تمت وقائع ورشة العمل هذه بموجب قاعدة تشاتام هاوس، ما يعني أنه يحق للمشاركين استخدام المعلومات الواردة، ولكن لا يمكن الكشف عن هوية أو انتماء المتحدثين أو أي مشارك آخر.
English
التقرير التالي هو ملخص لوقائع ورشة العمل التي كانت بعنوان "حقوق الإنسان تذهب إلى الحرب"، وهي ورشة عمل خاصة بالخبراء تركز على الأسئلة المتعلقة بكيفية إشراك مجموعات حقوق الإنسان ومنظمات المناصرة في النقاش السياسي والخطاب القانوني المتعلق بالقانون الدولي الإنساني وما إذا كانت الأساليب البديلة قادرة على حماية وتعزيز حقوق الإنسان بشكل أفضل، بما في ذلك الحق في الحياة.
سعت ورشة العمل إلى تقييم نجاحات وإخفاقات النهج السائد للعمل على هذه القضايا، لا سيما بعد العشرين عامًا الماضية من النزاعات المسلحة المطولة والحروب الأبدية والتدخلات العسكرية الأجنبية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. من خلال مجموعة من الخبراء الذين لديهم معرفة عميقة بالقضايا القانونية والسياساتية المحيطة بالنهج الحالي، بالإضافة إلى البدائل الممكنة، كانت ورشة العمل بمثابة وقت مناسب للتساؤل عما إذا كانت هناك طريقة أفضل للمشاركة في هذه الأمور.
تضمنت هذه الأسئلة ما إذا كان التركيز في المقام الأول على الامتثال للقانون الدولي الإنساني يساعد في إضفاء الشرعية على التدخلات العسكرية والسياسات الخارجية العسكرية، وما إذا كان الحياد الصارم بشأن مسائل العدوان وشرعية التدخل يخدم المدنيين في البلدان التي دمرتها الحروب. كما أُثيرت أسئلة حول ما إذا كان يجب على منظمات حقوق الإنسان أو المناصرة دعم التدخل الإنساني، حتى في الحالات التي تبدو واضحة في أنها تقي من وقوع فظائع، والنداء المستمر للتدخل الإنساني على الرغم من شرعيته المشكوك فيها.
شارك في رعاية ورشة العمل منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) ومركز شيل لحقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق بجامعة ييل. تضمنت ورشة العمل مقدمة موجزة تلتها جلستان مدة كل منهما 90 دقيقة. تضمنت كل جلسة عروض تقديمية موجزة من قبل المتحدثين بناءً على الأوراق التي تم توزيعها على المشاركين قبل ورشة العمل، وبعد ذلك كان هناك مناقشة جماعية.
ناقشت الجلسة الأولى ما إذا كانت منظمات حقوق الإنسان والمناصرة تديم تقبّل النزاع المسلح والسياسات الخارجية العسكرية من خلال التركيز حصريًا على الامتثال للقانون الدولي الإنساني وقصر تحقيقاتها على سلوك الأطراف المتحاربة ووسائل الحرب، وما إذا كان النهج البديل، أي التطرق إلى استخدام القوة أو معارضة الحرب والنزعة العسكرية بشكل عام، يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل. وتطرقت الجلسة الثانية إلى التدخل الإنساني وما إذا كان ينبغي لمنظمات حقوق الإنسان والمناصرة دعم مثل هذه التدخلات العسكرية كآلية لتعزيز المصالح الإنسانية في الحالات القصوى.
ركزت التوصيات المنبثقة عن ورشة العمل على انتهاكات الحق في الحياة أثناء النزاع المسلح، والحياد فيما يتعلق بالنزاع المسلح، والتدخل الإنساني الأحادي. فيما يتعلق بالحق في الحياة، أوصت منظمة (DAWN) بأن تقوم مجموعات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات المناصرة بتقييم الأضرار الناجمة عن النزاع المسلح والتوزيع الواسع للأسلحة وتحديد أولويات العمل للسعي إلى إصلاح الهيئات الدولية التي لديها السلطة والقدرة على معالجة النزاع المسلح والمعاقبة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والهيئات الإقليمية مثل الناتو.
