فرح عبد الصمد كاتبة وناقدة فرنسية تونسية.
كنتُ في الثالثة والعشرين من عمري عندما رأيت شريط حياتي يمر بسرعة أمام ناظري في بورت أو برنس في وقت متأخر من بعد ظهر أحد أيام يناير/كانون الثاني. وفي ثوان، أدى زلزال إلى مقتل أكثر من 200,000 شخص، وترك أكثر من مليون آخرين في هايتي بلا مأوى. لقد نجوتُ ودعوتُ ربي ألا أرى رعبًا بهذا الحجم مرة أخرى أبدًا.
وبعد ثلاثة عشر عامًا، وبينما كنت أتابع أخبار الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة والذي دمر تركيا وسوريا في أوائل فبراير/شباط من هذا العام، تذكرتُ فجأة تجربتي الخاصة في هايتي. والآن، مع ظهور المزيد من الآثار المدمرة الناجمة عن زلزال الأسبوع الماضي الذي بلغت قوته 6.8 درجة في المغرب، عادت لي الذكرى مرة أخرى.
قبل كل هذه السنوات الماضية ومع حلول الليل، أصبحت مدينة بورت أو برنس، تلك المدينة النابضة والمفعمة بالحياة، هادئة بشكل مخيف. إنه الصمت الذي لن أنساه أبدًا. وفي نهاية المطاف، أصبحت دعوات المساعدة القادمة من تحت الأنقاض أكثر هدوءًا أيضًا. ولم يعرف أحد لفترة من الوقت من تقع عليه مسؤولية الإنقاذ حيث كانت الحكومة وبعثة الأمم المتحدة في هايتي، المعروفة باسم مينوستاه (MINUSTAH)، تبحثان عن الناجين كلٌ من جانبه. خلال تلك الساعات الحاسمة من اليأس والارتباك، تُرك الهايتيون ليواجهوا مصيرهم، تمامًا كما حدث مع العديد من الناجين الأتراك والسوريين والمغاربة.
من المحتم أن أشعر دائمًا بالارتباط العاطفي مع الغرباء في هذه اللحظات لأنني أستطيع تخمين الأفكار المتناقضة التي تتبادر إلى أذهانهم—تسلل الخوف الذي يشل الحركة، واندفاع الأدرينالين الذي يُبقي الناجين مستيقظين لعدة أيام مع خواء بطونهم. وفي حالة المغرب، أصبح هذا الواقع لا يطاق عندما كنت أحاول التواصل مع والدي، الذي كان في البلاد لعدة أسابيع. لقد كانت أطول ساعات حياتي. إنّ ما نجوتُ منه في هايتي لا يمكن مقارنته كثيرًا بالعجز الناجم عن عدم قدرتي على مساعدة أحد أحبائي في المغرب. (لكنه بخير)
ما أعقب الزلزال الأولي في هايتي في عام 2010 كان عبارة عن سلسلة من الهزات الارتدادية المرعبة، وعمليات الدفن المتسرعة، والعناية بالجرحى بكل ما يمكن للمرء جمعه من البنادول، والاندفاع لتحديد أماكن للغذاء والماء وتأمينها، والتساؤل عن سبب الوقت الطويل الذي تستغرقه فرق الإنقاذ في عملياتها ولوصول المساعدات إلى المحتاجين. رؤية هذا الأمر الذي حدث في عام 2023 جعلني أتساءل عن الدروس التي فشلنا في تطبيقها وما تخبرنا به استجابة هايتي حول ما لا ينبغي لنا فعله بمجرد اختفاء السحابة الإعلامية وقافلات المساعدات—لأنها ستختفي.
الكوارث الطبيعية ليست وحدها التي تسبب الموت الجماعي، ففي كثير من الأحيان تكون اللائمة على السياسات والأشخاص الذين يصيغونها.
- فرح عبد الصمد
كنتُ قد حصلتُ للتو على أول وظيفة مدفوعة الأجر لي مع الأمم المتحدة ووصلتُ إلى بورت أو برنس قبل شهر من وقوع الزلزال. ولم يتطلب الأمر الكثير من الخبرة حتى نلاحظ أن الصدمات وتضارب الأفكار خيمت على قراءة الأمور في الأيام التي تلت الزلزال. غادرتُ هايتي بعد أربعة أشهر، عدتُ وأنا مرهقة وخائبة الأمل.
