DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

لماذا تعتبر احتجاجات الأردن الدامية بسبب ارتفاع أسعار الوقود تحذيرًا للمنطقة العربية بأكملها

Avatar photo

رامي خوري هو مدير المشاركة العالمية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وزميل أول غير مقيم في مبادرة الشرق الأوسط في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، وكاتب عمود معروف دوليًا. يمكن متابعته على تويتر هنا @ramikhouri

اشتباكات منتصف ديسمبر/كانون الأول في معان، جنوب الأردن، والتي قُتل فيها أربعة من رجال الشرطة في نهاية المطاف، إلى جانب أحد المسلحين، هي إشارة مقلقة للعالم العربي بأسره، لأنها في الوقت نفسه تذكير صارخ بثلاث نقاط ضعف دائمة تتعلق ببناء الدولة والتنمية المستدامة والعلاقات بين المواطن والدولة في جميع أنحاء المنطقة. تعاني جميع البلدان العربية ذات الدخل المتوسط والمنخفض من نقاط الضعف هذه، وهي مستمرة في التفاقم كل عام تقريبًا. لقد حطمت نقاط الضعف هذه بالفعل سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإنها تهدد العديد من البلدان اليوم، بما في ذلك مصر وتونس في ظل أنظمتهما الاستبدادية المتنامية.

هذه هي القوى المصيرية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية غير الملائمة وغير المتكافئة وغير المكترثة في نظر العديد من المواطنين. لم تزعزع هذه القوى استقرار الأردن، لأن حكومته تعطي الأولوية للاستقرار قبل كل شيء، وتحققه بدعم خارجي كبير، وخاصة من الولايات المتحدة.

لكن معان هي إشارة تحذير حمراء وامضة. أي شخص يعرف الأردن يعرف أيضًا، كما تؤكد الاستطلاعات مرارًا وتكرارًا، أنه في حين أن ثقة الأردنيين محدودة في المؤسسات السياسية لدولتهم، إلا أنهم يحترمون كثيرًا القوات المسلحة التي يرون أنها تحافظ على أمن مجتمعهم، خاصة عند مقارنتها بجيرانهم. إذن، عندما يقتل مواطنون أردنيون ضباط من الشرطة والأمن—وهو أمر نادر في الأردن—ما الذي يدفع إلى هذا الوضع الشاذ؟

كان الدافع المباشر للاضطرابات في معان هو زيادة أسعار الوقود التي أثرت بشدة على سائقي الشاحنات بشكل خاص، في منطقة يُعتبر فيها النقل بالشاحنات مصدرًا رئيسيًا للدخل. سرعان ما انضم إلى سائقي الشاحنات المضربين في جنوب الأردن مضربون آخرون في جميع أنحاء البلاد تكافح عائلاتهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية. الإضرابات، التي كانت سلمية في البداية، تدهورت إلى اشتباكات مميتة بين المتظاهرين والشرطة أسفرت عن مقتل ضابط شرطة رفيع المستوى. عندما أرسلت الحكومة بعد ذلك قوة أمنية لاعتقال القتلة المشتبه بهم في مخبأهم، اندلع تبادل لإطلاق النار أدى إلى مقتل المشتبه به وثلاثة من رجال الشرطة.

كانت الإضرابات السابقة في الأردن، والتي أدت في بعض الأحيان إلى اشتباكات مع الشرطة، ناجمة عن ضغوط اقتصادية مماثلة: ارتفاع أسعار الخبز أو الحليب، أو ارتفاع رسوم الخدمات الأساسية. كما عبّر الأردنيون في البلدات والمدن النائية مثل معان منذ فترة طويلة عن إحباطهم من عدم قدرة الحكومة المركزية على التركيز على احتياجاتهم الخاصة أثناء قيامها ببناء مشاريع تنموية نيوليبرالية ضخمة في عمّان.

نوبات التمرد والعنف المتكررة في معان تستحوذ على الدافع الرئيسي للاستياء في بلدات ومدن المملكة، من المفرق والطفيلة إلى الكرك وذيبان، حيث تركت التفاوتات الاقتصادية المتفشية وعدم المساواة الأردنيين يشعرون بالغضب والنسيان. ينعكس هذا التهميش الاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء العالم العربي. وهذا هو السبب في أن الكثير من الانتفاضات العربية في عامي 2010 و 2011—أعظم تمرد على مستوى المنطقة من قبل المواطنين المحبطين في التاريخ العربي الحديث—بدأت أيضًا في البلدات والمدن الريفية المحبطة من وسط تونس إلى جنوب سوريا. ستظل بعض أسماء تلك المدن مرتبطة دائمًا بالانتفاضات: مثل سيدي بوزيد وبنغازي ودرعا.

