أنتوني لوينشتاين صحفي مستقل ومؤلف وصانع أفلام ومؤسس مشارك لمجلة Declassified Australia. وقد كتب في الجارديان ونيويورك تايمز ونيويورك ريفيو أوف بوكس والعديد من المواقع الأخرى. صدر للتو كتابه الجديد "مختبر فلسطين: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم".
ان هدفي في كتاب "مختبر فلسطين" هو إظهار الكيفية التي يتم فيها تصدير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى العالم. تُباع الأدوات والتقنيات التي تستخدمها إسرائيل لقمع الفلسطينيين إلى أكثر من 130 دولة حول العالم. تكنولوجيا القمع والمراقبة، من برامج التجسس إلى أدوات التعرف على الوجه، "يتم اختبارها" في فلسطين ومن ثم يتم تسويقها في دول من مختلف أنحاء العالم، حيث تريد الكثير من تلك الدول قمع شعوبها غير المرغوب فيهم، من الصحفيين إلى العاملين في مجال حقوق الإنسان والمعارضين إلى النقاد. لقد كتبتُ هذا الكتاب كتحقيق وتحذير لتذكير الناس بأن الاحتلال الإسرائيلي لا يعامل الفلسطينيين بوحشية فحسب، بل يجد طريقه أيضًا إلى عدد كبير من البلدان الأخرى.
*
ملاحظة المحرر: ما يلي مقتبس من كتاب "مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم"، والذي تم نشره مؤخرًا من قبل دار فيرسو.
يجب أن يكون قتل أو إصابة الفلسطينيين بنفس سهولة طلب البيتزا. كان هذا هو المنطق وراء تطبيق صممه الجيش الإسرائيلي في عام 2020 والذي يسمح لقائد في الميدان بإرسال تفاصيل حول هدف على جهاز إلكتروني إلى القوات التي ستقوم بعد ذلك بالقضاء على هذا الفلسطيني بسرعة. قال العقيد الذي يعمل في هذا المشروع، أورين ماتسلياش، لموقع الدفاع الإسرائيلي أن الضربة ستكون "مثل طلب كتاب على موقع أمازون أو بيتزا في مطعم بيتزا باستخدام هاتفك الذكي".
هذا النوع من التجريد من الإنسانية هو نتيجة حتمية لاحتلال لا نهاية له. وهو أيضًا من أصول التصدير. إنّ ما يجذب أعدادًا متزايدة من الأنظمة الحاكمة على مستوى العالم هو تعلم كيف تفلت إسرائيل من مثل هذا التطهير السياسي. تم تكييف هذا المصطلح في قضية إسرائيل/فلسطين من قبل الباحث الإسرائيلي الراحل وأستاذ علم الاجتماع باروخ كيمرلنغ، الذي قال في عام 2003 أن سياسة إسرائيل الداخلية والخارجية "موجهة إلى حد كبير نحو هدف رئيسي واحد: التطهير السياسي للشعب الفلسطيني. أعني بالتطهير السياسي عملية هدفها النهائي تفكيك وجود الشعب الفلسطيني ككيان اجتماعي وسياسي واقتصادي شرعي. قد تشمل هذه العملية أيضًا، ولكن ليس بالضرورة، التطهير العرقي الجزئي أو الكامل من الأراضي المعروفة باسم أرض إسرائيل".
جاءت لحظة نادرة من الصدق السياسي الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 عندما قال النائب الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، زعيم الحزب الصهيوني الديني وحليف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في الكنيست للأعضاء العرب: أنتم هنا فقط عن طريق الخطأ، لأن [رئيس الوزراء المؤسس ديفيد] بن غوريون لم يُتم عمله، ولم يطردكم في عام 48 ". لقد كان اعترافًا بأن التطهير العرقي حدث في عام 1948، وإن كان من قبل أحد أكثر السياسيين الإسرائيليين عنصرية وإرهابًا.
