DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

بعد زلزال المغرب، هل ستظل الحياة الأمازيغية في الأطلس الكبير كما هي؟ا

إبراهيم الجبالي رئيس وأستاذ مشارك في الدراسات العربية والأدب المقارن في كلية ويليامز. وهو باحث أمازيغي من المغرب، ومؤلف كتاب "أرشيفات مغربية أخرى: التاريخ والمواطنة بعد عنف الدولة."

English

عندما وقع الزلزال في وقت متأخر من الليل، انهارت قرى بأكملها في جبال الأطلس الكبير في المغرب في غضون ثوان. ودمر الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درجة أكثر من 50,000 منزل بشكل كامل أو جزئي، وهو أقوى زلزال يضرب المغرب منذ أكثر من قرن. وقُتل ما يقرب من 3,000 شخص، وفقًا لأحدث الأرقام الحكومية، وأصيب أكثر من 5,600 آخرين، وهو رقم من المرجح أن يرتفع مع استمرار رجال الإنقاذ في الوصول إلى المناطق النائية القريبة من مركز الزلزال.

وينقسم الأطلس الكبير إداريًا بين ولايات أزيلال وشيشاوة والحوز وورزازات وتارودانت، ويسكنه حوالي 600,000 شخص يقطنون في آلاف القرى المنتشرة في جبال وسط المغرب. ورغم أن المغرب شهد زلزالًا مدمرًا في أغادير عام 1960 وآخر في الحسيمة بالريف عام 2004، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي يضرب فيها زلزال بهذه الشدة المدمرة منطقة الأطلس الكبير.

وفي أعقاب الزلزال، التزمت السلطات المغربية الصمت في تصريحاتها بشأن الزلزال. وأدى غياب الملك محمد السادس، الذي كان في إحدى زياراته المتكررة لفرنسا عندما وقع الزلزال، إلى إثارة الانتقادات لبطء استجابة الحكومة. وبما أن الملك يتمتع بسلطة كبيرة في أوقات الطوارئ، فقد كشف الزلزال بالنسبة لبعض منتقدي النظام عن إخفاقات حكم "المخزن"—وهو المصطلح الذي يُطلقه المغاربة على الشبكة الواسعة من النخب المحيطة بالنظام الملكي—والتكاليف الاقتصادية والإنسانية الناجمة عن الافتقار إلى الديمقراطية. وأثار آخرون تساؤلات حول إحجام السلطات المغربية عن قبول عروض المساعدات الخارجية أثناء جهود البحث والإنقاذ.

وكتب يحيى اليحياوي، الأستاذ المغربي بجامعة محمد الخامس بالرباط، على الفيسبوك أنه بينما تضامن المغاربة عفويًا لمساعدة بعضهم البعض، إلا أن هذا لا يجب أن "ينوب عن سياسات عمومية مقصرة أو لا تأثير لها على الأرض".

 

 كان الأمل في ايجاد ناجين ينفذ في ظل تاريخ طويل من التهميش وعدم المساواة الإقليمية في منطقة الأطلس الكبير.

- إبراهيم الجبالي

وبأمر من الملك، انتشر الجيش المغربي في المناطق الجبلية المدمرة. وعلى الرغم من أن الجيش لديه موارد أفضل للتعامل مع حالات الطوارئ من أي جهة حكومية أخرى في البلاد، إلا أن طبيعة التضاريس نفسها تقف ضد أي مهمة إنقاذ. وفي منطقة الأطلس الكبير الوعرة، دمر الزلزال العديد من الطرق، والبعض الآخر أغلقته الصخور الضخمة والانهيارات الأرضية. وأدى الافتقار إلى البنية التحتية الكافية إلى تفاقم الوضع وأثار الغضب بين أولئك الذين لم يتلقوا المساعدة في الوقت المناسب. ولم يتراجع الناجون الذين فقدوا أحباءهم تحت الأنقاض عن انتقاداتهم للحكومة. وفي مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد أحد الناجين الذي فقد أفرادًا من عائلته في تارودانت من الأطلس الكبير، الاستجابة البطيئة التي أدت إلى وفاة أشخاص لم يتم إنقاذهم في الوقت المناسب. وقال: "المسؤولون ليسوا هنا". وقال أنهم لا يأتون إلى هذه القرى المهجورة إلا عندما يحتاجون إلى أصوات الناس خلال الانتخابات، قبل أن يختفوا مرة أخرى—وهي الممارسة التي ابتليت بها السياسة المغربية منذ عقود عديدة.