وفيما يتعلق بالحياد في النزاع المسلح، أوصت منظمة (DAWN) هذه المنظمات بتقييم تكاليف وفوائد موقف الحياد المعلن والتطرق إليها، وإتاحة سياساتها التنظيمية للجمهور، والتطرق للمفهوم التوسعي للدفاع عن النفس، بما في ذلك الخطوات الاستباقية في إطار الدفاع عن النفس، الذي يفسح المجال لصراعات دائمة. أخيرًا، بالنسبة للتدخل الإنساني، أوصت منظمة (DAWN) هذه المنظمات بمراجعة السياسات التنظيمية المتعلقة بالتدخل الإنساني والتدخل الإنساني الأحادي الجانب لتقييم ما إذا كانت هذه المفاهيم متوافقة مع مهمة حقوق الإنسان، ولجعل السياسات التنظيمية المتعلقة بهذه المفاهيم متاحة للجمهور، ولتقييم ما إذا كانت النداءات السابقة لتطبيق هذه الشروط قد أدت إلى ضرر أكثر من نفعها.
فيما يلي وقائع متسلسلة لجلستي ورشة العمل والحوارات التي تمت بعد الجلستين، بالإضافة إلى توصيات منظمة (DAWN) بعد ورشة العمل.
الجلسة الأولى: التركيز الخاص على سلوك القانون الدولي الإنساني
بدأت الجلسة الأولى بعرض يوضح الموقف السائد الحالي لمنظمات حقوق الإنسان فيما يتعلق ببدء الحرب واستمرارها بالإضافة إلى سير الأعمال العدائية. الموقف السائد الذي تتبناه منظمات حقوق الإنسان الدولية المؤثرة التي تتعامل مع القانون الدولي الإنساني، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، هو موقف الحياد في مسألة الحرب نفسها، والتأكيد على سير الأعمال العدائية من قبل الأطراف المتحاربة. تساءل المتحدث عما إذا كان هذا النهج السائد يحتاج إلى إعادة صياغة جوهرية: هل مثل هذا الحياد الصارم يؤدي إلى نتائج إيجابية أم يؤدي إلى نتائج عكسية على حماية الحياة البشرية؟ هل حان الوقت لهذه المنظمات لتوسيع نطاق تركيزها من خلال انتقاد بدء الحرب واستمرارها بالإضافة إلى سلوك المتورطين؟ بالإضافة إلى ذلك، هل تخاطر هذه المنظمات بتطبيع وإدامة الفظائع التي ترغب في توثيقها ومكافحتها من خلال الامتناع عن انتقاد الأسباب الجذرية لانتهاكات القانون الدولي الإنساني؟
وذكر المتحدث بأن النهج السائد لهذه المنظمات، وهو النهج الذي يقصر اهتمامها فقط على سير الأعمال العدائية، يمثّل إشكالية لأن العواقب المعنوية والمادية للحرب نفسها غالبًا ما تكون أسوأ بكثير من المخالفات القانونية التي تحدث أثناء سير الأعمال العدائية. صُمم القانون الدولي الإنساني بحيث يهتم على وجه التحديد بالسلوك غير القانوني للأطراف المتحاربة، مع إهمال غالبية الضرر الناجم عن السلوك "القانوني" للحرب. وقال المتحدث بأن مثل هذه المناصرة الانتقائية تتجاهل الأخطار وتضفي الطابع الإنساني على الشر الأكبر، وهو الحرب، والتي غالبًا ما تؤدي إلى المزيد من الدمار والآثار السلبية طويلة المدى مقارنة بانتهاكات محددة للقانون الدولي الإنساني. تمت مناقشة بعض الأسباب المنطقية الممكنة للحفاظ على النهج السائد والعوائق التي تحول دون تغيير ذلك، مثل حاجة المنظمات الإنسانية الدولية إلى الاحتفاظ بعلاقاتها مع مختلف الجهات الفاعلة القوية والطبيعة المثيرة للجدل لانتقاد الحروب وصانعيها. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه العوائق، فقد ذكر بأنه يجب إعادة النظر في التقصير في حياد هذه المنظمات بشأن قضايا الحرب والسلام للحفاظ على قدسية الحياة البشرية على أفضل وجه.
