أحمد الغباري صحفي يمني مستقل قدّم تقارير عن حرب اليمن لوسائل الإعلام الدولية منذ اندلاع الحرب في عام 2015. وقد ظهرت أعماله في الغارديان والجزيرة الإنجليزية ووسائل إعلامية أخرى. قام الغباري، بصفته مخرج مشارك للتصوير الفوتوغرافي، بتصوير الفيلم الوثائقي "سماء الإرهاب في اليمن" في عام 2018، والذي تم ترشيحه لجوائز إيمي وشيفيلد، وفاز بجائزة الصحافة الإلكترونية. أطلق الغباري أيضًا حملة تبرع عامة عبر حسابه على تويتر لتقديم الدعم للأطفال ضحايا الحرب.
الهدنة تعني أن يكون هناك أكثر من مجرد وقف للأعمال العدائية. بالنسبة لأرواح عدد لا يحصى من المتضررين من ويلات الصراع، كانت الهدنة بمثابة منارة أمل في أن السلام قد يلوح في الأفق أخيرًا. قوبلت الهدنة في اليمن بالتفاؤل عندما توسطت فيها الأمم المتحدة العام الماضي. وحتى بعد انتهاء فترتها رسميًا في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ظلت الهدنة صامدة إلى حد كبير منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فإنها لم تفشل فحسب في تلبية التوقعات العالية بأن تكون بشيرًا لاتفاق سلام في اليمن، ولكن فشلت كذلك في تلبية الشروط والالتزامات الأساسية للاتفاق الأولي.
على الرغم من تخفيف القيود المفروضة على الواردات إلى اليمن مع السماح بدخول المزيد من الوقود إلى ميناء الحديدة المحاصر، إلا أن الفوائد الملموسة الأخرى للمدنيين اليمنيين لا تزال بعيدة المنال، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ففي العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في شمال اليمن، حيث كان اليمنيون يتهامسون سابقًا حول افتقار الحوثيين إلى الإدارة الرشيدة وانتشار الفساد، أصبح سخطهم الآن أعلى صوتًا.
تحمل الهدنة في اليمن وعدًا بإنهاء أحد أكثر الصراعات المروعة منذ عقود، والتي خلقت، كما حذرت الأمم المتحدة لسنوات، أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وفي حين أن ندوب المعركة واضحة في جميع أنحاء المدن المدمرة في اليمن، إلا أنها تترك أيضًا بصمات لا تمحى على حياة اليمنيين أنفسهم—نحو 4.5 مليون منهم نازحون حاليًا، وغالبًا ما نزحوا أكثر من مرة طوال الحرب. وهناك أكثر من 20 مليون يمني، أي ثلثي السكان، في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية والحماية، كما أن ستة ملايين يمني على حافة المجاعة وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
الناشط الاجتماعي الشاب المقيم في صنعاء، لطف الصنعاني، يعبّر عن الشعور المتزايد باليأس على الأرض. فقد قال في مقابلة معه: "لقد احتفلنا بوعود الإصلاح، لكن الفساد اليوم مستشري للغاية لدرجة أننا نشعر بالاختناق. إنّ مدى الفساد الذي نواجهه يفوق ما يمكن أن تعبّر عنه الكلمات."
في العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في شمال اليمن،أصبح سخط اليمنيين الآن أعلى صوتًا بعد ان كانوا يتهامسون سابقًا حول افتقار الحوثيين إلى الإدارة الرشيدة وانتشار الفساد.
- أحمد الغباري
واتهم تقرير صدر في عام 2021 صادر عن مراقبي العقوبات المستقلين في الأمم المتحدة الحوثيين بتحويل ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار من إيرادات الدولة في عام 2019 لتمويل مجهودهم الحربي. كما اتهم التقرير الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومقرها عدن، بغسل الأموال والفساد "الذي أثر سلبًا على الوصول إلى الإمدادات الغذائية الكافية".
وقال الصنعاني: "بعد مرور عامين على الهدنة، نرى المعلمين بلا أحذية والطلاب بلا كتب". وفي تناقض صارخ، تزدهر "الدورات الثقافية" التي يدعمها الحوثيون—والتي هي في الأساس برامج تلقين عقائدي بدلًا من التعليم المدرسي—ويبدو أن خزائنها ممتلئة. ويبدو أن الأموال التي يفترض أنها مخصصة للمعلمين تختفي. والأطباء لا يتقاضون رواتبهم أيضًا. والطرق التي تم قصفها والتي أصبحت الآن تشبه مسارات برية تحصد الأرواح وسبل العيش من خلال الحوادث المتكررة. وفي ميناء الحديدة، الذي كان في يوم من الأيام قلب التجارة اليمنية النابض بالحياة، تقوم السفن بتفريغ البضائع ودفع رسومها، لكن لا يزال عدد كبير من العمال ينتظرون الرواتب—وينفد صبرهم مع مرور كل يوم.
