فريدريك ديكناتل المحرر التنفيذي لمجلة الديمقراطية في المنفى الخاصة بمنظمة (DAWN)
مقابلة أجراها فريدريك ديكناتل فريدريك ديكناتل المحرر التنفيذي لمجلة الديمقراطية في المنفى الخاصة بمنظمة (DAWN)
English
رسام الكاريكاتير والفنان الإيطالي جيانلوكا كوستانتيني يرسم الجميع وكل شيء: الكوميديا السياسية والصحافة المصورة، وحتى الرسوم التوضيحية الرياضية.
لكن عمله الذي يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، والذي لفت الانتباه إلى النشطاء والصحفيين المعتقلين، هو ما أكسبه تقديرًا دوليًا، بما في ذلك جائزة منظمة العفو الدولية للفنون وحقوق الإنسان لعام 2019.
كوستانتيني هو فنان مُدرَّبٌ تدريبًا كلاسيكيًا من شمال إيطاليا، تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في رافينا، خاض تجربة الرسوم الكاريكاتورية السياسية بشكل بسيط في البداية منذ حوالي عقدين من الزمن، حيث بدأ برحلة إلى سراييفو.
يتعاون في الوقت الحالي مع المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في مجموعة من المشاريع، لتسليط الضوء على محنة الصحفيين المعتقلين في إريتريا، على سبيل المثال، والمعتقلين الذين يُزعم أنهم تعرضوا للتعذيب في تركيا. ويعمل أيضًا مع فنانين آخرين، مثل الفنانة الصينية المعارضة آي ويوي.
تٌعرض الرسوم الكاريكاتورية الخاصة بكوستانتيني في مجموعة من المنشورات الدولية وعلى حسابه الشهير على تويتر.
حتى أن بعض تلك الرسوم يظهر على جوانب المباني، مثل ما حصل العام الماضي في ساحة بولونيا المركزية حيث تم وضع رسمة ضخمة لباتريك زكي، الأكاديمي المصري الشاب وطالب الدراسات العليا بجامعة بولونيا، والذي تم اعتقاله من قبل الحكومة المصرية، والذي تفيد التقارير أنه تعرض للتعذيب منذ عودته إلى القاهرة في فبراير/شباط 2020. كما قام كوستانتيني بوضع العشرات من الرسومات الورقية لزكي في غرفة القراءة الضخمة بمكتبة جامعة بولونيا.
يتم استهداف كوستانتيني من قبل الحكومات بسبب عمله، خاصة من الحكومة التركية التي اتهمته بدعم "الإرهاب" في أعقاب الانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2016.
تم حجب موقع كوستانتيني الإلكتروني وحسابه على تويتر في تركيا، إلى جانب 37 حسابًا آخر على تويتر ويوتيوب اعتبرتها السلطات التركية "تشيد بالإرهاب، وتشجع على العنف والجريمة، [و] تهدد النظام العام والأمن القومي". وكان قام كوستانتيني بكل بساطة برسم رسوم كاريكاتورية لأردوغان، من بين أمور أخرى. ولا تزال رسومه الكرتونية تخضع للرقابة في تركيا اليوم.
في مقابلة مع مجلة الديموقراطية في المنفى تم إجراؤها عبر البريد الإلكتروني، يناقش كوستانتيني كيف أصبح فنّه نشاطًا، وما هي المسؤولية التي تقع على عاتق الفنان للتفاعل مع السياسة، و "التحدث نيابة عن أولئك الذين لم يعد بإمكانهم التحدث".
تم رسم الرسوم الكاريكاتورية الثلاثة المصاحبة للمجلة هذا الأسبوع من قبل كوستانتيني لصالح منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، قبل أن تتوصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في وقت مبكر من يوم الجمعة.
منظمة (DAWN): هل تعتبر نفسك فنانًا أولًا، أم ناشطًا، أم كلاهما؟
أرى نفسي أولًا وقبل كل شيء كفنان مستقل يقرر بشكل مستقل كيف يتحرك وكيف يُظهر نفسه. تصوري هذا لنفسي هو في حد ذاته عمل سياسي. وأصبحت شيئًا فشيئًا ناشط كذلك، حيث أصبح كل شيء أرسمه جزءًا من الواقع والنضال من أجل تغييره.
الفن هو انعكاس للواقع دائمًا، حتى عندما تكون اللوحة مجردة. كل شيء مستوحى من الواقع. من الضروري بالنسبة لي أن يصبح الفن جزءًا لا يتجزأ من الواقع. عندما أقوم بعمل رسمة، ثم أرى صورة لشخص يحملها وتلك الصورة لها علاقة به، حينها أعرف أنني حققت هدفي.
عندما أرى رسوماتي في المظاهرات، أو يتم استخدامها من قبل النشطاء في جميع أنحاء العالم، فهذا يعني لي أني أقوم بالعمل الصحيح. يتجاوز هذا الأمر مجال الفن ويدخل في الطبيعة اليومية للناس. إنه نوع من الفن يجعلهم يفكرون ويتصرفون بناءً على ذلك. بالنسبة لي، ما أقوم به هو فن سياسي، فن غير شائع وغير مريح من الناحية القانونية. الفن بالنسبة لي هو معرفة غير مريحة.
منظمة (DAWN): ما الذي دفعك في البداية إلى صنع الرسوم الكاريكاتورية السياسية؟ ومتى بدأت في رسم الرسوم الكاريكاتورية عن الشرق الأوسط؟
في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ذهبت إلى سراييفو. كانت هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها إلى الخارج. كانت الحرب قد انتهت قبل فترة وجيزة، وكان كل شيء مدمّر.
