فريدريك ديكناتل المحرر التنفيذي لمجلة الديمقراطية في المنفى الخاصة بمنظمة (DAWN)
English
بعد فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة السورية، عرفت سمر يزبك أين تقف: مع المتظاهرين الذين يتحدون الرصاص احتجاجًا على نظام بشار الأسد وعقود من ديكتاتورية عائلته. هي روائية وكاتبة سيناريو وصحافية ناجحة في دمشق، حيث كان لديها منصة عامة، بما في ذلك في صحيفة القدس العربي اليومية العربية، إذ استخدمتها لتوثيق الأيام الأولى للمظاهرات السلمية ضد الأسد وكيف كان يتم قمع المتظاهرين بعنف من قبل النظام—بطريقة تناقش بشكل مباشر دعاية النظام بأن المتظاهرين "إرهابيين" ومحرضين أجانب. أدى دعمها الصريح للاحتجاجات إلى طردها من مجتمعها. تنحدر سمر يزبك من عائلة علوية بارزة في جبلة، على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا—معقل الأسد التقليدي. أرسل لها أحد أصدقاء طفولتها في ربيع عام 2011: "عزيزتي الخائنة….حتى الله مع الرئيس وما زلتِ ضائعة."
تم تضمين هذه الرسالة النصية في أول كتاب غير روائي نشرته سمر يزبك عن انزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية في عام 2012: امرأة في مرمى النيران: يوميات الثورة السورية. يغطي الكتاب أول 100 يوم من الانتفاضة، عندما تم اعتقال سمر نفسها عدة مرات من قبل الشرطة السرية السورية وتعرضت للضرب. تعرضت للتهديد (مع ابنتها) في مكتب أمني في دمشق، وتم نعتها بأنها "نقطة سوداء على العلويين جميعًا" وتم الضغط عليها للذهاب إلى التلفزيون الرسمي لقراءة نص معد مسبقًا تدعم فيه النظام علنًا. رفضت سمر بالطبع. قال لها ضابط أمن مهددًا: "من الآن فصاعدًا، أنتِ متحالفة مع العدو." وأجابت سمر: "أنا لست متحالفة مع أحد. أنا مع الحقيقة."
بعد هذا النقاش مباشرة، تم جرّ سمر إلى سجن تحت الأرض في قبو ذلك المكتب الأمني بدمشق. قال الضابط: "مجرد رحلة قصيرة، لكي تكون كتابتكِ أفضل." لقد رأت محتجزين وهم يُضربون على الأرض ومُعلقين بالسلاسل.
فشل ترهيب النظام في إسكاتها، لكن سرعان ما فرّت سمر مع ابنتها إلى فرنسا. عادت إلى سوريا، متسللة إلى شمال البلاد عبر الحدود التركية ثلاث مرات في عامي 2012 و 2013، لترى وتوثّق بشكل مباشر ما وصفته بـ "مسرح الدم المروع" في الحرب الأهلية. أصبحت تلك الرحلات كتابًا آخر: العبور: رحلتي إلى قلب سوريا المحطم، والذي جمع بين الشهادات العاجلة لكتاب "امرأة في مرمى النيران" وتقارير الحرب الموثقة، حيث سيطر المتطرفون الإسلاميون على ساحة المعركة في شمال سوريا.
وكتبت قائلة عن تنظيم داعش: "دخلت قوة استبدادية من نوع مختلف إلى المشهد وبدأت تشكل عقبة خطيرة أمام أي نشاط مدني أو أي محاولة لإعادة بناء المجتمع الممزق." وأضافت: "كان النشطاء السلميون يتعرضون للتعذيب والقتل والنفي في نفس الوقت الذي تم فيه إطلاق سراح هؤلاء الإسلاميين الأصوليين" من سجون النظام، فيما وصفته بـ "عملية منظمة ومخطط لها جيدًا لتقسيم الشمال المحرّر كغنائم بين الجهاديين الوافدين."
فاز كتاب "العبور" بجائزة أفضل كتاب أجنبي في فرنسا وتم ترجمته إلى 17 لغة. كما حصلت سمر يزبك على جائزة PEN Pinter International Writer of Courage لعام 2012 عن كتاب "امرأة في مرمى النيران،" من بين جوائز أخرى. وفي عام 2012، أسست منظمة "النساء الآن لأجل التنمية،" وهي منظمة غير حكومية مقرها في فرنسا تعمل على تمكين المرأة السورية اقتصاديًا واجتماعيًا ودعم تعليم النساء والأطفال في البلاد.
