سيف الدين فرجاني محلل سياسي تونسي يعيش في المملكة المتحدة. يكتب عن الشؤون الإقليمية لشمال إفريقيا، وبالأخص تونس وليبيا.
English
عندما قام الرئيس قيس سعيّد بحلّ مجلس نواب الشعب التونسي في 30 مارس/آذار، لم يكن ذلك مستغربًا. فحينها كان قد نصّب نفسه محل مجلس القضاء الأعلى وأغلق هيئة مكافحة الفساد واستخدم مجموعة من الإجراءات غير العادية لإجراء اعتقالات شاملة وترهيب منتقديه منذ انقلابه الصيف الماضي. لقد استجاب للتحدي المباشر الأول لاستيلائه على السلطة—حيث التقى المشرعون التونسيون لأول مرة منذ أن علّق سعيّد البرلمان وصوت البرلمان على منع سلطات الطوارئ التي منحها سعيّد لنفسه العام الماضي—من خلال التخلص من المجلس التشريعي بأكمله.
بالنسبة لأولئك النواب الذين تحدّوا دكتاتورية سعيّد واجتمعوا افتراضيًا قد يواجهون الآن اتهامات "بتشكيل جمعية إجرامية" من أجل "تعريض الدولة للخطر وإحداث الفوضى،" والتي قد تأتي بعقوبة سجن مدتها 20 عامًا أو حتى عقوبة الإعدام، في إطار قانون مكافحة الإرهاب التونسي الفضفاض الخطير. إنها علامة أخرى على أنه بالرغم من كل مقاومة بعض القضاة التونسيين، إلا أن القضاء أصبح الآن إقطاعية شخصية لسعيّد. كما أن الأجهزة الأمنية القريبة منه تنصاع لأوامره.
لكن على نحو متزايد، تنحاز القوى الأخرى التي كان من المفترض أن تحمي الديمقراطية التونسية إلى جانب سعيّد أيضًا. فقد ساعده الجيش الذي أقسم على حماية الدستور في تهميش القوى الأخرى، عندما أغلقت دبابات الجيش البرلمان وقبلت استحواذ سعيّد على سلطة شبه مطلقة، وبلغ الأمر ذروته مع حلّ البرلمان.
ذكر الجيش مرارًا للمراقبين الأجانب على أنه طرف محايد، بينما تقوم المحاكم العسكرية باعتقال ومحاكمة معارضي سعيّد. والأهم من ذلك كله، يواصل الجيش الاعتراف بسلطة سعيّد، لأن سعيّد يتحدى الدستور من خلال الحكم بمرسوم ويفكك الديمقراطية التي ينص عليها الدستور. إنّ الديكتاتور الذي زعم أنه حلّ البرلمان "لحماية الحكومة والمؤسسة والشعب التونسي" يواصل تفتيت البلاد التي كُلِّف الجيش بالحفاظ على سلامتها.
الجيش ليس وحده في هذا التواطؤ المتزايد. فقد أظهرت العديد من الديمقراطيات الغربية قدرًا ملحوظًا من السلبية تجاه الهدم المنهجي الذي يقوم به سعيّد للديمقراطية التونسية. اختارت بعض الدول مداراة سعيّد، ما أتاح له الوقت لترسيخ سلطته، كل ذلك بينما ينهار المجتمع والدولة تحت وطأة عاصفة كبيرة من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
لا يمكن للعالم أن يقول أنه لم يكن يُعر انتباهًا لما يحدث في تونس. فقد كانت دول مثل فرنسا تدعم سعيّد قبل وقت طويل من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي استحوذ على الاهتمام العالمي. الولايات المتحدة، من جانبها، تجنبت وصف انقلاب سعيّد بأنه "انقلاب"، لأنه سيؤدي قانونًا إلى تعليق المساعدة المالية الأمريكية لتونس. بينما نشاهد الفظائع في بوتشا وماريوبول، لا يسع المرء إلا أن يفكر في ما كان سيحدث إذا استجابت الدول الغربية بقوة أكبر للانحراف الاستبدادي الروسي في وقت سابق، وتأثيراته من سوريا إلى ليبيا. لسوء الحظ، سيتعين علينا أن نتعايش مع العواقب المترتبة على مثل هذا التطبيع مع الديكتاتورية.