ولا يمكن إلقاء اللوم على هؤلاء الناجين لرغبتهم في التمسك بأي بصيص أمل في إمكانية إنقاذ أحبائهم. ومع ذلك، كان هذا الأمل ينفذ في ظل تاريخ طويل من التهميش وعدم المساواة الإقليمية في منطقة الأطلس الكبير. منذ استقلال المغرب عن الحكم الاستعماري الفرنسي عام 1956، لم تتلق المنطقة موارد كافية من الحكومة لتطوير حتى البنية التحتية الأساسية. وكانت الإدارة الاستعمارية الفرنسية قد قسّمت البلاد إلى "مغرب نافع" يقع في السهول الصالحة للزراعة والمناطق الساحلية الغنية بمصائد الأسماك، و"مغرب غير نافع" يقع شرق وجنوب الأطلس الكبير. وفي حين استفاد "المغرب النافع" من بناء مدن جديدة وبنية تحتية حديثة، تم التعامل مع الجانب "غير النافع" بشكل رئيسي باعتباره موقعًا للتمرد ضد السلطات الاستعمارية ومصدرًا للموارد المعدنية. لقد استمر هذا الإرث الاستعماري لفترة أطول بكثير من نهاية الاحتلال الفرنسي، حيث تركت دولة ما بعد الاستقلال هذه المجتمعات الجبلية بمفردها لعقود من الزمن.

ثار الزلزال الذي ضرب بلدة مولاي إبراهيم الجبلية، 10 سبتمبر 2023. (تصوير كارل كورت / غيتي إيماجز)

ومن المدن الكبرى إلى البلدات الصغيرة، سارع المغاربة إلى التبرع بكل ما في وسعهم لمساعدة مواطنيهم. ووصلت قوافل المساعدات والتبرعات من أماكن بعيدة مثل وجدة والريف. وعلى الرغم من رد فعل الحكومة المحرج والبطيء في الساعات الأولى من المأساة، إلا أن التعبئة الجماعية للمغاربة العاديين بعد الزلزال خلقت لحظة من التضامن الوطني حيث اكتشف الناس جزءًا آخر من بلدهم لم يكن ليتعرف عليه الكثيرون لولا الزلزال.

لا يمكن قياس كل الدمار الناجم عن الزلزال. المناطق الأكثر تضررًا في شيشاوة والحوز وورزازات وتارودانت كلها موطن للأمازيغ، وهم السكان الأصليون في شمال أفريقيا (أطلق عليهم الرومان الاسم العنصري البربر). وهم يتحدثون الأمازيغية، وهي اللغة الأصلية المستخدمة في منطقة واسعة تمتد من جزر الكناري في المحيط الأطلسي إلى واحة سيوة في جنوب غرب مصر. هذا هو وطن تمازغا أو الأمازيغ. تتمتع مئات قرى الأطلس الكبير التي دمرها الزلزال بخصائص لغوية وثقافية واجتماعية أمازيغية مميزة، والتي شكلت، على حد تعبير عالم الأنثروبولوجيا المغربي البارز عبد الله حمودي، "حضارة زراعية" متميزة. ومن خلال تقاليدها وأسلوبها المعماري وثقافتها الزراعية وتركيبتها البيئية، حافظت هذه المنطقة على نمط حياة أمازيغي مميز.

