أميد معماريان مدير التواصل لدى منظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN».
يقول جورج باكر عن الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق الذي بدأ مثل هذا الوقت قبل 20 عامًا: "السؤال هو ما هو الخطأ الذي لم يحصل؟ لأن كل شيء سار بشكل خاطئ".
قدّم باكر، وهو كاتب قديم في مجلة ذا نيويوركر، والذي انضم إلى مجلة ذي أتلانتيك في عام 2018، تقريرًا مباشرًا عن حرب كان يدعمها في البداية. كانت هذه هي القصة الرئيسية لكتابه الذي نال استحسانًا واسعًا عام 2005، تحت عنوان "بوابة القتلة: أمريكا في العراق"، الذي يصف بالتفصيل "الحشد اللامتناهي تقريبًا للحرب"، والاحتلال الأمريكي الكارثي الذي أعقب ذلك—والعديد من القرارات والأخطاء التي ارتكبت من قبل مهندسي الحرب. وقد حاز الكتاب على جائزة كورنيليوس رايان من نادي الصحافة في الخارج لأفضل كتاب غير روائي عن الشؤون الدولية.
لا يزال يبرز سطر واحد من كتاب بوابة القتلة، كما اعترف باكر نفسه بعد فترة وجيزة من نشره: "كانت حرب العراق دائمًا قابلة للانتصار. ولا تزال كذلك". ومع ذلك، في مقابلة لاحقة في عام 2005، اعترف باكر: "الآن أشعر بخيبة أمل شديدة. لم أكن لأكتب هذا السطر في الفعل المضارع".
في الذكرى السنوية العاشرة لغزو العراق، كتب باكر بشكل واضح أن "الحرب كانت كارثة للعراق والولايات المتحدة على حد سواء. لقد تم الترويج لها بالخداع ووُلدت من رحم الغطرسة، وهي حماقة تاريخية شتتت انتباه الأمريكيين عن القاعدة وطالبان، بينما يتم تقسيم العراق إلى ملايين الأشلاء من الدماء".
باكر هو مؤلف تسعة كتب أخرى، بما في ذلك " التفكك: تاريخ داخلي لأمريكا الجديدة"، الذي فاز بجائزة الكتاب الوطني لعام 2013 عن الكتب غير الروائية، وكتاب ""رَجُلُنا: ريتشارد هولبروك ونهاية القرن الأمريكي"، الذي فاز بجائزة هيتشنز لعام 2019 وجائزة لوس أنجلوس تايمز للكتاب، وكان المرشح النهائي لجائزة بوليتزر، كما صدر له مؤخرًا كتاب "آخر أفضل أمل: أمريكا في أزمة وتجديد". كما يكتب باكر بانتظام عن السياسة الخارجية الأمريكية في مجلة ذي أتلانتيك، بما في ذلك تقرير مرعب دقيق في العام الماضي عن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وفشل إدارة بايدن في التخطيط لإجلاء الآلاف من الحلفاء الأفغان بعنوان "الخيانة".
تحدث باكر إلى مجلة "الديمقراطية في المنفى" بعد أيام من الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق، حيث يقول، "ما زالت حرب العراق تطاردنا وتقدم دروسًا للمستقبل".
تم تحرير النص التالي بشكل طفيف من أجل الإيضاح وملائمة طول المادة.
كان يُنظر إلى الاحتلال على أنه غير شرعي من قبل غالبية العراقيين وأغلبية العالم، وبشكل متزايد من قبل غالبية الأمريكيين. بلا شرعية، كل المتبقي مبني على أساس هش.
