English
ملخص
مع تقدم الحوار الوطني المصري ببطء، يجب على شخصيات المعارضة أن تقرر ما إذا كانت فوائد المشاركة في هذه العملية السياسية الخاضعة للسيطرة الحكومية المحكمة تفوق المخاطر. في حين أن هناك حججًا قوية للمشاركة والمقاطعة، فإن المشاركة في الحوار الوطني يمكن أن ترد على مزاعم الحكومة بأن المعارضة ترفض الانخراط، ولا تزال تسمح بالنقد المبدئي دون إضفاء الشرعية على الرئيس السيسي أو الحكومة المصرية.
التوصية
يجب على قادة المعارضة داخل مصر وخارجها الحفاظ على التضامن وتجنب السماح لمقارباتهم ومبرراتهم المختلفة للمشاركة في الحوار الوطني أو مقاطعته بتقسيمهم وتشتيت انتباههم عن عجز الحكومة المصرية عن معالجة انتهاكات حقوق الإنسان ومشاكل والأزمات الاقتصادية التي أوجدتها الحكومة. يجب على جميع الأطراف السماح بتبادل الآراء واحترام حجج بعضهم البعض للحصول على أي مكاسب سياسية وحقوقية ممكنة في هذه النافذة الضيقة.
خلفية معلومات والمنهجية
تم تصميم الحوار الوطني المصري لتوفير مساحة لمجموعة متنوعة من المشاركين، بما في ذلك القادة السياسيون والاجتماعيون، لمعالجة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد وتحفيز مناقشة هادفة حول أفضل السبل لرسم مستقبل البلاد. يعارضه النقاد باعتباره عملية تفتقر إلى الجوهر ومصممة لإضفاء مظهر القيام بشيء ما، حتى مع احتفاظ الحكومة بقبضتها القمعية على المجتمع المصري والنشاط السياسي في البلاد. يعتقد النقاد أيضًا أن العملية ليست أكثر من خدعة لصرف انتباه المصريين عن الأزمة الاقتصادية في البلاد. في الجانب الآخر، يدافع المؤيدون عن العملية باعتبارها جهدًا حقيقيًا نحو المصالحة وفرصة لتحقيق مكاسب محدودة في فتح الفضاء السياسي المغلق في مصر. على الرغم من أنه كان من المقرر أن يبدأ الحوار الوطني في الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز، إلا أن الحوار الوطني لا يزال مؤجلًا حيث يواصل مجلس أمنائه القيام بالاستعدادات النهائية حول الموضوعات وشكل العملية.
عينت إدارة الحوار الوطني مجلس الأمناء، المكون من تسعة عشر عضوًا، في 26 يونيو/حزيران. ويضم المجلس أعضاء في البرلمان ومسؤولين حكوميين سابقين وأساتذة جامعيين وصحفيين ورجال أعمال وقادة من المجتمع المدني تم تعيينهم بعد مشاورات استمرت 20 يومًا مع سياسيين مصريين ومسؤولين نقابيين، ومن المتوقع أن يشارك ممثلون آخرون في الحوار الوطني. بعد اجتماع مبدئي في 5 يوليو/تموز، عقد المجلس اجتماعه الثاني في 19 يوليو/تموز واتفق على أن يركز الحوار الوطني على ثلاثة مسارات: سياسية واجتماعية واقتصادية. أعلن المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان، الذي يشغل كذلك منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع 19 يوليو/تموز، أن المسار السياسي سيركز على ثلاثة مواضيع: الحقوق السياسية، والتمثيل التشريعي والأحزاب السياسية، وحقوق الإنسان والحريات العامة. كما قام المجلس بتعيين لجنة فرعية لكل موضوع.
اجتمع المجلس مرة أخرى في 30 يوليو/تموز، حيث ركز على المسار الاجتماعي ووافق على تشكيل لجان فرعية تتناول خمسة مواضيع: التعليم والصحة والسكان وقضايا الأسرة والتماسك المجتمعي والثقافة والهوية الوطنية. وشدد رشوان خلال هذا الاجتماع على الأثر العملي المقصود للحوار، والذي يجب أن يتوج بمقترحات لإصلاحات تشريعية أو تنفيذية لعرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي. كما وافق المجلس على تحديد إطار زمني لا يزيد عن ستة أشهر للحوار الوطني لاستكمال أعماله.
