كوروش زياباري صحفي إيراني ومراسل لصحيفة آسيا تايمز.
قامت خمس مدارس للفتيات على الأقل في إيران بالابلاغ عن وقوع حالات تسمم في نهاية عطلة نوروز الأخيرة، مما زاد من حالات تسمم طالبات المدارس في البلاد منذ أواخر العام الماضي. ففي مدينة تبريز، تم نقل 20 تلميذة إلى المستشفى هذا الأسبوع بسبب صعوبات في التنفس، وفقًا لرئيس قسم الطوارئ بالمقاطعة، بحسب ما أوردته وكالة أنباء إيسنا الإيرانية شبه الرسمية. وفي الشهر الماضي، أعرب خبراء الأمم المتحدة عن غضبهم من الهجمات، التي أدت في ذلك الوقت إلى تسمم أكثر من 1,200 تلميذة في جميع أنحاء إيران. وحذر الخبراء من أنه "ما زلنا منزعجين بشدة من حقيقة أن سلطات الدولة، لعدة أشهر، لم تفشل فقط في التحقيق السريع في الحالات، بل نفتها مرارًا وتكرارًا حتى وقت قريب".
استغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر للمسؤولين الإيرانيين للرد على موجة تقارير عن إصابة الطالبات بالتسمم ونقلهن إلى المستشفى بعد استنشاق غازات سامة في المدارس. وقعت الحادثة الأولى في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما تم نقل 18 طالبة من مدرسة نور الفنية في مدينة قم إلى المستشفى بعد تعرضهن لصعوبة في التنفس وخفقان في القلب والصداع. وفي الأيام التي تلت ذلك، تم استهداف أكثر من 10 مدارس للبنات في نفس المحافظة.
لم تأخذ السلطات الإيرانية هذه التقارير المبكرة على محمل الجد، واصفة الحوادث بأنها مجرد "شائعات". وبنفس طريقة التعامل مع معظم الأزمات في إيران، لم تحرك السلطات ساكنًا حتى أصبح الأمر ضجة وطنية. لم يتم تحديد مصدر حالات التسمم حتى الآن، ولكن هناك قاسم مشترك واحد: إطلاق غازات سامة في مجمعات مدارس البنات من قبل مجهولين، ما أدى إلى حالات دخول للمستشفى، ثم تهافت أولياء الأمور على إخراج بناتهم من الفصول الدراسية خوفًا من حدوث هجمات مماثلة.
في أواخر فبراير/شباط، قال نائب وزير الصحة الإيراني، يونس بناهي، أنه "أصبح من الواضح أن بعض الناس يريدون إغلاق جميع المدارس، وخاصة مدارس البنات". وأكد بيانه الشكوك التي تراود عدد متزايد من الإيرانيين بأن عمليات التسمم كانت مستهدفة ومتعمدة—وهو عمل يشتبه أن خلفه عناصر متطرفة داخل المؤسسة الدينية تعارض تعليم الفتيات والتي سعت إلى فرض سياسة إيرانية مشابهة لما تقوم به حركة طالبان متمثلة في إبعاد النساء والفتيات من الحياة العامة.
"يعمل الحرس الثوري الإيراني بسرعة في تحديد واعتقال نشطاء حقوق المرأة والصحفيين، وبشكل عام، المعارضة بمجرد أن يتحدوا أوامر الدولة. كيف استغرقت الدولة شهورًا لاتخاذ أي إجراء؟"
-نادية أغتائي
ووفقًا للأرقام الأخيرة الصادرة عن جماعات حقوق الإنسان والمسؤولين الحكوميين، فقد أصيب ما مجموعه 7,000 طالبة بالتسمم في 28 من أصل 31 محافظة إيرانية منذ نوفمبر/تشرين الثاني. وقد تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير، بالنظر إلى محدودية المعلومات التي تشاركها الحكومة حول حجم حالات التسمم الجماعي. في أوائل مارس/آذار، على سبيل المثال، أفادت مقاطعة خوزستان وحدها أنه تم إصابة 700 طالبة بالتسمم حيث تم نقلهن إلى العيادات الصحية، ولا يزال 200 منهن يتلقين العلاج. وأفادت وكالة أسوشيتد برس، نقلًا عن جماعات حقوق الإنسان الإيرانية، أن ما لا يقل عن 290 مدرسة تعرضت للهجوم.
تجمع في العديد من المدن أولياء الأمور القلقين أمام مكاتب المقاطعات التابعة لوزارة التعليم واحتجوا على لامبالاة وعدم تحرك الحكومة. تصاعدت الانتقادات لإدارة الرئيس إبراهيم رئيسي المحافظة بشكل كبير لفشلها في حماية الطلاب، حيث ينتقد الجمهور الساخط الحكومة غير الكفؤة ويعتقدون أنها لا تهتم باستهداف الطلاب، وخاصة الفتيات، بهذه الطريقة وبشكل جماعي.