جورج باكر
لماذا من المهم التحدث عن حرب العراق بعد 20 عامًا من الغزو الأمريكي؟
من المستحيل عدم الحديث عن ذلك لأنه، أولًا وقبل كل شيء، قد كان ذلك أحد أهم قرارات السياسة الخارجية واشدها كارثية في تاريخ الولايات المتحدة. وكذلك، لأنه من السهل على الأمريكيين نسيان الأمر والمضي قدمًا، وخاصة عندما تكون ذكرى مؤلمة مثل حرب العراق. من المريح عدم الحديث عن ذلك، وأعتقد أن الكثير منا يمضي فترات طويلة دون التفكير في الأمر، وهو ترف لا يتمتع به العراقيون والأمريكيون من قدامى المحاربين. لكننا مدينون لهم ولأنفسنا وللتاريخ أن نستمر في الحديث والتفكير في هذه الحرب، لأنها معقدة وفهمنا لها، كما أعتقد، يتغير مع مرور الوقت. لذا فهي ليست حربًا يمكننا تركها في الماضي.
أتذكر في أوائل عام 2003، أن شخصيات معارضة عراقية مقربة من إدارة بوش سافروا إلى طهران وأشاروا إلى أن الحرب كانت حتمية. لكن التصور السائد في طهران كان أن الحرب لن تحدث، وإذا حدثت، فستكون حرب فيتنام أخرى للولايات المتحدة، فما الخطأ الذي حدث؟
حسنًا، السؤال هو، ما هوالخطأ الذي لم يحصل ؟ لأن كل شيء تقريبًا سار بشكل خاطئ. منذ لحظة الغزو، كانت التأكيدات على وجود أسلحة دمار شامل تبرر الحرب، والتي تبين أنها معلومات خاطئة—سواء كانت كذب أو خطأ، أو كما أعتقد، شيء أقرب إلى خداع الذات والتفكير الجماعي وقراءة انتقائية للمعلومات الاستخبارية والتلاعب بتلك المعلومات. انتهى الأمر باختفاء كل مبررات الحرب وشرعيتها، إذا كان لها أي مبرر أصلًا.
لذلك بدأت القرارات الخاطئة قبل أن تطأ أقدام القوات الأولى البصرة. كان الافتقار إلى التخطيط لما بعد نظام صدام نقصًا أيديولوجيًا في التخطيط. لم يكن مجرد فشل بيروقراطي. لقد كان قرارًا بعدم التخطيط لأن إدارة بوش لم تؤمن ببناء الدولة ولم تؤمن بإرسال أعداد كبيرة من القوات. كانت تلك هي البصمة الصغيرة التي أرادها رامسفيلد ولم يرغب أن تكون مصدر إزعاج له، ولم يرغب في تحمل هذا العبء. لم تكن المهمة الفوضوية المتمثلة في إعادة بناء العراق ومحاولة إحداث نوع من الحكومة الشرعية أمرًا يثير اهتمام جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز—وهم الأشخاص الذين تولوا الأمر في الحكومة.
ثم تتالت الأخطاء من تلك الإخفاقات المبكرة. خطأ حل الجيش العراقي وقطع رأس بيروقراطية البعثيين والسماح بالنهب في الأسابيع الأولى لإخبار العراقيين بأن أمريكا غير قادرة أو غير راغبة في فرض النظام. العراقيون الحضريون والعلمانيون والمتعلمون، خاصة من الطبقة الوسطى، الذين كانوا سيصبحون شركاء طبيعيين لأي جهد بعد الحرب، فقدوا على الفور ثقتهم بنا وبقدرتهم على النجاة من الفوضى، لأن الذي نجا هم المسلحون. أصبح من دواعي سرور رجال الميليشيا اقتسام بغداد والعراق بوضع نقاط التفتيش والبنادق والسيارات المفخخة والاشتباكات بالنيران. كل ذلك أصبح حتميًا إلى حد كبير في البداية بسبب نقص القوات الكافية والافتقار إلى استراتيجية لإرساء النظام والحكم في ذلك البلد.
منذ البداية، كنا في حفرة. كلما حاولنا الخروج منها بشكل أسرع، أصبحت الحفرة أعمق. من الواضح أنه كانت هناك فترات ولمحات مضيئة كانتخابات عام 2005، التي كنت في العراق من أجلها. كانت لحظة شعر فيها الكثير من العراقيين، من خارج المجتمع السني، بسعادة غامرة حقًا لتمكنهم من التصويت لأول مرة، وهم فعلوا ذلك في مخاطرة كبيرة على أنفسهم.