قدم المتحدث الثاني دفاعًا عن النهج السائد، حيث تستند حجته إلى قوة منهجية النموذج الحالي. أوضح المتحدث أن النظر في الامتثال للقانون الدولي الإنساني يتضمن تحليلًا تجريبيًا قائمًا على الحقائق، في حين أن انتقاد الحرب أو العدوان بشكل عام هو بطبيعته فعل سياسي ينطوي على وجهات نظر شخصية. وذكر أنه من الصعب جدًا تصنيف العدوان بشكل واقعي وإثباته تجريبيًا. وقال بأن القيام بذلك هو بطبيعته أمر ينم عن وجهة نظر شخصية وسياسية وليس أمرًا موضوعيًا وواقعيًا وغير سياسي.
وعلى عكس ما ذكره المتحدث الأول، ردّ المتحدث الثاني على فكرة امتناع منظمات حقوق الإنسان عن انتقاد الحرب وصناعة الحرب بسبب رغبتها في البقاء في "حظوة" الفاعلين الأقوياء، مؤكدًا أن الأساس المنطقي للنهج الحالي متجذر في الدقة المنهجية. وقال بأن الأثر الحقيقي لتكريس العمل للامتثال للقانون الدولي الإنساني ينبع من منهجيتهم وشرعيتهم بأنهم يعملون في إطار عملية تقصي الحقائق.
وشدّد المتحدث على أن الحياد في مسألة العدوان أمر بالغ الأهمية من أجل الإنفاذ الفعال للقانون الدولي الإنساني. المنهجية السائدة تجبر هذه المنظمات على الاستمرار في التركيز على النتائج التجريبية القائمة على الحقائق. علاوة على ذلك، فإن الحياد يحمي الباحثين العاملين في الميدان، ويتطلب أن يطبق المرء نفس المعايير والمبادئ على طرفي النزاع المسلح.
وذكر بأن اتخاذ موقف من العدوان سيجعل من الصعب تقديم حجج القانون الدولي الإنساني من خلال إدخال وجهات النظر الشخصية والسياسة، وهم بذلك يخاطرون بشرعيتهم في العمل في إطار تقصي الحقائق. وهذا بالطبع لا يمنع الآخرين من اتخاذ مواقف أكثر فاعلية والدفع ضد الحرب والعدوان. في الواقع، أشار المتحدث إلى أن نتائج هذه المنظمات غالبًا ما تُستخدم كدليل من قبل الآخرين عند الضغط من أجل التغيير. ومع ذلك، فقد تساءل عما إذا كان تولي مثل هذه المواقف نفسها سيكون له أي تأثير ملموس يتجاوز تأثير المجموعات والحركات المختلفة التي تسعى بالفعل إلى مثل هذه الأجندات. علاوة على ذلك، إذا كان التأثير مشكوكًا فيه، فهل يستحق المخاطرة بتقويض عمل القانون الدولي الإنساني؟ وخلص المتحدث إلى أن أفضل مسار للعمل للمضي قدمًا هو الاستمرارية في هذا النهج وليس تغييره.
