زها حسن محامية في مجال حقوق الإنسان وزميلة زائرة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
ملاحظة المحرر: هذا المقال مقتبس من ورقة بحثية تم تقديمها في ورشة عمل حول شروط المساعدة شارك في استضافتها DAWN مع مركز MIT للدراسات الدولية.
نادرًا ما كانت الولايات المتحدة تسترشد بمخاوف حقوق الإنسان فقط في سعيها لتحقيق أهدافها في الخارج. بالتأكيد، كخط أساس، يجب أن يسترشد الانخراط الخارجي الأمريكي بمبدأ "لا ضرر في المقام الأول،" والذي يعني في الأساس إدماج حماية حقوق الإنسان بشكل واضح في سياستها الخارجية. ومع ذلك، لكي يكتسب هذا المبدأ بعض الاهتمام في دوائر صنع السياسة في واشنطن، يجب أن يُفهم على أنه يعزز الأمن القومي والمصالح الأمريكية، بدلًا من إعاقتها.
إذن، ما هي الحجة القائمة على المصلحة التي تدعم سياسة "لا ضرر"، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تضمن أنها ليست متواطئة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا؟ إنّ وجود نوع مختلف من الانخراط يوفر مقياسًا للتوفيق بين التزامات حقوق الإنسان الأمريكية، بموجب القوانين الأمريكية والدولية، وأهداف سياستها الخارجية من شأنه أن يخدم مصالح الولايات المتحدة وهو أمر ممكن بالفعل. إليكم طريقة فعل ذلك.
اعتبار المعايير مصلحة وطنية. التمسك بالنظام الدولي القائم على القواعد هو مصلحة أمريكية في حد ذاتها. ومع ذلك، لا يوجد عمل تحليلي كافٍ لإظهار الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي يكون فيها هذا الأمر صحيحًا. يميل صانعو السياسات والمحللون إلى إعطاء المخاوف الجيوسياسية أهمية أكبر من التقيد بالالتزامات والحقوق القانونية، كما لو لم تكن هناك صلة بين الأمرين.
من أجل فهم المصالح الوطنية للولايات المتحدة في أي وقت أو سياق معين، ينبغي على صانعي السياسة الاعتراف بالفكرة القائلة بأن الحفاظ على الأطر المعيارية هو حقًا مصلحة أمريكية من الدرجة الأولى، وتفعيل ذلك على الواقع. وذلك لأن التنفيذ الفعال لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية سوف يقوضه الفشل في الحفاظ على القانون الدولي وحمايته، وخاصة معايير حقوق الإنسان.
يؤدي احترام المعايير الدولية ومواءمة السياسة الخارجية الأمريكية مع تلك المعايير إلى تعزيز الشرعية الدولية لمواقف السياسة الأمريكية وتقوية الانخراط الأمريكي في جميع المجالات في مناطق أخرى. على سبيل المثال، عندما تتبنى الولايات المتحدة تدابير فعالة لضمان أن وحدات الشرطة في الخارج التي تلقت تدريبات أمريكية لا تسيء استخدام الأسلحة في انتهاك لحقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة تعيد تأكيد القيم التي يجب على الشرطة الالتزام بها في الداخل. يعزز ذلك الاتساق بين قيمنا فيما يتعلق باستخدام القوة في ضبط الأمن الداخلي وتلك الموجودة في الخارج ويدعم مصداقية الولايات المتحدة كجهة فاعلة تحافظ على المعايير.
جعل صنع السياسات أكثر تنوعًا وشمولية. إن الافتقار إلى التنوع والشمول في صنع القرار في واشنطن يحد من نطاق السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان. إنّ حقيقة أن صانعي السياسة أنفسهم لا يعكسون عمق واتساع التجربة الأمريكية يشكّل نوع الانخراط الذي تعطيه الولايات المتحدة الأولوية في الخارج، والبلدان التي تتعامل معها. ستبتعد خيارات السياسة الأمريكية عن اهتمامات حقوق الإنسان عندما لا يكون الأشخاص الأكثر تأثراً بسياسات الولايات المتحدة—ولا سيما الفئات المهمشة مثل اللاجئين والنساء والمحرومين—جزءًا من العملية الاستشارية لصنع السياسات.
كجزء من معالجة عدم المساواة العرقية، عيّنت إدارة بايدن أول مسؤول للتنوع والشمول في وزارة الخارجية. يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان وخبراء الدول دعم عمل هذا المكتب الجديد وتقديم أفكار حول كيفية التوفيق بين عمليات وزارة الخارجية والقيم الأمريكية بشكل عام وتنفيذ السياسة الأمريكية في الخارج.
