يدرّس مايكل ويليس السياسة المغربية المعاصرة في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد. وهو مؤلف كتاب "السياسة والسلطة في المغرب العربي: الجزائر وتونس والمغرب من الاستقلال إلى الربيع العربي والتحدي الإسلامي في الجزائر: تاريخ سياسي".
English
ملاحظة المحرر: المقالة أدناه مقتبسة من كتاب "الجزائر: السياسة والمجتمع من العقد المظلم إلى الحراك"، الذي نشرته دار هيرست مؤخرًا.
في 2 أبريل/نيسان 2019، أعلن عبد العزيز بوتفليقة، 82 عامًا، استقالته من رئاسة الجزائر، تحت ضغط من الجيش القوي بعد أسابيع من الاحتجاجات الجماهيرية. أدى رحيله والظروف المحيطة بذلك إلى إغلاق فصل في تاريخ البلاد دام عقدين من الزمان. لقد كان فصلًا بدأ بثلاثة تغييرات ملحوظة في القيادة والمجتمع والاقتصاد في الجزائر في مطلع الألفية.
كان انتخاب بوتفليقة رئيسًا في أبريل/نيسان 1999، وهو المنصب الذي شغله لمدة 20 عامًا بالضبط حتى استقالته القسرية في عام 2019، أول هذه التغييرات وأكثرها وضوحًا. والثاني هو الارتفاع المطرد في الأسعار الدولية للنفط الذي بدأ في النصف الثاني من عام 1999 واستمر لأكثر من عقد من الزمان، ما أدى إلى مردود مالي للدولة الجزائرية—وهو اقتصاد ريعي كان يعتمد منذ فترة طويلة على وفرة النفط وموارد الغاز في البلاد. أخيرًا، كان هناك انخفاض ملموس في مستويات العنف الذي ميز "العقد الأسود" للحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، حيث انخفض بشكل مطرد وخاصة بعد مطلع الألفية. سمحت هذه التطورات الثلاثة بمجملها للجزائر بأن تكون بمنأىً نوعًا ما عن الاضطرابات وآلام الأزمة المالية وعدم استقرار القيادة السياسية، والأهم من ذلك، بعيدة عن الصراع المرير والدامي الناتج عن محاولة فاشلة لإدخال سياسة التعددية الحزبية.
قرب منتصف العقد الثاني من الألفية الجديدة، حدثت تغيرات لافتة للنظر في اثنتين من السمات الثلاثة المحددة لهذه الفترة. في أبريل/نيسان 2013، تعرض بوتفليقة لجلطة دماغية كبيرة، والتي داهمته أثناء حالته الصحية المتدهورة أصلًا منذ عام 2005، ما أدى إلى إعاقته الجسدية كرئيس لدرجة أنه نادرًا ما شوهد علنًا بعد ذلك. وكان الانخفاض الحاد في الأسعار الدولية للنفط، بدءًا من عام 2014، من أكثر العواقب بعيدة المدى بكثير، حيث فقد أكثر من 70 بالمئة من قيمته في 18 شهرًا فقط. وقد أدى ذلك إلى وضع سحابة مظلمة ضخمة ليس فقط على المالية العامة للدولة الجزائرية ولكن أيضًا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المستقبل، نظرًا لأهمية الزيادات الهائلة في الإنفاق الحكومي على الرواتب وخلق فرص العمل والإسكان والبنية التحتية على مدار العقد ونصف العقد الماضيين، بتمويل من عائدات ارتفاع أسعار النفط والغاز. كما كانت هناك مخاوف من أن تجدد المشاكل المالية قد يقوض مكانة التغير الثالث الذي ميز بداية ومسار رئاسة بوتفليقة: انخفاض مستويات العنف التي ميزت الصراع الأهلي في تسعينيات القرن الماضي.
لعب سخاء الدولة دورًا في ضمان استسلام واستمرار سلبية أعضاء الجماعات الإسلامية التي حملت السلاح ضد الحكومة في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعد أن ألغت الحكومة الانتخابات التي كانت جبهة الإنقاذ الوطني، وهي حزب إسلامي، على وشك الفوز بها. كما ساعدت التعويضات المالية الرسمية السخية على تهدئة غضب واستياء الضحايا وعائلاتهم من جميع أطراف النزاع، الذي أودى بحياة عشرات، وحسب بعض التقديرات مئات الآلاف من المدنيين. لا يمكن استبعاد عودة ظهور بعض العداوات التي تسببت في الحرب وكانت ناتجة عنها من خلال إنهاء المساعدة الملطفة من الدولة، لا سيما بالنظر إلى عدم حدوث أي اعتراف علني منهجي بالنزاع.