أثار العرضان اللذان قدمهما هذان المتحدثان مناقشة فعالة. سارع العديد من المشاركين إلى تحدي النهج السائد، بحجة أنه يكاد يكون من المستحيل عدم مناقشة العدوان وأولئك الذين يتسببون في الصراعات أو يقودونها، لأن الحرب نفسها هي السبب الجذري للأهوال التي نشاهدها في جميع أنحاء العالم، سواء كانت "قانونية" أم لا. وكما أشار أحد المشاركين، لا يقوم العالم على ما إذا كانت جريمة حرب أو انتهاك للقانون الدولي الإنساني قد وقعت، ما يتطلب زيادة التركيز على صناعة الحرب وإثارة الحروب بشكل عام. وأثار آخرون نقطة مفادها أن الافتراض القائل بأن مجتمع المنظمات الإنسانية الدولية يجب أن يركز حصريًا على أحد الاثنين (الحرب أو إدارة الحرب) هو أمر خاطئ: يمكنهم، بل وينبغي عليهم، القيام بالأمرين معًا. ردّ أولئك الذين يدافعون عن النهج السائد بالتشديد على فكرة تفوق المنهجية الحالية. وأوضحوا أنه، من الناحية المنهجية، من الصعب للغاية إثبات العدوان أو تمثيله تجريبيًا، خاصة في خضم فوضى الحروب وضبابيتها. بالإضافة إلى ذلك، يذكر العديد أن الضغط من أجل إنهاء الحروب هو أمر سياسي بطبيعته، لأن وقف القتال يتطلب تحديد الشروط والتنازلات.
وذكروا أن مجتمع القانون الإنساني الدولي لم يكن مجهزًا بشكل كافٍ لإشراك نفسه في مثل هذه المناقشات. بدلًا من ذلك، يجب أن يظلوا ملتزمين بالتوثيق الواقعي. مرة أخرى، هذا لا يعني أنه لا يمكن للجمهور استخدام الأدلة الموجودة في أبحاث القانون الدولي الإنساني للضغط من أجل التغيير، كما يتم بانتظام. يمكن أن يولّد توثيق القانون الدولي الإنساني الدليل على الضغط السياسي العام، لكنهم قالوا أن مجتمع القانون الدولي الإنساني لا ينبغي أن يقود هذه المهمة.
ولّد هذا الدفاع عن الوضع الراهن نقاشًا إضافيًا بين المشاركين. على الفور، رد المشاركون بالقول أن العدوان يمكن أن يكون واقعيًا وتجريبيًا، مستخدمين أمثلة محاكمات نورمبرغ التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومؤخرًا الغزو الروسي لأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، سارع آخرون إلى التأكيد على أن فكرة أن القانون الدولي الإنساني "غير سياسي" ومتحرر من الذاتية هي فكرة خاطئة. يتطلب تحليل الامتثال للقانون الدولي الإنساني تفسيرًا، ويتأثر محتواه بالسياسة، إن لم يتم يتحدد بشكل كامل بالسياسة. وبعبارة أخرى، فإن الطريقة التي يتفاعل بها المرء مع أحداث وحقائق معينة عند القيام بعمل القانون الدولي الإنساني هي طريقة سياسية بطبيعتها.
وانتقد مشارك آخر النهج السائد الذي تتبعه المنظمات الدولية الإنسانية لأنها "تفتقر إلى الجرأة" بسبب عدم وجود دعوات للمساءلة الجنائية. وذكر بأنه على مجتمع القانون الإنساني الدولي أن يتحرك نحو دعوات لإنفاذ القانون، فبدون مثل هذه المساءلة والدعوات إلى العدالة، فإن منظمات القانون الإنساني الدولي تقوم ببساطة بتطبيع الفظائع المرصودة.
اختتمت المناقشة بمداخلة من أحد المشاركين الذي دعا إلى التغيير، معترفًا بأن الوضع الراهن ببساطة لم ينجح. وذكر بأن توثيق القانون الدولي الإنساني لم يؤد إلى زيادة حماية المدنيين وأن العالم لا يزال يشهد زيادة في الفظائع المرتكبة وتجاهل صارخ للقانون الدولي الإنساني. على الرغم من أن البعض رد بالقول أن مثل هذا التوثيق قد نجح، وبالتحديد من خلال التأثير على الشكل الذي يجب أن تبدو عليه الحرب ومن خلال فرض قيود على بيئة الحرب العامة والخطاب المحيط بالحرب، ودعا العديد من المشاركين إلى منهجية للتكيف ومعالجة القضايا الأوسع للحرب. وذكروا بأن هذه هي الخطوة الأولى في محاولة خلق حركة أفضل وأقوى لحماية حياة الإنسان.