ثم كان هناك تصاعد في الأمور في عام 2007 والصحوة السنية، التي بدأت أخيرًا في خفض مستوى العنف ووضع حد، لبعض الوقت على الأقل ، لحكم الإرهابيين. كانت تلك لحظات أمل تشبث بها الناس في العراق. لكنها كانت في الحقيقة مجرد لحظات، لأن المسار العام من أوائل أبريل/نيسان [2003] فصاعدًا كان بانحدار، ولم يأخذ مسارًا مختلفًا أبدًا.
حتى لو نشرت الولايات المتحدة مليون جندي في العراق وكانت لديها نوايا لبناء الدولة، فهل سيكونون مجهزين بما يكفي لإنجاز هذه المهمة؟
لا، لا أعتقد ذلك. ما توصلت إليه في وقت لاحق هو أننا لم نكن قادرين على فعل ذلك أبدًا—لم تكن لدينا المعرفة، ولم تكن لدينا القدرة، ولم يكن لدينا الأشخاص المناسبين، ولم يكن لدينا السياسات المناسبة، ولم تكن لدينا الشرعية. كان يُنظر إلى الاحتلال على أنه غير شرعي من قبل غالبية العراقيين وأغلبية العالم، وبشكل متزايد من قبل غالبية الأمريكيين. بلا شرعية، كل المتبقي مبني على أساس هش.
هل هناك أوجه تشابه أو أنماط مشابهة بين حروب أمريكا الكبرى، من العراق وأفغانستان إلى الحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي؟
أعتقد أن النمط المتكرر، دعنا نقول في النصف الثاني من القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، هو أننا نعرف كيف نخوض الحروب بمعنى أننا نعرف كيفية جلب حشود من القوات والدروع والسفن والطائرات للقيام بالعنف والدمار على العدو، بما يكفي للتغلب على هذا العدو. لقد تمكنا دائمًا من القيام بذلك، باستثناء فيتنام، حيث كنا نخوض ثورة وحربًا على القومية. لا أرى أن العراق يمكن مقارنته بفيتنام. أعتقد أن أفغانستان أقرب بكثير إلى فيتنام. لكن ما لم نتمكن من فعله هو فهم الطبيعة السياسية لهذه الحروب وإيجاد طريقة للانتقال من المرحلة الحركية إلى سياسة الحرب وسياسة محاولة تحقيق السلام والحكم الرشيد. لطالما كان لدينا نوع من النظرة المبسطة حيث نعتقد الطريقة التي تُكسب بها الحرب هي من خلال التغلب على العدو والتغلب على إرادة العدو في القتال. لكننا لا نفهم السياسة التي تعتبر الحرب وسيلة أخرى لها، ولذا فإننا نواجه نفس المشكلة المتمثلة في عدم قدرتنا على إنهاءها، والغوص أكثر فأكثر في المستنقع، وفي النهاية نرفع أيدينا في حالة من اليأس ونقرر المغادرة لأن الأمر غير مجدي.
كانت العقيدة العسكرية الأمريكية خلال الحرب الكورية هي أنه من خلال الغارات الجوية الضخمة والقصف الشامل، يمكنهم أن يُركعوا قادة كوريا الشمالية ويغيروا سلوك النظام في بيونغ يانغ. وكانت عقيدة حرب العراق أنه بعد فترة طويلة من العقوبات، فإن الهجوم العسكري من شأنه أن يُسقط نظامًا علمانيًا شموليًا. هل تعتقد أن هذه العقلية لا تزال موجودة في السياسة الخارجية الأمريكية، والتفكير في أن هذه الأنواع من الإجراءات يمكن أن تغير سلوك الأعداء في جميع أنحاء العالم؟
كان على العديد من الدول أن تتعلم بالطريقة الصعبة أن القوة الجوية والقصف الجوي لا يكسر معنويات شعب العدو. كان على النازيين أن يتعلموا ذلك عندما اعتقدوا أنهم قادرون على تركيع بريطانيا على ركبتيها في عام 1940. كان علينا تعلم ذلك في كوريا ومرة أخرى في فيتنام. أعتقد أن روسيا تتعلم ذلك الآن في أوكرانيا، حيث اعتقدوا أن تدمير البنية التحتية الأوكرانية في الشتاء، ووضعهم في البرد والظلام، سيكسر معنوياتهم، لكن كان لذلك تأثير معاكس.
