التحقيق في مزاعم التعذيب والاعتداء الجنسي الخطيرة للغاية، يبدو أن الحكومة الأردنية أكثر تركيزًا على إسكات الآراء المنتقدة مثل رأي المجالي".
الاعتقال والسجن والمحاكمة
اعتقلت قوات الأمن الأردنية عبد الإله المجالي مساء 13 أغسطس/آب 2022، من منزله في عمّان، الأردن، بعد ثلاثة أيام من نشره مقطع فيديو على صفحته على الفيسبوك في 10 أغسطس/آب 2022، زعم فيه إساءة استخدام أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من قبل منظمة أردنية، وادعى أن "مفتشين دوليين" سيأتون إلى الأردن للتحقيق في الأمر.
وفي 12 سبتمبر/أيلول 2022، حكمت محكمة صلح عمّان على المجالي بالسجن لمدة عام بتهم تتعلق بالتعبير، بدعوى أن مزاعمه بالفساد ترقى إلى مستوى "إذاعة أخبار كاذبة للنيل من هيبة الدولة"، و"إهانة دولة أجنبية وممثليها"، و"إثارة النزاع ونشر الفرقة"، و"القدح في سمعة جهة رسمية"، و"نشر معلومات قدحية على الإنترنت"، بموجب المادتين 11 و 15 من قانون الجرائم الإلكترونية الأردني، والمواد 1/132 و 122 و 150 و 191 من قانون العقوبات الأردني.
وتقدّم المجالي باستئناف في اليوم التالي، 13 سبتمبر/أيلول، إلى محكمة عمّان الابتدائية، مدعيًا أن المحكمة الأولى حرمته من حقه في تقديم شهود وشهادة أشخاص، والرد على التهم الموجهة إليه كتابيًا، واستجواب شهود الادعاء. وقال أيضًا أن التحقيق الذي أدى إلى اعتقاله انتهك حقه في الخصوصية لأن ضباط الأمن السيبراني الأردنيين جمعوا المعلومات من صفحته على الفيسبوك دون أي مذكرة أو سبب. ورفضت محكمة الاستئناف استئنافه في 19 سبتمبر/أيلول 2022 وأيدت قرار محكمة صلح عمّان.
ولم تفرج السلطات الأردنية عن المجالي بعد أن أنهى فترة عقوبته بالسجن لمدة عام في 12 سبتمبر/أيلول 2023. وبدلًا من ذلك، وجّهت إليه اتهامات جديدة في مايو/أيار 2023، والتي وفقًا لمصدر فضّل عدم الكشف عن هويته تحدثت إليه منظمة (DAWN) في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشمل "غسل الأموال"، و"تقويض النظام السياسي"، و"المشاركة في شبكة إرهابية"، و"تعكير العلاقات مع دولة عربية"، ولا يزال المجالي مسجونًا في سجن ماركا في عمّان.
قال الطاهات: "لم تكتف السلطات الأردنية بإساءة معاملة المجالي وحكمت عليه بالسجن لمدة عام كامل بتهمة "جرائم" ملفقة بعد محاكمة غير عادلة على ما يبدو، بل يبدو أنها عازمة أيضًا على إبقائه صامتًا من خلال إطالة فترة سجنه". وأضاف: "هذا هو التفسير الوحيد لقيام السلطات الأردنية بتوجيه تهم جديدة وغامضة ضده، استنادًا إلى نفس الادعاءات التي حكمت عليه بها المحكمة بالفعل".
كما اتهمت السلطات الأردنية محامي المجالي فراس الروسان، والناشط كميل الزعبي، بنشر مزاعم المجالي عن التعذيب والانتهاكات على صفحة الزعبي على الفيسبوك. ووفقًا لوثائق القضية التي راجعتها منظمة (DAWN)، اتهمت مديرية الأمن العام الأردني كلا الرجلين بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الأردني بـ "إذاعة أخبار كاذبة" و"التشهير بجهة رسمية"، وقدمت كدليل منشور للزعبي على الفيسبوك في 21 أغسطس/آب 2022 يتحدث عن تفاصيل مزاعم التعذيب التي نقلها المجالي للروسان، ولا تزال محاكمتهما جارية حاليًا.
إنّ الحق في مشاركة المحتوى الذي يمكن اعتباره مسيئًا وانتقاد المسؤولين علنًا هو أمر أساسي لحرية التعبير، كما هو منصوص عليه في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادق عليه الأردن. لكن السلطات الأردنية تواصل المعاقبة على التعبير الذي يعتبر منتقدًا للملك والمسؤولين ومؤسسات الحكومة الأردنية والدول الأجنبية، وغيرها. وحتى لو كانت ادعاءات المجالي بشأن الفساد كاذبة، فلا يوجد أساس قانوني مبرر لسجن أي شخص بسبب خطابه السلمي. وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يعتبر السجن على الإطلاق عقوبة مناسبة للتشهير. إنّ التعويضات المدنية كافية لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعة الأفراد وتحقيق توازن أفضل بين حماية الحقوق الفردية وتعزيز الخطاب العام الصحي.