إنها ليست وجهة نظر جديدة. في الواقع، هي أيديولوجية الدولة منذ عام 1948. كشفت الوثائق التي رُفعت عنها السرية من أرشيف دولة إسرائيل في عام 2021 أن المواقف تجاه الفلسطينيين لم تتغير كثيرًا منذ أربعينيات القرن الماضي. لقد كانت السياسة الرسمية، على الأقل بين بعض النخب العسكرية والسياسية في البلاد، هي طرد العرب قسرًا إلى البلدان المجاورة طوال فترة وجود الدولة. قال رؤوفين ألوني، نائب المدير العام لدائرة أراضي إسرائيل، خلال اجتماع عام 1965 أن الهدف المثالي هو "التبادل السكاني". كان متفائلًا "بأنه سيأتي يوم، بعد عشرة أو خمسة عشر أو عشرين سنة أخرى، يكون فيه وضع من نوع معين، حرب أو شيء يشبه الحرب، يكون الحل الأساسي فيه هو نقل العرب. أعتقد أننا يجب أن نفكر في هذا كهدف نهائي".
هذا النوع من التجريد من الإنسانية هو نتيجة حتمية لاحتلال لا نهاية له. وهو أيضًا من أصول التصدير. إنّ ما يجذب أعدادًا متزايدة من الأنظمة الحاكمة على مستوى العالم هو تعلم كيف تفلت إسرائيل من مثل هذا التطهير السياسي.
- أنتوني لوينشتاين
اعترف يهوشوا فيربين، قائد الحكومة العسكرية التي حكمت المواطنين العرب بين عامي 1948 و 1966، بحدوث تطهير عرقي في عام 1948. فقد قال: "لقد طردنا حوالي نصف مليون عربي، وأحرقنا منازلهم، ونهبنا أراضيهم— من وجهة نظرهم— ولم نُعدها لهم، أخذنا الأرض…". كان "الحل" المقدم، آنذاك والآن، مشابهًا بشكل مخيف لأطروحة كيمرلنج، إما أن تجعلوا العرب يختفون، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا اجعلوهم غير متساوين مع المواطنين الآخرين على أمل أن يهاجروا باختيارهم من أجل حياة أفضل في مكان آخر. كان بإمكان كيمرلنج أن يضيف أن التطهير السياسي أصبح أداة يمكن تسويقها في جميع أنحاء العالم للدول والمسؤولين الذين يريدون محاكاة "النجاح" الإسرائيلي.
في عام 2002، أوضح المؤرخ العسكري الإسرائيلي مارتن فان كريفيلد على التلفزيون الأسترالي ما اعتبره المعضلة التي تواجهها الدولة اليهودية:
إنهم [الجنود الإسرائيليون] أناس شجعان جدًا… إنهم مثاليون… يريدون خدمة بلدهم ويريدون إثبات أنفسهم. المشكلة هي أنك لا تستطيع إثبات نفسك ضد شخص أضعف منك بكثير. إنهم في وضع خاسر. إذا كنت قويًا وتقاتل الضعيف، فإنه إذا قتلت خصمك فأنت وغد… وإذا سمحت له بقتلك، فأنت غبي. إذن فهذه معضلة عانى منها الآخرون من قبلنا، والتي لا مفر منها بحسب ما أرى. لم يكن الجيش الإسرائيلي هو الأسوأ بأي حال من الأحوال. لم يفعل ما فعله الأمريكيون في فيتنام على سبيل المثال.. لم يستخدم مادة النابالم، ولم يقتل الملايين من الناس. لذلك كل شيء نسبي، ولكن بحكم التعريف، وللعودة إلى ما قلته سابقًا إذا كنت قويًا وتحارب الضعيف، فعندئذ أي شيء تفعله هو إجرامي.
