English
يبلغ متوسط عمر الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 21 عامًا فقط. منذ ولادتهم حتى اليوم، مرّ هؤلاء الفلسطينيون متوسطو العمر خلال فترة حياتهم بمعايير كلينتون والانتفاضة الثانية، وبناء جدار الفصل الإسرائيلي، ومبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية للسلام.
إضافة الى وفاة ياسر عرفات، وانتخاب محمود عباس، وسيطرة حماس على غزة، والحصار اللاحق من قبل إسرائيل ومصر، وخطة إيهود أولمرت للسلام، ومحادثات متعددة لم تسفر عن أي شيء في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وثلاث—والآن أربع—هجمات إسرائيلية على قطاع غزة، و"صفقة القرن" الخاصة بدونالد ترامب ومؤخرًا جعجعة أكثر، من اللجنة الرباعية.
في الوقت نفسه، شاهدوا منازلهم تُهدم باستمرار أو تحتلها أو تقصفها السلطات الإسرائيلية. لقد رأوا أن إمكانية الوصول إلى أراضيهم تتضاءل في مقابل ازدهار المستوطنات الإسرائيلية وزيادة ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي. لقد رأوا عنفًا لا رادع له من قبل الجيش الإسرائيلي، وكذلك من المستوطنين الإسرائيليين.
طوال حياتهم وخلال تعرض هؤلاء الشباب الفلسطينيون للعنف الجسدي والهيكلي بالإضافة إلى صدمة الأجيال التي عانى منها آباؤهم وأجدادهم، كان يُطلب منهم الانتظار: تصرفوا بشكل حسن، وسوف يكافئكم المجتمع الدولي، ربما يومًا ما بشيء يشبه الدولة في نهاية المطاف.
في الأسبوع الماضي، سئم فلسطينيو هذا الجيل الجديد، معظمهم في أوائل العشرينات من العمر، من الانتظار، خاصة مع إخلاء قسري آخر للعائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل بعد حرب عام 1967.
وقبل وقت طويل من وصول كاميرات الأخبار، كان هؤلاء الشباب الفلسطينيون وعائلاتهم يتجمعون بشكل سلمي في الشيخ جراح خلال شهر رمضان، وتعرضوا أحيانًا للمضايقة أو الاعتداء من قبل المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين أثناء الإفطار. هذا، بالطبع، ليس بالأمر الجديد. فعنف المستوطنين يتصاعد باستمرار في الضفة الغربية منذ سنوات. وعمليات الإخلاء جزء لا يتجزأ من أهداف إسرائيل التوسعية الواضحة.
ولكن يبدو أن هناك شيئًا جديدًا في هذه الموجة الأخيرة والتي أُطلق عليها مرة أخرى "اشتباكات" بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين. في عامي 2012 و2014، تمكّن الفلسطينيون الذين يعيشون في غزة من تغيير الخطاب الإعلامي والتصور العام لمحنتهم من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم #غزة_تحت_القصف.
فخطابهم لا يتناسب مع الصورة النمطية للمسلّح الفلسطيني التي يتم ترويجها في كثير من الأحيان لتبرير الحصار والاحتلال. فهذه الصور هي لآباء يحتضنون جثث أطفالهم القتلى، ومراهقون مذعورون ينشرون مقاطع فيديو لما اعتقدوا أنها قد تكون لحظاتهم الأخيرة مع أصوات الضربات الجوية في الخلفية، ومسعفون ينهارون من الإرهاق والصدمة بعد ساعات من البحث عن ناجين.
لم تكن صورهم في الأخبار الليلية فقط، بل كانت على الأجهزة الرقمية في جميع أنحاء العالم، ما صدم وعي العديد من الشباب الذين لديهم القليل من المعرفة عن الواقع بين إسرائيل والفلسطينيين.