في 3 أغسطس/آب، اجتمع المجلس للتركيز على المسار الاقتصادي وشكل سبع لجان فرعية لمعالجة هذه القضايا التالية: (1) التضخم وارتفاع الأسعار، (2) الدين العام وعجز الميزانية والإصلاحات المالية، (3) أولويات الاستثمار العام و سياسة ملكية الدولة، (4) الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، (5) الصناعة، (6) الزراعة والأمن الغذائي، (7) العدالة الاجتماعية.
وبعد تشكيل لجان فرعية للمسارات الثلاثة، سيجتمع المجلس في 27 أغسطس/آب المقبل، حيث سيتخذ استعدادات إضافية قبل بدء الجلسات الموضوعية للحوار.
أوضح رشوان أن "كل المصريين" مدعوون للمشاركة في الحوار الوطني رغم أن هذه الدعوة تستثني أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها الحكومة منظمة إرهابية. العدد الدقيق للمشاركين غير معروف، لكن محمود فوزي، رئيس السكرتارية الفنية للحوار الوطني، صرح بأن الأكاديمية الوطنية للتدريب، وهي المركز التنظيمي للحوار الوطني، تلقت 96,532 طلبًا. يمكن للمصريين أيضًا المشاركة من خلال طرح الأسئلة والأفكار على الموقع الإلكتروني للأكاديمية الوطنية للتدريب. ومع ذلك، لا يزال محل أخذ ورد من سيسمح له بالمشاركة في الحوار الوطني ومن لن يُسمح له، لكن المجلس ذكر أن المفرج عنهم من السجن، بما في ذلك بموجب عفو رئاسي، سيكونون موضع ترحيب للمشاركة.
كما لا تزال الشفافية مصدر قلق، فعلى الرغم من تعهدات رشوان ببث جلسات الحوار الوطني، رفض المجلس بث اجتماعاته أو جعلها مفتوحة للصحفيين ووسائل الإعلام. خلال الاجتماع المغلق الذي استمر خمس ساعات في 19 يوليو/تموز، منع المجلس حوالي 200 صحفي ومذيع من تغطية الاجتماع وقت حدوثه. يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم بث جلسات الحوار الوطني، كما وعد المنظمون، لكن رشوان ذكر أنه على عكس اجتماعات مجلس الأمناء، سيتم بث الجلسات على الهواء مباشرة.
اطّلعت منظمة (DAWN) على التعليقات والتحليلات والبيانات العامة، بما في ذلك البيانات التي نشرها مجلس أمناء الحوار الوطني، وتحدثت إلى العديد من المعلقين والمحامين المصريين في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى منفيين سياسيين، أكثرهم في اسطنبول، لكتابة هذه الورقة الموجزة.
التحليل
في 26 أبريل/نيسان، قرب نهاية شهر رمضان، أعلن السيسي أن الحكومة المصرية ستعقد حوارًا وطنيًا لغرض المصالحة الوطنية وكخطوة نحو الإصلاحات التشريعية والتنفيذية التي ستتبعها. أصدر السيسي هذا الإعلان أثناء حضوره إفطار الأسرة المصرية، وهو تقليد بدأه في عام 2017، حيث دعا كبار المسؤولين الحكوميين والسياسيين والصحفيين وغيرهم من الشخصيات البارزة للانضمام إليه في مأدبة احتفالية لتناول الإفطار خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان. ضم هذا الإفطار عددًا من شخصيات المعارضة السياسية التي تسامحت الحكومة معها، مثل المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي والصحفي المخضرم والرئيس السابق لحزب الدستور خالد داود. كما أعلن السيسي في نفس اليوم عن قراره بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية للنظر في الإفراج عن السجناء السياسيين.