لم يكن فان كريفيلد مخطئًا من الناحية الواقعية، لكنه قّلل من مدى جاذبية أيديولوجية الهيمنة بعد أكثر من سبعة عقود من الاحتلال. عملت صناعة الأمن الداخلي في إسرائيل على تحويل أدواتها واستراتيجيتها إلى نقود بشكل فعال، حيث أظهرت بأمثلة تم اختبارها في المعركة كيف كان الإيمان بالفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإبقائهم بعيدين عن بعضهم البعض، طالما سيطر الأخير على الأول، هو الحل على المدى القصير إلى المتوسط. يقول كيمرلنج أن الداعين للفصل يريدون "عكس التطهير العرقي ولكن سيكون له نفس النتيجة العملية والنفسية. إنه متجذر في مزيج من المشاعر المتشابكة: عدم الثقة والخوف وكراهية العرب، إلى جانب الرغبة في إخراج إسرائيل من محيطها الثقافي المباشر".
سياسة الفصل هي الأيديولوجية الصاعدة في التيار الإسرائيلي السائد. قال المؤرخ الإسرائيلي البارز بيني موريس لرويترز في 2020 أن إخفاء الفلسطينيين عن الأنظار حل مثالي لليهود الإسرائيليين. وقال: "الإسرائيليون ابتعدوا عن الفلسطينيين. إنهم يريدون أقل قدر ممكن من العمل معهم، ويريدون أقل عدد ممكن منهم حولهم، والجدار [الفاصل] [بين إسرائيل والضفة الغربية] يساعد على ظهور هذا الوضع".
ألقى موريس باللوم في ذلك على حملة التفجيرات الانتحارية الفلسطينية خلال الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و 2005 والتي قُتل فيها أكثر من 3,100 فلسطينيًا و 1,038 إسرائيليًا، واعتُقل 6,000 فلسطينيًا، وتم تدمير 4,100 منزل فلسطيني.
طريقة أخرى لرؤية سياسة الفصل كانت فكرة يطرحها المستوطن في الضفة الغربية ميكا غودمان، الذي ورد أنه كان يتمتع بأذن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت عندما تولى السلطة في عام 2021. كانت رؤية غودمان هي "تقليص الصراع". فقد أوضح للقناة الإعلامية (NPR) أن "معظم الإسرائيليين يشعرون أنه إذا بقينا في الضفة الغربية، فلن يكون لنا مستقبل، وإذا غادرنا الضفة الغربية، فلن يكون لنا مستقبل. معظم الإسرائيليين محاصرون في هذه المعضلة". ولحل هذا اللغز، ولأنه من غير المرجح أن يتم حل "الصراع" مع الفلسطينيين قريبًا، قال غودمان أن إسرائيل يمكن أن "تبدأ في تقليص الصراع في خطوات تقلص الاحتلال دون تقليص الأمن، ما يعني تقليص مقدار سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين دون زيادة المقدار الذي يمكن أن يهدد الفلسطينيون الإسرائيليين به". ما يعنيه هذا عمليًا هو الحفاظ على الوضع الراهن.
المثال الأكثر فاعلية على سياسة الفصل هو محاصرة غزة، حيث يتم محاصرة أكثر من مليوني فلسطيني خلف أسوار عالية، تحت المراقبة المستمرة بطائرات بدون طيار، وهجمات صاروخية في فترات مختلفة، وحدود مغلقة إلى حد كبير تفرضها إسرائيل ومصر. وعندما أكملت إسرائيل الجدار البالغ طوله خمسة وستين كيلومترًا على طول الحدود مع غزة بأكملها في أواخر عام 2021، بتكلفة 1.11 مليار دولار، أُقيمت فعالية في جنوب إسرائيل للاحتفال بهذه المناسبة. وصفت صحيفة هآرتس الجدار بأنه "نظام هندسي وتكنولوجي معقد: الوحيد من نوعه في العالم" الذي احتاج إلى مساعدة في البناء من أوروبا.