الآن، يجب أن يكون درسًا من السهل تعلمه. أعتقد أن صانعي السياسة الأمريكيين الأكثر عقلانية لا يتخيلون أن القوة النارية المطلقة، ا "الصدمة والرعب" كما أطلق عليها رامسفيلد في العراق، هي الطريقة التي تُربح بها الحروب. أعتقد أن الأشخاص الأكثر عقلانية قد تعلموا ذلك وأصبحوا مشككين في المزاعم العسكرية بأنه إذا كان لدينا المزيد، إذا أعطيتنا المزيد من الوقت، والمزيد من القوات، والمزيد من القوة النارية، والمزيد من المال، يمكننا القيام بذلك.
لأن ذلك ما سمعناه في أفغانستان عامًا بعد عام. أخيرًا، قرر جو بايدن أنه سمع ما يكفي ولم يكن التدخل العسكري مجديًا، ولم يكن الأمر يستحق أيًا كانت التكلفة. إنه صانع سياسة، ويبدو أنه تعلم شيئًا من الإخفاقات في أفغانستان والعراق. وعلى الرغم من أن الأمر معقد في أفغانستان، لأنني أعتقد أن الطريقة التي نفذ بها بايدن تلك السياسة كانت مأساوية، فإنه سيكون هناك دائمًا أشخاص ينتمون لأنواع من سياسة واشنطن الخارجية يعتقدون ببساطة أنه يمكننا دفعهم للخضوع. لا أعتقد أن هذا موقف جاد بين معظم الأشخاص في السلطة في الوقت الحالي. أعتقد أنهم تعلموا أكثر من ذلك.
في مقابلة مع سان فرانسيسكو كرونيكل في عام 2005 قلتَ: "ما يحتاج الليبراليون فعله الآن هو طرح نقاشات قوية من أجل أن تظل الولايات المتحدة منخرطة بطريقة أممية مسؤولة حول العالم".
ما زلتُ أعتقد ذلك.
في نفس الوقت تقريبًا، بدأ الناس يشككون في الحرب في العراق وطالبوا الولايات المتحدة بالانسحاب. هل تعتقد أن الليبراليين قد تحركوا نحو "طريقة أممية مسؤولة حول العالم" منذ ذلك الحين؟
أعتقد أن اليسار في هذا البلد منقسم الآن. أعتقد أن الحزب الديمقراطي، إلى وقت الخروج من أفغانستان، أصبح عمومًا حزبًا مناهضًا للتدخل من خلال الضربات العسكرية، حيث شعروا أنهم مغفلين بسبب دعمهم لحرب العراق، وشعروا بخيبة الأمل من الفشل في أفغانستان. لكن في غضون ستة أشهر، غزت روسيا أوكرانيا، وفجأة لن تتمكن دولة مستقلة، دولة ديمقراطية، من البقاء بدون الدعم الأمريكي—وهذا غيّر آراء العديد من الأشخاص الذين كان لديهم موقفًا صارمًا إلى حد ما ضد أي مشاركة أمريكية في حروب خارجية، ما لم كانت حربًا نخوضها من أجل بقائنا. تشبث آخرون بالموقف الأولي وقدموا كل أنواع الحجج حول سبب عدم أهمية أوكرانيا من الناحية الفعلية.