أول شخص قُبض عليه فيما يتعلق بحوادث التسمم لم يكن مشتبهًا به، بل صحفي أبلغ عن الهجمات، وهو علي بورتاببائي، محرر موقع إخباري محلي غطى استهداف المدارس في قُم، حيث تم اعتقاله صباح 5 مارس/آذار. لم يتم تقديم سبب رسمي لاعتقاله، لكن هناك تكهنات واسعة النطاق بأن السلطات احتجزته لدوره في نشر خبر أول حالة تسمم مدرسي في مدينة قم، المركز الديني الإيراني، والمدينة التي تضم نصف رجال الدين الشيعة في البلاد. كان اعتقاله شهادة على حقيقة أن الجمهورية الإسلامية ترى أن نشر أخبار عن الأزمات هو مصدر القلق الحقيقي وليس الأزمات نفسها.
لكن في مواجهة الغضب الشعبي المتصاعد، استجابت القيادة الإيرانية في نهاية الأمر. ففي 6 مارس/آذار، وصف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عمليات التسمم بأنها "جريمة كبرى لا تُغتفر" وقال أن أي شخص يقف وراءها "يجب أن يواجه أقصى عقوبة". ثم أعلن كبير القضاة في إيران، غلام حسين محسني إيجي، أن أي شخص متورط في الهجمات على المدارس سيُتهم بارتكاب "فساد في الأرض"، والتي بموجب قانون العقوبات الإسلامي الإيراني يعاقب عليها بالإعدام.
وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية في 12 مارس/آذار أنه تم اعتقال حوالي 100 شخص في 11 مقاطعة في جميع أنحاء البلاد لصلتهم بهجمات التسميم. لكن بيان الوزارة أثار المزيد من التساؤلات حول طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة، خاصة على خلفية الاحتجاجات الجماهيرية التي تقودها النساء الإيرانيات في الخريف الماضي. وأشارت الوزارة إلى أن من بين المعتقلين أشخاص لديهم "دوافع معادية" بهدف جعل الإيرانيين "يشككون في المؤسسات". حتى أن نائبًا محافظًا ذهب إلى حد الادعاء بأن هؤلاء المشتبه بهم على اتصال بأجهزة استخبارات أجنبية، بما في ذلك الأجهزة الإسرائيلية. وعلى الرغم من أنه لا يوجد شيء واضح في هذه المرحلة والتحقيقات لا تزال جارية، إلا أن مزاعم وجود صلات مع جهات تجسس أجنبية، وخاصة المخابرات الإسرائيلية، تعتبر كذبة مألوفة للمتشددين الإيرانيين، لا سيما في القضايا ذات الأهمية الأمنية الوطنية.
يتساءل العديد من الإيرانيين والمراقبين في الخارج عن سبب عدم قيام الحكومة باتخاذ أي إجراء ضد من يقف وراء حالات التسمم المدرسي—ولماذا تنتظر دولة بوليسية مثل إيران وقتًا طويلًا قبل نشر ضباط لحراسة المدارس بعد إصابة العديد من الطلاب بهذه الطريقة. بطريقة ما لم تكن الحكومة المتعنتة التي لديها أجهزة أمنية سيئة السمعة وكبيرة—والتي يمكنها بسهولة تتبع واعتقال امرأة تنشر صورة لنفسها على وسائل التواصل الاجتماعي في مطعم بطهران تتناول الطعام بدون الحجاب الإجباري—غير قادرة على تعقب واعتقال الأشخاص الذين يدخلون المدارس في وضح النهار لإطلاق الغازات السامة في الفصول الدراسية. بالنسبة للعديد من الإيرانيين، بدا هذا الفشل غير قابل للتصديق.
قالت نادية أغتائي، وهي محاضرة بارزة في النوع الاجتماعي والعنف في جامعة بريستول، في إشارة إلى الحرس الثوري الإسلامي القوي: "يعمل الحرس الثوري الإيراني بسرعة في تحديد واعتقال نشطاء حقوق المرأة والصحفيين، وبشكل عام، المعارضة بمجرد أن يتحدوا أوامر الدولة. كيف استغرقت الدولة شهورًا لاتخاذ أي إجراء؟"
"هناك بعض الألغاز التي لم يتم حلها بشأن حوادث التسمم. ومع ذلك، فإن بعض جوانبها واضحة: فهي متعمدة وتنتشر وتحدث في سياق الاحتجاجات التي استمرت لأشهر لثورة "المرأة، الحياة، الحرية".
