الإنزال الجوي للمساعدات الدولية يُظهر مدى إعاقة إسرائيل للمساعدات الحيوية، وهو غير كاف لتجنب المجاعة والإبادة الجماعية، ويسلط الضوء على الحاجة إلى الحماية الدولية .
(نيويورك، 2 مارس/آذار، 2024)– قالت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) اليوم السبت أنه يجب على مجلس الأمن الدولي أن يتحرك بشكل عاجل لإنشاء قوة حماية دولية لحماية المدنيين الفلسطينيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة كمحاولة أخيرة لتجنب وقوع مجاعة وشيكة هناك.
وإذا تم إعاقة إنشاء مثل هذه القوة في مجلس الأمن الدولي من خلال فيتو أمريكي أو فشل في التوصل إلى توافق في الآراء، فيجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعقد من جديد الجلسة العاشرة لـ "متحدون من أجل السلام" وأن تأذن بمثل هذه القوة بنفسها. إنّ عمليات الإنزال الجوي الأخيرة للمساعدات، والتي تتم الآن بمشاركة القوات الجوية الأمريكية، غير كافية لمواجهة الكارثة المستمرة في غزة وتشير إلى الحاجة لوجود قوات عسكرية دولية للمساعدة في استقرار الوضع.
وقالت سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة (DAWN): نحن بحاجة ماسة إلى أن يأذن مجلس الأمن الدولي بإنشاء قوة حماية دولية لضمان توصيل الغذاء بشكل آمن وفعال إلى الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الذين يتضورون جوعًا، تمامًا كما حدث في حالات الصراعات الكارثية الأخرى. وأضافت: من المأساوي أنه بدون مثل هذا التدخل، أصبح من الواضح أن إسرائيل ستستمر في منع هذه المساعدات عمدًا، وهو السبب الوحيد للمجاعة الوشيكة في غزة.
مذبحة بحق المدنيين الذين يطلبون المساعدات، ومجاعة وشيكة، بينما تستخدم إسرائيل التجويع كسلاح في الحرب
في 29 فبراير/شباط، قُتل ما لا يقل عن 117 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 750 آخرين بعد أن فتحت القوات الإسرائيلية النار على مدنيين تجمعوا عند قافلة من شاحنات الغذاء جنوب غرب مدينة غزة، ما سلط الضوء على يأس السكان المدنيين الذين يتضورون جوعًا وعدم قدرتهم على الوصول إلى المساعدات الإنسانية بشكل آمن. وقد أوقفت المنظمات الإنسانية الدولية جميع عمليات تسليم المساعدات إلى شمال غزة لمدة أسبوعين تقريبًا بسبب انعدام الأمن، وهو نتيجة مباشرة لإجراءات وسياسات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك استهداف قوات الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين توصيل المساعدات. وبحسب بعض التقارير، حذرت إدارة بايدن إسرائيل الأسبوع الماضي من أن "غزة تتحول إلى مقديشو" كنتيجة مباشرة لأفعالها. وفي اليوم نفسه، اجتمع مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة دعت إليها الجزائر بشأن ما يوصف الآن بـ "مذبحة الطحين"، لكن الأعضاء فشلوا في الاتفاق على بيان حول مقتل وجرح المدنيين الذين يطلبون المساعدات.
وفي اجتماع لمجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع تحت رعاية قرار مجلس الأمن رقم 2417، حذرت وكالات الأمم المتحدة من أن ما لا يقل عن 576,000 شخص في غزة يواجهون ظروفًا تشبه المجاعة. وأشار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى أنه ستكون هناك "مجاعة حتمية" في القطاع الفلسطيني المحاصر، وسط تقارير متزايدة عن وفاة أطفال جوعًا مع استمرار إسرائيل في عرقلة توصيل المساعدات إلى السكان. وقال كارل سكاو، نائب رئيس برنامج الأغذية العالمي، أمام مجلس الأمن الدولي في 28 فبراير/شباط، أن غزة تشهد "أسوأ مستوى من سوء التغذية لدى الأطفال في أي مكان في العالم"، حيث يعاني طفل واحد من بين كل ستة أطفال تحت سن الثانية من سوء التغذية الحاد. وأضاف: وصف المدنيون وجماعات الإغاثة نقص الغذاء بأنه رهيب لدرجة أن الناس يلجأون إلى أوراق الشجر وأغذية الطيور وأنواع أخرى من علف الحيوانات للحصول على قوتهم.
