DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

حكم محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل مدروس ولكنه دامغ

Avatar photo

شغل مايكل لينك بين عامي 2016 و 2022 منصب المقرر الخاص السابع للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وهو يدرّس في كلية الحقوق بالجامعة الغربية في أونتاريو، كندا.

English

الإبادة الجماعية هي كلمة مخيفة. فقد تمت صياغتها في عام 1944 من قبل رافائيل ليمكين، المحامي اليهودي البولندي الذي فقد الكثير من عائلته في الهولوكوست، حيث جمع بين كلمة "genos" (اليونانية التي تعني العرق أو القبيلة) وكلمة "cide" (لاتينية تعني القتل) لوصف ما أصبح يعرف باسم "جريمة الجرائم". تم الاعتراف بجهود الضغط المستمر التي قام بها ليمكين لإدراج الإبادة الجماعية كجريمة بموجب القانون الدولي لأول مرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1946، عندما صوتت بالإجماع لقبول القرار 96، الذي أعلن أن "الإبادة الجماعية هي إنكار لحقّ الوجود لجماعات بشرية بأكملها". وأضاف القرار أن "مثل هذا الحرمان من الحق في الوجود يصدم ضمير الإنسانية، ويؤدي إلى خسائر فادحة للبشرية على شكل المساهمات الثقافية وغيرها التي تمثلها هذه الجماعات البشرية، ويتنافى مع القانون الأخلاقي وروح وأهداف الأمم المتحدة".

وبعد ذلك بعامين، في ديسمبر/كانون الأول 1948، اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهي أول معاهدة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وعرّفت الاتفاقية الإبادة الجماعية بأنها "أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:"

(أ) قتل أفراد الجماعة؛

(ب) التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأفراد الجماعة؛

(ج) إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يقصد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛

(د) فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل الجماعة؛

(هـ) نقل أطفال الجماعة قسرًا إلى جماعات أخرى.

ومنذ ذلك الحين، تم التصديق على اتفاقية الإبادة الجماعية من قبل 153 دولة. وتختلف الإبادة الجماعية عن الجرائم الفظيعة الأخرى، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من حيث أنها تتطلب دليلًا مقنعًا على وجود نية خاصة "لتدمير جماعة ما، كليًا أو جزئيًا". وترتبط عمليات القتل الجماعي عادة بالإبادة الجماعية، ولكن من الممكن ارتكاب عمليات قتل جماعي—مثل قصف الحلفاء لمدينة دريسدن في الحرب العالمية الثانية—دون نية ارتكاب إبادة جماعية—أي التدمير الجسدي للشعب الألماني—تمامًا كما من الممكن ارتكاب الإبادة الجماعية دون الانخراط بالضرورة في عمليات قتل جماعي، مثل التحريض على الإبادة الجماعية دون نجاح، أو النقل القسري لأطفال الجماعة المستهدفة إلى جماعة أخرى بقصد الإبادة الجماعية.

وفي طلبها المكون من 84 صفحة، المقدم في ديسمبر/كانون الأول إلى محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة في منظومة الأمم المتحدة، زعمت جنوب أفريقيا أن إسرائيل انتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال حربها على غزة. وتمكنت جنوب أفريقيا من تأكيد الوضع القانوني لتقديم الطلب ضد إسرائيل لأن كلا الدولتين موقعتان على الاتفاقية، التي تتضمن التزام كل دولة موقعة بمنع الإبادة الجماعية باعتبارها مسؤولية تجاه الكافة أينما ومتى حدثت إبادة جماعية.

عندما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها الرائع أخفت لهجتها المدروسة حكمًا دامغًا.

