أميد معماريان مدير التواصل لدى منظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN».
في وقت سابق من هذا الشهر، غادر الجراح البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة منزله وعمله الطبي في لندن مرة أخرى للذهاب إلى غزة لعلاج الفلسطينيين المصابين في حملة قصف إسرائيلية أخرى. وكانت آخر زيارة له إلى غزة في مايو/أيار 2021، خلال الحرب التي استمرت 11 يومًا بين إسرائيل وحماس، عندما عمل دون توقف لعلاج الجرحى—العديد منهم أطفال—وإجراء جراحات ترميمية طارئة. على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، سافر أبو ستة إلى القطاع المحاصر لرعاية الجرحى خلال كل موجة من الغارات الجوية الإسرائيلية منذ سيطرة حماس على غزة. كما عمل كجراح في غزة خلال الانتفاضة الثانية وقبل ذلك خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 عندما كان طالب طب.
قليلون هم من يملكون معرفته وخبرته المباشرة حول النظام الصحي المدمر في غزة. أو وجهة النظر حول ما يسميه "حروب إسرائيل الدورية ضد غزة"، والتي شهدها عن كثب في المستشفيات المكتظة التي تحولت إلى ملاجئ مؤقتة ضد الصواريخ.
تحدث غسان إلى مجلة "الديمقراطية في المنفى" عبر الواتساب في وقت سابق من هذا الأسبوع. وحذر من ارتفاع عدد القتلى في غزة، والذي يتجاوز الآن 7,000 شخص—40 في المئة منهم أطفال—وفقًا لمسؤولي الصحة هناك، إلى جانب أكثر من 15,000 جريح، حيث قال: "سترتفع الأعداد بمجرد إزالة الأنقاض". وأضاف أن "هناك ما بين 1,500 إلى 1,600 شخص اعتُبروا في عداد المفقودين حيث كانوا يقيمون في المباني التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية". وأضاف "العدد سيرتفع أيضًا لأن هناك نحو 150 مريضًا في العناية المركزة وموصولين بأجهزة التنفس الصناعي. إصاباتهم خطيرة وبعضهم سيتوفى متأثرًا بجراحهم، خاصة إذا لم يهدأ القصف ولم يكن هناك ممر إنساني يسمح بوصول الأدوية والإمدادات".
وفي مقابلة سابقة مع مجلة "الديمقراطية في المنفى" بعد حرب إسرائيل في مايو/أيار 2021 على غزة، قال أبو ستة أنه كان يعلم أنه سيعود إلى مستشفى الشفاء—أكبر منشأة طبية في غزة ومركز نظامها الصحي بأكمله—لعلاج الجرحى مرة أخرى. وقال في ذلك الوقت، في إشارة إلى القصف الإسرائيلي الدوري لغزة: "اعتاد القادة العسكريون الإسرائيليون على تسمية هذا الأمر بـ'جز العشب' وهناك عملية أكبر في الأفق".
في هذه المقابلة، يقدم أبو ستة لمحة سريعة عما يمر به المدنيون في غزة، حيث تتغير أرقام الضحايا كل ساعة، ويتغير كذلك مستوى الدمار والمعاناة للأشخاص العاديين المحاصرين في الحرب بين حماس وإسرائيل.
تم تحرير النص التالي بشكل طفيف من أجل الإيضاح وملائمة طول المادة.
الأعداد والسرعة والشراسة والتدمير المتعمد لأحياء بأكملها—كل ذلك لا يمكن مقارنته تمامًا مع أي شيء آخر.
- غسان أبو ستة
كيف أثر نقص الدعم الإنساني والحصار وقرار إسرائيل بمنع شحن الوقود إلى غزة، والذي يمكن استخدامه لاستمرار عمل المستشفيات، على عملكم؟
إنّ حقيقة أن هناك 15,000 جريح، وأن هذا يأتي بعد أكثر من 15 عامًا من الحصار، وأنه قبل الحرب، كان النظام الصحي بأكمله في غزة يتسع لـ 2,500 سرير، تعطيك فكرة أن ذلك النظام الصحي بدأ الحرب جاثيًا على ركبتيه بسبب الحصار. كما أن العدد الهائل من الجرحى، والعدد الهائل من الهجمات، والآن التدهور المتعمد لقدرة النظام الصحي من خلال استهداف المستشفيات مثل المستشفى الأهلي المعمداني ومستشفى بيت حانون، ومنذ الأمس، حقيقة نفاد الوقود في المستشفى الإندونيسي، وهو أكبر مستشفى في شمال غزة، يوضح لكم كيف أن النظام غير قادر على التكيف.
أضف إلى ذلك أن كل شيء قد نفد. فليس لدينا ضمادات للحروق، ونفدت المثبتات الخارجية، وهي المسامير والقضبان التي تحتاجها لإصلاح الكسور. تكون حقًا حذر جدًا في محاولة اختيار ما ستستخدمه في كل عملية جراحية، لمحاولة الحفاظ على جميع المواد الاستهلاكية والإمدادات والأدوية الموجودة لديك.