في عام 2002، قبل ثلاث سنوات من قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بسحب تسعة آلاف مستوطن يهودي من غزة، تنبأ المؤرخ الإسرائيلي فان كريفيلد بالرؤية: "[الحل الوحيد] هو بناء جدار بيننا وبين الطرف الآخر، طويل جدًا لدرجة أن لا يمكن للطيور أن تطير فوقه… لتجنب أي نوع من الاحتكاك لفترة طويلة في المستقبل… يمكننا إنهاء المشكلة رسميًا، على الأقل في غزة، خلال 48 ساعة، من خلال بناء جدار مناسب. وبعد ذلك بالطبع، إذا حاول أي شخص التسلق فوق الحائط، فإننا نقتله".
غزة الآن هي المختبر المثالي للبراعة الإسرائيلية في الهيمنة. إنه الحلم الإثني القومي النهائي، وهو إبقاء الفلسطينيين محاصرين إلى أجل غير مسمى. تم بناء الجدار حول المنطقة لأول مرة في عام 1994 وخضع لمجموعة من التحسينات منذ ذلك الحين (على الرغم من تدميره من قبل الفلسطينيين في عام 2001). اليوم تم وضع سكانه في تجربة سيطرة قسرية حيث يتم اختبار أحدث التكنولوجيا والتقنيات. ومع ذلك، فإن ما يحدث في غزة يحدث بشكل متزايد على مستوى العالم. فقد قالت المهندسة المعمارية الفلسطينية يارا شريف أنه "يتم إضفاء الطابع الفلسطيني على المدن في جميع أنحاء العالم. إنه يحدث عن طريق التدمير والمحو، وأيضًا مع تغير مناخي دراماتيكي".
كان القصف الإسرائيلي لغزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والذي أُطلق عليه عملية عمود السحاب، حربًا استمرت سبعة أيام أسفرت عن مقتل 174 فلسطينيًا و 6 إسرائيليين وإصابة آلاف آخرين. وفي حين أن عدد القتلى في تلك العملية كان منخفضًا نسبيًا، فقد شهدت عملية الرصاص المصبوب الإسرائيلية في عام 2008 وأوائل عام 2009 مقتل 1,400 من سكان غزة. شهد هذا الصراع ثورة في كيفية تصوير الجيش الإسرائيلي للحرب عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة. وبسبب القلق من أن الرأي العام في بعض الدول الغربية كان ينقلب ضد الأعمال العسكرية الإسرائيلية، كان ما يسمى موقع (instawar) مشروعًا منسقًا لنشر عمليات عسكرية ورسوم بيانية على تويتر مباشرة، تم إنتاجها للإعلان بفخر عن مقتل أعضاء من حماس أو اعتقال "الإرهابيين" الفلسطينيين. كانت هذه الإنتاجات أحيانًا تشبه أفلام أكشن على غرار هوليوود بميزانية كبيرة.
هدفت إستراتيجية وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية إلى إشراك داعمين محليين وعالميين لمهماتها العسكرية. من خلال القيام بذلك، ومن خلال مطالبة الداعمين بنشر تغريداتهم الداعمة أو منشورات على الفيسبوك أو صور على الإنستغرام، أنشأ الجيش الإسرائيلي مهمة جماعية يمكن للدول الأخرى تقليدها بسهولة عن طريق إثارة الحماسة القومية على الإنترنت. خلال عملية "عمود السحاب"، شجع الجيش الإسرائيلي أنصار إسرائيل على المشاركة بفخر عند قتل "إرهابيين" وفي نفس الوقت يذكّر الجمهور العالمي بأن الدولة اليهودية كانت ضحية. لقد كان ذلك شكلًا من أشكال التجنيد الجماعي للقضية من خلال تسليح وسائل التواصل الاجتماعي.