الجلسة الثانية: دعم التدخل الإنساني
بدأت الجلسة الثانية بعرض قدم الفهم القانوني الحالي للتدخل الإنساني، فضلًا عن التطور التاريخي لهذا المفهوم القانوني المتنازع عليه والخلافات القانونية المحددة التي تنطوي على الاحتجاج به. قدم المتحدث تقييمًا لمناهج التدخل الإنساني، وممارسات الدول المحيطة بهذا المصطلح، وتحليلًا مفصلًا فيما يتعلق بمناقشته وتطبيقه في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والهيئات الإقليمية الأخرى من أوائل تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
تناول المتحدث الأول التدخلات الإنسانية الأحادية وعما إذا كانت هذه الحملات، حتى عندما يتم انتهاجها لأسباب إنسانية مشروعة، تميل إلى جعل الوضع الذي تسعى إلى حله أفضل أو أسوأ. أوضح المتحدث أن الدول نادرًا ما تنخرط في تدخل حقيقي بدافع من المخاوف الإنسانية في المقام الأول، ولكن هذه المساعي العسكرية تميل أيضًا إلى جعل الوضع أسوأ إلى حد كبير، بغض النظر عن الدوافع الكامنة. وعلى الرغم من ندرة هذه التدخلات، يجب أن يكون المراقبون في حالة شك دائمة عندما تقول الحكومات أن التدخلات هي لأسباب إنسانية، على حد قولهم.
بدراسة الحالات التاريخية المختلفة: الصومال (1992) وأفغانستان (2001) والعراق (2003) والعديد من الحالات الأخرى، أوضح المتحدث أن القوة المتدخلة غالبًا ما تكون مدفوعة بمصالح استراتيجية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية. وسلّط المتحدث الضوء على حالتين حديثتين على وجه الخصوص، ليبيا (2011) وسوريا (2018)، لتوضيح التناقضات بين الدوافع المعلنة (حماية المدنيين) والدوافع الفعلية (تغيير النظام في ليبيا وتدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا القادرة على إيذاء الأمريكيين) للمتدخلين. علاوة على ذلك، تم التأكيد على أن مثل هذه التدخلات تميل إلى جعل الوضع أسوأ إلى حد كبير، وغالبًا ما تعطي الأولوية للمنافع قصيرة الأجل مع تجاهل التكاليف طويلة الأجل. وبالنظر إلى أنه من غير المحتمل أن تكون التدخلات الإنسانية الأحادية حقيقية أو تؤدي إلى وضع أكثر استقرارًا، اختتم المتحدث بالتأكيد على ضرورة أن يتخلى مجتمع القانون الإنساني الدولي عن المفهوم كآلية قابلة للحياة يمكن من خلالها حماية حياة الإنسان.
بدأ المتحدث الثاني بالإقرار بفعالية عمل عدد من المنظمات الدولية الإنسانية البارزة ومختلف منظمات الدفاع عن السياسات الأخرى التي دعمت مفهوم التدخل الإنساني سواء بشكل صريح أو ضمني. ونظرًا لأن مثل هذه الدعوات يتم توجيهها عادةً إلى الحكومات الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، فقد ذكر المتحدث بأنه من الضروري الاعتراف بأن مثل هذه النداءات تعمل على نشر المفاهيم المسبقة عن أن الغرب استثنائي. وقال بأن هناك حاجة ماسة لتحدي الافتراض القائل بأن الدول الغربية هي جهات فاعلة خيّرة تسعى جاهدة نحو "مصلحة عالمية." علاوة على ذلك، عندما يفحص المرء النزاعات التي حدث فيها تاريخيًا تدخل إنساني، نجد هناك تحيز انتقائي واضح: يتم التغاضي عن النزاعات باستمرار حيث يكون مرتكبها دولة غربية أو حكومة حليفة للغرب. وبالمثل، يجب أن يكون هناك اعتراف بكيفية تأجيج الدول الغربية للنزاع والخلافات في الخارج من خلال نشر أسلحة متطورة ومبالغ كبيرة من الدعم العسكري.