كانت الاستجابة للزلزال في هايتي بمثابة فشل كارثي بكل المقاييس، فقد كانت فوضوية وضارة ومهدرة. ومع ذلك، أعرب الأشخاص المشاركون في عمليات الإغاثة في البداية عن فكرة التفاؤل الخافت. لقد كنت معهم في أغلب غرف اتخاذ القرار خلال الأيام القليلة الأولى، مستمعة إلى الكيفية التي قدمت بها الأزمة الفرصة للبدء من جديد على أسس جديدة وتصحيح أوجه القصور التي شابت الماضي. وكان لهذا الاعتقاد شعار (تبنته إدارة بايدن لاحقًا في سياق مختلف تمامًا) وهو "إعادة البناء بشكل أفضل". وكان لذلك أيضًا مناصره الشهير بيل كلينتون، الذي تم تعيينه رئيسًا مشاركًا لهيئة التخطيط والاستشارية التي يفترض أن تقودها هايتي والتي تسمى "اللجنة المؤقتة لتعافي هايتي". وبدعم من الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية، مُنحت اللجنة تفويضًا للبدء في إعادة بناء البلاد في غضون 18 شهرًا فقط.
لقد أدى الدمار الذي شهده العالم في هايتي إلى تدفق التبرعات التي تم توجيهها عبر قنوات غير مهيأة ومشكوك فيها في بعض الأحيان. وكان الجميع—من دافعي الضرائب المتواضعين إلى وكالات المعونة، ومن المشاهير إلى الشركات الخاصة، وحتى الطوائف الدينية—يريدون الانضمام إلى جهود التعافي. أصبحت مدينة بورت أو برنس، التي أضحت مقبرة مؤلمة مغطاة بالحطام والركام، ساحة تجريبية لمختلف "المبادرات" والتقاط الصور الفوتوغرافية في مرحلة ما بعد الزلزال. لكن المزيد لا يعني نتائج أفضل أو أكثر فعالية.
لقد جاءت النتائج أقل من التوقعات بشكل شنيع. أتى وذهب الأجانب إلى ومن هايتي. وقد قام معظمهم ببساطة بمجرد صرف بدل المخاطر، في انتظار أسبوع الراحة والاستجمام في ميامي أو بونتا كانا. وانتشرت سيارات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مواقف السيارات بالمطاعم والنوادي الليلية الفاخرة التي لا تزال تعمل في بورت أو برنس، بينما انتشرت مخيمات المشردين والنازحين في جميع أنحاء المدينة. ولم يتم الحفاظ على سلامة النساء الناجيات والأطفال.
ولم يحصل الهايتيون على الكثير من المبالغ التي تعهدت بها الجهات المانحة والتي تقدر بـ 10 مليارات دولار. حتى أن بعثة الأمم المتحدة غطت على دورها في انتشار وباء الكوليرا الذي أودى بحياة الآلاف من الأشخاص. وبعد ستة أشهر من وقوع الزلزال، تم تسليم أقل من 2 في المئة من مساعدات إعادة الإعمار الموعودة.
ويمكن أن نقول بوضوح أنه لم يتم إعادة بناء هايتي بشكل أفضل. وبدلًا من ذلك، أدت الوعود الفارغة بعد الزلزال إلى تغذية مستويات غير مسبوقة من فشل الحوكمة واستياء واسع النطاق وعدم المساواة والعنف الذي لا يرحم. وفي عام 2021، قُتل الرئيس جوفينيل مويز بالرصاص في منزله على يد مرتزقة، حيث كانت أكثر من 90 عصابة مسلحة تعمل بشكل مطرد على توسيع سيطرتها على العاصمة. وللمرة الأولى على الإطلاق، وصل الجوع في العام الماضي إلى مستويات كارثية في أفقر أحياء بورت أو برنس، منطقة سيتي سولاي المترامية الأطراف والتي ظلت لفترة طويلة واحدة من أكثر المجتمعات المهملة في هايتي. هناك مناقشات متقدمة حول نشر قوة متعددة الجنسيات—بقيادة كينيا ولكن بدعم رئيسي من الولايات المتحدة والأمم المتحدة—للحد من صعود العصابات في هايتي.