- مايكل لينك

وفي مرافعاتها الشفهية في القضية في لاهاي في يناير/كانون الثاني، أوضحت جنوب أفريقيا حجم الموت والدمار والتشريد والمعاناة التي يتحملها 2.2 مليون فلسطيني في غزة بسبب الحرب الإسرائيلية، التي شنتها في أعقاب المذبحة التي ارتكبتها حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومن خلال طلب جنوب أفريقيا "تدابير مؤقتة" من محكمة العدل الدولية في هذه المرحلة من الإجراءات—على غرار أمر قضائي مؤقت أصدرته محكمة في أمريكا الشمالية—فإن العائق القانوني أمام جنوب أفريقيا كان منخفضًا نسبيًا. فهل كان من المعقول أن تكون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول بمثابة إبادة جماعية؟

وللقيام بذلك، كان على جنوب أفريقيا أن تستوفي شرطين مرتبطين: أن الأعمال التي ترتكبها إسرائيل، وخاصة قتل وجرح المدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية، والنوايا المنسوبة إلى القادة السياسيين والمدنيين الإسرائيليين مجتمعة، تساهم بشكل معقول في التدمير، كليًا أو جزئيًا، لجماعة محددة—أي الفلسطينيين في غزة.

لقد كانت الفصاحة والبلاغة في مواجهة الرعب منسوجة في كل الحجج التي قدمتها جنوب أفريقيا. وفي مرافعتها الشفهية أمام المحكمة، أوضحت بلين ني غرالاي، محامية حقوق الإنسان الأيرلندية التي تمثل جنوب أفريقيا، عواقب عدم قدرة المجتمع الدولي على وقف الإبادة الجماعية التي تحدث:

يستمر المجتمع الدولي في خذلان الشعب الفلسطيني، على الرغم من خطاب الإبادة الجماعية العلني الذي يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم من جانب المسؤولين الحكوميين والعسكريين الإسرائيليين، والذي تدعمه تصرفات الجيش الإسرائيلي على الأرض، على الرغم من فظاعة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني التي يتم بثها مباشرة من غزة إلى هواتفنا المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وشاشات التلفزيون—وهي أول إبادة جماعية في التاريخ حيث يبث ضحاياها تدميرهم في الوقت الحقيقي في أمل يائس، عبثي حتى الآن، في أن العالم قد يفعل شيئًا ما.

إنّ غزة لا تمثل سوى "فشل أخلاقي"، بحسب وصف اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتسم عادة بالحذر.

ثم ذكّرت المحكمة بأن هذه القضية تمثل تحديًا محوريًا لفعالية القانون الدولي نفسه: "قد يقول البعض أن سمعة القانون الدولي ذاتها—أي قدرته واستعداده لإلزام جميع الشعوب وحمايتهم على قدم المساواة—على المحك".

وفي مرافعاتها الشفهية التي قدمتها إلى المحكمة في اليوم التالي، قدمت إسرائيل ادعاءين رئيسيين. أولًا، أصرت على أن جنوب أفريقيا ليس لديها "نزاع" مع إسرائيل، وبالتالي يتعين على محكمة العدل الدولية أن ترفض طلب الإبادة الجماعية على هذا الأساس الإجرائي. وثانيًا، قالت أن إسرائيل، طوال عملياتها العسكرية في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول، كانت تتصرف بشكل صارم ضمن حدود القانون الدولي—والأكثر من ذلك أنها كانت ضحية الإبادة الجماعية، وليس مرتكبها. وعلى حد تعبير مالكولم شو، المحامي البريطاني والأكاديمي القانوني الذي يدافع نيابة عن إسرائيل:

لقد تم تقديم ادعاءات تصل إلى حد الفظاعة. ومن الواضح أن الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، مع ارتكابها المتعمد للفظائع، يقع ضمن التعريف القانوني للإبادة الجماعية. وكان رد إسرائيل ولا يزال مشروعًا وضروريًا. لقد تصرفت إسرائيل وما زالت تتصرف بطريقة تتفق مع القانون الدولي. وهي لا تفعل ذلك بطريقة غير مقيدة، بل من خلال استثمار جهود غير مسبوقة في تخفيف الأضرار التي تلحق بالمدنيين، على حساب عملياتها، فضلًا عن تخفيف المشقة والمعاناة، من خلال استثمار الموارد والجهود.