من خلال المشاورات مع مسؤول التنوع والشمول، يمكن للمدافعين عن حقوق الإنسان والخبراء تسليط الضوء على القضايا ذات الاهتمام في بلد معين والمساعدة في تحديد المجموعات المحرومة المعرضة بشدة للتأثر سلبًا بخيارات السياسة الأمريكية. يمكن بعد ذلك تضمين نتائج هذه المشاورات في تقييمات الأثر على حقوق الإنسان—وهي الخطوة الرئيسية التالية.
جعل تقييمات الأثر على حقوق الإنسان إلزامية. قبل تحديد خطة عمل أو اتجاه للسياسة الخارجية، يجب أن يُطلب من صانعي القرار في واشنطن إجراء تقييم الأثر الذي يحدد ما إذا كانت القوانين الفيدرالية مثل قانون المساعدات الخارجية وقانون مراقبة تصدير الأسلحة ستتعارض مع اقتراح معين.
ويكون تقييم مدى احترام حقوق الإنسان ومدى توافق المساعدات الأمنية مع احتياجات الدفاع عن النفس المشروعة خاصًا بكل سياق. يجب على صانعي القرار النظر في الاستخدام التاريخي لأنظمة الأسلحة من قبل دولة أجنبية، وكذلك تحديد أماكن النشر المحتملة لأنظمة الأسلحة المنقولة إلى ذلك البلد، بالنظر إلى الحقائق السياسية القائمة على الأرض.
تقييد استخدام الأسلحة وطلب المزيد من التقارير. يجب أن تتضمن المساعدات الأمنية الأمريكية لجميع الحكومات الأجنبية تعليمات واضحة بشأن توقعات واشنطن المتعلقة بالمنح أو المبيعات. على سبيل المثال، يجب على الولايات المتحدة أن تحظر على وجه التحديد استخدام أنظمة أسلحة أو ذخائر معينة في الأراضي المحتلة، وفرض قواعد اشتباك واضحة على استخدام معدات الشرطة.
إذا كان استخدام هذه الأسلحة في حالات الطوارئ سينحرف عن القيود الأمريكية، فيجب أن يُطلب من الحكومة الأجنبية إخطار لجان الكونغرس المعنية ووزارة الدفاع بذلك. يجب على الحكومة الأجنبية أيضًا تقديم تقرير مفصل يبرر الاستخدام ويضمن الالتزام بمعايير حقوق الإنسان.
إنهاء التزامات المساعدات طويلة الأجل. يجب على الولايات المتحدة إنهاء ممارسة أي التزامات طويلة الأجل للمساعدات الأمنية الخارجية، والتي تخلق مشاكل جديدة وتزيد من تعقيد قضايا علاقات المساعدات. على سبيل المثال، المذكرات المتكررة لمدة 10 سنوات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بخصوص المليارات من المساعدات العسكرية السنوية تخلق توقعات سياسية معينة في إسرائيل واعتماد محلي في الولايات المتحدة على هذه المساعدات، حيث يوجد مصنّعو الأسلحة، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة من الناحية السياسية لتعليق أو إنهاء تلك المساعدات عند الضرورة.
إنشاء آليات للمساءلة والتتبع ورصد الاستخدام النهائي. يجب ألا تتلقى أي دولة منحًا من الحكومة الأمريكية في شكل تحويلات مالية إلى حسابات بنكية تحت سيطرتها وحدها. يجب أن تظل الأموال في حساب تسيطر عليه الولايات المتحدة ويجب ألا يتم سحبها إلا بعد أن تتلقى واشنطن تقارير تؤكد أن الاستخدام السابق للمبالغ كان متسقًا مع القيود المفروضة عليها. يجب أن يقع العبء على عاتق الدولة المتلقية لتقديم معلومات عن نشر أنظمة أسلحة معينة، بحيث يكون التتبع ممكنًا. عندما يتم استخدام المعدات الأمنية في حادثة يُزعم فيها انتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيما في الشرق الأوسط—حيث تتم الغالبية العظمى من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية وحيث تكون هناك تقارير موثوقة شائعة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان—ينبغي الافتراض أن المعدات التي تم استخدامها هي تلك القادمة من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية.
يجب على البلد المتلقي تقديم أي دليل بخلاف ذلك. يؤدي وضع عبء رفع التقارير والأدلة على الدولة المتلقية إلى جعل التهديد بتعليق الولايات المتحدة للمساعدات الأمنية أمرًا ذا مصداقية ويضمن أن الدولة المتلقية تحافظ على حقوق الإنسان في طليعة بروتوكولاتها الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب إغلاق الثغرات المتعلقة باستخدام الأسلحة الأمريكية المخزنة في الخارج بحيث تكون الإخطارات والتقارير مطلوبة، مما يمنع الولايات المتحدة من الظهور على أنها تدعم تصعيد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان. تم تصميم هذه المخزونات للوصول السريع في حالات الطوارئ.
