في ١٦ فبراير الماضي اقتحمت قوات الأمن المصرية منازل ست من أقارب الناشط الأمريكي المصري محمد سلطان واعتقلت اثنين منهم. وقبلها بأسابيع اعتقلت السلطات المصرية رسام الكاريكاتور أشرف حمدي الذي نشر فيديو ينتقد فيه الأمن المصري في الذكرى العاشرة لثورة يناير ٢٠١١.
منذ انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي في ٣ يوليو ٢٠١٣ لا يكاد الاعتقال السياسي يتوقف في مصر وذلك فيما يمكن أن نسميه "عصر السجناء السياسيين".
وكأي نظام سلطوي قمعي، فإن نظام السيسي يخشى من كل من يعارض حكمه حتى وإن كان من حلفاءه الذين دعموه في الانقلاب حيث يقبع بعضهم في السجن. لذلك يعتمد السيسي علي أدوات قمعية وحشية مثل الاختفاء القسري والتصفية الجسدية والقتل خارج إطار القانون والتحفظ على أموال المعارضين ومنعهم من السفر…إلخ. ا
لأكثر من ذلك هو قيام السيسي بأمننة المجال العام بشكل غير مسبوق، حيث يتم التعاطي مع كافة القضايا الاقتصادية والاجتماعية من منظور أمني محض.
حسب العديد من التقديرات فإن عدد المعتقلين السياسيين في مصر يصل إلى حوالي ٦٠ ألف شخص ينتمون لمختلف التيارات السياسية والإيديولوجية خاصة الإسلاميين تم اعتقالهم خلال السنوات الثمانية الماضية، بالإضافة إلى مئات من الناس العاديين خاصة النساء والشباب والأطفال الذين تم اعتقالهم دون ذنب أو جريمة. ومن بين المعتقلين ما يقرب من حوالي 1058 قضوا نحبهم داخل السجون المصرية، نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي أو الانتحار وذلك وفقًا لأحدث إحصاء قامت به منظمة "كوميتي فور جستس" في شهر ديسمبر الماضي تحت عنوان "كم ريجيني في مصر منذ عام 2013؟". بالإضافة إلى وفاة ١٢ شخص منذ مطلع ٢٠٢١.
مرّت مسألة المعتقلين السياسيين في مصر بعدد من التحولات والتغيرات، ففي الأشهر الأولى التي تلت الانقلاب في 2013، كان معظم المعتقلين السياسيين من المنتمين إلى حركات إسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معها. ولكن بمرور الوقت اتسعت رقعة الذين يتم اعتقالهم حتى وصلت بعض ممن لم يرفضوا الانقلاب من الرموز والنشطاء العلمانيين والليبراليين. حيث تم إغلاق المجال العام ولم يتم السماح لأحد بالتظاهر أو الاعتراض على القمع السياسي. وهناك العديد من رموز النشطاء السياسيين المعتقلين مثل علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وخالد داوود وإسراء عبد الفتاح وسولافة مجدي وسناء سيف وهدى عبد المنعم ومحمد القصاص وأحمد الباقر وغيرهم.
على مدار السنوات الثمانية الماضية لم تشهد قضية المعتقلين حلًا سياسيًا أو إنسانيًا يمكن أن يقلل مأساتهم. ولم تطرح السلطة أو المعارضة في الداخل أو الخارج حلاً جاداً لهذه القضية. ولم تمارس الحكومات الغربية ضغطاً جاداً على نظام السيسي من أجل وقف القمع ضد المعارضين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. بل على العكس من ذلك، استمر الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي من دول مثل فرنسا وألمانيا وأميركا لنظام السيسي وهو ما ساهم في سوء أوضاع السجناء السياسيين. بل إن بعض هذه البلدان مثل أميركا تبدو متواطئة في مأساة السجناء السياسيين في مصر. فقد وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب السيسي بـ"ديكتاتوره المفضل"، وهو ما فهمه السيسي باعتباره ضوءاً أميركيا أخضر كي يفعل ما يشاء بالمعارضين السياسيين من اعتقال وتنكيل وإهمال في السجون. كذلك لم تتحرك إدارة ترامب لإطلاق سراح المعتقلين الذين يحملون الجنسية الأمريكية من أصول مصرية وذلك باستثناء إطلاق سراح الناشطة آية حجازي الذي جاء بعد مطالبات وضغوطات من منظمات حقوق الإنسان الدولية. ولم يتم تعويضها حتى الآن عن فترة احتجازها لأكثر من ثلاث سنوات بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٧. بل الأكثر من ذلك فقد توفي المواطن الأمريكي من أصل مصري مصطفى قاسم في سجن طره سيئ السمعة بعد اعتقال دام نحو سبع سنوات، وذلك رغم استغاثته في رسالة بعث بها لترامب، إلا أنه لم يفعل شيئاً لإنقاذ حياته.