لا توجد نية للإبادة الجماعية هنا. هذه ليست إبادة جماعية.

محكمة العدل الدولية تصدر أمرها بشأن قضية الإبادة الجماعية في جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، 26 يناير، 2024. (تصوير ميشيل بورو / غيتي إيماجز)

وعندما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها الرائع بعد أسبوعين، في أواخر شهر يناير/كانون الثاني، أخفت لهجتها المدروسة حكمًا دامغًا. وقبلت المحكمة إلى حد كبير رواية جنوب أفريقيا بشأن سلوك إسرائيل في عملياتها العسكرية ضد غزة. ورفضت حجة إسرائيل بأنه لا يوجد "نزاع" بين البلدين، معتبرة أن جنوب أفريقيا أصدرت عددًا من البيانات الثنائية والعامة منذ أكتوبر/تشرين الأول مفادها أن تصرفات إسرائيل ترقى إلى مستوى انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية. ومن وجهة نظرها، فإن هذا يمنح المحكمة الاختصاص للنظر في الأسس الموضوعية لمزاعم جنوب أفريقيا. والأهم من ذلك، أن محكمة العدل الدولية قضت بأن بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأقل في غزة يمكن أن ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية بموجب الاتفاقية، ما يفتح الباب أمام الأمر باتخاذ تدابير مؤقتة ضد إسرائيل.

وفي تقييمها لاحتمال وقوع أعمال إبادة جماعية تزعم جنوب أفريقيا ارتكابها من قبل إسرائيل، أولت المحكمة وزنًا كبيرًا للعديد من التصريحات الصادرة عن كبار مسؤولي الأمم المتحدة منذ أكتوبر/تشرين الأول حول الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة. وأشار التقرير صراحةً إلى المستوى الاستثنائي للضحايا الفلسطينيين—25,700 قتيل و63,000 جريح في ذلك الوقت—إلى جانب التهجير القسري لحوالي 80 في المئة من سكان غزة وتدمير أو إتلاف أكثر من 360,000 وحدة سكنية في المنطقة المحاصرة. ثم أعطت المحكمة الحياة لهذه الإحصائيات من خلال اقتباس حديث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، الذي قال أن "غزة أصبحت مكانًا للموت واليأس" وأن "غزة أصبحت ببساطة غير صالحة للسكن". واستشهدت المحكمة أيضًا بتحذير منظمة الصحة العالمية بأن "نسبة غير مسبوقة تبلغ 93 في المئة من سكان غزة يواجهون مستويات متأزمة من الجوع، مع عدم كفاية الغذاء ومستويات عالية من سوء التغذية".

وكل هذا، من وجهة نظر المحكمة، أظهر أن "الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة معرض لخطر شديد للتدهور أكثر قبل أن تصل المحكمة إلى حكمها النهائي".

ثم انتقلت محكمة العدل الدولية لتقييم ما إذا كانت جنوب أفريقيا قد أثبتت معقولية نية الإبادة الجماعية. وفي طلبها الذي قدمته في شهر ديسمبر/كانون الأول، قدمت جنوب أفريقيا 35 اقتباسًا من كبار القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، ممزوجة بلغة مهينة تجاه الفلسطينيين. واستشهدت المحكمة على وجه التحديد بتصريحات ثلاثة قادة إسرائيليين: الرئيس إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وإسرائيل كاتز وزير الطاقة والبنية التحتية آنذاك، ووزير الخارجية منذ يناير/كانون الثاني. وكانت التصريحات الثلاثة كلها قاسية، وبالأخص تعليق كاتز على موقع إكس، تويتر سابقًا، في أكتوبر/تشرين الأول: "سنحارب المنظمة الإرهابية وندمرها. لقد أُمر جميع السكان المدنيين في غزة بالمغادرة فورًا. وسوف ننتصر. ولن يحصلوا على قطرة ماء أو بطارية واحدة حتى يغادروا العالم".