كانت معان ذات يوم مفترق طرق مزدهر نسبيًا ومركز انطلاق على طرق الحج إلى شبه الجزيرة العربية. ولكن بحلول ثمانينيات القرن الماضي، ومع إنشاء طريق سريع جديد والتغييرات الأخرى التي فرضتها الحكومة المركزية، فقدت معان مزاياها الاستراتيجية في النقل الإقليمي وخدمة الحجاج وكونها المحور الإداري لجنوب الأردن بأكمله. لم تستطع أنشطتها الاقتصادية الإنتاجية القليلة توفير وظائف جيدة للشباب الأردني المتخرجين من المدرسة الثانوية أو الكليات. كان الاستثمار خارج بعض مرافق الدولة محدودًا.

هذا هو الإرث الذي يلازم معظم أجزاء المنطقة العربية الآن. اعتادت مناطق المقاطعات التي كانت مستقرة في السابق مثل معان على توفير حياة كريمة لسكانها، خاصة عندما وسّعت الحكومات المركزية التعليم والرعاية الصحية والاحتياجات الأساسية الأخرى لمواطنيها. لكن الطفرة النفطية التي أعقبت عام 1973 أدت إلى إرباك الأنماط الاقتصادية التقليدية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن. تلاشت النظم الراسخة للزراعة شبه القاحلة، بما في ذلك تربية الماشية، حيث ذهب الشباب إلى العاصمة للعثور على عمل مع الحكومة أو القطاع الخاص المزدهر. شغل معظمهم وظائف غير رسمية منخفضة الأجر دفعتهم بسرعة إلى الأحياء الفقيرة والمهمشة في المجتمع. وجدت قلة محظوظة وظائف لائقة في الخليج.

فالأنظمة الاقتصادية النيوليبرالية التي اجتاحت المنطقة ابتداءً من الثمانينيات، التي أثقلت كاهل الدولة بالديون الخارجية الهائلة، فضّلت كفاءة الشركات المخصخصة والأرباح على الوظائف العادلة والدخل للأسر. لم تستطع الاقتصادات العربية الحديثة ببساطة الجمع بين النمو وخلق فرص العمل والعدالة الاجتماعية. ساءت الأمور بعد أزمات الديون المزمنة الناجمة عن ما يسمى ببرامج التكيف الهيكلي من صندوق النقد الدولي، والتي زادت من ضغط رفاهية المواطنين في بلدان مثل الأردن ومصر، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية وقلصت الحكومات إنفاقها.

ظهرت علامات التحذير في الأردن منذ عقود، منذ السبعينيات. لقد هزت حياة الكثير من المواطنين من عدة اتجاهات في وقت واحد. واجهوا صعوبات اقتصادية متزايدة لتلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم، وكانوا محبطين بشكل مزمن بسبب عدم قدرتهم على الحصول على مساعدات فعلية أو مساعدة إنمائية من قبل الدولة أو القطاع الخاص، ولم يكن لديهم أي صوت ذي مصداقية في المؤسسات السياسية مثل البرلمان أو الكيانات التي تسيطر عليها الدولة مثل وسائل الإعلام، كما أنهم لم يروا أي أمل في المستقبل لأنفسهم أو لأطفالهم إذا لم يكن لديهم أي مصدر خاص للدخل أو الثروة، مثل الأرض أو أفراد من الأسرة يعملون في الخارج.

وقد أكدت استطلاعات الرأي المحلية والإقليمية ذات المصداقية هذه الاتجاهات مرارًا وتكرارًا في جميع الدول العربية غير المنتجة للطاقة. في تقرير صدر في أغسطس/آب الماضي، أشار الباروميتر العربي إلى أن 77 بالمئة من الأردنيين ذكروا الاقتصاد والفساد على أنهما أكبر مخاوفهم. وانخفضت الثقة في الحكومة أيضًا بنسبة 41 بالمئة في العقد الماضي أو نحو ذلك، وقال ثلاثة من كل عشرة أردنيين فقط أنهم يثقون في حكومتهم. بل إنّ ثقتهم في البرلمان أقل، إذ تبلغ 16 بالمئة فقط. على النقيض من ذلك، تعتبر القوات المسلحة إلى حد بعيد مؤسسة الدولة الأكثر ثقة في الأردن، حيث قال 93 بالمئة من المستطلعين للباروميتر العربي أنهم يثقون بها.

إنّ انعدام الثقة في الحكومة هو امتداد لتهميش الناس بناءً على تجاربهم المعيشية. ينظر الغالبية العظمى من الأردنيين—أكثر من تسعة من كل عشرة أشخاص—إلى عدم المساواة على أنها مشكلة، وهي أعلى نسبة في المنطقة. وقال أكثر من ثمانية من كل عشرة أردنيين للباروميتر العربي أن فجوة الثروة قد ازدادت في العام الماضي—وهي أيضًا الأعلى في المنطقة. كما أن تفشّي الفساد يزيد من تآكل الثقة في الحكومة. وأشار الباروميتر العربي أيضًا إلى أن "أقل من واحد من كل خمسة يقولون أن الحكومة مستجيبة، وهي ثاني أقل نسبة مئوية في أي دولة شملها الاستطلاع". كما ذكر الاستطلاع أنه "عند البحث عن حلول للتحديات الاقتصادية، يريد الأردنيون من الحكومة خلق الوظائف ورفع الأجور والحد من التضخم". هذه بالتحديد هي نقاط الضعف الرئيسية أو الإخفاقات الصريحة لمعظم الاقتصادات العربية منذ الثمانينيات.

