ستيفن هايدمان
أستاذ في جامعة جانيت رايت كيتشام 1953 مختص بدراسات الشرق الأوسط في كلية سميث. وهو أيضاً زميل أول غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنجز.
English
في آذار/ مارس من هذا العام، سيدخل الصراع السوري عامه الحادي عشر، دون أن تلوح في الأفق أي نهاية له. ومع اقتراب هذه الذكرى الكئيبة، انهار الإقتصاد السوري، وقد أصبح الإتجار بالمخدرات مصدراً رئيسيا ًلإيرادات النظام. يعاني أكثر من 12 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي. والأمن الداخلي محفوف بالمخاطر. وقد اندلعت حركات تمرد منخفضة المستوى في المناطق التي استعادتها قوات النظام سابقاً. وتنشط خلايا داعش في مساحات واسعة في شرق سوريا. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار الإسمي في الشمال الشرقي، فإن هجمات النظام وروسيا التي تستهدف المدنيين تحدث بشكل شبه يومي.
ولكن حتى في ظل هذا التقييم القاتم، حقق الرئيس بشار الأسد إنتصارات دبلوماسية كبيرة خلال العام الماضي. بدءاً بمبادرات من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في تموز/يوليو الماضي، سرعان ما اكتسبت عملية التطبيع مع الأسد ونظامه زخما ًفي جميع أنحاء المنطقة. وقد أعادت الإمارات العربية المتحدة والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق.
ويضغط كبار المسؤولين في العديد من الدول العربية لإعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، بما في ذلك الجزائر التي ستستضيف القمة العربية المقبلة في آذار/مارس. وقد تم تعيين سوريا بالفعل لإستضافة مؤتمر الطاقة العربي لعام 2024. مددت الولايات المتحدة تخفيف العقوبات للسماح لخط أنابيب مصري بتوصيل الطاقة إلى لبنان عبر سوريا، على الرغم من العقبات التي واجهها المشروع. ومن المرجح أن يتسارع هذا الاتجاه في العام المقبل. ومع أن إدارة بايدن تصر على أنها تعارض تطبيع العلاقات مع الأسد وستبقي العقوبات الإقتصادية سارية المفعول، إلا أنها لم تضغط بحزم على حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين الذين تواصلوا مع دمشق، مع أنهم يقوضون الأهداف المعلنة للسياسة الأمريكية.
قدمت الأنظمة العربية عدد من المبررات للتطبيع مع الأسد، التي وصفت على أنها تحول من العزلة العقابية إلى دبلوماسية "خطوة مقابل خطوة". عرضت هذه المبررات على أنها تعطي سوريا ثقلاً عربياً موازناً لإيران؛ ووسيلة لتخفيف المصاعب الإقتصادية التي يعاني منها المدنيين السوريين. وخطوة نحو عودة اللاجئين السوريين، والتأمين ضد تدفق المزيد من اللاجئين الذي قد يهدد استقرار الدول المجاورة.
ومع ذلك، فإن المبرر الأكثر شيوعا هو أن المشاركة سوف تخلق حوافز لنظام الأسد لقبول الإصلاحات اللازمة لفتح صنابير تمويل إعادة الإعمار من الاتحاد الأوروبي، وتحريك سوريا نحو الإنتقال السياسي الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وإذا فشلت العقوبات في تغيير سلوك نظام الأسد بحسب هذا التبرير، ربما قد حان الوقت لإظهار ما يمكن أن يكسبه النظام من التعاون. وهذا الإحتمال هو ما دفع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون إلى تأييد التطبيع تحت راية المشاركة. وقال في كانون الأول/ديسمبر 2021: "أشعر شهراً بعد شهر بأن هناك إدراكاً أوسع من ذي قبل، بالحاجة إلى خطوات سياسية واقتصادية، وأن هذه الخطوات لا يمكن أن تتحقق إلا معاً، خطوة بخطوة، وخطوة مقابل خطوة".
إن هذا النهج الذي يقدم على أنه مبرر لتقديم تنازلات لدمشق، والذي يعيد تأهيل الأسد دبلوماسياً، يرقى إلى حد الوهم. إن فكرة أن نظام الأسد سيستجيب للتطبيع بتنازلات من تلقاء نفسه تتعارض مع كل ما نعرفه عن كيفية حكم الأسد لسوريا لأكثر من 50 عاماً. ولم تفشل هذه المشاركة "خطوة مقابل خطوة" في إنتاج أدنى تحول في سلوك النظام فحسب، بل كان لها تأثير عكسي.
إن دبلوماسية "خطوة مقابل خطوة"، التي ينظر إليها على أنها دليل على أن التعنت ناجح، تقوم بإضفاء الشرعية على نظام الأسد وتمكينه، وتعزز تصميمه على رفض الحلول التوافقية، وتدفع التسوية السياسية للصراع السوري إلى أبعد من ذلك. كما أنه من غير المرجح أن يرى السوريون المكاسب الإقتصادية المزعومة للتطبيع. وقد تميزت إدارة النظام للمساعدات الإنسانية بالنهب والفساد طوال الحرب الأهلية. لقد استولى الأسد وأعوانه على الإنفتاح الإقتصادي، واحتكروا فوائده مع تجاهل تام لرفاه المواطنين العاديين. وليس هناك ما يدعو إلى تصور أن التطبيع سيسفر عن أي نتيجة أخرى.