وكان حكم المحكمة يحتوي ضِمنًا على نقطة الضعف الحاسمة التي تكمن في جوهر حجة إسرائيل: عدم قدرتها على تقديم أي إجابة مقنعة للأدلة الوفيرة التي قدمتها جنوب أفريقيا بشأن القتل العشوائي والدمار في غزة. وفي حين أن محكمة العدل الدولية لم تتوصل إلى أي استنتاجات حول ما إذا كانت هناك إبادة جماعية تحدث بالفعل في غزة—وهو ما لن يتم تحديده إلا بعد جلسات استماع كاملة من قبل المحكمة في مزاعم جنوب أفريقيا، والتي من المتوقع أن تستمر من ثلاث إلى أربع سنوات—إلا أنها لم تتأثر على الإطلاق بتأكيد إسرائيل أن سلوكها في الحرب كان ضمن حدود القانون الدولي وأنها بذلت قصارى جهدها لتجنب مقتل المدنيين.

وقضت المحكمة، بعد أخذ جميع ما ذُكر في الاعتبار، بأن الأدلة الواقعية والمتعمدة الواردة في الحجج تفي باختبار حماية الحقوق التي تطالب بها جنوب أفريقيا. وأصدرت المحكمة ستة إجراءات مؤقتة لإسرائيل، من بينها أنه يجب عليها "اتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب أعمال" في غزة تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية، وأن عليها أن "تتخذ جميع التدابير" لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني في إسرائيل على ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وأن عليها أن "تتخذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها" في غزة. وبالإضافة إلى ذلك، دعت المحكمة حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين الذين تحتجزهم فورًا ودون قيد أو شرط.

 

شوه الحكم بشدة سمعة تلك الدول—والولايات المتحدة في المقام الأول—التي دعمت إسرائيل سياسيًا وعسكريًا طوال الحرب بينما قللت من شأن قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية

- مايكل لينك

وهذه أوامر رسمية، وهي ملزمة قانونًا بموجب القانون الدولي. وكان الملفت للنظر بشكل خاص هو حجم الأغلبية لكل تدبير مؤقت. فقد صوت قضاة المحكمة إما بأغلبية 15-2 أو 16-1 لصالح هذه التدابير. وانضم جميع القضاة الستة المنتخبين من الشمال العالمي—الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وأستراليا وسلوفاكيا—إلى سبعة من القضاة الثمانية المنتخبين من الجنوب العالمي (فقط القاضية الأوغندية التي كانت معارضة) والقاضي الروسي في تأييد تلك الأوامر. وقد صوت القاضي الخاص من جنوب أفريقيا، الذي تم جلبه خصيصًا لهذه القضية، لصالح الأوامر، وحتى القاضي الإسرائيلي الخاص، أهارون باراك، صوت لصالح الأمر الخاص بالمساعدات الإنسانية.

ومع ذلك، فقد غاب بين التدابير المؤقتة التي اتخذتها المحكمة طلب جنوب أفريقيا بالتعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وضدها. وهذا هو الثقب في قلب الحكم. ورغم أن جنوب أفريقيا زعمت بشكل صحيح بعد الحكم أن إسرائيل لا يمكنها الامتثال للأوامر المؤقتة إلا من خلال الموافقة على وقف فوري للأعمال العدائية، إلا أن غياب أمر محدد بوقف إطلاق النار قد أتاح لإسرائيل مجالًا للمناورة لإعادة تفسير الأحكام بطريقتها الخاصة. فبعد إدانة حكم المحكمة في مستهل الأمر باعتباره "معاديًا للسامية" و"شائنًا"، غيّرت إسرائيل موقفها فزعمت أنها تظل ملتزمة بالأوامر الخاصة باتخاذ تدابير مؤقتة، وذلك لأن عملياتها العسكرية من المفترض أنها كانت متسقة على الدوام مع القانون الدولي. ومنذ صدور حكم محكمة العدل الدولية، استمرت حرب إسرائيل على غزة، دون أي قيود إلى حد كبير، وفي الأيام العشرة التي تلت القرار، قُتل أكثر من 1,220 فلسطينيًا في غزة. وتواصل الوكالات الإنسانية إصدار نشرات صارخة حول التهديد الوشيك بحدوث مجاعة في غزة.