ومع وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض لم يعد ممكناً الصمت على جرائم نظام السيسي بحق المعارضين السياسيين. ولن يتم تحسين الموقف المخزي لإدارة ترامب من مسألة حقوق الإنسان في مصر دون مجهود كبير وحقيقي من إدارة بايدن خلال الشهور المقبلة. لذا فمن الضروري أن يضع بايدن مطلب الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين كركيزة في سياسته الخارجية تجاه مصر.
كذلك على إدارة بايدن أن تقوم بعمل مراجعة شاملة لعلاقتها الاستراتيجية مع نظام السيسي من أجل تصحيح الأخطاء المتراكمة التي وقعت فيها الإدارات الأمريكية السابقة فيما يخص ملف حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر. وهناك طرق عديدة للقيام بذلك منها أولاً، توجيه رسائل قوية من قبل المسؤولين الأمريكيين لنظام السيسي بأنه لن يتم التسامح مع أية انتهاكات لحقوق الإنسان. ثانياً، أن يتم إعادة النظر في المساعدات السنوية التي تقدمها أميركا لمصر وتصل إلى حوالي ١.٣ مليار دولار من خلال ربطها بتحسين سجل مصر في مسألة حقوق الإنسان.
ثالثها، أن تضغط إدارة بايدن على نظام السيسي كي يتم السماح للمنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنها على سبيل المثال "المعهد الديمقراطي" و"منظمة هيومان رايتس ووتش" ومنظمة "العفو الدولية" وغيرها، بممارسة أنشطتها بحرية داخل مصر. ثالثاً، أن يتم الإفراج الفوري عن المواطنين الأمريكيين من أصول مصرية المعتقلين في سجون السيسي. رابعاً، مطالبة السيسي بشكل صريح لا لبس فيه بعدم التعرض لأهالي وأقارب النشطاء والمعارضين السياسيين. وأخيراً، أن يتم تخصيص جزء أكبر من المساعدات الأميركية لمصر لصالح منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية.
بكلمات أخرى، هناك حاجة ماسة لعمل paradigm shift في العلاقات الأمريكية – المصرية بحيث تكون قضية حقوق الإنسان في القلب منها، وأن يتم ربط استمرار هذه العلاقات بهذا الملف الحيوي الذي لم يعد ممكنا الصمت عليه ودفن الرؤوس في الرمل بشأنه. هذا الأمر ليس مهماً فقط كي تصبح مصر دولة مستقرة ومزدهرة تحترم شعبها العظيم، وإنما أيضا كي تصبح حليفاً استراتيجياً موثوقاً فيه بما سوف يساهم في تحقيق مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لذا فإن لدى أميركا مسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه إطلاق السجناء والمعارضين السياسيين في مصر.
أثناء حملته الانتخابية تعهد الرئيس بايدن بأنه لن يعطي السيسي "شيكاً على بياض" ولن يعتبره "ديكتاتوره المفضل" كما كان يفعل ترامب، ولا نزال بانتظار أن تتحول هذه الأقوال إلى أفعال حقيقية.
مصدر الصورة: في 16 فبراير، داهمت قوات الأمن المصرية منازل ستة من أقارب الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان واعتقلت اثنين منهم. قبل ذلك بأسابيع، اعتقلت السلطات المصرية رسام الكاريكاتير أشرف حمدي، الذي نشر مقطع فيديو ينتقد قوات الأمن المصرية في الذكرى العاشرة لانتفاضة يناير 2011.