ما لا يقل إثارة للقلق أن دعاة التطبيع غير مبالين بفشلها. ولم يبدوا أي اهتمام باتخاذ خطوات أخرى متوقفة على الإستجابة الإيجابية للمبادرات السابقة. والواقع أن "خطوة مقابل خطوة" أصبحت إطارا لنزع السلاح الدبلوماسي من جانب واحد.
كما سيكون للتطبيع آثار مدمرة للغاية على العقوبات، على الرغم من مزاعم الولايات المتحدة بعكس ذلك. أظهرت إدارة بايدن استعداداً أقل من سابقتها للإستفادة من العقوبات الحالية بموجب قانون قيصرلحماية المدنيين في سوريا. وبالنسبة للدول الأخرى، بما في ذلك الجهات الفاعلة الإقليمية، فإن "خطوة مقابل خطوة" هي ذريعة ملائمة لتجاهل العقوبات وتعميق العلاقات الإقتصادية مع النظام. يجري الأردن والإمارات العربية المتحدة بالفعل مناقشات مع دمشق حول كيفية تنشيط التجارة والإستثمار. وتوقع المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف المزيد من تخفيف العقوبات في العام المقبل.
وقد يرحب منتقدو العقوبات بهذا الإحتمال، بحجة أنهم فشلوا في تحقيق غرضهم والتسبب في إلحاق الضرر بالمدنيين السوريين، في حين لم يفرضوا سوى القليل من المشقة على نخب النظام. في تقديمهم مثل هذه الإدعاءات، غالباً ما يتجاهل المنتقدون العوامل الأخرى العديدة التي تسهم مجتمعة في معاناة الشعب السوري أكثر بكثير من العقوبات.
وتشمل هذه الخطوات التدمير الهائل الذي ألحقه النظام على البنية التحتية في سوريا على مدى العقد الماضي، والنزوح الجماعي للسكان، وانهيار الإقتصاد اللبناني، وتأثير فساد النظام ونهبه على الإنتعاش الاقتصادي في سوريا، ورفض رعاته الدوليين الرئيسيين، بما في ذلك الصين وروسيا، تقديم دعم بناء إما للمساعدات الإنسانية أو لإعادة الإعمار الاقتصادي.
ولنتأمل هنا أزمة الخبز في سوريا، التي لا علاقة للعقوبات بها. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى رفض روسيا بيع القمح إلى سوريا مع انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19)، والحرائق المتعمدة التي دمرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في صيف عام 2020 – والتي يبدو أن الكثير منها كان بسبب قوات النظام – وتلا ذلك جفاف في جميع أنحاء المحافظات الشرقية في سوريا.
وعلاوة على ذلك، تتجاهل انتقادات العقوبات الضرر الذي قد يلحقه تخفيفها، ولو ضمنياً، ليس فقط بضحايا عنف النظام ومصدر النفوذ الذي غالباً ما يقلل المنتقدون من شأنه، بل بالقانون الدولي والمعايير العالمية التي تمثل أكثر الآليات فعالية لمحاسبة نظام الأسد على جرائمه وانتهاكاته. هذا هو النظام الذي أشرف على القتل الجماعي، والإستخدام المنهجي للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، والتعذيب، والإحتجاز التعسفي وغير القانوني، والتشريد القسري لملايين المدنيين السوريين.
ببساطة، لا يمكن قياس فعالية العقوبات فقط من خلال ما إذا كانت تجبر النظام على تغيير سلوكه. وبالمثل، إن لم يكن الأهم، فإن قيمتها في الإشارة إلى إنكار شرعية ونبذ نظام مسؤول عن جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات فظيعة للقانون الدولي. وفي السنوات الأخيرة، أصبح هذا الجانب من العقوبات أكثر أهمية مع تمرير الإجراءات القانونية ضد مسؤولي نظام الأسد المتورطين في التعذيب في عدد من البلدان، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وهولندا.
وإذا قبلت دبلوماسية "خطوة مقابل خطوة" باعتبارها إطاراً للتطبيع مع نظام الأسد، فإن النتيجة النهائية ستكون محو مسؤوليته عن تدمير سوريا وكل ما رافقه. إن روسيا، إلى جانب النظام، تعمل جاهدة لضمان هذه النتيجة على وجه التحديد. وينبغي ألا تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون متواطئين، بشكل مباشر أو غير مباشر، في مثل هذه الجهود. يجب على الولايات المتحدة أن تفعل أكثر من تأكيد إلتزامها بالإبقاء على العقوبات المفروضة على نظام الأسد الوحشي. ويتعين عليها أن تستخدمها، وأن تعلن علناً أنها ستتخذ خطوات لفرض العقوبات على أي طرف يقوم بإنتهاكها، وأن تتابع على الفور عند وقوع الإنتهاكات. كما يجب أن توضح أنه لا يوجد سوى مسار واحد لتخفيف العقوبات: التقدم الواضح الذي لا رجعة فيه نحو الانتقال السياسي الهادف في سوريا الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. إن القيام بخلاف ذلك يرسل إشارة رهيبة حول اللامبالاة الأمريكية بجرائم نظام الأسد، ويزيد من إضعاف إمكانيات منع الطغاة الآخرين من السير على خطاه.