يشير ضعف كل من المعارضة السياسية الرسمية والمجتمع المدني المنظم إلى أنهما لن يكونا قادرين على حشد وتوجيه المظالم الشعبية التي ستنشأ لا محالة، لا سيما عندما أصبح الشعور بالأزمة المالية الوشيكة ماديًا أكثر. بدا من المحتمل أن هذا السخط سيظهر بطرق غير منظمة، بل فوضوية، حيث بدأ محليًا في نمط كان قد تطور بالفعل في جميع أنحاء الجزائر عند مستويات منخفضة. وبالنظر إلى عدم وجود أحزاب ومنظمات سياسية لتوجيه السخط، فمن الممكن أن يتحول بشكل متزايد إلى أعمال عنف.
لقد اندلعت التوترات الاجتماعية والسياسية بالفعل في الشوارع في عام 2019، لكن هذه التوترات اتخذت شكلًا وشخصية لم يتوقعها الكثيرون. في تناقض ملحوظ مع الاحتجاجات على مدى العقود السابقة، لم تسعَ الاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في عام 2019 إلى صياغة برنامج أيديولوجي راسخ ومحدّد أو برنامج مرتبط بتأكيدات الهوية اللغوية أو الثقافية أو الدينية. الأمر المدهش هو أن الإسلاميين والبربريين واليساريين ونشطاء حقوق المرأة كانوا حاضرين جنبًا إلى جنب في الاحتجاجات والمظاهرات في شوارع الجزائر العاصمة والمدن والبلدات الأخرى.
لقد اتحدوا في مطلب مركزي وهو رحيل بوتفليقة كرئيس أولًا، وبعد ذلك بقية النخبة السياسية الجزائرية المترسخة والغامضة—ما يسميه العديد من الجزائريين السلطات القائمة. والأكثر إثارة للدهشة، بالنسبة للمراقبين الخارجيين على وجه الخصوص، هو الغياب شبه الكامل لأي عنف في الاحتجاجات، على الرغم من حجمها الهائل وتنوعها الواضح. لم يمتنع المتظاهرون عن إتلاف الشوارع والمباني التي ساروا خلالها فحسب، بل شوهدوا أيضًا يقومون بتحسينها من خلال شن حملات تنظيف بعد انتهاء المظاهرات كل يوم.
أثار الطابع المتنوع والسلمي والمدني للاحتجاجات ذكريات الأيام الأولى لحركات الاحتجاج الجماهيري الأخرى التي ظهرت في أماكن أخرى في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2011، فيما أصبح يُعرف باسم الانتفاضات العربية أو الربيع العربي. ومع ذلك، سرعان ما ميزت حركة الاحتجاج الجزائرية، المسماة الحراك، نفسها عن الحركات السابقة الأخرى في المنطقة من خلال الحفاظ على هذه الاتجاهات على مدى الأسابيع والأشهر وحتى السنوات التي تلت ذلك. كان هذا الإنجاز رائعًا في حد ذاته، لكنه كان ذا أهمية خاصة في بلد كان معروفًا على نطاق واسع بتاريخ حديث من العنف الوحشي بشكل خاص. لم يشمل ذلك التاريخ "العقد الأسود" في تسعينيات القرن الماضي فحسب، بل يشمل أيضًا النضال الدموي الطويل من أجل الاستقلال عن فرنسا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وقد أدى ذلك إلى اتجاه واسع النطاق في العديد من الروايات الصحفية وحتى الأكاديمية للتاريخ الجزائري لتوصيفه بأنه إراقة شبه متواصلة للدماء ونزاع أدى إلى جعل مجموعة من السكان تميل بطبيعتها لأعمال العنف عند مواجهة الأزمات والمشاكل السياسية. لم تتجاهل هذه الروايات السياقات الخاصة والمختلفة للغاية في التسعينيات والخمسينيات من القرن الماضي فحسب، ولكنها أيضًا قدمت صورة نمطية مريبة وأضفت طابعًا جوهريًا على مجتمع بأكمله. قام المؤرخ جيمس ماكدوغال بتسليط الضوء على هذه الروايات وانتقدها في عام 2005، حيث ذكر أنه "لا توجد بُنية مجتمعية أو سياسية متأصلة للعنف، بصفتها خاصية فطرية أو قانونًا محددًا في التاريخ، تحول بطبيعتها دون خلق بدائل. ومهما كانت هذه الخيارات صعبة ومهما كانت احتمالية ظهور مثل هذه البدائل في ضوء ظروف العقد الماضي [في الجزائر]، فإنها لا تزال ممكنة بلا شك".