كانت هذه حربًا مشهودة، وكان الجيش الإسرائيلي ينفق الكثير لتحقيقها. سمحت ميزانية الجيش الإسرائيلي المخصصة لوسائل الإعلام لضباط و 2,000 جندي على الأقل بتصميم ومعالجة ونشر الدعاية الإسرائيلية الرسمية، وغمرت محتويات الجيش الإسرائيلي كل وسائل التواصل الاجتماعي تقريبًا.
اليوم، تعرض صفحة الإنستغرام الخاصة بالجيش الإسرائيلي بانتظام رسائل مؤيدة للمثليين والنسوية إلى جانب أيقونتها العسكرية المتشددة. في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021، نشر الجيش الإسرائيلي عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لمقره بإضاءة وردية مكتوب فيها: لأولئك الذين يحاربون، ولأولئك الذين وافتهم المنية، ولأولئك الذين نجوا، يضيء لكم مقر الجيش الإسرائيلي باللون الوردي في #الشهر_العالمي_للتوعية_بسرطان_الثدي". ورد الناشط الفلسطيني الأمريكي يوسف منير على تويتر: "هناك عدد لا يحصى من النساء في غزة يعانين من سرطان الثدي ويُحرمن بشكل روتيني من العلاج المناسب والرعاية المنقذة للحياة في الوقت المناسب لأن هذا الجيش يفرض حصارًا وحشيًا ضد أكثر من مليوني روح". ومع ذلك، أشادت معظم التعليقات الموجودة أسفل المنشور على حساب الإنستغرام الخاص بالجيش الإسرائيلي.
غزة الآن هي المختبر المثالي للبراعة الإسرائيلية في الهيمنة. إنه الحلم الإثني القومي النهائي، وهو إبقاء الفلسطينيين محاصرين إلى أجل غير مسمى.
- أنتوني لوينشتاين
يتم الآن نسخ هذا النوع من استراتيجية حرب المعلومات لجيش الدفاع الإسرائيلي بشكل روتيني من قبل الجيش الأمريكي. فقد أطلقت وكالة المخابرات المركزية (CIA) حملة على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان "بشر وكالة المخابرات المركزية" (Humans of CIA) في عام 2021 تهدف إلى التجنيد من مجتمعات أكثر تنوعًا في صفوفها. بدت الحملة وكأنها مستلهمة بشكل كبير من حملة الجيش الإسرائيلي الحماسية. من بين أكثر الحملات التي تمت مناقشتها (والسخرية منها)، مع الأخذ في الاعتبار دور وكالة المخابرات المركزية في زعزعة استقرار الحكومات والإطاحة بها منذ الحرب العالمية الثانية. كان مقطع فيديو لضابطة مخابرات من أصل لاتيني تقول: "أنا من جيل متوافقي الجنس، وقد تم تشخيصي باضطراب القلق العام. لدي تقاطعات عديدة، لكن وجودي ليس أمرًا روتينيًا. اعتدتُ أن أعاني من متلازمة عدم الشعور بالنجاح، لكن في سن السادسة والثلاثين أرفض استيعاب الأفكار الأبوية المضللة عما يمكن للمرأة أو يجب عليها القيام به".
استراتيجية إسرائيل لوسائل التواصل الاجتماعي هي محاولة معقدة لربط عمليات الدولة اليهودية بالقيم الغربية، أو على الأقل تلك السياسات التي تدعم الرد العسكري على الإرهاب (أو المقاومة، اعتمادًا على وجهة نظرك)، على أمل نشرها إلى الجماهير العالمية. قال المقدم (المتقاعد) أفيتال ليبوفيتش، مؤسس وحدة وسائل التواصل الاجتماعي في جيش الدفاع الإسرائيلي ومدير اللجنة اليهودية الأمريكية في إسرائيل، خلال عملية الجرف الصامد عام 2014: "وسائل التواصل الاجتماعي هي منطقة حرب بالنسبة لنا هنا في إسرائيل". كانت معركة استمرت سبعة أسابيع بين إسرائيل وحماس أسفرت عن مقتل أكثر من 2,250 فلسطينيًا، العديد منهم مدنيون، من بينهم 500 طفل، و 70 إسرائيليًا، معظمهم من الجنود.