إذن، فقد كان لذلك تأثير مترنح في العام ونصف العام الماضيين أو نحو ذلك، حيث بدا ضبط النفس سائدًا، سواء على اليسار أو على اليمين بعد أفغانستان. كان هناك الكثير من جمل "لقد قلت لكم ذلك"، والكثير من جمل "هل تعلمتم الدرس؟" ثم فجأة بدا الدرس مختلفًا، وكان على الناس أن يتغيروا ويفكروا من جديد، كما قال لينكولن. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، لأنه، كما قال لي ليزلي جيلب، وهو مفكر خبير في السياسة الخارجية: "السياسة الخارجية لا معنى لها". بمجرد أن تتوصل إلى عقيدة أو فلسفة، يحدث شيء ما في مكان ما في العالم يجعله غير منطقي. عليك أن تكون قادرًا على تعديل وتغيير تفكيرك ولا تعامل السياسة الخارجية كدين أو عقيدة سياسية. هذه فوضى. إنها فوضى فعلية، وكل رئيس يتعلم ذلك بالطريقة الصعبة. وعندما يعتقدون أن لديهم حدودًا جديدة، أو مثلًا عقيدة بوش أو عقيدة أوباما أو حتى عقيدة بايدن بعد أفغانستان، فإن شيئًا ما يحدث في مكان ما في العالم ويحرق مبادئ تلك العقيدة.
لقد كلفنا أنفسنا الكثير من المصداقية والشرعية والتأثير وحتى القوة العادلة لأننا أنفسنا أصبحنا ديمقراطية متراجعة.
جورج باكر
في مقالتك في يناير/كانون الثاني 2022 في مجلة ذي أتلانتيك حول انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بعنوان "الخيانة"، كتبتَ أن "انسحاب أمريكا الفوضوي من أفغانستان زاد الضرر المعنوي للفشل العسكري". كيف يمكن أن تؤثر مثل هذه الإخفاقات على الولايات المتحدة على المدى القصير والطويل؟
أعتقد أن ذلك ما بدأتُ في رؤيته—ولا أعرف إذا كنتَ قد قرأتَ مقال تريتا بارسي الافتتاحي اليوم في صحيفة نيويورك تايمز. عليك قراءته. أنا لا أتفق مع المقال، لكنني أعتقد أنه يعبّر عن وجهة نظر موجودة الآن وهي وجهة نظر قوية للغاية. وجهة النظر هذه هي أننا نعيش في عالم متعدد الأقطاب. لا يوجد بلد يستطيع تطبيق القواعد. ولا يمكن لأي بلد أن يقود العالم. لكل دولة مصالحها الخاصة. ستقرّ أي قوة حكيمة أو قوة عظمى بذلك وستبقى بشكل كبير خارج اللعبة عندما لا يكون لها مصلحة مباشرة وستعترف بمصالح الدول الأخرى في مناطقها، وستبحث أكثر عن فرص لعقد الصفقات والتفاوض والتجارة وإزالة الحواجز، بدلًا عن تقسيم العالم إلى خطوط طويلة ومتحيزة وأخلاقية بين "نحن" و "هم". إذن هذه وجهة نظر واحدة، وهي وجهة نظر قوية جدًا. بالتأكيد نحن ننتقل إلى فترة، إلى عصر، حيث لا توجد قوة عظمى واحدة كما كانت لمدة 20 أو 25 عامًا من نهاية الحرب الباردة.