منذ عام 2014، ازداد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا، عندما بدأت القوات الإسرائيلية في الرد بعنف على الفلسطينيين المتجمعين في القدس في وقت سابق من هذا الشهر، ووصلت إلى حد مداهمة المسجد الأقصى في البلدة القديمة، وإطلاق القنابل الصوتية والرصاص المطاطي، جاء بسرعة وسم #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح.
وعلى الرغم من محاولات وزارة الخارجية الإسرائيلية لتصوير الإخلاء القسري على أنه "نزاع عقاري بين أطراف خاصة"، عارضت مقاطع الفيديو وشهادات الفلسطينيين في حي الشيخ جراح هذه الرواية على الفور. وكما أوضح محمد ومنى الكرد، اللذين كانت عائلتهما تواجه الإخلاء بشكل مباشر، وآخرون، لم تكن هذه "اشتباكات"، كان هذا جيشًا مدججًا بالسلاح ضد المصلين في موقع مقدّس وضد عائلات تعيش في منازلها.
لم تكن هذه "توترات"، بل كان هذا تواجدًا عسكريًا علنيًا، على أرض محتلة، مع الإفلات من العقاب في القانون الدولي. لقد تم تفكيك تأطير "نزاع عقاري"، الذي كان من السهل أن يترسخ قبل عقد من الزمان فقط، من خلال تغريدات ومقاطع فيديو من قبل شباب فلسطينيين يعرفون بالضبط كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من الجهود المشبوهة التي تبذلها منصات مثل تويتر وانستغرام لخنق أو مراقبة بعض المستخدمين الفلسطينيين والمشاعر تجاه القضية الفلسطينية.
لم يكن للسلطة الفلسطينية، ظاهريًا الممثل الحكومي للضفة الغربية، أي دور تقريبًا في هذا الأمر برمته. بالطبع، لا تسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بأي نشاط في القدس الشرقية، في إطار سعيها للضغط بشكل ضمني أو صريح على الفلسطينيين لمغادرة المدينة.
لكن السلطة الفلسطينية—وهي كيان خامل وفاسد وغير فعال إلى حد كبير، يقتصر معظم دورها على رام الله—كانت من بين الجهات الفاعلة الأقل حضورًا في الأزمة الحالية. وبدلًا من التجمع ضد عمليات الإخلاء لتعزيز الوحدة الفلسطينية والقضية العادلة ضد قوة الاحتلال، اختفت السلطة الفلسطينية، بينما نظّم الفلسطينيون في جميع أنحاء إسرائيل والضفة الغربية مظاهراتهم الخاصة لإظهار الدعم لحي الشيخ جراح.
في هذه العملية، بدا الفلسطينيون وكأنهم يرفضون الفصل المتأصل بينهم، والذي تم تقنينه ببطاقات هوية ملونة ولوحات ترخيص تشير إلى مستويات مختلفة من الحرية والوصول بين الضفة الغربية والقدس الشرقية وإسرائيل داخل الخط الأخضر.
كانت هذه حركة فلسطينية بالكامل، سواء من نابلس أو يافا أو الخليل أو حيفا أو بيت لحم أو اللد. اندلعت الاحتجاجات في مدن عربية أو "مختلطة" في إسرائيل بطرق لم نشهدها منذ عقود.
أدركت حركة الاحتجاج هذه أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي لم يقتصر على الضفة الغربية، وأن العنف لا يقتصر على قطاع غزة، على الرغم من البداية اللاحقة لحملة قصف إسرائيلية في حرب أخرى مع حماس أسفرت حتى الآن عن مقتل ما يقرب من 200 فلسطيني.
كل فلسطيني، حتى أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، يخضعون للتمييز المتأصل لكونهم فلسطينيين—وهو أمر مزعج في دولة أقرت قبل ثلاث سنوات فقط ما يسمى بقانون الدولة القومية، الذي يدّعي أن "الحق في ممارسة تقرير المصير القومي" في إسرائيل هو أمر "مقتصر على الشعب اليهودي"، على الرغم من الأقلية العربية الفلسطينية البالغة 20 بالمئة في إسرائيل.