طرحت حكومة السيسي كلتا المبادرتين خلال المؤتمر الوطني للشباب، وهو حدث تم تنظيمه لأول مرة في عام 2016 لغرض معلن وهو ربط القادة الشباب بالمسؤولين الحكوميين وتعريفهم بمؤسسات الدولة. على الرغم من وصفها رسميًا بأن المؤتمر فرصة للشباب المصري للانخراط في النقد البناء للحكومة، إلا أن العديد من الشباب المصريين سخروا من هذه الفكرة، وعقدوا في الوقت نفسه مؤتمرهم الخاص للشباب على الإنترنت. كان السيسي يأمل في استغلال مؤتمر هذا العام لتعزيز شعبيته بين الشباب المصري، الذين يواجه العديد منهم بطالة أو عمالة جزئية كبيرة في اقتصاد مصر المتعثر.
تأتي دعوة السيسي لحوار وطني مع استمرار تدهور النسيج الاجتماعي للبلاد وتفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة بالفعل. لا يزال عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، فضلًا عن الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المجتمع المدني، في السجن. تلاحظ منظمات حقوق الإنسان والحكومات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بشكل منتظم تدهور الأوضاع داخل البلاد. من الناحية الاقتصادية، وصل الدين الخارجي لمصر الآن إلى رقم غير مسبوق وهو 157.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 23 مليار دولار عن عام 2021. كما أن إجمالي ديون مصر أصبحت أعلى، حيث وصل إلى 392 مليار دولار في نهاية السنة المالية 2020-2021. تحتل مصر الآن المرتبة 158 من أصل 189 دولة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن قدرًا كبيرًا من الموارد المالية للحكومة يتم إنفاقها على الديون بدلًا من تقديم الخدمات للشعب المصري. على الرغم من أن قبضة السيسي على السلطة لا تزال شبه مطلقة، فمن الواضح أيضًا أن الحكومة قررت أنها بحاجة إلى اتخاذ مبادرات إيجابية نحو المصالحة لتهدئة الاستياء العام من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة في البلاد.
ناقش المعلقون المصريون علنًا، في المقام الأول على وسائل التواصل الاجتماعي، ما إذا كان الحوار الوطني سيكون جهدًا جادًا لإصلاح العلاقات الاجتماعية، أو عملًا فارغًا من المسرح السياسي. ستكون الإجابة على هذا الأمر مرتهنة بما إذا كانت الحكومة صادقة بشأن إعادة فتح الفضاء العام للسماح على الأقل بمناقشة الحد الأدنى للإصلاح السياسي وحقوق الإنسان وما إذا كان خصوم السيسي السياسيون سيقررون المشاركة في الحوار الوطني. ولكن حتى ذلك الحين، وفي غياب الإجراءات الملموسة لإظهار قدر من المصالحة على الأقل، ستظل هناك شكوك جدية بشأن صدق الحكومة.
تباينت ردود الفعل على تشكيل الحوار الوطني بين مؤيدي السيسي ومنتقديه. اختلف القادة السياسيون المعارضون داخل وخارج البلاد في وجهات نظرهم، حيث أيد البعض المشاركة في الحوار الوطني وحث آخرون على المقاطعة. تنافس هؤلاء القادة على جذب الانتباه في الخطاب العام في مصر وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. بالنسبة للمعارضة السياسية داخل مصر، فإن انتقاد الحوار الوطني نشاط محفوف بالمخاطر، حيث أن أي انتقاد للحكومة يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة، مهما كان النقد بسيطًا. في حين أن الحكومة قد تتسامح مع بعض الانتقادات للعملية، لا يمكن للمعارضين داخل البلاد التحدث بحرية عند التعليق على الحوار الوطني، ولا إدانة العملية بشكل صريح، والخطوط الحمراء، مثل النقد المباشر للسيسي أو الجيش، لا تزال سارية المفعول ولا يجب تجاوزها. في جميع الأحوال، بالنسبة للمعارضة داخل مصر وخارجها، فإن استخدام الحوار الوطني لتأمين الإفراج عن السجناء السياسيين هو أحد الاعتبارات الرئيسية.
