نادر هاشمي هو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وأستاذ مشارك لسياسة الشرق الأوسط والسياسة الإسلامية في كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر. وهو زميل غير مقيم لدى منظمة DAWN.
جيمس أ. ميلوارد هو أستاذ التاريخ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، حيث يقوم بتدريس تاريخ تشينغ والصين وآسيا الوسطى وتاريخ العالم.
نادر هاشمي هو مدير مركز الوليد للتفاهم الإسلامي المسيحي وأستاذ مشارك في شؤون الشرق الأوسط والسياسة الإسلامية في كلية إدموند أ. والش للخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون. وهو أيضًا زميل غير مقيم في منظمة (DAWN).
جيمس أ. ميلوارد هو أستاذ التاريخ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، حيث يقوم بتدريس تاريخ تشينغ والصين وآسيا الوسطى وتاريخ العالم.
قبل أيام من صدور الحكم الأولي الذي قضت به محكمة العدل الدولية في أواخر الشهر الماضي، والذي خلص إلى وجود خطر معقول بارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة، أجرى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "مراجعته الدورية الشاملة" لسجل الصين في مجال حقوق الإنسان. كانت معاملة الصين المسيئة للأويغور والأقليات التركية الأخرى في مقاطعة شينجيانغ—والتي وصفتها العديد من الحكومات حول العالم، بما في ذلك الإدارات الأمريكية في عهدي دونالد ترامب وجو بايدن، رسميًا بأنها إبادة جماعية—هي محور التركيز الرئيسي. وفي عام 2022، خلص تقرير طال انتظاره صادر عن المفوضة العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمنتهية ولايتها ميشيل باشيليت، أن "الاحتجاز التعسفي والتمييزي" الذي تمارسه الصين ربما على أكثر من مليون شخص في شينجيانغ "قد يشكل جرائم دولية، ولا سيما جرائم ضد الإنسانية".
وبطبيعة الحال، اتخذت إدارة بايدن وجهة نظر مختلفة بشأن مسألة الإبادة الجماعية في غزة. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن القضية المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والتي رفعتها جنوب أفريقيا أن "تهمة الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة". وكرر المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي نفس الخطاب لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك ووصف الاتهامات بأنها "لا أساس لها من الصحة وتؤدي إلى نتائج عكسية وليس لها أي أساس في الواقع على الإطلاق". وحتى بعد أن أمر حكم محكمة العدل الدولية إسرائيل بالالتزام بالتدابير المؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، بالنظر إلى ما وصفته المحكمة بـ "الخطر الحقيقي والوشيك" لانتهاكات حقوق الفلسطينيين بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، رفضت إدارة بايدن حكم المحكمة. وقد كررت كندا والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا وفرنسا السلوك الأمريكي من خلال إدانة الإبادة الجماعية في شينجيانغ بينما استبعدت احتمال حدوثها في غزة. فمثلًا، ردد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خطاب واشنطن عندما وصف قضية محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بأنها "غير مبررة وخاطئة تمامًا".
وعلى الرغم من تعريف الأمم المتحدة القانوني الواضح للإبادة الجماعية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948—المستند إلى "الأفعال المرتكبة بقصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه"— لماذا تقوم العديد من الدول التي تدين الإبادة الجماعية التي ترتكبها الصين بالدفاع عن إسرائيل ضد مثل هذه الاتهامات، في حين أن العديد من الدول التي تدين إسرائيل تدافع أيضًا عن الصين؟ هل لدى العديد من البلدان، في الواقع، وجهات نظر مختلفة بشكل واضح حول الإبادة الجماعية، أو ما تسمى بـ "جريمة الجرائم، أو أسوأ وحشية إنسانية"؟ لماذا هذا التناقض في الإبادة الجماعية؟ إنّ المقارنة بين الأحداث في شينجيانغ وغزة لا تسلط الضوء على هذا النفاق والمعايير المزدوجة فحسب، بل تكشف الثغرة الموجودة في قلب النظام الدولي الذي يُفترض أنه قائم على القواعد.