في مقابلتك الأخيرة مع كريستيان أمانبور على قناة سي إن إن، قلتَ: "لدينا الآن مصطلح في مستشفى الشفاء يسمى: "طفل جريح ليس له عائلة على قيد الحياة".
يتم إخراج الكثير من الأطفال من تحت أنقاض منازلهم. ما يحدث هو أن الناس كانوا يلجؤون للحماية في منازل أقاربهم، وتجد أجيالا متعددة، ما يصل إلى 50 في شقة واحدة، لذلك يتم القضاء على أجيال متعددة في كل ضربة. بالأمس كان لدي طفل يبلغ من العمر 12 عامًا. وكان لدي قبل ذلك ابنة طبيب، قُتلت والدتها وشقيقتها، ووالدها ليس في غزة. ولدي بنتان صغيرتان عمرهما خمس سنوات. ولدي فتاة أخرى عمرها ثماني سنوات مصابة بحروق. المستشفى مليء بهؤلاء الأطفال.
ما هو وضع الكادر الطبي من إرهاق العمل لساعات طويلة وفي ظل هذه الظروف القاسية؟ ما هو عدد الطواقم الطبية المحلية، وما عدد الذين ينتمون إلى المنظمات أو مجموعات الإغاثة والجمعيات الخيرية الدولية؟
لا يشعر الناس بالإرهاق الجسدي فحسب، بل إننا نعمل لمدة 16 ساعة [يوميًا] منذ بدء هذه الحرب، إن لم يكن أكثر. إنهم مرهقون عاطفيًا من المشاهد التي يرونها. ولكننا أيضًا فقدنا الكثير من الموظفين. لقد قُتل لدينا 40 طبيبًا و18 ممرضة، والعديد من زملائي فقدوا عائلاتهم. واضطر جميعهم تقريبًا إلى نقل عائلاتهم من منازلهم. وقد فقد ثلاثة منهم منازلهم عندما تم استهداف المباني التي يعيشون فيها. لقد تم إرهاق الناس بالكامل.
لا يوجد موظفين أجانب. هناك منظمة أطباء بلا حدود، وأنا أعمل مع منظمة أطباء بلا حدود. لا يزال هناك موظفون محليون تابعون لمنظمة أطباء بلا حدود.
ومن الأطباء الذين قُتلوا هو الدكتور مدحت صيدم. وهو جراح تجميل وزميل في هذا القسم. لقد عملتُ معه في حرب عام 2009 وفي عام 2014. وكان رجلًا محبوبًا ولطيفًا. كان يعمل في ذلك اليوم، وتم إخلاء أخته وجاءت إلى هنا. وقام بأخذها إلى منزله، حيث كان يعتقد أنها ستكون آمنة، ولكن في ذلك الوقت تعرض المنزل للقصف. وقبل ذلك، كنت أقوم بإجراء عملية جراحية للطفل الوحيد المتبقي لطبيبة توليد في مستشفى الشفاء والتي قُتلت مع ابنتها الأخرى، وزوجها يعمل في الأردن.
ما هي الاحتياجات العاجلة للطاقم الطبي والمصابين؟
الحاجة العاجلة هي نقل المرضى والجرحى المصابين بأمراض خطيرة إلى خارج غزة، وفتح ممر إنساني وإدخال الإمدادات.
وينبغي لوسائل الإعلام، مثل أي شخص آخر، أن تتحدث علنًا وتمنع هذه الكارثة الوشيكة. أعتقد أن وسائل الإعلام بحاجة إلى أن تعلن أن هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق، ليس فقط في ضوء كل هذه المذبحة، ولكن أيضًا حرمان الجرحى من الإمدادات الطبية التي يحتاجون إليها، بما في ذلك الوقود للمستشفى. وهذه جريمة حرب مزدوجة.
كيف يختلف الوضع في المستشفيات الآن مقارنة بالحروب الماضية في غزة، بما في ذلك في عام 2021؟ كيف يمكن الشعور بحجم القصف الإسرائيلي في المستشفيات وفي أنواع الإصابات التي تعالجونها؟
أنت تقارن فيضان بتسونامي. الأعداد والسرعة والشراسة والتدمير المتعمد لأحياء بأكملها—كل ذلك لا يمكن مقارنته تمامًا مع أي شيء آخر. ولعل أقرب ما حدث لذلك في المنطقة كان أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
إنها مجرد أيام حتى ينفد الوقود من المستشفى. إذا حدث ذلك، فسيتحول المستشفى فعليًا إلى مقبرة جماعية.
- غسان أبو ستة
ماذا رأيتَ بنفسك فيما يتعلق بالغارات الجوية الإسرائيلية على المستشفيات أو غيرها من الأماكن التي يلجأ إليها الكثير من المدنيين؟
كنتُ في المستشفى الأهلي المعمداني عندما تعرض للهجوم وسقط الصاروخ في وسط الفناء، ما أدى إلى مقتل العائلات التي كانت تلجأ إليه. وكان المستشفى يتلقى تهديدات من الإسرائيليين طوال الأسبوع، قائلين إنهم سيفعلون ذلك.