على الرغم من أن اهتمام وسائل الإعلام الدولية قد تحول الآن من القدس إلى غزة، مع استمرار إطلاق حماس للصواريخ على إسرائيل واستمرار رد إسرائيل بقوة ساحقة، استمر التضامن بين الفلسطينيين.
ففي يوم الثلاثاء، دعا الفلسطينيون إلى إضراب عام في جميع المناطق—غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية وإسرائيل—بعد ثلاثة أيام فقط من إحياء الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة. ولربما شعرت حماس وفتح بتزايد عدم أهميتهما وسط حركة شعبية متنامية، فقد أيدتا بسرعة الدعوة إلى الإضراب، مشيرين إلى أنهما سيسمحان للعاملين في القطاع العام بالمشاركة.
في الكثير من وسائل الإعلام، كانت قصة هذه الأزمة الحالية هي العنف في غزة، بالطبع، بالإضافة إلى تلميحات عن خطاب عالمي متغير ببطء عن إسرائيل وتبرير أفعالها (أو عدم وجود مبررات أصلًا). لكن القصة الحقيقية في فلسطين هي تلك التي تلاشت فيها عقود وأجيال من السلب والفصل في غضون أسابيع.
معظم الفلسطينيين لم يذهبوا إلى غزة من قبل، والعديد من الفلسطينيين لم يزوروا إسرائيل أبدًا. ونادرًا ما غادر الفلسطينيون في غزة من القطاع على الإطلاق. ومع ذلك، ها هم متحدون تحت راية واحدة وتحت قضية واحدة: المساواة والحقوق الآن.
وبينما كان يُنظر على نطاق واسع الى التطبيع الإسرائيلي مع أربع دول عربية خلال الأشهر الأخيرة لإدارة ترامب، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، على أنه نقطة تحول في المنطقة، ربما لم تكن القضية الفلسطينية مهمة بالنسبة للعرب حيث تركوها لفترة طويلة.
وعاجلًا أم آجلًا، وبحسب الحكمة التقليدية للمحللين السياسيين، سيدرك الفلسطينيون أنه يتعين عليهم الانضمام لهذه الخطوة وإلا فإنه سيتم تركهم في الخلف. لكن في الأسابيع القليلة الماضية، أظهر الفلسطينيون فجأة أنهم لا يحتاجون إلى الدول العربية.
إنّ قضيتهم ليست قضية عربية أو إسلامية فقط. في الواقع، تعتبر الطبيعة الاستبدادية للعديد من الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل هي عكس قضية التحرير الفلسطينية تمامًا. سعى الفلسطينيون إلى التضامن مع بعضهم البعض ومع غيرهم من السكان الأصليين والمهمشين في جميع أنحاء العالم، لأنهم يدركون أن نضالهم هو ضد القهر والاضطهاد، وليس مع أي عرق أو دولة أو حزب سياسي محدد.
من غير المرجح أن تؤدي هذه الوحدة الجديدة إلى حل عادل للفلسطينيين قريبًا، حيث لا تزال الجهات الفاعلة الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة، تمارس قوة كبيرة في المنطقة وأظهرت، بما في ذلك في ظل إدارة بايدن، التزامًا ثابتًا بالدفاع عن الإجراءات الإسرائيلية وحمايتهم من أي محاسبة، مع الاستمرار في تزويد إسرائيل بمزيد من المساعدات العسكرية.
ومع ذلك، إذا تمكن الفلسطينيون من الاستمرار في الالتحام حول الهدف المشترك للتحرير، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو حالة المواطنة بالنسبة لهم، فمن المحتمل أن يؤدي هذا الجيل الجديد من النشاط إلى تغييرات في الديناميات المحلية في فلسطين وإسرائيل، فضلًا عن جلب المزيد من الدعم العالمي لقضيتهم.
في غضون ذلك، يمكن للفلسطينيين الاستمرار في تغيير الخطاب الأوسع حول نضالهم باستخدام كلماتهم وقصصهم وهواتفهم الخاصة، والذي تم تشويهه لعقود من الزمن.