وباعتبارها مساحة حضارية، تضم هذه المنطقة من الأطلس الكبير مساجد عمرها قرون وقصبات وأضرحة للقديسين اليهود والمسلمين وعجائب طبيعية ذات قيمة بيئية هائلة. وقد تدمّر مسجد تينمل، الذي كان مهد الدولة الموحدية في القرن الثاني عشر، وقصبة القنديفي من القرن التاسع عشر، بالكامل في الزلزال. كما تسبب الزلزال في أضرار جسيمة لقصبة الكلاوي التاريخية بتيلويت. لقد كانت هذه المواقع التاريخية جزءًا من المناظر الطبيعية لمنطقة الأطلس الكبير لعدة قرون، وتشكل عنصرًا مهمًا في الجغرافيا الثقافية والروحية للمنطقة الجبلية. إنّ استعادتها مسألة ذات أهمية وطنية. وينبغي على الدولة المغربية تخصيص الأموال لإعادة بناء حتى المواقع المملوكة للقطاع الخاص ذات الأهمية التاريخية.

 

ومع استمرار ظهور التأثير الديموغرافي والاجتماعي الكامل للزلزال، فقد لا يعود الأطلس الكبير في المغرب إلى ما كان عليه من قبل. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: وهو أنه سيظل محتفظًا بروحه الأمازيغية، مصدر صموده في المقام الأول.

- إبراهيم الجبالي

وبصرف النظر عن الأضرار المادية التي أحدثها الزلزال، فمن المحتمل أن يؤثر أيضًا على الطراز المعماري الأمازيغي المحلي. المنازل في المنطقة مبنية من الطوب اللبن والطين ومغطاة بعوارض خشبية وطين، ما يجعلها معرضة للانهيار بشكل خاص أثناء الزلازل. ومع ذلك، فإن هذه المنازل، التي تنسجم بشكل رائع مع مساحتها البيئية، هي تقليديًا صديقة للبيئة واقتصادية وتخدم البشر والحيوانات على حد سواء. تُبنى البيوت على الجبل بطريقة تشبه زراعة المدرجات: الجبل جزء من البيت، والبيت جزء من الجبل. إنّ هذه الهندسة المعمارية لها قيمة جوهرية بالنسبة للأمازيغ ويجب الحفاظ عليها من أجلهم ومن أجل سكان شمال أفريقيا جميعًا. ويجب أن تدرك أي مشاريع إعادة إعمار في نهاية المطاف أن هذه منطقة لا ينبغي أن يُحكم على ثقافتها وبيئتها الأصلية بالزوال بسبب زلزال.

لقد تحدثتُ مؤخرًا مع حمودي، الذي اقترح أن تستخدم الدولة تقاليد المجالس القروية لإنشاء وحدات محلية من أجل الإشراف على إعادة الإعمار، والجمع بين المعرفة التقليدية وتقنيات البناء المقاومة للزلازل من أجل الحفاظ على هذه الخصائص الثقافية والاجتماعية للأجيال المستقبلية. كما لا ينبغي أيضًا تجاهل التراث اللغوي للمنطقة. يجب الحفاظ على أسماء الأماكن للحفاظ على سلامة المناطق ثقافيًا، ولا ينبغي تعريب الأسماء الجغرافية الأمازيغية.

وبعد ستة أيام من وقوع الزلزال، أصدر الديوان الملكي بيانًا يفصل الخطوط العريضة لبرنامج الطوارئ لإعادة الإعمار. ومن الواضح أن العائلات المتضررة ستحصل على 3,000 دولار، بالإضافة إلى 14,000 دولار للمنازل المدمرة بالكامل و8,000 دولار للمنازل المهدمة جزئيًا. وأوصى بيان القصر المسؤولين بتنفيذ هذه التوجيهات مع "احترام كرامة السكان وعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم".

ومع استمرار ظهور التأثير الديموغرافي والاجتماعي الكامل للزلزال، فقد لا يعود الأطلس الكبير في المغرب إلى ما كان عليه من قبل. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: وهو أنه سيظل محتفظًا بروحه الأمازيغية، مصدر صموده في المقام الأول.

قرية إنغدة التي ضربها الزلزال في إقليم الحوز في جبال الأطلس الكبير بالمغرب، 12 سبتمبر 2023. (تصوير فتحي بلعيد / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز)

Source: Getty IMages

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.