ومع ذلك، تعتبر سمر يزبك نفسها روائية قبل كل شيء—تشمل رواياتها "القِرفة،" والتي نُشرت أيضًا باللغة الإنجليزية في عام 2012—وعادت هذا العام إلى الروايات مع "المشاءة،" وهي سرد سريالي للحرب في سوريا من خلال عيون فتاة صغيرة تُدعى ريما قُتلت والدتها في هجوم عند نقطة تفتيش بدمشق. بعد تعافي ريما في مستشفى عسكري، يأخذها شقيقها—الذي أصبح مقاتلًا مع المتمردين—إلى ضواحي الغوطة المحاصرة، حيث تقضي أيامها مختبئة في قبو، تائهة في خيالها. تكتب قصتها المؤرقة المفككة، والتي تتأثر بكل من القرآن ورواية "الأمير الصغير،" بينما تحتدم الحرب في الخارج.
ريما هي الراوية في الرواية، وبراءتها وافتقارها الواضح إلى فهم ما يحدث من حولها يؤكد فقط على انعدام المعنى لأهوال الحرب—لا سيما في أعقاب الهجوم الكيماوي المدمر الذي قام به نظام الأسد عام 2013 على الغوطة، والذي نجت منه ريما. "كانت الروائح منفّرة، وعندها علمتُ أن الطائرات السماء أمطرت هذه الروائح في أغسطس."
في الأسبوع الماضي، تم اختيار رواية "المشاءة" التي تمت ترجمتها من العربية من قبل ليري برايس، للمرحلة النهائية لجائزة الكتاب الوطني لعام 2021 للأدب المترجم. تحدثت يزبك إلى مجلة الديمقراطية في المنفى من فرنسا بعد الإعلان عن المتأهلين للمرحلة النهائية في جائزة الكتاب الوطني. ناقشت سمر في هذا الحوار الكتابة من المنفى ولماذا "أشعر أنني أعيش في سوريا أكثر من شعوري بأنني أعيش في فرنسا."
تحدثت يزبك بشكل أساسي باللغة العربية، بمساعدة الترجمة التي قدمتها وكالة راية.
تم تحرير النص التالي بشكل طفيف من أجل الإيضاح وملائمة طول المادة.
أول كتابين لكِ عن الثورة السورية لم يكونا من الروايات. لماذا قررت العودة إلى الرواية الآن؟
لم أقرر كتابة الرواية لأنني في الأصل روائية وأكتب الرواية منذ حوالي 20 عامًا. لقد كانت الكتابة الوثائقية هي عبارة عن منفى شخصي بالنسبة لي، لأنني روائية أولًا وأخيرًا قبل أن أكون ناشطة أو مهتمة بالعمل في مجال حقوق الانسان وسوريا. إذا كان بإمكاني تقديم هوياتي المتعددة، لأن لدي العديد من الهويات، يمكنني القول أن حقيقتي الأساسية هي أنني روائية أولًا وأخيرًا.
عندما اضطررتِ إلى الذهاب إلى المنفى في عام 2011 ومغادرة سوريا، هل شعرتِ أنكِ لا تستطيعين أن تكون روائية لبعض الوقت، لأنكِ كنتِ في المنفى؟
لقد كان ذلك جزءًا من مشاكلي العميقة، حيث لم أستطع كتابة الأدب لمدة أربع سنوات. لذلك كنت منفية كروائية ومنفية كسورية خارج بلدي. لذلك عندما عدت لكتابة الرواية كان ذلك بمثابة عودة عوليس، بمثابة عودة المنفي إلى حقيقته الأساسية.
لماذا قررتِ كتابة "المشاءة" من منظور فتاة صغيرة؟ هل تعتقدين أن هناك أشياء معينة يمكن للقارئ أن يفهمها عن سوريا من وجهة نظر ريما؟
في الحقيقة، أنا مهتمة دائمًا بأصوات النساء وحقوقهن، وهي جزء من هويتي الأخرى. لذا، فإن غالبية أبطالي نساء في غالبية رواياتي. أنا لست مهتمة فقط بأصواتهن في الأدب أو الصحافة، ولكن أيضًا في حقيقة عملهن على الأرض. وأعتبر هذا الأمر جزء من معركتي الرئيسية في الحياة أن أتحدث عمّا يحدث للنساء السوريات، حيث ينعكس جزء من ذلك في عملي كمؤسسة لمنظمة غير حكومية مكرسة لتمكين المرأة.