الهدف غير المعلن لاستراتيجية المعلومات للجيش الإسرائيلي هو تسليح الصدمات اليهودية في خدمة تكريس الاحتلال. من خلال عدد لا يحصى من المنشورات والصور، يعتقد الجيش الإسرائيلي أن تسليط الضوء على التضحيات التي تقدمها إسرائيل في معاركها التي لا تنتهي مع الفلسطينيين هي طريقة رابحة. وفقًا لهذا المنطق، لا يحق للفلسطينيين أن يغضبوا من محنتهم، كما أن صدماتهم غير موجودة. وهكذا أصبحت مقاومة الاحتلال غير شرعية. تروق إيديولوجية الرسائل هذه لدول أخرى، معظمها لا تستطيع مضاهاة إسرائيل في السرعة والتطور، في حروبها مع المتمردين أو المعارضين المحليين. التكتيك هو نفسه دائمًا: الرد السلبي على تغريدة أو منشور على الفيسبوك يتم تلقيه بشكل سيئ هو ببساطة المزيد من المنشورات والتغريدات، بهدف إغراق الإنترنت بالكثير من الضجيج بحيث يتم نسيان المنشورات الأولية بسرعة.
وجدت دراسة شاملة في عام 2021 لحملة عملية الجرف الصامد على وسائل التواصل الاجتماعي قامت بها ماريسا ترامونتانو، وهي عالمة اجتماع في كلية جون جاي للعدالة الجنائية، أن الجيش الإسرائيلي استخدم عددًا كبيرًا من الأدوات المرئية والمكتوبة لتبرير أفعاله في غزة والضفة الغربية. كتبت ترامونتانو: "تؤسس إسرائيل نفسها، جزئيًا من خلال خطابها المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، كجزء من تحالف الهيمنة المعادية للإسلام الذي يضع إسرائيل على أنها الجبهة الشرقية في "حرب الولايات المتحدة العالمية على الإرهاب".
كان هناك أمل عند ولادة الثورة الرقمية في أن القدرة على تصوير ونشر الصور ومقاطع الفيديو للانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين قد تساعد القضية الفلسطينية. ليس هناك شك في أن الوعي العالمي بالاحتلال قد ارتفع، وأن هذا قد ساعد جزئيًا في الرؤية الواقعية غير المعدلة لتفاعل الفلسطينيين مع المستوطنين أو الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، هناك أيضًا مجموعة كبيرة من الأدلة على أن الصور المرئية القاسية قد تم اختيارها من قبل الدولة الإسرائيلية لإنكار حقيقة ما يقول الفلسطينيون إنهم يمرون به. يزعم الإسرائيليون أن الفلسطينيين يكذبون بشأن ظروفهم على الرغم مما نراه جميعًا. إنّ القدرة على رؤية الفظائع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منعدمة لدى الأشخاص الذين لا ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم بشر، وإنما مجموعة عرقية تستحق العقاب والموت. ومع تحرك السكان الإسرائيليين إلى اليمين، فإن الانزعاج الأخلاقي نادر الحدوث.
يدرك محاربو إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي أن ربط مهمتهم بنضالات واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول هو أمر حيوي لكسب التعاطف والدعم. تقول ترامونتانو: "إنّ ما يسمى بتهديد الإرهاب الفلسطيني يشكل عنصرًا رئيسيًا في سرديات الصدمة الإسرائيلية—وهو تهديد يومي يضاف إلى الصدمات متعددة الأجيال بسبب المنفى والإبادة الجماعية".