سؤال السجناء السياسيين
منذ وصولها إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، اعتقلت حكومة السيسي عشرات الآلاف من المصريين من خلال القمع المنهجي والوحشي للحقوق المدنية والسياسية. تقدر منظمات حقوق الإنسان أن هناك ما لا يقل عن 60 ألف سجين سياسي في مصر، وكثير منهم لم يتلقوا محاكمة عادلة أو حتى يُحاكموا، حيث يتم إعادة تدوير تهمهم ببساطة في قضايا مختلفة من خلال استخدام الحكومة التعسفي للحجز الاحتياطي. أدت هذه الممارسات القمعية وتقلص المساحة السياسية إلى القضاء على أي إيمان بالرغبة الحقيقية لحكومة السيسي في السماح بإصلاح سياسي فعلي. وعلى الرغم من تأكيدات السيسي بـ "استيعاب الجميع" والسماح بـ "اختلاف الرأي"، فإن هذا الافتقار الواضح للثقة يلقي بظلاله على الحوار الوطني. ردًا على ذلك، دعا العديد من الشخصيات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان إلى إطلاق سراح عدد كبير من السجناء السياسيين كشرط مسبق لمشاركتهم في الحوار الوطني.
خالد داود، على سبيل المثال، رحّب بالحوار لكنه أكد على ضرورة أن تفرج الحكومة عن السجناء السياسيين كإجراء لحسن النية قبل بدء الحوار. وقال: "سنكون في وضع لا يُحسد عليه أبدًا إذا شاركنا دون إطلاق سراح أعضائنا من السجن. نحن بحاجة إلى أن يحدث ذلك كبادرة حسن نية من الحكومة." أمضى داود أكثر من ثمانية عشر شهرًا في الحبس الاحتياطي بعد اتهامه بنشر أخبار كاذبة ومساعدة منظمة إرهابية قبل أن تطلق الحكومة سراحه في أبريل/نيسان 2021.
في حين ينفي السيسي رسميًا وجود أي سجناء سياسيين في مصر، وعدت الحكومة المصرية بالإفراج عن عدد من المعتقلين أو العفو عنهم قبل بدء الحوار الوطني، وذلك في المقام الأول ليكون بمثابة إجراء لبناء الثقة للمعارضة ولإظهار صدقها في النظر لإجراء إصلاحات. وكما قال رشوان: "العفو يمهد الطريق لعقد الحوار الوطني في جو ملائم."
لكن حتى الآن، أطلقت الحكومة سراح سجناء أقل بكثير مما توقعته شخصيات المعارضة وقادة المجتمع المدني. قال محامون حقوقيون مصريون لمنظمة (DAWN) أن الحكومة أفرجت عن 316 سجينًا سياسيًا، لكنها اعتقلت 400 آخرين على الأقل منذ إعلان السيسي عن الحوار الوطني في 26 أبريل/نيسان. قدّم عمرو العفيفي، وهو باحث مصري معروف ومدير الأبحاث في مبادرة الحرية، رقمًا أعلى، حيث ذكر أن الحكومة أطلقت سراح 432 شخصًا، لكنها اعتقلت 716 آخرين، ما يعني أنه مقابل كل إطلاق سراح، احتجزت الحكومة 1.6 شخصًا آخر. وقال طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي، أنه تم الإفراج عن ما يقل قليلًا عن 300 معتقل من قائمة تضم 1,074 اسمًا قُدمت إلى اللجنة من الحركة المدنية الديمقراطية، أكبر جماعة معارضة في مصر، في أول شهرين منذ إعلان السيسي الحوار الوطني.
هذه الأرقام أقل بكثير من تلك التي قدمها رشوان في 29 يوليو/تموز، عندما زعم أن الحكومة أفرجت عن أكثر من 700 سجين من خلال مكتب النائب العام أو بموجب عفو رئاسي. بعد مزاعم رشوان، قالت فاطمة خفاجي، وهي أيضًا عضو في مجلس أمناء الحوار الوطني، أن العدد الفعلي هو 400 شخص. وأشارت فاطمة إلى أن هذا أقل بكثير من قائمة 1,074 اسم التي قدمتها الحركة المدنية الديمقراطية كشرط مسبق لأعضاء الحركة للمشاركة في الحوار.