إنّ الطبيعة السلمية الدائمة لاحتجاجات الحراك التي ظهرت في عام 2019 قد سلطت الضوء على هذه الملاحظة، لأنها لم تخلق بديلًا فحسب، بل خلقت بديلًا كليًا لما يُفترض أنه متأصل في المجتمع الجزائري. علاوة على ذلك، لم يكن ذلك من قبيل الصدفة، بل كان اختيارًا واضحًا وواعيًا لا يمكن إنكاره من جانب المشاركين في المسيرات، الذين جعلوا الطبيعة السلمية لاحتجاجاتهم واحدة من ميزتين محددتين، حيث أن الأخرى هي الالتزام بالمثابرة. كما أن نبذ العنف لم يكن بمثابة تكتيك محسوب بعناية من قبل القيادة العليا للحراك. إنّ الغياب ذاته لأي قيادة من هذا القبيل، الذي كان مفقود في سياقات أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يؤكد أيضًا على مدى الشعور المتأصل بين مئات الآلاف من الجزائريين الذين شاركوا في الاحتجاجات.
إنّ الاختيار الواعي للمشاركين في الحراك لرفض التجربة السابقة التي كان يُفترض على نطاق واسع أنها تحدد تفكيرهم بطريقة أو بأخرى قد أكد قدرتهم على مواجهة الموروثات التاريخية التي كان من المفترض أنهم عاجزون عن مقاومتها. في الواقع، أصبح الالتزام الدائم بالاحتجاج السلمي الكامل وسام شرف للحركة، التي رأت نفسها على أنها تبدد التصور الراسخ عن الجزائريين على أنهم يميلون بشكل طبيعي نحو الصراع العنيف. إنّ تجربة الجزائريين المريرة في سفك الدماء والاضطراب قد أوجدت العزم على تجنب ذلك بأي ثمن، بدلًا من جعلهم أكثر عرضة لتكرار تلك الأحداث، وهي نتيجة لا ينبغي أن تكون مفاجئة.
وهكذا أظهر الحراك الديناميكية والشعور بالفاعلية اللذين تعامل بهما الجزائريون مع الموروثات التاريخية التي من المفترض أنهم كانوا يحملوها معهم. كانت الإشارات إلى النضال الجزائري من أجل الاستقلال عن فرنسا حاضرة بوضوح في شعارات ولافتات مسيرات ومظاهرات الحراك في عام 2019، وكان واضحًا جدًا أن مُثُل الثورة الوطنية—ليس أقلها الاقتناع العميق بأن الثورة وما تلاها من قيام الدولة الجزائرية كان بجهود عامة الناس وبالتالي فهي ملك لهم—كانت جزءًا كبيرًا من الحركة الاحتجاجية.
مثابرة الحراك كانت السمة المميزة الأخرى، حيث حافظت الاحتجاجات على مسيراتها الأسبوعية الجماهيرية في جميع أنحاء البلاد وخاصة في الجزائر العاصمة لأكثر من عام. جائحة كورونا فقط هي التي فرضت تعليقًا طوعيًا للاحتجاجات في مارس/آذار 2020. وأكد استئناف الاحتجاجات على نطاق واسع عبر المدن الرئيسية في الجزائر في فبراير/شباط 2021 أن الحراك الجماهيري والمطالب التي دفعته لم تختف خلال عام غيابها عن الشوارع. أثار إعادة تعليق الحراك تحت ضغط السلطات والجائحة في صيف 2021 تساؤلات حول ما إذا كان وجوده وتأثيره سيصبح نقطة انعطاف حقيقية في التاريخ الجزائري المعاصر. كان فشل ظهور الحراك مرة ثالثة في عام 2022 يرجع في الأساس إلى حملة منسقة من الاعتقالات والقمع من قبل سلطات الدولة.