ووجد تقرير جديد للبنك الدولي أن إجمالي الناتج الاقتصادي في غزة قد انكمش بأكثر من 80 في المئة في الربع الأخير من عام 2023، وأن 80 إلى 96 في المئة من البنية التحتية الزراعية في غزة قد تضررت أو دُمرت، وحوالي 80 في المئة من سكان غزة فقدوا وظائفهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنه منذ بداية الحرب على غزة في 9 أكتوبر/تشرين الأول، أدى القصف الانتقامي والهجوم البري الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 30,000 شخص، منهم أكثر من 10,000 طفل، وإصابة أكثر من 70,000 شخص.
وقالت سارة لي ويتسن: إنّ العالم أجمع يراقب بفزع إسرائيل وهي تقوم بتجويع الفلسطينيين عمدًا، ليس فقط من خلال إعاقة توصيل المساعدات، بل أيضًا من خلال إطلاق النار وقتل الأشخاص الذين يحاولون يائسين الحصول على بضعة أكياس من الدقيق. وأضافت: إذا لم يكن لدى المجتمع الدولي الشجاعة لمحاسبة إسرائيل على فظائعها وإنهاء هذا الاعتداء البشع والإبادة الجماعية على المدنيين الفلسطينيين، فإن أقل ما يمكنه فعله هو إنشاء قوة حماية تابعة للأمم المتحدة لضمان التوصيل الآمن للمساعدات.
وانخفض تسليم المساعدات إلى قطاع غزة منذ أن أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف قتل وجرح الفلسطينيين وضمان توفير المساعدات الإنسانية. وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرًا كيف تستخدم الحكومة الإسرائيلية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب في غزة، حيث تمنع عمدًا توصيل المياه والغذاء والوقود، بينما تتعمد إعاقة المساعدات الإنسانية، ومن الواضح أنها تقوم بتدمير المناطق الزراعية وحرمان السكان المدنيين من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم. "وأدلى المسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، ووزير الطاقة إسرائيل كاتس، بتصريحات علنية أعربوا فيها عن هدفهم المتمثل في حرمان المدنيين في غزة من الغذاء والماء والوقود—وهي تصريحات تعكس سياسة تنتهجها القوات الإسرائيلية. وصرح مسؤولون إسرائيليون آخرون علنًا أن المساعدات الإنسانية لغزة ستكون مشروطة إما بإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس بشكل غير قانوني أو تدمير حماس". وقد تفاخر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخرًا بالسماح فقط بدخول الحد الأدنى من المساعدات إلى غزة.
وقالت نبال فرسخ، المتحدثة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أن الجيش الإسرائيلي استهدف عدة قوافل مساعدات بالقرب من معبر رفح في غزة. كما قالت أن ضباط الشرطة في غزة يساعدون عادة في تأمين قوافل المساعدات التي تدخل مدينة رفح وكذلك تلك المتجهة إلى الشمال ويمنعون نهبها، لكن هذا لم يعد هو الحال منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي في استهداف تلك القوافل.
الإنزال الجوي الدولي للمساعدات
منذ بداية الحرب، قام الأردن والعديد من الدول الأخرى بإسقاط المساعدات جوًا على غزة، في محاولة لضمان وصول بعض المساعدات على الأقل إلى السكان المدنيين هناك. وفي 2 مارس/آذار، نفذت القوات العسكرية الأمريكية عمليات إسقاط جوي خاصة بها، حيث أسقطت ثلاث طائرات تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز (C-130s) 66 حزمة من المواد الغذائية، ولكن لم يتم توفير المياه أو الإمدادات الطبية.