لقد أصدرت محكمة العدل الدولية، وهي محكمة رصينة ومنضبطة وواعية تمامًا لمكانتها في النظام الدولي، قرارًا هائلًا يتوافق مع المزاج العام في عصرنا فيما يتعلق بالكابوس الذي يتكشف في غزة. إنّ قبول المحكمة لاحتمال ارتكاب عمليات إبادة جماعية نتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة كان سببًا في تلطيخ مكانة إسرائيل الدولية على نحو لا يمكن محوه، في حين أكد على الوعد الذي قطعه القانون الدولي باعتباره أداة لتحقيق العدالة وليس عصا للسلطة.

إسرائيل ليست الطرف الوحيد الذي تضرر بشدة. فقد شوه الحكم بشدة سمعة تلك الدول—والولايات المتحدة في المقام الأول—التي دعمت إسرائيل سياسيًا وعسكريًا طوال الحرب بينما قللت من شأن قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أوائل يناير/كانون الثاني حول الإجراءات التي جرت في لاهاي، أنه "لا أساس لها" و"تشتت انتباه العالم". وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في الوقت نفسه: "هذا غير مبرر وخاطئ على الإطلاق". وبينما أعرب بلينكن عن قلقه في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني من "مقتل عدد كبير جدًا من الفلسطينيين"، إلا أنه قام بعد ذلك بتفعيل أحكام الطوارئ مرتين في ديسمبر/كانون الأول والتي مكنت من إرسال عشرات الآلاف من قذائف المدفعية والذخائر الأخرى إلى إسرائيل لتجديد مخزونها المستنزف دون إشراف الكونغرس.

وعندما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها، واصلت الولايات المتحدة التحدث وفق نفس النبرة. فقد قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بعد ساعات قليلة من القرار: "ليس هناك ما يشير إلى أننا رأينا ما يؤكد صحة ادعاء نية أو عمل الإبادة الجماعية من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية". ومع ذلك، في غضون يوم واحد، قبلت إدارة بايدن ادعاءات إسرائيل بأن 12 موظفًا من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)—وهي منظمة الأمم المتحدة التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة وفي جميع أنحاء المنطقة—قد شاركوا في عملية حماس في هجوم أكتوبر/تشرين الأول، وسرعان ما علقت تمويلها للأونروا. وحذت حذوها سبعة عشر دولة. وعلى الفور تقريبًا، تحول التركيز السياسي لوسائل الإعلام في الولايات المتحدة وأوروبا إلى قضية جديدة، بينما ظلت السماء فوق غزة دموية وسوداء.

إنّ السحابة التي تخيم على حكم محكمة العدل الدولية هي ما إذا كانت تلك الدول التي دعمت إسرائيل بقوة خلال حربها على غزة—وفي المقام الأول الولايات المتحدة—قد تواجه عواقب قانونية بسبب تواطئها في الجرائم الدولية، في حالة إثبات الإبادة الجماعية في وقت لاحق. ففي نهاية المطاف، تنص المادة الثالثة (هـ) من اتفاقية الإبادة الجماعية صراحة على أن "التواطؤ في الإبادة الجماعية" هو عمل يعاقب عليه القانون. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، لم تزود الولايات المتحدة إسرائيل بالصواريخ وقذائف الدبابات والقنابل الخارقة للتحصينات فحسب، بل قدمت أيضًا درعًا دبلوماسيًا لا يمكن اختراقه في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإحباط ثلاثة قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، والتي حظيت بتأييد ساحق من أعضاء مجلس الأمن الدولي الآخرين.