علاوة على ذلك، في 27 يوليو/تموز، قدمت سبع منظمات حقوقية مصرية رائدة قائمة ثانية بالمعتقلين إلى لجنة العفو الرئاسية. تضم هذه القائمة أسماء 536 فردًا وتتبع القائمة الأولى التي قدمتها المنظمات في 23 مايو/أيار والتي تضم 2,418 فردًا. حتى الآن، أفرجت الحكومة عن 49 فقط من بين 2,418 شخصًا، أو أقل من 2 في المئة. وبالمثل، في 8 أغسطس/آب، أفادت منظمة "حتى آخر سجين" أنه تم الإفراج عن 443 معتقلًا، في حين أعيد النظر في تهم 25 معتقلًا في قضايا جديدة. كما أفادت أن الحكومة اعتقلت 716 شخصًا وجددت الحبس الاحتياطي لـ 7,000 معتقل.
وتستعد لجنة العفو الرئاسي لتقديم قائمة ثالثة بالأسماء إلى السيسي، لكن عضو اللجنة كمال أبو عيطة قال في 15 أغسطس/آب أن الأجهزة الأمنية تعرقل عمل اللجنة لدرجة أنها "كادت أن تتوقف." في اليوم التالي، صرّح عضو اللجنة طارق الخولي أن المسؤولين المصريين سيطلقون سراح 25 محتجزًا على ذمة المحاكمة.
في كل هذه الحالات، أفرجت الحكومة المصرية عن جزء صغير فقط من المعتقلين أو السجناء السياسيين الذين طالب بالإفراج عنهم المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان. مع اقتراب بدء الجلسات الموضوعية للحوار الوطني، سيتعين على شخصيات المعارضة والمشاركين المحتملين الآخرين أن يقرروا ما إذا كانوا سينضمون إلى الحوار، أو يرفضون، أو يحاولون تأخير البدء حتى توافق الحكومة على إطلاق سراح المزيد من المعتقلين والسجناء السياسيين.
نقاد المشاركة في الحوار الوطني
من بين الرافضين للمشاركة في الحوار الوطني أغلب السياسيين والناشطين السياسيين المصريين في المنفى. تؤكد هذه الأصوات إلى حد كبير أن الحكومة ليست جادة في إجراء حوار وطني هادف، وتشير إلى أنه منذ وعد السيسي بالإفراج عن السجناء في إفطار الأسرة المصرية، أطلقت الحكومة سراح عدد قليل فقط من المعتقلين السياسيين، في حين أن المدافعين عن حقوق الإنسان المهمين، مثل علاء الفتاح ومحمد الباقر لا يزالون رهن الاعتقال. من بين 300 إلى 400 تم الإفراج عنهم منذ الإعلان، هناك عدد قليل فقط من السجناء المعتقلين لأسباب سياسية. وكما قال بعض المنفيين السياسيين لمنظمة (DAWN) أنه يجب فصل الحوار الوطني تمامًا عن إطلاق سراح السجناء السياسيين، لأن حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية لا يمكن أن تعتمد على أي عملية سياسية أو مفاوضات.
كما يشير منتقدو الحوار الوطني إلى أن بعض أهم القادة السياسيين في البلاد، مثل المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، ما زالوا في السجن، ما يقوض صدق وأهمية الحوار الوطني الذي يهدف إلى إصلاح الانقسام الاجتماعي والسياسي.
ورفض سياسيون داخل الدولة، مثل أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة، المشاركة في الحوار الوطني، حيث خلصوا إلى أن الحكومة غير جادة في الإصلاح وأن المشاركة ستؤدي إلى إضفاء شرعية غير مستحقة للنظام. استقال الطنطاوي من حزب الكرامة، أحد أحزاب المعارضة القليلة المسموح لها بالوجود في مصر، في 16 يوليو/تموز بعد أن حظرت الحكومة مقالًا نشره في موقع المنصة ينظر في كيفية عزل الرئيس من المنصب بموجب القانون المصري. أدى ذلك إلى قيام الحكومة بحجب الموقع للمرة الثالثة عشرة منذ عام 2017.