وجهة النظر الأخرى هي أنه بينما نتحرك نحو جيوسياسة أكثر تشتتًا وانتشارًا، فإننا ننتقل أيضًا إلى فترة من السياسات المناهضة للديمقراطية والتراجع في الديمقراطيات وتصلب الأنظمة الاستبدادية. ليس فقط تصلبًا داخليًا، بل يصبح سلوكًا عدوانيًا خارجيًا. أوكرانيا هي المثال الواضح، وكذلك سلوك الصين في بحر الصين الجنوبي وفي المنطقة، وكذلك سلوك إيران في الشرق الأوسط المنخرطفي ثلاث أو أربع حروب، إلخ. لذا فإن إحدى الإجابات عن سبب عدم تقبلنا للتعددية القطبية هي أنه في عالم متعدد الأقطاب سيكون هناك العديد من الهيمنة وسيتصرف العديد بشكل سيء، كل منهم في منطقته الخاصة. ولكن إذا قبلنا بالتعددية القطبية، فإن ذلك قد يقودنا أيضًا إلى عالم أكثر استقرارًا وسلامًا. تشير الأحداث الأخيرة إلى أن العكس هو الصحيح، وهذا الرأي يقول: حسنًا، ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة؟
يجب على الولايات المتحدة أن تنظر إلى حلفائها وشركائها، وتقوي تلك العلاقات، وترى أن الدول الديمقراطية هي الدول الموثوقة التي هي على استعداد لممارسة السياسة وفقًا للقواعد، وغير مستعدة لرؤية دول يلتهمها جيرانها الأقوياء، وأن هناك موردين أكثر موثوقية للسلع الأساسية. تبدو سلاسل التوريد الآن وكأنها ليست شيئًا يمكننا ببساطة الحفاظ عليه، بغض النظر عن الطرف الآخر منها. يبدو أنه من المهم النظر في النظام السياسي في الطرف الآخر من هذه السلاسل. في الأوبئة مثلًا، يبدو أنه من المهم معرفة ما إذا كانت الدولة التي ظهرت منها دكتاتورية شمولية أو ديمقراطية. سيكون العالم مكانًا مختلفًا تمامًا إذا بدأ فيروس كورونا في بلجيكا بدلًا من الصين.
بالنسبة لي، هاتان هما رؤيتان متنافستان للعقد الذي نحن فيه الآن. لن أخبر قرّاءك بما يجب أن يفكروا به، ولكن بالنسبة لي، عندما أجد نفسي مقيدًا في عقدة أو أواجه نوعًا من القرارات الصعبة، أدرك أن السبب في ذلك هو أن هذين النظامين مختلفان بشكل أساسي في بعض النواحي. ومن الصعب للغاية تجاهل أحدهما أو الآخر تمامًا، لأن كلاهما لديه بعض الحقيقة.
ضمن هذا الإطار، شاركت الولايات المتحدة إلى حد كبير في دعم أوكرانيا في الحرب الجائرة التي شنتها روسيا. كيف تصف هذه الحرب؟ كيف يمكن لإدارة بايدن الدفاع عن قضية دعم أوكرانيا دون قيد أو شرط؟
أعتقد أن القضية التي يجب طرحها هي، أولًا وقبل كل شيء، أن ذلك الغزو هو انتهاك كامل وصريح لميثاق الأمم المتحدة ولقواعد السلوك في البلدان في فترة ما بعد الحرب. نحن أنفسنا انتهكنا ميثاق الأمم المتحدة، وهذا جواب واضح. إذن فهذه طريقة أخرى تستمر فيها حرب العراق في مطاردتنا وتقديم دروس لنا للمستقبل.
لكن بالنسبة لي، هذا مجرد إيحاء للأشخاص الذين لا يريدون أن يضطروا للإجابة على السؤال المتعلق بأوكرانيا. بالنسبة لي، أوكرانيا هي مصلحة حيوية لأنها في أوروبا، ولأنها ديمقراطية، ولأن روسيا هي قوة مهددة حقًا وهي أقرب ما يكون إلى نوع من الديكتاتورية الشمولية في ثلاثينيات القرن الماضي التي رأيناها في أوروبا. كان لصدام حسين العديد من الصفات نفسها في الشرق الأوسط، وكان ذلك مبررًا لأشخاص مثل كنعان مكية في تأييد قرار الحرب. لذا، بالنسبة لي، أوكرانيا ليست قضية صعبة. هناك أشخاص مثل تريتا بارسي يعتقدون أننا نركز كثيرًا على ذلك، ولسنا على استعداد للبحث عن طرق للخروج وإيجاد السلام وتحقيق بعض الاستقرار. بالنسبة لي، هذه كلها طرق تنتصر بها روسيا، لأن روسيا قد استولت الآن على جزء كبير من أوكرانيا ومن المحتمل أن تأخذ المزيد بمجرد أن تتمكن من إعادة تجميع صفوفها وإعادة تسليحها. إنه شيء قبيح ومأساوي تم القيام به ضد أوكرانيا، وبالتالي ضدنا، من قبل روسيا. لكن لا ينبغي للمرء أبدًا أن يغمض عينيه لثانية عن حقيقة أن هذه هي حرب روسيا، وأن كل عواقبها—سواء كانت ارتفاع أسعار الأسمدة أو الطاقة أو الغذاء أو استنفاد مخزون الأسلحة الغربية—تقع على عاتق روسيا، وليس علينا.