ومع ذلك، كما حذرت مجموعات الإغاثة الدولية، فإن عمليات الإنزال الجوي هذه غير فعالة وغير كافية لتلبية الاحتياجات الماسة لسكان غزة، وتسلط الضوء بشكل صارخ على الضرورة الملحة لوجود قوات حماية دولية لمعالجة الأزمة في غزة. في الواقع، تثبت عمليات الإنزال الجوي هذه فشل المجتمع الدولي في توصيل المساعدات بأي طريقة فعالة. وقالت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إغاثة مقرها نيويورك، في بيان يوم السبت، أن "عمليات الإنزال الجوي لا يمكن أن تحل محل وصول المساعدات الإنسانية. إنّ الإنزال الجوي ليس هو الحل لتخفيف هذه المعاناة، فهو يشتت الوقت والجهد عن الحلول المثبتة للمساعدات على نطاق واسع". وقال ريتشارد جوان، مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، على وسائل التواصل الاجتماعي: "يشكو العاملون في المجال الإنساني دائمًا من أن عمليات الإنزال الجوي تمثل فرصًا جيدة لالتقاط الصور، ولكنها طريقة رديئة لإيصال المساعدات".
وقال مايكل شيفر عمر مان، مدير الأبحاث للشؤون الفلسطينية في منظمة (DAWN): "يعلم الجميع في العالم أن أنصاف الحلول، مثل عمليات الإسقاط الجوي لتوزيع حزم صغيرة من المساعدات، لن تفعل شيئًا لوقف المجاعة الوشيكة في غزة، ولن تفعل شيئًا لإنهاء عرقلة إسرائيل القاسية والوقحة للغذاء والماء والأدوية الحيوية للسكان الفلسطينيين هناك." وأضاف: "في حين أن الولايات المتحدة قد تعتقد أنها ستحرز بعض النقاط الكبيرة لظهورها وكأنها تساعد الفلسطينيين المحتاجين، إلا أن عمليات الإنزال الجوي لن تبدأ في تعويض حقيقة أنها تواصل تزويد إسرائيل بدعم عسكري غير محدود وحماية سياسية لتنفيذ فظائعها، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح حرب".
القوة الدولية
يجب على مجلس الأمن الدولي أن يتحرك بشكل عاجل لإنشاء قوة حماية دولية لحماية حياة المدنيين الفلسطينيين في غزة من العنف والمجاعة وضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق من خلال القنوات القائمة، على أن يتم نشرها في غضون 30 يومًا. وينبغي أن تكون المهام الأساسية لمثل هذه القوة لحفظ السلام أو قوة الحماية الدولية هي تسهيل التسليم الفوري ودون عوائق للمساعدات الإنسانية والمساعدات الأخرى ومواد إعادة الإعمار. ويمكن لهذه القوة أيضًا أن تعمل كوسيط محايد لرصد أي انتهاكات للقانون الدولي والإبلاغ عنها لدعم التحقيقات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ما يضمن على الأقل قدرًا من المساءلة والشفافية. ويمكن لمثل هذه القوة أيضًا أن تبدأ جهود نزع السلاح وتبدأ عملية بناء قوة أمنية فلسطينية جديدة لاستعادة النظام بمجرد انتهاء مهمة الأمم المتحدة.
وقال رائد جرار، مدير المناصرة في منظمة (DAWN): "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نشاهد الفلسطينيين الذين نجوا من حملة القصف الإسرائيلية غير المسبوقة في غزة وهم يتضورون جوعًا حتى الموت. تستخدم البلدان بالفعل قواتها العسكرية لإسقاط المساعدات جوًا، وعليها الآن استخدام قواتها العسكرية لإنشاء قوة حفظ سلام حقيقية وفعالة".
