في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، تلقيتُ دعوة من قسم التاريخ القانوني والدستوري في جامعة فيينا للتحدث في ندوة دولية قادمة حول كتابي المنشور مؤخرًا "الظلم/العدالة الانتقالية وفرض السلام على فلسطين". وعد مؤتمر "العدالة الانتقالية والعولمة: وجهات نظر لامركزية" بجمع كبار الباحثين في العدالة الانتقالية لمناقشة وانتقاد بعض التحديات الرئيسية التي تواجه هذا التخصص العلمي مع استمراره في التطور. قبلتُ الدعوة، وقدمتُ ملخصًا وسيرة ذاتية، وبدأتُ في وضع خطط للحضور في شهر مايو/أيار.
وبعد حوالي أربعة أشهر، في 12 مارس/آذار، تلقيتُ رسالة بريد إلكتروني تلغي فجأة تلك الدعوة. وجاء في الرسالة الإلكترونية: "نبعث لك بهذه الرسالة لإبلاغك أنني بصفتي المشرف على المشروع، ألغي دعوتك للتحدث في الندوة الدولية". وتابعت الرسالة الإلكترونية: "المؤسسة المنظمة، جامعة فيينا، ونحن كباحثين قانونيين وتاريخيين في النمسا، نتحمل مسؤولية خاصة لضمان بيئة آمنة ومحترمة في وقت تتزايد فيه جرائم الكراهية المعادية للسامية". وأضافت الرسالة: "نظرًا لتصريحاتك على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لفتت انتباهي مؤخرًا، لا يمكننا أن نعطيك الفرصة للتحدث في ندوتنا".
وعلى الرغم من إدراكي الكامل للمناخ الحالي في العالم الأكاديمي، حيث يتم وصم حتى المنتقدين المعتدلين للسياسات الإسرائيلية بسرعة بأنهم معادون للسامية و"موالون لحماس"، ما يؤدي إلى رقابة ذاتية واسعة النطاق من قبل الباحثين الذين يخشون ردود فعل عنيفة من مؤسساتهم، إلا أن رسالة إلغاء دعوتي صدمتني في البداية، وشعرتُ بخيبة أمل مؤقتة. إن كتابي الجديد الذي دُعيتُ للحديث عنه، والذي تم ترشيحه لجائزة ميدل إيست مونيتور لكتاب فلسطين لعام 2023، هو فحص نقدي للتأثير الانكماشي للعدالة الانتقالية، عند تطبيقها في سياق استعماري استيطاني مثل فلسطين. ومن خلال تحدي نموذج بناء السلام الليبرالي، فإن الكتاب يوضح كيف أن "السلام" بالنسبة للفلسطينيين كان دائمًا يعتمد على تنازلات واسعة النطاق، والأهم من ذلك، غياب أي شكل فعلي من "العدالة".
إنّ الرقابة على الكتابة تشق طريقها في المؤسسات الأكاديمية في أوروبا بسبب التعبير عن الدعم لفلسطين والانتقادات المشروعة لإسرائيل والصهيونية، وذلك في أعقاب توجهات مماثلة في الولايات المتحدة.
- بريندن سياران براون
على مدار أكثر من 14 عامًا، وهو ما يمثل كامل حياتي المهنية كأكاديمي، كنتُ أسافر ذهابًا وإيابًا إلى المنطقة، لإجراء الأبحاث وإنشاء مشاريع تعاونية مع شركاء فلسطينيين وتعزيز فرص التدريب لطلابي. لدي مجموعة واسعة ومتنوعة من الأعمال الأكاديمية المنشورة التي تركز على مجموعة من القضايا في فلسطين، وقد كتبتُ العديد من المقالات الافتتاحية حول فلسطين وتمت دعوتي للتحدث عن أعمالي في عدد من المؤسسات الأكاديمية العالمية الرائدة—والتي لم يسبق لأي منها في أي وقت مضى فعل ما قامت به جامعة فيينا الشهر الماضي.
وبطبيعة الحال، كل هذا يتضاءل عندما تفكر في حقائق الرعب المستمر الذي يُمارس ضد الفلسطينيين في غزة، الذين ما زالوا تحت القصف الإسرائيلي ويواجهون الآن مجاعة مع استمرار إسرائيل في منع تدفق المساعدات الإنسانية (وقتلت إسرائيل الآن في غارات جوية مستهدفة عاملين في منظمات إغاثة دولية يوزعون الطعام على الناس). بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس، فإن عنف المستوطنين وهدم المنازل والغارات العسكرية الإسرائيلية هي واقعهم اليومي. بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بالرقابة وقمع الانتقاد، فإن العالم الأكاديمي مليء بأمثلة من الباحثين الذين عانوا أسوأ بكثير مما مررتُ به، بما في ذلك العديد من الزملاء الشجعان الذين تم إيقافهم عن العمل أو الذين فقدوا وظائفهم بسبب التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
في حالتي، بدلًا من الإذعان لتلميحات منظمي المؤتمر في جامعة فيينا، والتي تضمنت ربط اسمي وشخصيتي بجرائم الكراهية المعادية للسامية، قررتُ التواصل بالمدعوين المتبقين مباشرة. من خلال مراسلتي عبر البريد الإلكتروني بشكل خاص، دون إبلاغ الآخرين بإلغاء دعوتي، بدا لي أن المنظمين كانوا يأملون في أن أتقبل ذلك بهدوء. ولكن لو فعلتُ ذلك، لكنتُ قد انخرطت في رقابة ذاتية أكاديمية—وهي إشكالية في أفضل الحالات، ومستحيلة في اللحظة الحالية حيث يواجه الفلسطينيون في غزة إبادة جماعية معقولة من قبل إسرائيل، كما قضت محكمة العدل الدولية في أمرها المؤقت في يناير/كانون الثاني. لذلك قررتُ استعادة بعض القوة التي تم تجريدي منها للحظات. لقد قمتُ بإرسال رسالة البريد الإلكتروني التي تلقيتُها إلى بقية الحاضرين في المؤتمر وقمتُ بمشاركة تفاصيل الموضوع بأكمله علنًا، مع التحدث عن الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي، المصدر المزعوم لإلغاء دعوتي.