هل يمكنك توضيح تلك التهديدات الإسرائيلية وتأثيرها على الأشخاص الذين يحتمون بالمستشفيات؟
في الأساس، ليس هناك إمكانية لإخلاء أي من المستشفيات. أولًا، استهداف المستشفيات يعتبر جريمة حرب، والتهديد بالقيام بذلك لإجلاء الناس لا يجعله أقل جرمًا. هذا غير ممكن. ويستقبل مستشفى الشفاء حوالي 1,700 مريض مصاب بجروح خطيرة. ماذا يمكننا أن نفعل معهم؟ إلى أين سنأخذهم؟
إنها مجرد أيام حتى ينفد الوقود من المستشفى. إذا حدث ذلك، فسيتحول المستشفى فعليًا إلى مقبرة جماعية. لدينا 150 مريضًا يخضعون للتنفس الصناعي. لديك وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة. لديك آلات التخدير التي لم تعد قادرة على العمل لإجراء العمليات الجراحية. بدون كهرباء، سيكون هذا المستشفى مجرد مقبرة جماعية.
يقول الإسرائيليون إنهم يقصفون أهدافًا عسكرية ويزعمون أن حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية. من خلال تجربتك المباشرة، ما الذي يجب أن يعرفه العالم عن مثل هذه الادعاءات؟
لا يوجد شيء من هذا القبيل. يعني الآن هناك 16,000 درع بشري جريح ومات الآن 6,000 درع بشري آخر؟ حتى وأنا أسمع هذا النوع من الكلام الفارغ، أتذكر نفس الخطاب في عام 1982، عندما فعل الإسرائيليون نفس الشيء في بيروت عندما حاصروها—حيث قالوا أنهم كانوا يستهدفون مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية فقط. والمشكلة هي أن الغرب يتبنى الأمر لأنه متواطئ في جرائم القتل هذه.
إنّ فكرة أن هذه الضربات الفظيعة بطريقة ما تستهدف حماس فقط، وأن هناك هذا النوع من الأفراد الأشرار الذين يختبئون خلف المدنيين—ما هي إلا مجرد نفس الحجة المملة لتبرير القتل، بالنسبة للأشخاص الذين سمعوها في عام 1982.
دفعت إدارة بايدن من أجل دخول 20 شاحنة مساعدات إلى غزة. فبالنظر إلى حجم سكان غزة وسنوات الحصار ومستوى الدمار الناجم عن القصف الإسرائيلي، ما الذي ينبغي أن يحدث حقًا؟
هذه الشاحنات تعتبر صغيرة جدًا بالنسبة للاحتياجات لدرجة أنها تعتبر مجرد رمزية. ولن يكون لها أي تأثير واضح أو حتى ملموس على النتيجة.
هل يمكنك وصف يومك وكيف تُجري العمليات الجراحية وتعتني بالجرحى أثناء التفجيرات؟
بالكاد أغادر جناح العمليات. أستيقظ حوالي الساعة 6:30 أو 7 صباحًا إذا لم نكن قد استيقظنا ليلًا، ونبدأ في مناقشة أمر المرضى في القائمة في الساعة 8 صباحًا. ونأمل أن نبدأ العمل بحلول الساعة 9 أو 10 صباحًا، اعتمادًا على توافر أطباء التخدير. نواصل العمل حتى حوالي الساعة الواحدة أو في بعض الأحيان الساعة الثانية صباحًا. بعد ذلك، أقوم بتنظيف إحدى العربات الموجودة في قسم الإنعاش في غرفة العمليات، وأنام عليها. أستيقظ وأفعل الشيء نفسه مرة أخرى.
أخرج مرة كل يومين. وأرى مجمع مستشفى الشفاء مكتظ بالناس، بعشرات الآلاف من النازحين داخليًا. لذا، فهذا الأمر ليس ممتعا عند المشي هناك، ولا تريد أن تمشي بعيدًا عن المستشفى. لقد كان وجودًا خانقًا تمامًا حتى الآن.
مع كل ما يحدث، أنت وزملائك تضعون حياتكم على المحك. كيف تتحملون الضغوط والمخاوف الأمنية في هذه المواقف المستحيلة؟ ما الذي يحفزك على الاستمرار؟
الأدرينالين الناتج عن الجراحة يُبعد عقلك عن المخاوف ويساعدك على التغلب على التعب. ولكن من حين لآخر، يحدث انفجار هائل بالقرب منك ويهتز المبنى بأكمله و… يصيبك بعض الاهتزاز.
ماذا تتوقع أن يفعل الرئيس بايدن أو القادة الأوروبيون الآن؟
لا أتوقع شيئًا على الإطلاق. لقد أوضحوا ذلك من خلال رحلاتهم إلى إسرائيل وكلماتهم. شعوري هو أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغيّر مجرى الأحداث هو أنه أن يشعر الأمريكيون أن ما يحدث في غزة يزعزع استقرار النظامين المصري والأردني. هذا كل شيء. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يحدث بها تغيير في السياسة الأمريكية أو حتى تحسن في السياسة الأمريكية—وأعتقد أن السياسة الأوروبية خاضعة تمامًا للسياسة الخارجية الأمريكية.