تتظاهر الصين الآن بأنها ذلك النوع من القوة المحبة للسلام والتي من المفترض أن نكون عليها، ويبدو أننا لسنا كذلك. لكن في الواقع، ما تفعله الصين هو وجودها في كلا الاتجاهين، محاولة الحفاظ على سمعتها كعضو في النظام الدولي، بينما تدعم روسيا في نفس الوقت. يقول الناس: "حسنًا، انظر، لقد قمت بعمل فظيع في إقناع الجنوب العالمي لدعم أوكرانيا." صحيح، صحيح، لكن ربما لم يكن الجنوب العالمي قابلًا للإقناع أبدًا لأنهم يسعون وراء ما يرون أنه يخدم مصالحهم الخاصة. إذا كانوا لا يهتمون بأوكرانيا، فهذا بالتأكيد من شأنهم. لكن الرأي المعاكس هو أنه ربما لا ينبغي للغرب أن يهتم بهم. أعني، إذا كان هذا هو الحال في العالم، فلماذا يجب أن نهتم بالهند ما لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بمصالحنا بطريقة أو بأخرى. وفي حين يبدو أن الناس يرغبون في الحصول على كلا الاتجاهين، حيث يمكن أن تكون الهند أو البرازيل أو جنوب إفريقيا أو إندونيسيا غير مبالية بحقيقة أن روسيا تحاول تدمير دولة مجاورة، إلا أنه يجب علينا أن نفعل ما هو أيضًا في مصلحة تلك الدول. بالنسبة لي هذا نفاق ولا معنى له.
تتمتع روسيا أيضًا بنفوذ أكبر على هذه البلدان وربما تجعل الأمر أكثر تكلفة بالنسبة لها للانحياز إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الحالة.
بالتأكيد. روسيا قوية، لكن روسيا جوفاء أيضًا. وأخشى—آمل وأخشى في نفس الوقت—أن روسيا تتجه من بعض النواحي نحو نوع من الرضوخ لأنها جوفاء. ليس لديها اقتصاد. ولديها جيش فقاعي لا يستطيع هزيمة بلد بعُشر حجمه. لديها زعيم يحكم بالرشوة والترهيب، وقد فقدت نخبها من المفكرين—لقد غادروا البلاد—وتخضع للعقوبات التي ستضغط في النهاية على إمكاناتها لتحقيق أي نوع من النجاح الاقتصادي، إذا لم يكن قد تم ذلك بالفعل. ليس لروسيا مستقبل جيد، وأعتقد أن بوتين ربما يعرف ذلك، ولهذا السبب شتت انتباه شعبه بهذه الحرب الشريرة.
في كتابك الأخير "آخر أفضل أمل: أمريكا في أزمة وتجديد"، كتبت عن الانقسامات والديمقراطية المهزوزة والصورة القاتمة للولايات المتحدة بشكل عام. كيف يمكن لحالة الديمقراطية الأمريكية أن تشجع خصوم الولايات المتحدة؟ كيف يمكن للأزمات المحلية في أمريكا أن تعيد تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية أو النظام العالمي ككل، إذا كان هناك أي ارتباطات على الإطلاق؟
هذا سؤال كبير، ولكن الجواب البسيط هو بالتأكيد أن هناك ارتباط.