غادر الطنطاوي مصر متوجهًا إلى بيروت في أواخر يوليو/تموز، بعد أن بعث مسؤولون مصريون عدة رسائل إلى مؤسس حزب الكرامة حمدين صباحي يطالبون الطنطاوي بالانسحاب من الحياة السياسية. وذكر موقع مدى مصر أن المسؤول زعم أن انتقاد الطنطاوي للحوار الوطني يمكن أن "يعرقل التقدم"، ووعد بالإفراج عن "مئات المعتقلين" في المقابل. المقربون من الطنطاوي حثوه على مغادرة البلاد قبل أن يواجه انتقاما حكوميًا.
بالاستناد إلى هذه النقاط وغيرها، خلص العديد من المنفيين السياسيين إلى أن الحكومة المصرية لجأت إلى اقتراح الحوار الوطني كمحاولة لتجاهل المشاكل السياسية والاقتصادية الحالية في البلاد. وفقًا لذلك، تنظر مجتمعات المنفى السياسي في برلين والدوحة واسطنبول إلى حد كبير إلى الحوار الوطني على أنه محاولة لتشتيت الانتباه، حيث يأمل السيسي ودائرته الداخلية في استباق النقد الداخلي والخارجي أثناء محاولتهم التعامل مع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد. توصّل العديد من المعلقين إلى نفس النتيجة.
وكما أشار محمد فاضل مؤخرًا، فإن "هيكل "الحوار" المقترح يؤكد أنه مجرد محاولة أخرى لوضع قشرة من الانفتاح السياسي لتفادي الانتقادات الغربية لنظام السيسي وسجله في مجال حقوق الإنسان." ويشير فاضل أيضًا إلى أن حكومة السيسي تأمل في استخدام الحوار الوطني "لتعزيز صورتها الدولية في سياق مناخ دولي متدهور بشكل متزايد، حيث من المرجح أن يتطلب الاقتصاد المصري جولة أخرى من القروض من صندوق النقد الدولي في المستقبل القريب."
مؤيدو المشاركة في الحوار الوطني
يرى أولئك الذين يدافعون عن المشاركة في الحوار الوطني بأنه في بلد قمعي يتميز بفضاء سياسي مغلق، مثل مصر، توفر المشاركة في العمليات السياسية التي تقرها الدولة الفرصة الوحيدة للمطالبة بالتغيير والدعوة إلى الإصلاح السياسي—مهما كانت هذه الفرص قصيرة العمر أو من غير المحتمل أن تستجيب الحكومة لهذه الدعوات. ويقول المؤيدون أيضًا بأن المشاركة في الحوار الوطني هي وسيلة مهمة لتأمين الإفراج عن أكبر عدد ممكن من السجناء السياسيين، وهو هدف عملي مهم، لا سيما بالنظر إلى عدم احتمالية إجراء إصلاح سياسي فعلي بعد الحوار. وكما قال أحد السياسيين في المنفى لمنظمة (DAWN)، "الإفراج عن أي سجين سياسي هو انتصار للحرية في مصر."
علاوة على ذلك، يرى المؤيدون بأن المشاركة في الحوار الوطني كأصوات معارضة لا تضفي الشرعية على الحكومة أو هذه العملية، بينما الرفض في المشاركة يسمح للسيسي بإعلان أنه دعا المعارضة للحوار ورفضوا ذلك. سيستخدم السيسي هذه الحجة، مهما كانت خادعة، لدحض المزاعم بأنه وحكومته لا يتعاملون مع قضايا حقوق الإنسان. لا يسمح هذا للسيسي فقط بتشكيل موضوع أزمة حقوق الإنسان في مصر، بل يمكن أن يوفر للدول الغربية، مثل الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الغطاء الكافي لمواصلة إمداد حكومة السيسي بمليارات من مبيعات الأسلحة والدعم للجيش.
