محمد فاضل أستاذ في كلية الحقوق بجامعة تورنتو، حيث كان سابقًا رئيس أبحاث كندا لقانون واقتصاد الشريعة الإسلامية. وهو أيضًا زميل في منظمة (DAWN).
مرت اثنا عشر سنة منذ أن خرج المصريون بشجاعة إلى الشوارع مطالبين بالحق في حكم أنفسهم ديمقراطيًا. وقد يُجادل البعض ويزعُم أن المتظاهرين في وسط القاهرة، وفي العديد من المدن والبلدات الأخرى في مصر، لم يطالبوا بالديمقراطية، ولكن بشيء ملموس أكثر: "الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية". منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ادّعى مؤيدو انقلاب عبد الفتاح السيسي أن تدخل الجيش كان ضروريًا للحفاظ على الطابع "المدني" للدولة المصرية ضد التطرف الديني المزعوم للرئيس آنذاك محمد مرسي وحزبه السياسي جماعة الاخوان المسلمين. ومع ذلك، يتوجبُ الآن على أولئك الذين هتفوا للسيسي أن يعيدوا حساباتهم من خلال ما قدمه، والذي أظهر أنه من المستحيل أن تكون هناك دولة "مدنية" ناجحة إذا كانت تفتقر حتى إلى الحد الأدنى من معايير المساءلة الديمقراطية. وفي ظل نظام السيسي، مصر هي الدليلُ على أنه لا يمكن تحقيق الفوائد المادية لدولة مدنية حديثة باستخدام البنية التحتية لديكتاتورية عسكرية.
تبدأ الدولة المدنية الحديثة وتنتهي بالسعي لتحقيق رفاهية شعبها، ولا تُبصرُ نجاحها في بناء مشاريع خاوية لقائد عظيم، أو في مشهد طابور طويل من المتملقين الذين ينتظرون لكيل المديح له. لذا، دعونا نسأل، كيف حال الشعب المصري، بعد 12 عامًا من 25 يناير/كانون الثاني، ونحن نقترب من 10 سنوات على الانقلاب الذي أوصل السيسي إلى السلطة؟ لنترك جانبًا في الوقت الحالي الوحشية السياسية للسيسي وحلفائه. إنّ أعمال العنف التي أطلقوها، والتي اندلعت على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون ليراها العالم في صيف 2013 في ميدان رابعة العدوية، استمرت بلا هوادة منذ ذلك الحين. دمر السيسي وحلفاؤه السياسة في مصر. لم يسبق أن تعرض المجتمع المدني المصري لمثل هذا الدمار والإحباط. وحتى في أحلك أيام حكم حسني مبارك، كانت هناك ثقافة عامة للنقد والنمو الفكري. كان هناك بصيص من الأمل في إمكانية إقناع نظام مبارك بزيادة مساحة المشاركة الديمقراطية والمساءلة. على الرغم من أن هذه المساحة كانت صغيرة نسبيًا، إلا أنها كانت كافية للسماح بأعمال سياسية وسمحت للمصريين أن يحلموا بمستقبل أفضل من خلال العمل الديمقراطي الجماعي.
ومع ذلك، يبدو أن السيسي ومن خلفه من أصحاب الزي العسكري استخلصوا الدرس من سنوات مبارك، في أن أي مساحة للسياسة هي مساحة كبيرة جدًا. لذا فقد شرعوا في التدمير المنهجي لقدرة المجتمع المدني المصري على الحفاظ على أي ذرة من الحياة السياسية.
يتضح هذا الأمر في الوضع المثير للشفقة للبرلمان المصري. لقد أدرك السيسي، الذي كان دائمًا مبدعًا في خططه لترسيخ سلطته، أن استراتيجية مبارك للانتخابات الصورية تحمل في داخلها تداعيات ثورية: إذا أجرت مصر انتخابات نزيهة، فعندها يمكن للمصريين الاستمتاع بفوائد الديمقراطية والقيادة السياسية المسؤولة. وكان يجب تغيير مثل هذه الصورة، وكان السيسي مصممًا على أن يُظهر للمصريين أن الانتخابات النزيهة ليست ذات أهمية لأن مؤسسات مثل البرلمان هي نفسها ليست ذات أهمية. وضمن السيسي، من خلال ملء البرلمان بما يسمون بـ "المستقلين"، غير المنتسبين إلى أي حزب سياسي فعلي (ولكن في الحقيقة يخضعون للسيسي والجيش)؛ أن البرلمان سيكون ببساطة مكانًا للمتملقين الباحثين عن المال وغير القادرين على تشكيل تحالفات اجتماعية أوسع يمكن أن تتحدى سلطته.
قبل اثني عشر عامًا، بدأت ثورة 25 يناير/كانون الثاني بصرخة وطنية مبنية على الأمل فيما يمكن تحقيقه إذا اتّحد المصريون. اليوم، يبذل قادة مصر قصارى جهدهم لتدمير حتى إمكانية أن يأمل المصري العادي في مستقبل أفضل بالتعاون مع مواطنيه.
