لقد كان الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة، ردًا على الهجوم الذي قامت به حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واسع النطاق ووحشي بطريقة لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية. فمن العدد المذهل من المدنيين بين القتلى—أكثر من 70 في المئة منهم من النساء والأطفال، وفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين—إلى الحصار الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية الحيوية في المنطقة المحاصرة، والذي أدى إلى تجويع جماعي والآن مجاعة حقيقية، تستحضر الحرب في غزة أهوال عصر آخر.
ووفقًا لتقرير جديد نُشر هذا الأسبوع في مجلة لانسيت الطبية البريطانية المرموقة، فإن حصيلة القتلى في غزة قد تصل إلى 186,000 شخص. وهذا الرقم المروع، الذي يمثل نحو 8 في المئة من سكان غزة، يمثل "وفيات غير مباشرة" ناجمة عن نقص حاد في الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الطبية، نظرًا للقدر الهائل من البنية الأساسية للرعاية الصحية في غزة التي دمرها القصف الإسرائيلي. ذكر كاتبو التقرير رشا الخطيب ومارتن ماكي وسليم يوسف أنه: "في الصراعات الأخيرة، تتراوح مثل هذه الوفيات غير المباشرة من ثلاثة إلى خمسة عشر ضعف عدد الوفيات المباشرة. وبتطبيق تقدير متحفظ لأربع وفيات غير مباشرة لكل وفاة مباشرة على 37,396 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها، فمن غير المستبعد أن نقدر أن ما يصل إلى 186,000 أو حتى أكثر من الوفيات يمكن أن تُعزى إلى الصراع الحالي في غزة".
لقد شهد عمال الإغاثة الأجانب الأهوال في غزة بشكل مباشر—وكانوا أيضًا في مرمى النيران. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل حوالي 500 عامل صحي، وهو رقم غير مسبوق أيضًا في الصراعات الحديثة. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، استهدفت قوات الدفاع الإسرائيلية عمدًا عمال الإغاثة في غزة، بما في ذلك الغارات الجوية على قافلة من مركبات "مطبخ وورلد سنترال" في الأول من أبريل/نيسان، والتي قتلت سبعة عمال إغاثة.
منظمة أطباء بلا حدود هي واحدة من أكثر منظمات الإغاثة نشاطًا في غزة. لقد عمل طاقمها الطبي بلا كلل لعلاج الفلسطينيين في ظروف لا يمكن تصورها ولإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتعرضت مباني وقوافل أطباء بلا حدود للهجوم 26 مرة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و14 مايو/أيار، وفقًا للمنظمة. كما اضطر عمال منظمة أطباء بلا حدود ومرضاهم إلى مغادرة 12 منشأة صحية مختلفة خلال تلك الفترة، بسبب الهجمات التي شنها عليهم الجيش الإسرائيلي.
آني ثيبولت هي عاملة إغاثة كندية كانت متمركزة في غزة كمديرة إدارية لبرنامج الطوارئ الطبية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود من فبراير/شباط إلى مارس/آذار من هذا العام. تحدثت إلى مجلة الديمقراطية في المنفى عن الوضع المزري على الأرض في غزة عندما كانت هناك إلى أن غادرت. وقالت: "دافعي للقيام بالعمل الإنساني بسيط. أعتبره مسؤوليتي. هذه ليست حرب على شخص آخر. ما يحدث في غزة يحدث لنا جميعًا".
تم تحرير النص التالي بشكل طفيف من أجل الإيضاح وملاءمة طول المادة.
بالنسبة لأي شخص ليس في غزة أو لم يزرها، فمن المستحيل تقريبًا أن يدرك مدى خطورة الوضع هناك. مستوى العنف هناك لا يمكن تصوره.
- آني ثيبولت
كيف تلخصين تجربتكِ في قطاع غزة؟ ما هو شعوركِ السائد تجاه الوضع هناك؟
بدت تجربتي في غزة وكأنها من عالم آخر، وأعني كل كلمة قلتها هنا. إنّ ما يحدث هناك لا ينتمي إلى هذا الواقع. كنت أتمنى أن يكون ما سمعته ورأيته شيء من الخيال، ولكن للأسف، إنه يتكشف على وجه الأرض.
بالنسبة لأي شخص ليس في غزة أو لم يزرها، فمن المستحيل تقريبًا أن يدرك مدى خطورة الوضع هناك. الوضع هناك بالفعل سيئ كما تنقله وسائل الإعلام. ومستوى العنف هناك لا يمكن تصوره.
عندما عملتُ هناك لمدة شهر، كان كل يوم أشبه بالعمل المبرمج. تركز فقط على العمل الذي يجب القيام به وواجباتك هناك. وعندما تغرق في الحرب، تنسى تقريبًا مدى غرابة سماع الصواريخ طوال اليوم. حتى عندما كانت المباني تهتز، لم أكن خائفة حتى ولو لمرة واحدة. بالكاد أستطيع تفسير هذه الظاهرة، لكننا نصبح مخدّرين. مخدّرين تجاه شيء لا ينبغي لنا أبدًا أن نعتاد عليه—ناهيك عن أولئك الذين عانوا منه لشهور. عندما خرجتُ من الجانب المصري من رفح، صُدمت بالظلم والعبثية في كل شيء وأنا أنظر خلفي إلى الموت والدمار.
يواجه الناس ظروفًا غير إنسانية وقد تحملوا هذا الوضع لفترة أطول مما ينبغي. بالنسبة للشعب الفلسطيني في غزة، فإن كل يوم يمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو كابوس يتعين عليهم فيه القيام بأشياء لا يمكن تصورها للبقاء على قيد الحياة. كل يوم يمر يضطرون إلى مشاهدة الإبادة الجماعية وإبادة شعبهم وأرضهم وثقافتهم.