- منى تاجالي
وإلى جانب رفض السلطات الصحية مشاركة التفاصيل الكاملة لتشخيص حالات التسمم مع الآباء في عدة حالات، تغذي هذه الأسئلة افتراضين مهيمنين حول هجمات التسميم بين العديد من الإيرانيين. أولًا، قد يكون هناك أصوليون دينيون يريدون تخويف الفتيات من المدارس ورفع تكلفة وصول المرأة المستمر إلى التعليم على المدى الطويل. ثانيًا، ربما كانت بعض العناصر الرجعية للغاية داخل النظام الإيراني متعدد الطبقات تتطلع إلى الانتقام من الفتيات الشابات لدورهن المحوري في حركة الاحتجاج الأخيرة، اللواتي احتشدن حول شعار "المرأة، الحياة، الحرية".
قالت منى تاجالي، الأستاذة المشاركة في العلاقات الدولية ودراسات المرأة والنوع الاجتماعي والجنس في كلية أغنيس سكوت: "هناك بعض الألغاز التي لم يتم حلها بشأن حوادث التسمم. ومع ذلك، فإن بعض جوانبها واضحة: فهي متعمدة وتنتشر وتحدث في سياق الاحتجاجات التي استمرت لأشهر لثورة "المرأة، الحياة، الحرية".
وأضافت أن "طالبات المدارس والصور ومقاطع الفيديو التي شاركوها [عن احتجاجاتهم] تحدثت بوضوح عن مستوى غضبهن وفقدان شرعية النظام في أعينهن. من الممكن أن تكون مثل هذه الأعمال التي تقودها النساء والفتيات، والتي دعمتها قطاعات كبيرة من المجتمع أيضًا وأظهرت دعمها لها، جعلت القوى المتطرفة داخل النظام تشعر بالتهديد الشديد، وبالتالي حفزها على الانتقام أو للحفاظ على الوضع الأبوي الراهن".
نادرًا ما كان تعليم المرأة في إيران أمرًا مثيرًا للجدل على الرغم من القيود العديدة المفروضة على حقوق المرأة. وعلى الرغم من انتشار الفصل بين الجنسين، ومنع النساء من الالتحاق بعشرات التخصصات الجامعية، لم يكن حق الفتيات والنساء في الدراسة وتلقي التعليم المدرسي والجامعي محل نزاع على نطاق واسع منذ الثورة الإسلامية.
ووفقًا لشيرفين مالك زاده، الأستاذ المساعد الزائر في جامعة كولجيت، فإن تمكين النساء من الدراسة هو إحدى الطرق التي تؤكد بها الجمهورية الإسلامية شرعيتها وترسم نفسها كدولة إسلامية ذات أيديولوجية حديثة. كما أنه لا يستبعد وجود فصائل متطرفة، تستعد للاستفادة من كل فرصة لبث الخوف في نفوس النساء والفتيات الإيرانيات وتثبيطهن عن السعي للحصول على التعليم. لكن هذه القوى لم تنجح إلى حد كبير في عرقلة تلك المسارات إلى التعليم.
وقال شيرفين مالك زاده: "لم تتمكن الفصائل المتطرفة، على الأقل منذ عهد [الرئيس السابق أكبر هاشمي] رفسنجاني، وحتى خلال السنوات الفظيعة لـ [الرئيس السابق محمود] أحمدي نجاد، من فرض أو تحقيق وجهات نظرها الرجعية في مجال التعليم. وللتأكيد مرة أخرى، يحتاج منطق المؤسسة الدينية ومصالحها، وكذلك السلطات المسؤولة عن الجهاز البيروقراطي الذي يدير المدارس في مرحلة ما قبل الجامعة والتعليم الجامعي، إلى نجاح المرأة".
لقد ألهم توطيد حركة طالبان للسلطة في أفغانستان المجاورة، والتغلغل الذي حققته في إقصاء الفتيات والنساء الأفغانيات من الحياة العامة، رجالَ الدين الأكثر تطرفًا والتيارات السياسية في إيران. ومن المحتمل أن يكونوا قد اكتسبوا الشجاعة مما يرونه يحدث في أفغانستان وقد يستفيدون من التكتيكات الجديدة، بما في ذلك ترويع تلميذات المدارس، ليحذوا حذو حركة طالبان.
قد تحاول كتائب المتشددين أيضًا ردع الفتيات والشابات عن المدارس والجامعات نظرًا لتطور التعليم في إيران في السنوات الأخيرة. فلم يعد تعليم الفتيات في إيران مواتًيا كما كان في السابق لتدريب نساء متحمسات وتقيات و "وثوريات" يخدمن الأهداف الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية، حيث أصبحت الطالبات أكثر نقدًا وليبرالية من خلال التعليم الذي يتلقونه.
تقول نادية أغتائي: "في الوقت الحالي، يعد التعليم قوة تعبئة في إيران للنساء، وقد فشلت محاولة الدولة أسلمة المجتمع من خلال التعليم. هذا هو السبب في وجود وجهة نظر مفادها أن أولئك الأشخاص داخل المؤسسة الدينية يريدون عكس سياسات التعليم في الدولة وإجبار الطالبات على البقاء في المنزل".