لكن "حلفاء مخزون احتياطيات الحرب-إسرائيل"، على سبيل المثال، الذي تم إنشاؤه في تسعينيات القرن الماضي، لا يتطلب إخطارًا مسبقًا للولايات المتحدة قبل استخدامها. خلال القصف الإسرائيلي لغزة عام 2014، لم يكن البيت الأبيض في عهد أوباما على علم باستخدام إسرائيل لهذه الأسلحة المخزنة، بما في ذلك طلقات الدبابات والطلقات المضيئة.
يجب عدم الإفراج عن الأسلحة الأمريكية المخزنة في الشرق الأوسط، أو أي منطقة أخرى، لاستخدامها من قبل حكومة أجنبية إلا بعد إخطار البيت الأبيض، ولأغراض دفاعية فقط. الثغرات الموجودة حول مخزونات الأسلحة هذه تمنع المساءلة أثناء النزاعات النشطة وتقوّض قدرة الولايات المتحدة على ضمان وجود معدات كافية عندما تحتاج للسحب من نفس المخزون.
إنهاء المشتريات الخارجية من أموال المساعدات الأمريكية كمسألة قانونية. يجب وقف المشتريات الخارجية من أموال المساعدات الأمريكية تمامًا، دون استثناءات لأي دولة، لأنها تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة في منع سباق التسلح في المناطق التي تمزقها الصراعات مثل الشرق الأوسط. تسمح المشتريات الخارجية أيضًا للبلد المستفيد ببناء قدرات تصنيعية للأسلحة خاصة به.
في حالة إسرائيل، مكنتها المشتريات الخارجية من أن تصبح مصنّع ومصدّر رائد للأسلحة، حيث تبلغ مبيعات الأسلحة الخاصة بها حوالي 9 مليارات دولار سنويًا. يتم نقل هذه الأسلحة، التي دفعت ثمنها الولايات المتحدة في النهاية، إلى دول ثالثة ليس للولايات المتحدة أي نفوذ عليها والتي قد يكون لها سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان أو تصبح من الخصوم المباشرين لأمريكا.
وضع قواعد حول تقديم المساعدات الأمنية. بشكل عام، تحتاج الولايات المتحدة بشدة إلى وضع قواعد جديدة لكيفية تقديم المساعدات الأمنية لحكومة أجنبية ومتى يتم ذلك. على سبيل المثال، يجب إلغاء منح المساعدات الأمنية تدريجيًا للدول القادرة على دفع ثمن الأسلحة، مثل إسرائيل، التي تتلقى 3.3 مليار دولار سنويًا من المنح الأمريكية وتلقت 52 في المائة من إجمالي التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي منذ عام 2001، على الرغم من أن ناتجها المحلي الإجمالي ينافس المملكة المتحدة وفرنسا واليابان.
إلى جانب تجنب تواطؤ الولايات المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن جعل حكومة أجنبية تتحمل تكاليف أسلحتها من شأنه أن يقلل من الإنفاق المفرط على الأسلحة ويحد من تكديس الأسلحة.
ستضمن الولايات المتحدة، من خلال إدماج حماية حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، أنها لا تخلق مشاكل أكثر مما تحاول حلها. يرجع جزء من سبب عدم إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان في الالتزامات الخارجية الأمريكية إلى وجود إدراك ضئيل جدًا للقدر الذي يؤدي فيه دعم الولايات المتحدة للأطر المعيارية إلى تحقيق المصالح الأمريكية في الخارج. يمكن لواشنطن إصلاح ذلك بأن تصبح أكثر حرصًا في اختيار الدول التي تنقل الأسلحة إليها، وتوقيت عمليات النقل تلك، والكيفية التي يتم فيها استخدام أسلحتها.
الخطوات الأخرى المنطقية لضمان عدم قيام الولايات المتحدة بتسهيل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عن غير قصد ليست صعبة أو مكلفة، حيث أن مسؤولية تحسين المساءلة يجب أن تقع في المقام الأول على عاتق الدولة المتلقية. لا يقتصر توفير التكلفة على الدولارات والسنتات فقط، وإنما يشمل ضمان خدمة مصالح الأمن القومي الأمريكي وتنفيذها بشكل صحيح وأكثر فاعلية.