ويشكل سعر الوقود لغزًا آخر. فقد شهدت السوق العالمية انخفاضًا في أسعار النفط في حين وعدت الهدنة بتخفيف القيود على الواردات، إن لم يكن رفعها بالكامل، وخاصة الوقود. لكن أسعار الوقود في اليمن رفضت مسايرة الاتجاه العالمي. الأمر غير معقول. يتساءل المرء إلى أين يتم توجيه فائض الوقود؟
ثم هناك أزمة الكهرباء، وهي محنة أخرى لا تنتهي بالنسبة لليمنيين. أصبح خفوت المصابيح وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة أمرًا كئيبًا، ما يضع المنازل والشركات والخدمات الحيوية في الظلام. كما أن المستشفيات المكتظة بالفعل بالمرضى والجرحى، حيث الحياة غالبًا ما تكون معلقة بخيط رفيع، يجب أن تواجه أيضًا إمدادات الطاقة غير المنتظمة.
وتحكي الطرق المدمرة في البلاد حكاياتها الخاصة عن الدمار والإهمال. فكما أشار مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في تقرير صدر في وقت سابق من هذا العام، تم تدمير ما لا يقل عن 100 جسر ونحو ثلث الطرق المعبدة في اليمن في الحرب—ما بين 5,000 و 6,000 كيلومتر إجمالًا. وعلى الرغم من تعهدات المساعدات الدولية السخية، لا تزال الطرق في اليمن بمنأى عن أي إصلاحات، مما يؤدي إلى توقف الكثير من النشاطات اليومية. لقد اضطر العديد من اليمنيين ببساطة إلى التخلي عن السفر لمسافات طويلة ما لم يكن لديهم خيار آخر.
وفي شوارع صنعاء والمدن الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تستقبلك أكوام القمامة، وهي شهادة على الإشراف الصارخ للحوثيين واللامبالاة الواضحة بالصحة العامة.
إنّ هذا تذكير بأن الهدنة، التي لا تزال هشة، كان من المفترض أن تكون خطوة أولية نحو تسوية سلمية في اليمن، وليست غاية في حد ذاتها. ومع ذلك، يبدو أنها جمدت اليمن في طي النسيان.
-أحمد الغباري
قال علي العنسي، وهو صيدلاني يمني في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون: "لقد تصورنا حياة أكثر إشراقًا وأفضل بعد الهدنة. لكن بدلًا من ذلك، فإننا نواجه ظلال الإهمال وشبح الفساد".
وكرر محمد الوشلي، وهو موظف في القطاع الصحي من مدينة ذمار الواقعة بين صنعاء وتعز، هذه الإحباطات، حيث قال: "بعد وقف إطلاق النار، كنا نأمل في تحسين مستويات المعيشة، لكننا شهدنا ارتفاع أسعار النفط من 300 إلى 450 ريالًا للتر (من 1.20 دولار إلى ما يقرب من 2 دولار) وأصبحت المواد الغذائية مثقلة بالضرائب المفرطة".
وأشار الوشلي إلى الإغراء الخادع للتقدم الذي يصاحب عادة الهدنة، مثل تخفيف الحصار، حيث قال: "على الرغم من أن رفع القيود المفروضة على الموانئ قد يبدو بمثابة خطوة إلى الأمام، إلا أنه بالنسبة لليمني العادي لا يقدم سوى القليل من الارتياح. المستوردون، الذين يواجهون رسومًا مرتفعة والحد الأدنى من الرقابة، يقومون بتضخيم التكاليف، ما يؤثر علينا بشكل مباشر".
إنّ هذا تذكير بأن الهدنة، التي لا تزال هشة، كان من المفترض أن تكون خطوة أولية نحو تسوية سلمية في اليمن، وليست غاية في حد ذاتها. ومع ذلك، يبدو أنها جمدت اليمن في طي النسيان. يستحق اليمنيون الذين عانوا سنوات من الصراع أفضل من ذلك.