أود أن أقول أن قصة ريما هي أبعد من قصة الحرب السورية. إنها رواية مركبة ومعقدة بعض الشيء. قد يبدو للوهلة الأولى أنها مجرد فتاة تحكي قصة الحرب، لكن في الحقيقة هناك ما هو أبعد من ذلك. إنها تتحدث عن قدرة الخيال على إنقاذنا من جحيم الحروب والعنف. إنها تروي رؤوس الوحش المتعددة التي تواجهها النساء السوريات والعربيات بشكل عام في المنطقة من ديكتاتوريين إلى إسلاميين إلى مجتمع محافظ وما إلى ذلك.
في الوقت نفسه، توثق ريما هذه المجزرة الكبيرة—وهي في الواقع الهجمات الكيماوية التي حدثت في الغوطة—دون أن تلمس العنف، وكان هذا تحديًا بالنسبة لي. كنت أكتب دائمًا كتب توثيقية عن الحروب والمجازر. كانت العودة إلى كتابة الأدب من خلال "المشاءة" هي من أفضل الأشياء التي حدثت لي.
لماذا كان الأمر كذلك؟ لأن ذلك كان بمثابة العودة إلى كتابة الرواية؟
لا، ولكن لأنني عدت إلى نفسي. فقدتُ نفسي لأنني توقفت عن الكتابة الروائية. كان من واجبي ككاتبة مثقفة أن أكتب عن الضحايا وحقيقة ما بحدث في سوريا. وأن يكون هناك صوتًا للضحايا. كان هذا مؤلمًا للغاية بالنسبة لي، لأنه كان علي أن أكون في الجبهات وكان علي أن أستمع إلى قصص المجازر والموت والاغتصاب، لذلك كان ذلك من الصعب للغاية بالنسبة لي من الناحية النفسية. كنت بحاجة للعودة إلى الأدب والفن. كنت على وشك أن أفقد قدرتي على العودة إلى الكتابة للتخفيف من آلام المنفى الحقيقي.
هل تعتقدين أن هناك أشياء يمكن أن تفعلها الرواية لتشرح أو تُظهر الفظائع في سوريا أكثر من الكتابات غير الروائية؟
أعتقد أن كلاهما يمكن أن يحقق نفس الغرض، ولكن بطرق مختلفة. إنه أمر معقد لأنه يُنظر إلينا كعرب من ناحية سياسية، ولا يتعامل نقاد الأدب العالميين مع رواياتنا بشكل جاد. لذا، فإن قيمة رواياتنا الأدبية لا تحظى باهتمام نقاد الأدب الغربيين. أنا مشكلتي ككاتبة أن رواياتي يُنظر إليها من جانب سياسي أو اجتماعي، لكن القيمة الفنية والأدبية وأسلوب الكتابة قد لا يحظى بنفس القدر من الاهتمام عند الغرب.
في رواية "المشاءة" على وجه الخصوص يحدث جزء كبير منها في قبو في الغوطة. يبدو أن الكثير من العالم قد نسي الغوطةو—معاناة المدنيين في الغوطة وأجزاء أخرى من سوريا. لماذا برأيكِ نسيهم العالم؟
أولًا، هناك شيء عند الغرب يسمى الواقعية السياسية—وهي فكرة أن الأسد لا بد أن يظل. أخشى أنني سأضطر إلى الدخول في خطاب سياسي لأن سؤالك سياسي. الوضع السوري معقد لأسباب مختلفة وسأحاول تلخيصها. هناك تضارب مصالح دولية من مختلف الدول في المنطقة. سوريا حاليًا محتلة من قبل إيران وروسيا وتركيا وأمريكا. هناك جيوش كثيرة بالمعنى الكامل على الأرض في سوريا حاليًا. مصالح هذه الجيوش لا تتفق مع بعضها البعض. الحقيقة أنه كان يوجد في البداية تعاطف مع الشعب السوري من خلال أجندة الأسد التي تتسم بالعنف، ولكن ذلك التعاطف اختفى بظهور داعش. وهذا قلل إلى حد كبير من تعاطف الغرب مع الشعب السوري. وقد شرحت في كتبي كيف تم تغذية الإسلام المتطرف منذ الأسد الأب وإلى عهد الابن، بالإضافة إلى ظهور داعش في العراق أيضًا.