في هذه المرحلة، هناك عدد قليل من جماعات المعارضة التي تدعم المشاركة دون تنازلات أكبر من الحكومة. على سبيل المثال، في 10 أغسطس/آب، قدم محامي حقوق الإنسان نجاد البرعي إلى رشوان رسالة من 19 من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان خلصوا فيها إلى أن الحكومة المصرية يجب أن تحترم حقوق الإنسان المكفولة دستوريًا من أجل نجاح الحوار. اقترحت الرسالة أربع خطوات على الحكومة أن تتخذها لإثبات صدقها تجاه الإصلاح وهي: تحسين الإطار القانوني والإداري للمنظمات غير الحكومية، وإنهاء الملاحقات القضائية وحظر السفر وتجميد الأصول للمدافعين عن حقوق الإنسان، وإطلاق سراح محامي حقوق الإنسان المسجونين ظلمًا، بمن فيهم الباقر وهيثم محمدين، وإنهاء ممارسة احتجاز المصريين في المطارات أو تأخير تجديد جوازات السفر لمن يعيشون خارج مصر، وهي ممارسة تستخدم فعليًا قيود السفر كسلاح ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.
لم توافق الحكومة المصرية بعد على هذه الاقتراحات أو غيرها من الاقتراحات المتعلقة بإجراءات بناء الثقة، تاركة القدر الضئيل من الإفراج عن المعتقلين كإجراء وحيد لإثبات حسن نيتها لاستضافة حوار وطني برغبة حقيقية للإصلاح.
الاستنتاجات والتوصيات
فقط المسؤولون الموالون للحكومة المصرية والمدافعون عن السيسي يُظهرون حماسًا حقيقيًا للحوار الوطني في مصر. ومع ذلك، المشاركة من عدمها هي مسألة صعبة بالنسبة للمصريين، وخاصة بالنسبة للقادة السياسيين والاجتماعيين داخل مصر الذين يخاطرون بالعزل من قبل الحكومة وكل الأضرار التي يمكن أن تحدث إذا رفضوا المشاركة أو انتقدوا العملية بشدة. يطرح كل من مؤيدي ومعارضي المشاركة حججًا جيدة. إنّ إمكانية تحقيق بعض المكاسب في أزمة حقوق الإنسان في مصر وتأمين الإفراج عن عدد محدود من المعتقلين والسجناء السياسيين سبب مقنع للمشاركة. وبالمثل، فإن التعبير العلني عن عدم الرضا عن السيسي ونظامه الفاسد، مهما تم كبته، هو خيار مرحب به بالنسبة للعديد من المصريين وقد يؤدي إلى مجتمع مدني أقل تقييدًا وانفتاحًا سياسيًا ديمقراطيًا أكبر في المستقبل. وبما أن المعارضة، سواء داخل مصر أو في المنفى، تعرف أن الحوار الوطني من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيير فعلي أو أكثر من مجرد مكاسب محدودة للغاية، فربما يكون هناك سبب وجيه لعدم المشاركة.
من الواضح أن هذه العملية السياسية—بافتراض أنها ستبدأ في وقت ما—تفتقر إلى المصداقية كجهد هادف من قبل الحكومة للتخلي عن سيطرتها الاستبدادية وتقليل قمعها السياسي شبه المطلق في البلاد. يجب ألا تضفي المشاركة في الحوار الوطني الشرعية على الحكومة، ويجب أن يظل تقرير المشاركة أو عدم المشاركة اختيارًا شخصيًا وعدم تعريض المشاركين للهجوم. الجانب المهم هنا هو التضامن. يجب أن يحترم قادة المعارضة قرار بعضهم البعض بالمشاركة أو المقاطعة، وأن يظلوا يركزون على تقييم العملية بناءً على مزاياها، ونقدها بصدق إذا استنتجوا أنها ليست أكثر من عملية لإرضاء الحكومات الغربية وصرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية المعوقة في البلاد، وهي أزمة جلبتها الحكومة لنفسها إلى حد كبير.
أخيرًا، تقدم هذه اللحظة لقادة المعارضة الذين تعرضوا غالبًا لانتقادات بسبب عدم قدرتهم على العمل معًا فرصة لإظهار قدرتهم على التعاون وأن وجهات نظرهم حول أهم القضايا في مصر معززة ومكملة لبعضها البعض وليست متناقضة. كما توفر لهم فرصة ليوضحوا للمصريين أن الحكم السيسي الاستبدادي لا ينبغي إلى أن يكون النموذج الذي فُرض عليهم إلى الأبد وأن هناك احتمالات أكثر شمولًا وديمقراطية وسلمية. هذا أمر يريده كل المصريين.