مضيفًا على ما قاله المتحدث الأول، أوضح المتحدث الآخر أن هذه الأمور هي بالإضافة إلى شبه استحالة تحديد ما إذا كانت مثل هذه التدخلات ستؤدي إلى "فائدة" أكثر من ضرر، خاصة عند النظر في الآثار السلبية طويلة المدى. وأشار إلى أنه من المهم أيضًا مراعاة المخاطر التي يواجهها مجتمع منظمات القانون الإنساني الدولية عند تأييد مثل هذه التدخلات.
فهذا الأمر لا يستلزم استنزاف الموارد الحيوية فحسب، بل إن تأييد مثل هذه الحملات يزيد أيضًا من المخاطر التي يتعرض لها موظفو وباحثو مجتمع منظمات القانون الإنساني الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمثل هذه الدعوات أن تقوّض شرعية المجتمع الأوسع لمنظمات القانون الإنساني الدولي إما من خلال غطرسة الدعوة إلى نزاع مسلح في بلد آخر دون موافقة البلد الذي يتم احتلاله، أو إذا شرعت القوة المتدخلة التي يتم اعتمادها في ارتكاب انتهاكات. أخيرًا، مع وجود العديد من المنظمات الدولية الإنسانية الرائدة في الدول الغربية وتمتعها بامتياز التأثير والمعلومات، قال المتحدث أن لديهم مسؤولية خاصة لمحاسبة الحكومات الغربية والدور المركزي الذي تلعبه في بدء النزاعات العالمية وإدامتها.
كان النقاش بين المشاركين بعد هذين العرضين أكثر إجماعًا في نفوره من التدخلات الإنسانية. أدرك العديد من المشاركين كيف أنه من المستحيل على المنظمات الإنسانية الدولية أن تتوقع نتائج مثل هذه التدخلات، خاصة عندما تشير معظم السجلات التاريخية إلى أنها عادة ما تأتي بنتائج عكسية. على وجه الخصوص، كيف يفترض بهذه المنظمات أن تزن الفوائد قصيرة الأجل لمثل هذه التدخلات مقابل التكاليف طويلة الأجل، مثل عدم الاستقرار المزمن؟ وبحسب ما تطرق إليه العرض الذي قدمه المتحدث الثاني، أكد المشاركون الآخرون أن هناك حاجة لفحص مثل هذه التدخلات من منظور استثناء الغرب، وأمريكا تحديدًا، وكيف تم استخدام مثل هذه الحملات لدعم تفوق الولايات المتحدة مع تقويض "النظام القائم على القواعد" الذي من المفترض أن تعمل المنظمات الإنسانية الدولية في إطاره.
ولا يمكن أيضًا النظر إلى هذه التدخلات بمعزل عن غيرها: يمكن أن يكون لكل حالة فردية تأثيرات طويلة المدى من خلال جعلها ذرائع لحملات لاحقة. أخيرًا، اختتمت المناقشة من قبل المشاركين الذين أقروا بالحاجة إلى دراسة حالات "الحرب بوسائل أخرى" وكيف ينبغي أن تتعامل منظمات القانون الإنساني الدولية مع هذه الظواهر. كان استخدام العقوبات كعقاب جماعي وما يمكن أن يكون لها من آثار مدمرة محط تركيز خاص. أشار المشاركون إلى العقوبات الحالية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، معترفين بأن مثل هذه الإجراءات تعمل أيضًا على معاقبة المواطنين الروس على أفعال فلاديمير بوتين وكيف كان لهذه العقوبات تأثير كبير على الأمن الغذائي وسلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم.
استنادًا إلى العروض التقديمية الأربعة ومناقشات ورشة العمل، قدمت منظمة (DAWN) التوصيات التالية إلى مجموعات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات المناصرة التي تعمل على قضايا القانون الدولي الإنساني على وجه التحديد وإلى المجتمع الدولي لحقوق الإنسان على نطاق أوسع.