هايتي ليست تركيا أو سوريا أو المغرب. كل هذه البلدان لها تاريخ معين وتقاليد سياسية وتوترات متصاعدة وخصائص اجتماعية وثقافية. لكن العودة بالزمن إلى الوراء توضح لنا كيفية التمييز بين الأحداث المتكررة واستخلاص الملاحظات المشتركة. الكوارث الطبيعية لا تسبب الموت الجماعي وحدها، ففي كثير من الأحيان تكون اللائمة على السياسات والأشخاص الذين يصيغونها. بعد أسابيع من زلزال هايتي، ضرب تشيلي زلزال أقوى، ما أسفر عن مقتل 521 شخصًا—أي أقل من 0.3 في المئة من الضحايا في هايتي. لماذا؟
كان الإسكان في هايتي ضعيفًا وغير ملائم بشكل خطير، وكان يعاني من عيوب في البناء التي جعلت المباني تنهار بسرعة في الزلزال. ولا يزال هذا هو الواقع حتى يومنا هذا، وله عواقب وخيمة. غالبًا ما يقلل العمال ورؤساء العمال استخدام الأسمنت لتحقيق أرباح صغيرة. والأسر إما لا تعرف أو لا تستطيع في بعض الأحيان شراء مواد بناء باهظة الثمن، دون أن تدرك الخطر الذي تضع نفسها فيه. وغالبًا ما يتم التحايل على تراخيص البناء، ونادرًا ما تتم عمليات التفتيش على أي حال.
وعلى الرغم من نشر الفرق الهندسية لمراجعة السلامة الهيكلية للمباني القليلة التي ظلت قائمة بعد الزلزال في عام 2010، وقانون البناء الجديد الذي تم اعتماده في عام 2012، فإن الكوارث الطبيعية اللاحقة—الأعاصير والعواصف الاستوائية والزلازل—جلبت نصيبها من الأضرار التي يمكن تجنبها. وفي الزلزال الذي ضرب جنوب هايتي عام 2021، تدمّر أو تضرر 137,000 مبنى، وتحولت العديد من البلدات بالكامل إلى أنقاض، مثلما حدث في مدن أخرى في عام 2010. فبدون تدابير إنفاذ قوية، يصبح الامتثال بلا معنى. وفي بلد معرض لمخاطر مثل الزلازل، لا ينبغي أن يكون التخطيط الحضري اختياريًا أو ترفًا.
وبعيدًا عن قطاع البناء، فإن تسييس المساعدات في عام 2010 والسنوات التالية خدم مصالح المانحين بينما همّش الاحتياجات والأصوات المحلية. ووسط المواعيد النهائية والتصورات المصطنعة التي يفرضها المانحون، لم يكن للهايتيين في كثير من الأحيان رأي يذكر في كيفية ومكان وتوقيت تسليم جهود الإغاثة. وبقيت الأموال في أيدي كيانات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية. وذكر تقرير للأمم المتحدة أنه تم صرف 0.6 في المئة فقط من المساعدات بين عامي 2010 و2012 إلى المنظمات والشركات الهايتية، وأقل من 10 في المئة إلى الحكومة الهايتية.
في نهاية المطاف، يمثل هذا رفضًا للاستثمار في قدرات الدولة والمجتمع المدني لمنع الأزمات المستقبلية والاستجابة لها. ويساهم في زرع المزيد من بذور عدم الثقة في بلد له تاريخ مرير من الاستغلال الأجنبي.
فشلت الاستجابة الدولية الضخمة لزلزال هايتي في عام 2010 في توفير أي راحة أو كرامة للناجين. إنها قصة تحذيرية لا ينبغي تكرارها.