التعذيب والاعتداء
ويزعم المجالي أن قوات الأمن الأردنية عرّضته للتعذيب الشديد والإساءة والاعتداء الجنسي أثناء احتجازه. وفي مقابلة مع منظمة (DAWN) في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال الروسان، محامي المجالي، أن المجالي وصف له خلال زيارة للسجن في 20 أغسطس/آب 2022، كيف قامت قوات الأمن بتعذيبه وإساءة معاملته بعد اعتقاله ليلة 13 أغسطس/آب في مركز احتجاز مجهول في عمّان، قبل نقله إلى النيابة في صباح اليوم التالي. وقال المجالي للروسان أن قوات الأمن أجبرته على خلع ملابسه وصوّرته عاريًا، واعتدت عليه جنسيًا بإدخال أدوات بلاستيكية أو خشبية في شرجه، وتبوّلوا عليه. ولم يُدرج الروسان، محامي المجالي، مزاعم الانتهاكات هذه في دفاعه، لكن الروسان والزعبي يواجهان حاليًا اتهامات بمناقشة مزاعم الانتهاكات هذه علنًا.
كما أفاد المجالي بوجود تهديدات جسدية ضده وحرمانه من الدواء. وقال للروسان أن حراس الأمن في السجن، خلال الأسبوع الأول من اعتقاله، سمحوا لأحد النزلاء بتهديده بالسكين ومنعوه من الحصول على الدواء والعلاج. وقال مصدر مقرب من المجالي، فضّل عدم الكشف عن هويته خوفًا من انتقام السلطات الأردنية، لمنظمة (DAWN) في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن المجالي قدم شكوى إلى المحكمة في ذلك اليوم، يشكو فيها من أن الطاقم الطبي في سجن ماركا أعطوه بشكل متعمد الدواء الخطأ ليسبب له الأذى. ويتم حاليًا مراجعة الشكوى من قبل المحكمة.
وقال الطاهات: "من الصادم أن المدعي العام الأردني يعاقب الآن محامي المجالي لأنه أثار مزاعم التعذيب. ينبغي على النيابة العامة الأردنية ضمان إجراء تحقيق فوري ومحايد في مزاعم المجالي عن تعرضه للتعذيب على يد مسؤولين حكوميين".
مزاعم الفساد
عمل عبد الإله المجالي في الديوان الملكي الأردني لمدة عشرين عامًا كساعي للبريد في لواء الحرس الملكي حيث كان يقوم بتسليم البريد الملكي على دراجته النارية في جميع أنحاء البلاد. وبعد أن ترك الجيش، أصبح في عام 2012 رئيسًا لواحدة من أقدم المنظمات الثقافية والرياضية غير الربحية في الأردن، "نادي الأردن"، الذي تأسس في عمّان عام 1940. وفي عام 2018، أنشأ نادي الأردن شراكة مع مؤسسة "إرث الأردن"، وهي منظمة أردنية غير ربحية تأسست عام 2014 تعمل على تعزيز التراث الأردني. وبحسب المجالي، نصت الاتفاقية على أن يستضيف نادي الأردن أنشطة مؤسسة إرث الأردن، واستخدمت مؤسسة إرث الأردن تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإنشاء مطعم تقليدي، مطعم إرث الأردن، في غرب عمّان.
ويزعم المجالي أن مؤسسة إرث الأردن لم تكن مؤهلة لتلقي مثل هذا التمويل. ووفقًا لشكوى مقدمة نيابة عنه من أحد معارفه إلى مكتب المفتش العام الأمريكي في 6 مايو/أيار 2022 ("شكوى بخصوص الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية")، استخدمت مؤسسة إرث الأردن أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشكل غير لائق لفتح "مطعم فاخر من فئة الخمس نجوم" في 15 مايو/أيار 2018، حيث استضافة ضيوف بارزين، مثل الوزراء الأردنيين السابقين والحاليين والمسؤولين التنفيذيين في الهيئات الحكومية الأردنية وأفراد من العائلة المالكة. وقال المجالي أيضًا إنه التقى وناقش القضية مع ممثلي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الأردن لم يذكر أسماءهم، وأثار القضية مع مديرية المخابرات العامة الأردنية وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد الأردنية في عام 2019.
وبعد عدم تلقي أي رد من الهيئتين، استمر المجالي في إثارة الموضوع علنًا. ونشر مقطع فيديو على صفحته على الفيسبوك في 10 أغسطس/آب 2022، موجهًا خطابه إلى دافعي الضرائب الأمريكيين لإبلاغهم بأن مؤسسة إرث الأردن كانت تنهب المساعدات المالية الأمريكية للأردن. وأزال الفيسبوك مقطع فيديو المجالي في مناسبتين، عندما نشره المجالي لأول مرة، ومرة أخرى عندما أعاد صديقه نشره بينما كان المجالي في السجن، على ما يبدو بعد أن ادعى شخص ما ملكيته.
وفي السنوات الأخيرة، استهدفت السلطات الأردنية النشطاء السياسيين ونشطاء مكافحة الفساد لانتقادهم فساد الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في الأردن. واعتمدت السلطات على قانون الجرائم الإلكترونية لإسكات هؤلاء النشطاء وحرمانهم من حقهم في حرية التعبير. العديد من التهم الموجهة بموجب قانون الجرائم الإلكترونية مصاغة بشكل فضفاض وغامض، مثل "إهانة الملك" أو "تقويض النظام السياسي".
ويعد الأردن ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية، حيث يحصل على 1.45 مليار دولار سنويًا للسنوات المالية 2023-2029، بموجب مذكرة تفاهم أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية. ويشمل ذلك 425 مليون دولار من المساعدات العسكرية، وما لا يقل عن 845 مليون دولار من دعم الميزانية، و475 مليون دولار من "التحويلات النقدية المباشرة إلى الميزانية"، وهو ما يدعم بشكل فعال أعمال الدكتاتورية الملكية دون قيود قانونية أو دستورية.