وهناك مشكلة أخرى وهي أن صوت المعارضة الرسمية للأسد لم يكن في الأساس جيدًا بما يكفي. لقد ارتبطت في نواح كثيرة بتركيا، التي هي في الواقع أحد أطراف الاحتلال.
والأهم أن العالم نسي أن بشار الأسد كان مجرم حرب وما يزال كذلك. سوريا الآن هي في الظاهر دولة، لكنها في الحقيقة أشبه بمقاطعات تحكمها ميليشيات مختلفة.
أنتِ لم تعودي إلى سوريا منذ عام 2013، أليس كذلك؟
نعم صحيح.
هل لديكِ أي أمل في العودة في المستقبل؟
دائمًا. ينبغي علي أن أعود، لكنني أشعر بفقدان الأمل حاليًا، لكن أتمنى أن يتم ذلك في يوم من الأيام. لديّ الكثير من المشاريع التي أخطط القيام بها في سوريا، وما زلنا نعمل في سوريا مع النساء ]من خلال منظمة النساء الآن[ ومع العديد من المجموعات داخل سوريا.
هل لديكِ أي أمل لسوريا؟ حتى مع كل ما قلتيه، هل تعتقدين أن أي شيء سيتغير؟
أعتقد أن القضية السورية ستكون بعد فترة من الزمن أكبر عار أخلاقي على الإنسانية، لأنهم تركوا مجرم حرب يقتل ويدمر شعبه وبلده. وتعمل القوى العربية والغربية حاليًا على تبييض نظام الأسد باعتباره السلطة الشرعية، لذلك ليس لدي أمل على المدى القصير، على الإطلاق.
أنتِ في فرنسا، وفي ألمانيا أيضًا، هناك جالية سورية كبيرة نزحت بسبب الحرب. كيف تشعرين الآن وأنتِ وسط مجتمع منفي، وهل تعتقدين أن هناك إمكانية للسوريين في المنفى لمحاولة تغيير الوضع ببطء في سوريا نفسها؟
ما زلنا نعمل على القيام بالكثير من الأشياء. وبصرف النظر عن مشاريعي التوثيقية وعملي في منظمة "النساء الآن"، نحاول دائمًا الاجتماع والتناقش ونحاول إيجاد طرق لإحداث تغيير. كانت منظمة "النساء الآن" شكل من أشكل العمل من الخارج لمدّ الجسر بين السوريين في الخارج والسوريين في الداخل. نحاول دائمًا أن نكون صوتًا —بشكل جماعي وبشكل فردي—وأنا أؤمن بشكل كبير بقدرتنا على التحدث عن كل الانتهاكات لحقوق الإنسان التي يتم ممارستها سواء من قبل نظام الأسد أو داعش أو أي طرف آخر على الأرض.
أعتقد أن دورنا مهم للغاية أن نعمل كجسر بين سوريا الخارج وسوريا الداخل. حتى بصفتي كروائية، فإن هذا الأمر هو أهم قضية لي في الحياة، إنني أعيش من أجل هذه القضية.
أريد أن أقول شيئًا آخر. إن كلمة "منفى" لها معنى مختلف. أنا كامرأة كنت أعيش في بلدي في منفى وحاليًا أعيش في منفى في فرنسا. لكن أعتقد بعد الثورة الرقمية، تغير معنى المنفى بشكل كبير. نحن غير منفيين بطريقة تعريفات المنفى التي عرّفها كتاب كبار مثل إدوارد سعيد وغيره. لقد أصبح هناك معنىً جديد للمنفى. لم تعد الظاهرة هي نفسها. لا أشعر بأنني في منفى بالمعنى التقليدي، نظرًا لأننا مرتبطون دائمًا بسوريا. رأسي وعقلي ليسا هنا، إنهما هناك. ونتيجة لعملي اليومي مع النساء السوريات، أشعر وكأنني أعيش معهن في سوريا أكثر من شعوري بأنني أعيش في فرنسا.
هل تساعد كتاباتكِ أيضًا على إعادة ربطك بسوريا وتجعلكِ تشعرين وكأنكِ لستِ في المنفى؟
بالطبع. بالتأكيد. لأنني أكتب بالعربي وأتحدث عن سوريا وأعمل مع النساء السوريات. أشعر وكأنني على كوكب آخر، وكأن سوريا كوكبًا في رأسي.