بالنسبة لتونس، يعني ذلك التعايش مع الأهوال التي لا مفر منها والتي تأتي مع كل نظام استبدادي ومع كل ديكتاتور، والتي تفاقمت الآن بسبب الحرب في أوكرانيا. من الواضح أن الفوضى وحالة عدم الاستقرار تلوح في الأفق. مع تزايد الطوابير على الخبز وزيادة التقتير وارتفاع تكلفة الوقود، يتعامل التونسيون مع موجات من الصدمات الناتجة عن حرب فلاديمير بوتين. تونس معرضة للخطر بشكل خاص في منطقة تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية من روسيا وأوكرانيا، 56 في المئة من جميع وارداتها من القمح على مدى السنوات الخمس الماضية جاءت من هذين البلدين. لكن الأمور ستزداد سوءًا بسبب عدم وجود أي مساءلة أو تدقيق على سلطة سعيّد، أو سلطة دائرته الداخلية.
من المرجح أن يرتفع الفساد، ما يؤدي إلى مزيد من التمزق في الاقتصاد. سيجد مسؤولو الشرطة والأمن، الذين لا تغطي رواتبهم احتياجات عائلاتهم، صعوبة متزايدة في مقاومة الرشاوى، لأن ترقيات سعيّد الجديدة في الأجهزة الأمنية أكثر استعدادًا لغض الطرف عن مثل هذه المخالفات مقابل الولاء والخضوع لنظام سعيّد الجديد. يمكن أن تتفشى الرشاوى من العقود الأجنبية والربح من القمح والواردات الأخرى بسبب النقص وبسبب حملة سعيّد ضد أي شخص، بما في ذلك الصحفيين والقضاة، الذين يمكن أن يفضحوا مثل هذه الجرائم.
كقائد متمرد لا يثق في الدولة، أجاز سعيّد ثقافة الإفلات من العقاب. فالبلطجية ينصاعون لأمره، إذ أصبحت المعاملة التعسفية لأعضاء البرلمان والمسؤولين المنتخبين مثل وزير العدل السابق ونائب النهضة نور الدين بحيري هي الوضع الطبيعي. ويتعرض صحفيون مثل شهرزاد عكاشة للمضايقة مع تقلص حرية الصحافة.
إذا لم تتخذ الدول الغربية موقفًا ضد تفكيك الديمقراطية في تونس، فعليها أن تستعد للعواقب الحتمية. سعيّد يزيد من قسوته مفضّلًا اكتساب المزيد من السلطة على الاستقرار، ويقسم تونس إلى "خونة" وأتباع له. لا بد أن يكون هناك تكاليف مفروضة عليه وعلى دائرته الداخلية من الوزراء وأفراد الأسرة، في شكل عقوبات أو عزلة دولية، ناهيك عن مجرد تسميتهم وفضحهم في غضون تقليص سيادة القانون في تونس إلى كونك مع الرئيس أو ضده.
تونس في حاجة ماسة إلى المساعدة حيث أن الحرب في أوكرانيا تتسبب في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ما أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية المستمرة منذ فترة طويلة. لكن هل يمكن الوثوق بسعيّد وزمرته لحل هذه الأزمة أو إدارة أي مساعدة من هذا القبيل، في ظل ثقافة الإفلات من العقاب والافتقار التام للمساءلة؟ مع وجود سعيّد على رأس السلطة، ينتظر تونس مستقبل مظلم. إنّ قبول كل ما يفعله—الاستيلاء غير القانوني على السلطة والتعليق الفعلي للدستور وحل البرلمان وتولي القضاء وإحياء الدولة البوليسية وشيطنة أي شخص له رأي مختلف—لن يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على الجحيم الذي يأتي مع كل هذه القوة التي لا رادع لها.
أظهر التاريخ أنه، في نهاية المطاف، إما أن سعيّد سوف ينقلب على المجموعة الحالية من المقربين الذين وضعهم حوله، وإما سينقلبون عليه، بمنطق سلطوي من خلال التضحية بأي شخص باسم التمسك بالسلطة بينما تنهار الأمور حول النظام. لكن هذا لا ينبغي أن يجلب الطمأنينة لأحد، ولن يُرضي الجماهير اليائسة. في كلتا الحالتين، ستفقد تونس ديمقراطيتها وتستمر الديكتاتورية. لا تستطيع الديمقراطيات الغربية أن تقول أنه ليس لها دور فيما ستصبح عليه تونس إذا استمرت في دعم سعيّد وتجاهل انتهاكاته.