هناك من سيحاول، رغم الدمار الذي لحق بالحياة السياسية المصرية على يد السيسي وأمثاله، تبرير ذلك باسم التنمية الاقتصادية والتحديث. لا يزال الكثير من الناس، بمن فيهم المتخصصون في التنمية الدولية، يعتقدون، دون دليل، أن الأنظمة الاستبدادية أكثر نجاحًا في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية من الديمقراطيات. وتبدو الحجة جذابة ظاهريًا: الإصلاحات الاقتصادية مؤلمة، وتُنتج الكثير من الخاسرين، ونظرًا لأن هؤلاء سيصوتون، فإن السياسيين الذين يخضعون للمساءلة بشكل ديمقراطي سيقاومون تبني الإصلاحات المطلوبة. وتقول الحجة إلى أن النظام الاستبدادي معزول عن الضغط العام، وبالتالي يمكنه التصرف بعقلانية دون خوف من خسارة الانتخابات المقبلة.
لكن عزل النظام الاستبدادي عن المجتمع المدني ينطوي أيضًا على خلل عميق. إنّ استقلال النظام عن المدخلات الشعبية قد يسهل عليه إدارة إصلاحات مؤلمة (مع ترك مسألة الحكمة من هذه الإصلاحات جانبًا في الوقت الحالي)، ولكنها أيضًا تجعل من السهل إهدار الموارد العامة الهائلة على المشاريع غير المدروسة—كعاصمة جديدة غير ضرورية لتقليد دبي، تظهر في صحراء فارغة خلف القاهرة، وتوسيعات قناة السويس. من جانبها، تتمتع السياسة الديمقراطية بميزة اقتصادية تتمثل في إجبار صانعي القرار على حل المشكلات الأكثر إلحاحًا التي تواجه جمهورهم. ومن دون مثل هذا الضغط، وبدون إمكانية المساءلة، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الأنظمة لن تستخدم سلطتها في السعي وراء رفاهيتها الخاصة بدلًا من رفاهية الجمهور.
يمكن القول أن وحشية السيسي السياسية لا يقابلها إلا عجزه الاقتصادي. فقد تضخمت التزامات الدين الخارجي لمصر من 40 مليار دولار في عام 2012 إلى أكثر من 140 مليار دولار في نهاية عام 2021. وعلى الرغم من الاقتراض الهائل من جانب حكومته، فقد انخفضت الصادرات المصرية فعليًا بشكل طفيف في هذا الإطار الزمني، من 45.8 مليار دولار في عام 2012 إلى 44.9 مليار دولار في نفس الفترة. نهاية عام 2021. في ظل هذا الأداء الكارثي، ليس من المستغرب أن تنخفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بشكل حاد، من 0.15 جنيه للدولار عام 2012 إلى 0.03 جنيه للدولار، أي خسارة ما يقرب من 80 بالمئة من قيمة الجنيه مقابل الدولار.
بالنسبة للمصريين أنفسهم، فقد أدى ذلك إلى إفقار واسع النطاق، ستستمر آثاره السلبية لجيل كامل على الأقل، إن لم يكن أكثر. ما يقرب من 73 بالمئة من المصريين كانوا يعيشون على 5.50 دولارات فقط في اليوم أو أقل في عام 2017، مع دخل سنوي لا يتجاوز 2,007 دولارات، وبما يجعل المصريين من أفقر الناس في العالم. ومن أجل وضع هذا في المنظور الصحيح، بلغ نصيب الفرد من الدخل في مصر في عام 2017 ما قيمته 2,300 دولار. وهذا يعني أن ما يقرب من ثلاث أرباع السكان لم يكسبوا حتى الدخل "المتوسط"—ما يكشف، بالإضافة إلى انتشار الفقر، عن تركز الدخل القومي في أيدي شريحة صغيرة من المجتمع.
تخفي هذه الأرقام معاناة إنسانية حقيقية زادت بلا شك نتيجة آخر تخفيض لقيمة الجنيه المصري. وفي هذه الأثناء، يتخبط السيسي في محاولة الدفاع عن مشاريعه الخاوية—وهي إشارة صغيرة ولكنها مهمة إلى الضغط الشعبي الذي يتصاعد في وجه نظامه.
الديمقراطية ليست يوتوبيا. إنها عمل شاق؛ وهي عرضة للأخطاء وعدم الكفاءة والعيوب البشرية الأخرى. لكن لديها ميزة تسمحُ بتصحيح المسار، وهو أمر تفتقر إليه الأنظمة الاستبدادية بشكل منهجي. لا شيء، للأسف، سيوقف نظامًا استبداديًا من قيادة عربة البلاد إلى حافة الهاوية سوى ركّابها. يعتقد المستبد، لأنه يرى الهاوية أمامه، أنه قادر على إنقاذ نفسه في الوقت المناسب، حتى لو قضى ذلك على الآخرين. بعد اثني عشر عامًا على خروج المصريين بشجاعة إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط نظام مبارك، دعونا نأمل ألا يكون هذا هو مصيرُ مصر في عهد السيسي.