وبشكل أكثر تحديدًا، يتم تقديم أفعال إسرائيل على أنها أخلاقية وقانونية، ويتم تفسير محنة الدولة الحالية في ضوء الماضي المأساوي لإسرائيل. ثم تربط صور الدمار في مدينة نيويورك مباشرة العمليات العسكرية الإسرائيلية بالرد العسكري الأمريكي على "صدمة" أحداث 11 سبتمبر/أيلول. بالمقابل، يتم تصوير حماس على أنها عدو همجي وغير عقلاني وليس له أي مطالبات مشروعة بالصدمة، مثل الكثير من السرديات عن تنظيمات القاعدة وداعش وما شابه ذلك.
أدخل الجيش الإسرائيلي أسلحة جديدة وعرضها أمام وسائل الإعلام الدفاعية المختلفة خلال حرب غزة 2014. تم التحدث عن التكنولوجيا، على الرغم من أن المصطلح الأكثر دقة هو الإعلان عنها، في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، وتضمنت القنابل وقذائف الدبابات وطائرة (Elbit Hermes) بدون طيار. وبعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب، عرض المؤتمر السنوي لأنظمة إسرائيل للطائرات بدون طيار، وهو حدث استضافته السفارة الأمريكية في تل أبيب للأسواق المحتملة في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، بعض الأسلحة المستخدمة في صراع غزة، بما في ذلك طائرة (Elbit) بدون طيار.
تم اختبار التجربة الإسرائيلية التالية على أرض الواقع خلال مسيرة العودة الكبرى، عندما احتج سكان غزة إلى جانب السياج مع إسرائيل. وبدءًا من مارس/آذار 2018، اكتسبت المسيرة اهتمامًا عالميًا هائلًا حيث طالب الفلسطينيون سلميًا بإنهاء الحصار المفروض على غزة والحق في العودة إلى الأراضي التي سرقتها إسرائيل. بين مارس/آذار 2018 وديسمبر/كانون الأول 2019، قُتل 223 فلسطينيًا، معظمهم من المدنيين، وأصيب ثمانية آلاف برصاص قناصين، وأصيب بعضهم بجروح غيّرت حياتهم. قام الجيش الإسرائيلي بنشر تغريدة (تم حذفها بعد ذلك) في 31 مارس/آذار: "بالأمس رأينا 30,000 شخص. وصلنا مستعدين وبتعزيزات دقيقة. لم يتم تنفيذ أي شيء بدون سيطرة محكمة. كان كل شيء دقيقًا ومحسوبًا، ونعرف مكان سقوط كل رصاصة".
كانت إسرائيل واثقة جدًا من أفعالها، دون خوف من المحكمة الجنائية الدولية أو أي عقوبات محلية، لدرجة أن العميد (احتياط) زفيكا فوغل أجرى مقابلة في الإذاعة الإسرائيلية في أبريل/نيسان 2018. كان فوغل رئيس أركان سابق في القيادة الجنوبية لإسرائيل التي شملت غزة. بعد أن تسبب القناصة الإسرائيليون في مقتل وإصابة آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال، سأل مقدم الإذاعة رون نيسيل فوغل عما إذا كان ينبغي للجيش الإسرائيلي "إعادة التفكير في استخدامه للقناصة". قال فوغل أن استخدام القناصين كان مناسبًا: "إذا اقترب هذا الطفل أو أي شخص آخر من السياج لإخفاء عبوة ناسفة أو التحقق مما إذا كانت هناك أي مناطق ميتة أو لقطع السياج حتى يتمكن شخص ما من التسلل إلى أراضي دولة إسرائيل لقتلنا…".
سأل نيسيل:"فعقوبته الموت؟"
قال العميد: "عقوبته الموت." وأضاف: "فيما يتعلق بي، نعم، إذا كان لا خيار أمامك سوى إطلاق النار عليه لإيقافه، في ساقه أو ذراعه—فسيكون ذلك مناسبًا. ولكن إذا كان الأمر أكثر من ذلك، فعندئذ، أنت تريد أن تسألني ما إذا كانت دماؤنا أم دماؤهم أغلى."