وكدليل على ما قد يحدث، سعت المنظمة الدولية غير الحكومية للدفاع عن الأطفال– فلسطين والعديد من المدعين الفلسطينيين الأمريكيين الأفراد إلى إصدار أمر قضائي في محكمة اتحادية أمريكية في سان فرانسيسكو في أواخر يناير/كانون الثاني لإصدار أمر لإدارة بايدن باتخاذ جميع التدابير في حدود صلاحياتها لمنع إسرائيل من ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية في غزة. وعلى الرغم من أن المحكمة حكمت ضد هذا الاقتراح على أساس أنها لا تتمتع بالسلطة القضائية للبت في قضية سياسية بشكل أساسي، مستشهدة بسابقة، فقد دعت أيضًا البيت الأبيض إلى الاهتمام بحكم محكمة العدل الدولية: "بحسب ما خلصت إليه محكمة العدل الدولية، فإنه من المعقول أن سلوك إسرائيل يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. وتناشد هذه المحكمة المدعى عليهم دراسة نتائج دعمهم الثابت للحصار العسكري ضد الفلسطينيين في غزة".

وليس لدى محكمة العدل الدولية جيش أو شرطة لتنفيذ أحكامها. وتعتمد سلطتها بالكامل على استعداد الدول، التي تتصرف بحسن نية، للامتثال لأوامرها القانونية، وخاصة عندما تكون على الطرف الخاسر. وفي ظروف أخرى، انضمت الولايات المتحدة إلى دول غربية في الإصرار على الامتثال لأوامر المحكمة. ففي مايو/أيار 2022، بعد أمر المحكمة لروسيا بتعليق عملياتها العسكرية في أوكرانيا، قالت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي و41 دولة أخرى في بيان مشترك: "إننا نرحب بحكم المحكمة ونحث روسيا بقوة على الامتثال لهذا الأمر الملزم قانونًا… وباعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، فإن محكمة العدل الدولية هي أحد ركائز النظام الدولي القائم على القواعد ولها دور حيوي تلعبه في التسوية السلمية للنزاعات". وصدر بيان مماثل في أعقاب أوامر المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة في ميانمار، في قضية تتعلق بادعاءات بأن الفظائع التي ارتكبها جيش ميانمار ضد سكان الروهينجا العرقية ترقى أيضًا إلى مستوى الإبادة الجماعية.

إنّ إصرار الأصوات في الجنوب العالمي على أن القانون الدولي لديه مقياس واحد للحكم على سلوك جميع الدول كان سببًا في تقويض التكرار الروتيني من جانب القادة الأميركيين والأوروبيين حول التزامهم الثابت بنظام دولي قائم على القواعد. ولا يوجد مكان يتجلى فيه الفارق بين وعد القانون الدولي وتنفيذه أكثر من احتلال إسرائيل لفلسطين، والآن حربها على غزة.

وقالت ثولي مادونسيلا، المحامية الدستورية البارزة في جنوب أفريقيا، لصحيفة نيويورك تايمز بعد الحكم: "طالما أن أولئك الذين يضعون القواعد يفرضونها على الآخرين بينما يعتقدون أنهم وحلفاءهم فوق تلك القواعد، فإن نظام الحكم الدولي سيكون غير متزن". وأضافت: "نقول أن هذه القواعد هي القواعد عندما تغزو روسيا أوكرانيا أو عندما تذبح ميانمار الروهينجا، ولكن إذا كانت إسرائيل الآن تذبح الفلسطينيين، وتحرمهم من الطعام، وتقوم بتهجيرهم بشكل جماعي، فإن القواعد لا تنطبق ومن يحاول تطبيق القواعد هنا يكون معاديًا للسامية؟ إنه يعرض هذه القواعد للخطر حقًا."

دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية مع إسقاط قنابل مضيئة أيضًا على غزة، 22 نوفمبر، 2023. (تصوير جون ماكدوغال/وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)

Source: Getty IMages

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.