كانت قوات الخوذ الزرقاء التابعة للأمم المتحدة تحرس المدينة. وتم توزيع خريطة بالمناطق التي يجب تجنبها، كانت تلك المناطق مليئة بالألغام المضادة للأفراد. كنت أرسم وأنشر منذ حوالي ثماني سنوات، لكنني كنت أرسم شيئًا آخر. بقي شيء من تلك الرحلة معي، وهو ما كان يطرح عليّ أسئلة.
بدأت أتعرف شخصيًا على المؤلفين الذين كانوا يحاولون إرسال رسالة للعالم من منظور آخر: جو ساكو وألكسندر زوغراف ومرجان ساترابي. لقد أثاروا شيئًا بداخلي، وأعطتني القراءة العَرَضية لكتاب إرنست فريدريش، الحرب ضد الحرب! فكرة أوضح.
بدأت برسم رسومات مع بضع كلمات تصف موقفًا: صحفي قُتل في الفلبين، محطة تلفزيونية أغلقتها الحكومة الإيرانية، بعض أحداث القمع في فلسطين، قتل بطل كرة قدم أمريكي في أفغانستان.
لقد انجذبت إلى الشرق الأوسط، تقريبًا بجاذبية مستشرقة، لكنها سياسية. علاوة على ذلك، كانت رسومات تلك الفترة خطية بشكل أكبر، حيث كانت تجمع بين الكتابة والرسم. لقد غمرت نفسي في ذلك الفن منذ ذلك الحين.
منظمة (DAWN): ذكرت في إحدى المقابلات العام الماضي: "الفن هو أداة تمنعني من النظر في الاتجاه الآخر"، هل تعتقد أن الفن يمكن أن يمنع الآخرين من النظر في الاتجاه الآخر—من تجاهل أشياء مثل حقوق الإنسان؟ هل تأمل أن يكون لرسومك الكاريكاتورية هذا التأثير؟
في البداية، ساعدني الفن على فتح عيني. من خلال التدقيق في الواقع عبر الرسم، اكتشفت وأدركت العالم ومشاكله. انغمست في ذلك ببطء. يمكن أن يكون الفن أشياء كثيرة. ما أريد فعله حقًا هو صنع فن يؤثر على المنظومة، ويحاول تغيير تلك المنظومة أو يشكك فيها—فن يتفاعل مع المجتمع، فن يشارك الأفكار ولا يفرضها.
إذا كان عمل الفنان مستقلًا ومنفتحًا على الآخرين، فسيبدأ الناس في النظر إلى العالم من خلال عيون الفنان. في السنوات الأخيرة، ركزتُ بشكل أساسي على حقوق الإنسان، وآمل أن يبدأ الأشخاص الذين يتابعون رسوماتي في الاهتمام بالقضايا التي أتعامل معها.
منظمة (DAWN): كيف تعتقد أن الفنان يجب أن يستجيب لأنواع الاتجاهات السياسية المقلقة التي رأيناها في السنوات القليلة الماضية، مع تزايد السياسات والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة، على سبيل المثال، والاستبداد المتخلف في الشرق الأوسط؟
يجب أن يستجيب الفنان بما يمكنه فعله: تقديم خيال جديد وطريقة جديدة للرؤية والاستجابة. فيما يتعلق بتجربتي الشخصية، فإن الرسم أداة قوية للغاية، حيث يصيب الأشخاص الذين ينظرون إليه كالسهم.
يختلف الرسم كثيرًا عن التقاط صورة. فمن خلال الرسم، يمكنك وصف الواقع، ولكن حتى لو كنت ناقلًا للواقع بأقصى قدر ممكن، فستكون الرسمة مختلفة. حتى لو نظرت إلى صورة، ستكون النتيجة مختلفة عما أراد المصور تقديمه. الرسم ذاتي للغاية، إنه يتعلق بطريقة الفنان في الرؤية، يتعلق الأمر بذاكرته. عندما ترسم صورة شخص ما، فإنك تنظر إليه ثم تنظر إلى اللوحة. لذا فإن ما ترسمه هو مجرد ذكرى.
الوضع اليوم خطير، الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة تتزايد حتى هنا في إيطاليا، على الرغم من أن لدينا ماضيًا يذكرنا بها. ومع ذلك، أعتقد أنه يمكننا كفنانين أن نلعب دورنا في تقديم تفسير مختلف للمجتمع الذي نعيش فيه.
منظمة (DAWN): حاولت تركيا إسكاتك وفرض رقابة عليك، حيث حظرت حكومة أردوغان رسومك الكاريكاتورية في تركيا واتهمتك بالإرهاب. ما هو تأثير ذلك على عملك؟ كيف كانت ردة فعلك على ذلك، وكيف يجب أن يرد الفنانون الآخرون عندما تستهدفهم الحكومات؟
لقد اتُهمت بالإرهاب بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016. وفي حال تم فعل ذلك لإسكاتي، فقد كان له تأثير معاكس تمامًا، حيث قمت بزيادة عملي عن تركيا، إحدى الدول المفضلة لدي.
لقد عانيت أيضًا من الرقابة والتهمة الشائعة بـ "معاداة السامية" من قبل [الناشط الجمهوري] آرثر شوارتز، شريك ستيف بانون، والتي بسببها فقدتُ وظيفتي التي كنت أقوم بها لصالح سي إن إن في عام 2018.
يحاولون إسكاتك بالرقابة. لحسن الحظ، خضعت للرقابة من قبل حكومة ليست حكومتي، لذا يمكنني الاستمرار في التحدث نيابة عن أولئك الذين لم يعودوا قادرين على التحدث، مثل الفنانين من تركيا ومصر والعديد من البلدان الأخرى.