التوصيات
فيما يتعلق بانتهاكات الحق في الحياة أثناء النزاع المسلح:
- إجراء تقييم نقدي للأضرار التي تلحق بحقوق الإنسان الناجمة عن النزاع المسلح والتوزيع الواسع النطاق للأسلحة والتطرق إليها، وتقييم أكبر المساهمين في هذه الأضرار وكتابة تقارير عنهم، وتطوير استراتيجيات البحث والمناصرة لمعالجة هذه الأضرار ووضع حد لها.
- تحديد أولويات العمل للسعي إلى إحداث إصلاحات في الهيئات الدولية التي لديها السلطة والقدرة على معالجة النزاع المسلح والمعاقبة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكذلك المنظمات الإقليمية التي تشارك في نزاع مسلح أو أنشطة عسكرية متعلقة بالنزاع المسلح، سواء كان ذلك من موقف هجومي أو دفاعي، مثل الناتو.
فيما يتعلق بالسياسات والمواقف من "الحياد" في النزاع المسلح:
- إجراء تقييم نقدي والتطرق إلى تكاليف وفوائد موقف "الحياد" المعلن، لا سيما في ضوء المواقف غير المتسقة المحتملة لتأييد أو إدانة التدخل العسكري في ظروف استثنائية معينة.
- إجراء تقييم نقدي لتكاليف وفوائد تجنب دعوات وقف إطلاق النار.
- جعل السياسات التنظيمية والمواقف السابقة فيما يتعلق بالحياد، بما في ذلك الاستثناءات لهذه السياسات، متاحة للجمهور على الموقع الإلكتروني الخاص بالمنظمة.
- إعطاء الأولوية للعمل لمعالجة المفهوم التوسعي للدفاع عن النفس، بما في ذلك "الدفاع الاستباقي عن النفس"، والذي يسمح بنزاع مسلح دائم، في المقام الأول ضد دول داخل جنوب الكرة الأرضية غالبًا في الدول التي تفتقر إلى نزاع مسلح معترف به مع الدول الغربية المتدخلة، والنظر في جهود البحث والمناصرة للعودة إلى فهم أكثر تقليدية وضبطًا لهذا المفهوم القانوني.
فيما يتعلق بالسياسات والمواقف من "التدخل الإنساني":
- مراجعة سياسات المنظمة بشكل نقدي فيما يتعلق بـ "التدخل الإنساني" و "التدخل الإنساني الأحادي" لتحديد ما إذا كانت معقولة وعملية ومتوافقة مع مهمة المنظمة في تعزيز حقوق الإنسان، وما إذا كانت تحتوي على افتراضات متحيزة حول البلدان التي من المحتمل أن يتم توجيه هذه الدعوات إليها، وما إذا كانت تضر بسمعة المنظمة وتقوض سيادة القانون في جميع أنحاء العالم.
- مراجعة وفحص نقدي لنتائج وفعالية التوصيات السابقة التي تدعم التدخل الإنساني والتدخل الإنساني الأحادي لتقييم أثرها ونتائجها، بما في ذلك لمن وجهت مثل هذه الدعوات، وما إذا كانت الأطراف المتدخلة قد احترمت حقوق الإنسان للشعب في البلد المحتل والقانون الدولي الإنساني، وما إذا كانت التدخلات الناتجة مفيدة أكثر من كونها ضارة، بما في ذلك في المجتمعات المتأثرة وفي سياق تعزيز احترام القوانين والمعايير الدولية.
- التأكد من أن هذه المراجعات تتضمن بحثًا لتمثيل وجهات نظر الأصوات المستقلة في المجتمعات المتأثرة التي تحدث فيها مثل هذه التدخلات.
- جعل السياسات والمواقف السابقة الخاصة بالمنظمة المتعلقة بالتدخل الإنساني والتدخل الإنساني الأحادي، بما في ذلك الاستثناءات من هذه السياسات، متاحة للجمهور على الموقع الإلكتروني الخاص بالمنظمة.