اختار بعض زملائي الحاضرين إرسال بريد إلكتروني إلى المنظمين يطلبون فيه التوضيح بشأن التلميحات المزعومة. ولم يتم تقديم أي شيء كتابيًا على شكل ما يسمى "أدلة"، باستثناء رد المشرف على المشروع الذي يشير إلى القرار الذي تم التوصل إليه باعتباره "معقدًا". وتم تقديم عرض لمناقشة هذا القرار مع أي شخص مهتم، على انفراد من خلال اتصال عبر برنامج "زوم". بعبارة أخرى، قرر منظمو المؤتمر في جامعة فيينا عدم تلبية طلب التوثيق كتابيًا لأسباب إلغاء دعوتي.
لم يتم تضميني في أي من رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها "المشرف على المشروع" إلى بقية الحاضرين—لكن بدا لي دليلًا آخر على محاولة دق إسفين بيني وبين المشاركين الآخرين. لقد تم تشويه شخصي وسمعتي المهنية مرة أخرى. ومن خلف ظهري، كان نفس الأشخاص الذين قاموا بإلغاء دعوتي للمؤتمر يقولون للمشاركين الآخرين في المؤتمر إنني، كباحث في العدالة الانتقالية، لم أكن عضوًا مناسبًا للتحدث في ندوة حول العدالة الانتقالية.
وعلى الرغم من أنني لا أعرف أيًا من المشاركين الآخرين شخصيًا، إلا أنني ممتن للقلة الذين طلبوا المزيد من المعلومات، والذين رفضوا بعد ذلك المشاركة في تمثيلية التواصل عبر برنامج "زوم" مع "المشرف على المشروع" الذي كان يأمل في تبرير رقابتهم. كما أنني ممتن لأحد المتحدثين المدعوين الذي تواصل بي على انفراد ليقول لي إنه لن يحضر الندوة بعد الآن، ما يدل بوضوح شديد على أن التضامن هو فعل وليس مجرد رسائل بريد إلكتروني تعبّر عن القلق.
لقد أصبحت محاولات تخويف الأساتذة والطلاب، أو إسكاتهم تمامًا، أمرًا طبيعيًا في هجوم صارخ على القيم التي تقوم عليها الحرية الأكاديمية.
- بريندن سياران براون
ماذا حدث بعد ذلك؟ في 24 مارس/آذار، بعد حوالي 12 يومًا من تلقي خطاب إلغاء دعوتي، تم إلغاء الندوة بأكملها. واقترح المنظمون فعالية بديلة، وهي ندوة عبر الإنترنت لمدة نصف يوم حول موضوع "حرية التعبير"، وهو الأمر المثير للسخرية.
هناك فرق كبير بين أن تقرأ وتعرف عن "استثناء فلسطين من حرية التعبير" وبين أن تكون أنت الشخص الذي يخضع للرقابة ويتم وصمك بالتهمة الكاذبة بمعاداة السامية. هذه ليست مبالغة في ردة الفعل، بالتأكيد ليست كذلك. إنّ الرقابة على الكتابة تشق طريقها في المؤسسات الأكاديمية في أوروبا بسبب التعبير عن الدعم لفلسطين والانتقادات المشروعة لإسرائيل والصهيونية، وذلك في أعقاب توجهات مماثلة في الولايات المتحدة. لقد أصبحت محاولات تخويف الأساتذة والطلاب، أو إسكاتهم تمامًا، أمرًا طبيعيًا في هجوم صارخ على القيم التي تقوم عليها الحرية الأكاديمية. وهذا يتجاوز مسألة فلسطين وإسرائيل إلى القدرة الأساسية للجامعة على تعزيز حرية البحث والنقاش. وكما حذرت نادية أبو الحاج، الأستاذة في كلية بارنارد وجامعة كولومبيا، فإن "الحملات الرامية إلى قمع حرية التعبير في الجامعات—وخارجها—لن تنتهي بهذه الملاحقة على وجه التحديد".
يجب علينا كباحثين أن نظل يقظين ومستعدين للتصدي علنًا لمحاولات إسكاتنا أو فرض الرقابة علينا بسبب خطابنا حول فلسطين. ويجب علينا أيضًا أن نتجنب الرقابة الذاتية خوفًا من التوبيخ أو النبذ على نطاق أوسع. إذا كنا ملتزمين حقًا بحرية التعبير، فيجب علينا أن نُظهر التضامن مع الزملاء الذين يخضعون للرقابة أو يواجهون الانتقام (سواء من مؤسستهم الخاصة أو من خارجها) لأنهم تجرأوا على التحدث نيابة عن كل تلك الأصوات الفلسطينية التي يتم محوها حرفيًا. وإذا لم نفعل ذلك، فإن عملنا في الجانب الأكاديمي سوف يصبح ببساطة: "أكاديميا" بأسوأ معانيه.