محمد كمال باحث مساعد في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، حيث يعمل على حماية حقوق الإنسان في مصر والمنطقة.
محمد كمال باحث مساعد في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، حيث يعمل على حماية حقوق الإنسان في مصر والمنطقة.
English
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في بيان نشره على صفحته على الفيسبوك في الذكرى الثامنة لما أسماه بـ "ثورتنا المجيدة"، إنشاء "جمهورية جديدة" في مصر "بتحملها وصبرها وقدرتها على صنع المستحيل". وأشاد بمظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، التي مهدت الطريق لانقلاب عسكري خلال أيام ضد أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا للبلاد، محمد مرسي.
وتم ترديد فكرة السيسي المصطنعة عن "الجمهورية الجديدة" عبر وسائل الإعلام المصرية الخاضعة للسيطرة الحكومية المشددة في الفترة التي سبقت الذكرى السنوية للانقلاب، حيث ورد أنه تم إصدار "تعليمات واضحة" لغرف الأخبار لنشر هذه الدعاية لأسابيع.
هذا الوصف بعيد كل البعد عن الواقع الذي يعيشه المصريون خلال السنوات الثماني الماضية في عهد السيسي. لا يمكن إخفاء محاولات السيسي المحمومة لإعادة وصف ديكتاتوريته بأنها "جمهورية جديدة"—التي من المفترض أنها تتميز بـ "سنوات الوفرة"، بما في ذلك في الطرق والجسور الجديدة وحتى العاصمة الجديدة في الضواحي الصحراوية للقاهرة.
أولًا، علينا أن ننظر في كلمات السيسي عندما وصف احتجاجات 30 يونيو/حزيران بأنها "أرقى صيحات التعبير" عن انتماء المصريين "للوطن". ولكن ما مدى انتماء نظام السيسي للوطن عندما تخلى عن جزء استراتيجي من مصر، ألا وهو جزيرتا تيران وصنافير في البحر الأحمر؟ عندما تنازل السيسي عن السيادة على الجزيرتين للسعودية في عام 2017، تحدى حكم محكمة عليا في مصر ألغت الصفقة، وتجاهل أيضًا أكبر احتجاجات للمصريين حول هذا الأمر منذ استيلائه على السلطة.
ومثلما كان السيسي يمتدح السعوديين ويتذلل للمحسنين له في الرياض، اعتقلت قواته الأمنية العديد من هؤلاء المصريين المنتمين لوطنهم الذين خرجوا إلى الشوارع غاضبين من تسليم الجزيرتين إلى السعودية. حُكم على ما يقرب من 150 متظاهرًا بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات.
من المفترض أن تكون "الجمهورية الجديدة" ديمقراطية، ولكن منذ انقلابه على الديمقراطية الجديدة في مصر، تسبب السيسي في خنق جميع جوانب الحياة السياسية في البلاد. فقد استولى نظامه على الأحزاب السياسية، التي يقود العديد منها الآن قادة عسكريون سابقون. وتم اعتقال قادة الأحزاب الشرعية القليلة المتبقية، ومنهم عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية ونائبه محمد القصاص. كما تم اعتقال عدد من النواب السابقين، بمن فيهم زياد العليمي، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب عام 2012، سعد الكتاتني. امتدت هذه الاعتقالات إلى نطاق واسع لدرجة أن أي سياسي ليس على توافق مع النظام مآله السجن أو المنفى.
ثم أن هناك قضايا تتعلق بحقوق الإنسان. ففي الأسابيع القليلة الماضية، وبينما كانت وسائل الإعلام المصرية تنشر المزيد من الدعاية حول رئاسة السيسي، أيّدت المحكمة العليا في مصر عقوبة الإعدام بحق 12 متهمًا لمشاركتهم المزعومة في احتجاجات 2013 في ميدان رابعة العدوية، حيث قتلت قوات الأمن المصرية أكثر من 1,000 شخص في أعقاب انقلاب السيسي. كما أيّدت المحكمة أحكامًا بالسجن المؤبد بحق 31 متهمًا آخرين، وأحكامًا مختلفة لمئات آخرين. لقد كانت إجراءات المحاكمة صورية.
أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن "عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، منهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، ما زالوا مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، حيث يقبع العديد منهم في الحبس الاحتياطي المطوّل". وأضافت: "كثيرًا ما استخدمت السلطات تهم الإرهاب ضد النشطاء السلميين وضايقت أقارب المعارضين في الخارج واحتجزتهم".
بينما تنشر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في مصر الأكاذيب حول "التنمية والتقدم" في عهد السيسي، فإن الاقتصاد، في الواقع، لم يتمكن من توفير حياة كريمة للغالبية العظمى من المصريين. أثقلت سياسات السيسي الاقتصادية كاهل البلاد بالديون الخارجية، التي تصل الآن إلى 129 مليار دولار، وهي أعلى نسبة على الإطلاق في مصر. وفي حين يحاول السيسي الترويج لصورة مصر على أنها حلم المستثمر، تستمر مستويات المعيشة لمعظم المصريين في التدهور.
الشيء الوحيد المتوفر بكثرة في "الجمهورية الجديدة" للسيسي هو عدد السجون. ففي العقد الماضي، شيّدت مصر 35 سجنًا جديدًا. وبحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تم افتتاح 17 من هذه المنشآت الجديدة من عام 2016 إلى عام 2021. ومن خلال العدد الإجمالي للسجون في البلاد البالغ 78، فإن الرسالة التي يتم توجيهها لكل مصري واضحة: هناك مكان لك أيضًا خلف القضبان، حتى وإن كان هناك بالفعل تضخم في السجون بما يقدر بنحو 60 ألف سجين سياسي.
وإذا كان التعليم والرعاية الصحية من بين معايير الدولة الناجحة، فما هو وضع هذه المعايير في "الجمهورية الجديدة" للسيسي؟ ينص الدستور المصري المحدث، والذي عدّله السيسي بصورة تسمح له بالحكم حتى عام 2034، على أن إنفاق الدولة على التعليم يجب ألا يقل عن 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن لا يقل الإنفاق على الرعاية الصحية عن 3 في المائة.
لكن في عهد السيسي، فشل الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية في الوصول إلى تلك المستويات التي يفرضها الدستور. وفي أحدث ميزانية، يقل إنفاق الدولة على التعليم عن 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يتجاوز الإنفاق على الرعاية الصحية 1.5 في المائة.
أخيرًا، إذا كانت العلاقة بين المواطنين والحكومة في جمهورية ما قائمة على الثقة والصدق والشفافية، فإن "الجمهورية الجديدة" للسيسي قد بُنيت على كذبة—بدءًا من تعهد السيسي الأولي بعدم الترشح للرئاسة بعد انقلابه. أصبح الكذب سمة أساسية من سمات حكم السيسي واستراتيجية سياسية متعمدة.
ووعد المصريين بأنهم يمكن أن يحاسبوه بعد انتخابه لأول مرة، ولكن عندما ترشح لإعادة انتخابه في عام 2018، كانت الانتخابات أكثر تضييقًا من أي وقت مضى. تم القبض على المنافسين البارزين أو تم تهميشهم، لأن نظامه "داس حتى على أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة."
يكذب السيسي وقتما تمر مصر بكارثة—مثل جائحة كورونا، أو سفينة الحاويات التي أغلقت قناة السويس، أو تحطم قطار—ويكذب أكثر عندما يفشل في الوفاء بوعوده. هذه هي الطريقة التي يتواصل بها السيسي مع الشعب المصري.
كان العديد من المصريين، وخاصة شباب البلاد، يتطلعون إلى جمهورية جديدة في عام 2011—جمهورية تحكمها الحرية والكرامة. لكن بعد عقد من الزمن، بعد الثورة المضادة وانقلاب السيسي، كل ما يرونه هو أرض الخوف. إنها ليست "جمهورية جديدة"، بل دكتاتورية الرجل الواحد.