أكد فارس بريزات، خبير استطلاعات الرأي والمحلل الأردني المرموق، في مقابلة الأسبوع الماضي أن دراساته وجدت أن الثقة في الحكومة آخذة في التراجع لسنوات عديدة. وقال أن المواطنين الأردنيين "يتحدثون أكثر ولكن يشاركون سياسيًا أقل"، على سبيل المثال عن طريق التصويت أو الانضمام إلى الأحزاب السياسية، كما "تدفع الثقة المنخفضة في الأنظمة السياسية الناس إلى أنظمة أخرى"، أي الهجرة أو التهريب أو عصابات المخدرات، أو في حالات قليلة، الجماعات المتشددة.

في مؤشر الرأي العربي لعام 2022 المنشور مؤخرًا، وهو مسح إقليمي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة، قال 54 بالمئة من المواطنين أن الوضع الاقتصادي في بلادهم سيء أو سيء للغاية. وخارج منطقة الخليج الثرية، ترتفع هذه النسبة بشكل حاد.

وخلصت الدراسة إلى أن "أولويات مواطني المنطقة العربية متنوعة، لكن الكتلة الأكبر (60 بالمئة) قالت أن أولوياتها اقتصادية بطبيعتها". وأوضحت أن "أكثر من نصف المواطنين ذكروا أن البطالة وارتفاع الأسعار وسوء الأوضاع الاقتصادية والفقر هي أهم التحديات التي تواجه بلادهم". ويُعد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة من أكبر المشاكل التي تواجه سكان المنطقة، بحسب المؤشر، حيث أشارت أعلى نسبة من المستجيبين إلى ذلك باعتباره مصدر قلقهم الرئيسي منذ بدء المسح.

استمرت هذه الاتجاهات في جميع أنحاء المنطقة على مدى عقود، بين المواطنين العاجزين سياسيًا الذين أصبحوا أكثر خيبة أمل منذ الانتفاضات العربية التي فشلت في تحقيق الإصلاح السياسي السلمي. في دول مثل لبنان والعراق والسودان والجزائر، استمرت الاحتجاجات الشعبية حتى وقت قريب في محاولة لإسقاط النخب الحاكمة التي تصدرت هذه الكارثة الإقليمية. لكن الأنظمة الراسخة تجاهلت في الغالب مواطنيها الذين نزلوا إلى الشوارع، وفي بعض الحالات قتلت وجرحت واعتقلت المئات منهم.

ليس من المستغرب أن يعبّر المزيد والمزيد من العرب عن رغبتهم في الهجرة. من بين الغالبية العظمى من الذين يبقون في بلدانهم، ينجذب عدد قليل في نهاية المطاف إلى التطرف السياسي والتشدد. خلقت الاقتصادات الفاشلة أو المتوقفة مع تزايد عدم المساواة في ظل الأنظمة الأوتوقراطية الظروف المثالية للمعارضة الإسلامية السائدة مثل جماعة الإخوان المسلمين والتي نمت بسرعة منذ السبعينيات في العديد من البلدان العربية، وتبعهم إسلاميون متشددون مثل تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، الذين استغلوا اليأس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لجذب أتباع جدد. يحدث هذا عادة بين مجموعات صغيرة من الرجال أو حتى داخل العائلات، كما حدث مع المسلحين في معان الذين كانوا جميعًا من عائلة واحدة.

ظهرت مجموعات صغيرة من الإسلاميين المسلحين في معان منذ أواخر التسعينيات. في الاشتباكات الأخيرة الشهر الماضي، قالت الحكومة أن "التكفيريين" هم الذين قاتلوا وقتلوا ضباط الأمن—هو المصطلح الذي تستخدمه الحكومة الأردنية والحكومات العربية الأخرى لوصف الإسلاميين المتشددين. كما ألقت الدولة باللوم على تجار المخدرات والمهربين وغيرهم من الجماعات المماثلة لشن هجمات على أهداف للشرطة والحكومة في الماضي. لا يمكن لجميع هذه المجموعات أن تتجذر إلا عندما تتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل سيئ للغاية لدرجة أن المواطنين الذين كانوا فخورين وراضين أصبحوا يفقدون كل أمل ويسعون لتغيير عالمهم بالبندقية، حتى لو كان ذلك يعني قتل رجال الشرطة.

هذه هي علامة التحذير الحمراء الوامضة من معان. لكنها تظهر أيضًا في مئات البلدات والقرى الصغيرة الواقعة في المناطق النائية في العالم العربي، وفي الأحياء الحضرية الفقيرة والمهمشة في أكبر مدن المنطقة. لا يمكن تجاهلها إلى الأبد.

The funeral procession of a senior Jordanian police officer who was killed in clashes between police and protesters in Maan, Dec. 16, 2022. (Photo by AFP via Getty Images)

Source: Getty IMages

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.