يتمتع مجلس الأمن الدولي بسلطة محددة لاتخاذ إجراءات بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2417، الذي تم إقراره بالإجماع في عام 2018، والذي يهدف إلى تحفيز المجلس على اتخاذ إجراء عندما يكون هناك خطر حدوث مجاعة ناجمة عن النزاع تؤثر على السكان المدنيين. ويأذن القرار لمجلس الأمن الدولي باتخاذ الخطوات المناسبة لضمان الوصول الآمن ودون عوائق إلى المساعدات الإنسانية، وفرض عقوبات على الدول، مثل إسرائيل، التي ترفض هذه المساعدات بشكل غير قانوني. ويمكن لمثل هذه الخطوات، بل ينبغي لها، أن تشمل إنشاء قوة حماية في غزة بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وتفويضها بحماية المدنيين والقانون والنظام والإشراف على إعادة إعمار غزة تحت إشراف فلسطيني ودولي.
وإذا واجه مثل هذا الإجراء فيتو من قبل الولايات المتحدة أو أصيب مجلس الأمن الدولي بالشلل مرة أخرى بسبب العديد من عمليات الفيتو—أو التهديد باستخدام الفيتو—التي استخدمتها الولايات المتحدة للحفاظ على حصانة إسرائيل من العقاب، فإنه يجب على الدول الأعضاء تقديم قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة (تحت إطار قرار "متحدون من أجل السلام" الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 1950 [القرار 377 (د)]) بإنشاء قوة لحفظ السلام في غزة بموجب الفصل السادس. وينص قرار "متحدون من أجل السلام" على أنه "إذا فشل مجلس الأمن، بسبب عدم إجماع أعضائه الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الأساسية عن صون السلام والأمن الدوليين في أي حالة يبدو فيها أن هناك تهديدًا للسلام أو إخلالًا بالسلام أو وقوع عمل عدواني، تنظر الجمعية العامة في الأمر فورًا.".
اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت إطار "متحدون من أجل السلام" إحدى عشرة مرة، منذ حملة سيناء عام 1956، والتي أسفرت عن نشر أول قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة (UNEF1). ولا تزال الدورة العاشرة لمؤتمر "متحدون من أجل السلام" نشطة، وقد انعقدت آخر مرة في ديسمبر/كانون الأول 2023 لمعالجة الأزمة في غزة والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار. وإذا لم يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ إجراء فوري وحاسم، فيجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعقد جلستها العاشرة مرة أخرى.
هناك سوابق واسعة النطاق لإنشاء قوات حماية دولية لتجنب وقوع كارثة إنسانية وضمان سلامة وأمن المدنيين الذين يتعرضون للهجوم، حتى في خضم الحروب المستمرة. ففي عام 1999، أنشأ مجلس الأمن الدولي قوة كوسوفو (KFOR)، عندما وصلت قوات حفظ السلام إلى الأرض في كوسوفو في غضون 90 يومًا من إنشاء عملية حفظ السلام. وفي عام 1992، أنشأ مجلس الأمن قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة (UNPROFOR) "لخلق ظروف السلام والأمن المطلوبة للتفاوض على تسوية شاملة للأزمة اليوغوسلافية". وفي عام 1974، أذن مجلس الأمن الدولي لقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) "بالحفاظ على وقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والسورية والإشراف على تنفيذ اتفاق فض الاشتباك". كما أذن مجلس الأمن الدولي لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AMISOM) عدة مرات بالعمل كقوة حماية هناك منذ عام 2006. وفي عام 2001، أذن مجلس الأمن الدولي للقوة الدولية للمساعدة الأمنية (ISAF) في أفغانستان "لتمكين الحكومة الأفغانية من توفير أمن فعال في جميع أنحاء البلاد وتطوير قوات أمن أفغانية جديدة." كما أنه يوجد لدى إدارة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة حاليًا 11 عملية حفظ سلام نشطة.