لقد كلفنا أنفسنا الكثير من المصداقية والشرعية والتأثير وحتى القوة العادلة لأننا أنفسنا أصبحنا ديمقراطية متراجعة. وكان لدينا أسوأ رئيس في تاريخنا قبل بضع سنوات وربما نعيده مرة أخرى، وحزبه حزب مفلس ليس لديه أفكار إيجابية للبلد، ولا يوجد لديهم سوى الرغبة في السلطة والاستعداد لإشعال النيران في المؤسسات الديمقراطية في إطار السعي وراء السلطة.
كل هذا مجرد انحدار كبير نحو الأسفل يشجع الطغاة في جميع أنحاء العالم على الاعتقاد في أنهم ليس فقط غير مضطرين للقلق بشأن الرأي العالمي الحاشد فحسب، بل أنهم قد يجعلوننا حتى إلى جانبهم. ذهبت مودة ترامب إلى بوتين وأردوغان وكيم جونغ أون، وذهب ازدرائه إلى القادة الديمقراطيين، جاستن ترودو وإيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل. هذا يشير إلى تغيير كامل في وضعنا في العالم، وأعتقد أن بقية العالم يعلم أن ذلك الوضع يمكن أن يعود بسهولة. إنهم لا يثقون بنا. لذلك، نحن نعاني من جروح خطيرة جدًا. نحن في هذا الموقف الرهيب يا أوميد، حيث نعاني داخليًا، نحن في حالة حرب مع أنفسنا، ومع ذلك لا يبدو أن أي طرف آخر قادر على لعب الدور الذي لعبناه وهو: محاولة، ربما بشكل منافق وربما بشكل سيئ، فرض نوع من المعايير الجيدة في العالم ومحاولة، في هذه الحالة، إبقاء أوكرانيا على قيد الحياة. بدوننا، لن تتمكن أوروبا من القيام بذلك. لا أعرف ما إذا كنا لا غنى عنا، لكننا مهمون ونحن أيضًا مجروحين بشدة. إنه وضع خطير في الوقت الحالي.
هل تعتقد أن العراقيين يستحقون العدالة من خلال التعويضات؟
أعتقد أن هذا لن يحدث وربما لا ينبغي أن يحدث، لأن التعويضات عادة ما تدفعها الدول التي تخسر الحروب. لقد خسرنا الحرب في العراق من ناحية، لكننا لم نُهزم في العراق، والجيش العراقي لم يهزم الجيش الأمريكي. بطريقة ما، سيكون نوعًا من الكذب حول أثر تلك الحرب في العراق لأن الأثر كان الدمار والموت، لكنه كان أيضًا عراقًا جديدًا—فاسدًا وطائفيًا وعنيفًا—لكن ليس عراق صدام حسين. ذلك نظام انقضى. لستُ متأكدًا من أنه كان من الممكن تدمير العراق بوسائل أخرى، ربما كان سينتهي الأمر بنوع من الحرب الأهلية على غرار سوريا، والتي كانت ستكون نتيجة مروعة للعراق أيضًا. هذا ليس مبررًا للحرب، ولكنه ببساطة اعتراف بأن العراق أصبح الآن بلدًا مختلفًا عن البلد الذي قمنا بغزوه في عام 2003.
الشيء الوحيد الذي يمتلكه العراق الآن ولم يكن يمتلكه في عام 2003 هو، بالإضافة إلى الانتخابات والصحافة الحرة للمنطقة، لم يعد هناك مراكز تعذيب تابعة للمخابرات، ولم تعد هناك الإبادة الجماعية للأكراد—كما أن لديه بعض الأمل. إنه أمل ضعيف للغاية، وأنا أعلم أن العراقيين متوترون للغاية الآن ومعادون لحكومتهم، لكنهم يخرجون إلى الشوارع ويحتجون، ولا يزال هناك بعض الأمل. لذلك، لكل هذه الأسباب، وبقدر ما نحن مدينون للعراق، لا أعتقد أننا مدينون لهم بالتعويضات.