مع حملة القمع التي شنتها الدولة، فشل الحراك أيضًا في تحقيق هدفه المتمثل في تأمين استبدال شامل للقيادة السياسية وإعادة صياغة النظام السياسي والاجتماعي في الجزائر، لجعله أكثر تمثيلًا وخضوعًا للمساءلة وأكثر فاعلية. حتى إذا تم إحياء الحراك للمرة الثالثة، كما هو مأمول ومخطط له من قبل قاعدة الدعم التي لا تزال كبيرة، فإن المبدأين المتمثلين في المثابرة واللاعنف يمكن أن يتلاشيا بمرور الوقت، ما يؤدي إلى تضاؤل المظاهرات ببطء أو انحرافها لتصبح احتجاجات أقل سلمية. إنّ عدم حدوث ذلك بعد يرجع إلى حد كبير إلى تصميم المشاركين على أن الجزائر لا ينبغي أن تتبع مصير العديد من حركات الاحتجاج التي ظهرت في جميع أنحاء المنطقة في الأشهر الأولى من عام 2011، على الرغم من أوجه الشبه الواضحة. في الواقع، هناك اقتناع قوي بأن الجزائر لا تخالف ببساطة اتجاهًا إقليميًا، ولكنها في الواقع تصوغ اتجاهًا جديدًا، قد تتبعه بقية الدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. يحرص العديد من الجزائريين على التأكيد بأن الجزائر كانت في كثير من الأحيان القائدة والدليل أكثر من كونها تابعة في المنطقة.
من غير المرجح أن العزيمة وحدها قادرة على إحداث التغييرات التي ينشدها الحراك. فعلى الرغم من الإيمان القوي بتفرد الجزائر، لا يمكن تجاهل أوجه التشابه مع فشل الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة في إزالة الأنظمة الاستبدادية أو الإطاحة بها خارج منطقة الشرق الأوسط—في ميانمار وبيلاروسيا وهونغ كونغ. بعد ما يقرب من أربع سنوات من بداية الحراك، لا يزال النظام السياسي الجزائري سليمًا بشكل أساسي ولم يتغير، على الرغم من التغيير الواسع النطاق للأفراد الذي حدث بعد استقالة بوتفليقة. لا تُظهر الشخصيات "الجديدة"—في الواقع، المعاد تدويرها—التي تولت مناصب رسمية في السلطة—الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش القوي الجنرال السعيد شنقريحة، من بين آخرين—أي نية حقيقية لاستبدال أو إصلاح هياكل القوة غير الشفافة والمتصلبة التي ورثوها.
على الرغم من أن هذه الهياكل تبدو وكأنها تحدد شكل النظام السياسي الجزائري، إلا أنها غير ملائمة إلى حد كبير وغير مهيأة للتعامل مع التحديات التي تلوح في الأفق، والتي تتجلى بالفعل في آثار انهيار عائدات الدولة من النفط والغاز. من المؤكد أن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة العالمية خلال العام الماضي، وخاصة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، قد خفف من الضغوط على المالية العامة للدولة. لكن سنوات نقص الاستثمار، والتوسع السريع في الاستهلاك المحلي، والابتعاد العالمي الطويل الأمد عن الوقود الأحفوري، كلها تعني أن الجزائر ستجد صعوبة في تحويل أسعار الطاقة المرتفعة إلى أكثر من مجرد فترة راحة مؤقتة. مع هزيمة الحراك الفعلية من قبل الدولة، من المرجح أن تحل الحركات الشعبية الأخرى مكانه حيث يسعى الجزائريون ليس فقط لتأمين قيادة سياسية أفضل وحياة أفضل لأنفسهم، ولكن أيضًا مستقبل يعتقدون بشدة أنهم يمتلكونه بعد تضحيات النضال ضد الاستعمار في الخمسينيات وأهوال التسعينيات من القرن الماضي.