إنّ شعوري السائد تجاه الوضع هناك هو الحزن الشديد والعجز. يقول الناس هنا [في كندا] إنهم يشعرون بالعجز تجاه الوضع في غزة. أستطيع أن أقول أنه حتى عندما تكون هناك في الميدان، وتساهم بقدر الإمكان في استعادة بعض الخدمات الصحية، إلا أنك لا تزال تشعر بالعجز—ولا تزال تتمنى لو كان بوسعك أن تفعل المزيد.
من تجربتكِ الشخصية، كيف تقارنين الوضع الطبي والإنساني بالصراعات الأخرى؟
لقد عملتُ لعدة أشهر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وشرق تشاد، وغطيتُ السياقات التي دمرتها الصراعات. وفي حين أن كل صراع فريد من نوعه، إلا أن عدم احترام القانون الدولي وحجم انتهاكات المجال الإنساني غير مسبوق تقريبًا في غزة. يتم إعاقة المساعدات بشكل كبير، ومن الواضح أنه يكاد يكون من المستحيل العمل هناك.
لمدة ثمانية أشهر، هاجمت القوات الإسرائيلية قوافل منظمة أطباء بلا حدود، واحتجزت الموظفين ودمرت مركبات منظمة أطباء بلا حدود. كما تعرضت المستشفيات للقصف والغارات، ما أدى إلى مزيد من عرقلة جهود الإغاثة. وقُتل ما يقرب من 500 عامل صحي في غزة، بما في ذلك خمسة من زملائنا في أطباء بلا حدود. لقد تعرضت منظمة أطباء بلا حدود وحدها للهجوم عشرين مرة.
إنّ الوضع في غزة مزرٍ للغاية، ولن يؤدي أي شيء أقل من وقف إطلاق النار الكامل والشامل إلى تحسين الوضع الإنساني. ولن يتأتى ذلك من مجرد تحسين تدفق المساعدات، أو إعادة فتح الحدود، أو إيجاد "هدنة إنسانية".
- آني ثيبولت
هناك قصص كثيرة عن المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية والإمدادات الطبية، التي منعها جيش الدفاع الإسرائيلي وحتى المدنيين الإسرائيليين في طريقها إلى غزة. إلى أي مدى كانت الإمدادات الطبية غير كافية، وكيف أثر هذا على عملكم وعمل الخدمات الطبية الأخرى؟
في الوقت الذي نتحدث فيه، لم تتمكن منظمة أطباء بلا حدود من جلب أي إمدادات طبية إلى غزة منذ نهاية أبريل/نيسان. وهذا النقص له آثار ملموسة للغاية، فقد اضطرت منظمة أطباء بلا حدود بالفعل إلى إغلاق نقطة صحية لعدة أيام بسبب نقص الأدوية. والمخزون منخفض للغاية لدرجة أن المنظمة قد تضطر إلى وقف أو تقليص بعض أنشطتها الطبية في غزة.
حتى الإمدادات الطبية الأساسية، مثل مسكنات الألم أو الشاش، تعاني من نقص حاد. أنا لست متخصصة طبية، لذلك لم أواجه هذه التحديات بشكل مباشر، ولكن يمكنني أن أنقل بعض شهادات زملائي. هذا النقص يجبر المتخصصين الطبيين على مواقف مؤلمة، حيث يتعين عليهم تحديد المريض أو الإصابة التي يجب إعطاؤها الأولوية. إنهم مجبرون على مشاهدة معاناة لا داعي لها مثل المرضى الذين يخضعون لعمليات البتر أو العمليات الجراحية بدون تخدير. بالنسبة لهؤلاء الأفراد المؤهلين، فإن مثل هذه الموقف مدمرة ولها وقع شخصي كبير. إنه مثل أن تطلب من رجل إطفاء أن يشاهد منزلًا يحترق دون أن تقدم له خرطوم مياه.
لا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية على مدى خطورة الافتقار إلى خدمات الرعاية الصحية في غزة. تنتشر الأمراض ويعاني الناس من جروح فظيعة وفظيعة جدًا. في بعض الحالات، يعانون من إصابات يمكنهم في وضع طبيعي التعافي منها بسهولة إذا أتيحت لهم إمكانية الوصول إلى العلاج وإعادة التأهيل. ومن المؤسف أنه نظرًا لعدم توفر هذه الخدمات، فإن الإصابات القابلة للعلاج تصبح إعاقات مدى الحياة. الضرر حقيقي وطويل الأمد. وسوف يستمر لفترة أطول من هذه الحرب.
إنّ ما وراء الخسائر التي تتصدر عناوين الصحف، هناك أعداد لا حصر لها من الأرواح تُزهق بسبب حالات صحية غير معالجة مثل الأمراض المزمنة والسرطان وسوء التغذية وغير ذلك من الأسباب التي يمكن الوقاية منها. كما مات الآلاف من الناس بسبب نقص الرعاية الطبية. وربما لم يكونوا ليتعرضوا للقصف بالصواريخ أو الرصاص، وكان من الممكن إنقاذ حياتهم لو لم تكن غزة في حالة حرب.
ما الذي ينبغي عمله لتحسين الوضع الإنساني في غزة من وجهة نظركِ؟
إنّ الوضع في غزة مزرٍ للغاية، ولن يؤدي أي شيء أقل من وقف إطلاق النار الكامل والشامل إلى تحسين الوضع الإنساني. ولن يتأتى ذلك من مجرد تحسين تدفق المساعدات، أو إعادة فتح الحدود، أو إيجاد "هدنة إنسانية". إنّ وقف إطلاق النار الكامل والشامل هو الحل الوحيد. وأي شيء أقل من ذلك لن يكون سوى علاج جزئي.