- فرح عبد الصمد
عندما أرى الصور المؤلمة القادمة من تركيا وسوريا والآن المغرب، أفكر في ما تغير وما لم يتغير منذ 13 عامًا. دائمًا ما تضرب الكوارث المناطق المحرومة والمهملة بشدة. ففي حالة سوريا جعلت عقود من التخلف وعدم المساواة الهيكلية والحرب بعض السكان أكثر عرضة للخطر من غيرهم. وفي تركيا، حيث صوّر الرئيس رجب طيب أردوغان النمو الاقتصادي في طفرة بناء محمومة، فإن "النظام الذي يضمن تشييد المباني بشكل آمن وفقًا للقواعد كان ملوثًا بالمال والسياسة"، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز التي أضافت: "لقد أعطى هذا النظام الأولوية للسرعة على القواعد والخبرة الفنية." ولقي أكثر من 50,000 شخص حتفهم في جنوب تركيا بعد أن انهارت بسرعة آلاف المباني—بما في ذلك العديد من المباني الجديدة التي توصف بأنها "مقاومة للزلازل".
وفي شمال سوريا، إلى جانب قوانين البناء الرديئة أو غير الموجودة، كانت هناك حاجة إلى "إيواء الأعداد الهائلة من النازحين في أسرع وقت ممكن"، في مساكن كثيفة ومؤقتة في كثير من الأحيان، كما كتب روبن ياسين كساب بعد زلزال فبراير/شباط. وأضاف أن "سنوات من قصف الأسد والقصف الروسي، حتى في الساعات التي تلت ذلك الزلزال الهائل، أدت إلى إضعاف أساسات آلاف المباني".
وعلى جانبي الحدود التركية السورية، كان هناك تأخير لا يغتفر في تسليم المساعدات للناجين، ما يعني ضياع فرص المساعدة الثمينة. في الأيام القليلة الأولى بعد الزلزال، كما ذكر ياسين الحاج صالح، "لم تعبر الحدود التركية إلى سوريا سوى المركبات التي تحمل جثث اللاجئين السوريين—وليس المساعدات والمعدات اللازمة لإنقاذ الناس من أنقاض المباني المنهارة، ولا الإمدادات الطبية التي يحتاجها الناس بشكل كبير، ولا ملاجئ مؤقتة لحماية الخائفين والمصابين من البرد القارس".
لا ينبغي للسوريين أن يعيشوا على المساعدات المتأرجحة لمدة عشر سنوات أخرى قبل أن تضربهم الكارثة التالية كما حدث مع الهايتيين. وفي المغرب، أشار أحد الناجين في الجبال خارج مراكش، وهي منطقة مشهورة بالسياح، إلى أن الحكومة سمحت فقط ببناء المنازل التقليدية المبنية من الطوب اللبن هناك، والتي أصبحت مصائد للموت عندما انهارت. وقال "السلطات تمنعنا من استخدام الأسمنت. حتى لو كانت منازلنا قديمة، لا يُسمح لنا بتجديدها لأنه يجب الحفاظ على قيمتها التاريخية وجذب السياح".
فجأة أصبح العالم يهتم بالمغرب مع تسليط الضوء على الأزمة من قبل الصحفيين الأجانب ومع التزامات المساعدات، ولكن إلى متى؟ ولا أزال أسترجع ذكريات هايتي حين أعطينا خُفية حصص جيشنا من الطعام إلى جيراننا في هايتي لأنهم لم يتلقوا أي طعام على الإطلاق بعد مرور أسبوع على وقوع الزلزال، في حين تناول العاملون في المجال الإنساني 3,000 سعرة حرارية في كل وجبة وشربوا حتى ذهبت أحزانهم.
كانت الاستجابة الدولية الضخمة لزلزال هايتي في عام 2010 تحمل آمالًا كبيرة، ولكن باعتبارها نموذجًا للتعافي وإعادة الإعمار، أفضى بها الأمر إلى إدامة الإهمال والاستغلال الذي جعل هايتي معرضة للخطر في المقام الأول. والأهم من ذلك كله أنها فشلت في توفير أي راحة أو كرامة للناجين. إنها قصة تحذيرية لا ينبغي تكرارها.
"نشعر بأننا مهجورون هنا. لم يأت أحد لمساعدتنا"، هكذا قالت خديجة أيتلكيد (43 عامًا)، وهي إحدى الناجيات من منطقة الأطلس الكبير في المغرب، لأحد المراسلين وهي على أنقاض قريتها الجبلية النائية. وتساءلت: "لقد انهارت منازلنا.. أين سيعيش كل هؤلاء؟"