وعلى الرغم من تعريف الأمم المتحدة القانوني الواضح للإبادة الجماعية، لماذا تقوم العديد من الدول التي تدين الإبادة الجماعية التي ترتكبها الصين بالدفاع عن إسرائيل ضد مثل هذه الاتهامات، في حين أن العديد من الدول التي تدين إسرائيل تدافع أيضًا عن الصين؟
- نادر هاشمي وجيمس أ. ميلوارد
تقع غزة وشينجيانغ على طرفي نقيض من قارة آسيا. لكن على الرغم من المسافة الجغرافية بينهما، كانت منطقتا طريق الحرير تاريخيًا مركزًا عالميًا للتبادل التجاري والديني، مع تاريخ قديم وتنوع سكاني. ويتم تحديد تاريخهما التكويني في منتصف القرن العشرين من خلال الاستعمار. ففي عام 1948، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من الاستيطان الصهيوني في فلسطين تحت رعاية الاستعمار البريطاني، أدت الحرب والتهجير الجماعي لنحو 750,000 فلسطيني إلى إنشاء دولة إسرائيل. وفي عام 1949، بعد عقود من الحد الأدنى من نفوذ جمهورية الصين في المنطقة وصعود جمهورية تركستان الشرقية في الأربعينيات، تم ضم شينجيانغ من قبل الحزب الشيوعي الصيني كجزء من الجمهورية الشعبية.
من خلال إخضاع السكان الأصليين في فلسطين ومنطقة الأويغور للاحتلال والاستعمار والمشاريع الاستعمارية الاستيطانية، كانت كل من الدولتين الجديدتين، إسرائيل وجمهورية الصين الشعبية، تسعى إلى ما اعتبرته خَلاصًا وإغاثة: من محرقة اليهود في أوروبا و"قرن من الإذلال" في الصين. ولجأ المحتلون الجدد للأرض إلى التاريخ القديم لتبرير السياسات التي قوضت حقوق السكان الأصليين في العيش في وطنهم التاريخي في حالة الفلسطينيين، أو العيش بحرية مثل الأويغور، في شينجيانغ.
وأدت المقاومة، التي كانت عنيفة في بعض الأحيان، إلى قمع الدولة، ما أدى إلى المزيد من المقاومة في دورة استمرت عقودًا. وكثيرًا ما كان قمع الدولة يُبرّر باسم مكافحة الإرهاب أو التطرف الديني. ومن المفارقات أن هذه الأوضاع الاستعمارية ترسخت وتوسعت خلال الحقبة التي يسميها المؤرخون "إنهاء الاستعمار" في النصف الثاني من القرن العشرين.
اليوم، يعتبر الأويغور في الصين والفلسطينيون في إسرائيل، في أحسن الأحوال، مواطنين من الدرجة الثانية. يُحتجز ما بين مليون إلى مليوني من الأويغور في معسكرات اعتقال وسجون في جميع أنحاء شينجيانغ، والعديد منهم بسبب ما يسمى بـ "إعادة التعليم" في تذكير مشؤوم بمعسكرات الاعتقال في الحرب العالمية الثانية. ويعيش أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة المحاصر، ويعيش ثلاثة ملايين فلسطيني تحت حكم الفصل العنصري في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. ويقدر أن ستة ملايين فلسطيني آخرين يعيشون كلاجئين دائمين في الشتات غير قادرين على العودة إلى ديارهم، مثل مئات الآلاف من الأويغور المنتشرين بالمثل في جميع أنحاء العالم.
وفي كل من إسرائيل والصين، نظرت سلطات الدولة، في تبريرها لقمعها، إلى الفلسطينيين والأويغور باعتبارهم أشخاصًا متخلّفين يفترض أنهم غير قادرين على الحكم الذاتي. ومع ذلك، شرعت كلتا الدولتين أيضًا في ما يبدو وكأنه جهود متعمدة لمحو ثقافة الشعبين الفلسطيني والأويغوري، على التوالي، من خلال استهداف المثقفين والأساتذة والفنانين والشعراء والصحفيين، فضلًا عن هدم الجامعات والهياكل الدينية والمواقع التاريخية.
إنّ المقارنة بين الأحداث في شينجيانغ وغزة لا تسلط الضوء على هذا النفاق والمعايير المزدوجة فحسب، بل تكشف الثغرة الموجودة في قلب النظام الدولي الذي يُفترض أنه قائم على القواعد.
-نادر هاشمي وجيمس أ. ميلوار
هناك أيضًا، بالطبع، اختلافات هامة. تعتبر شينجيانغ، وهي منطقة شاسعة تمتد على مساحة 620,000 ميل مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 25 مليون نسمة، أكبر من مساحة غزة بأكثر من 4,000 مرة. وقامت الصين بتهجير الأويغور من الأراضي الرئيسية والأحياء القديمة في وسط كاشغر، وهي مدينة طريق الحرير التاريخية في أقصى غرب الصين، ولكن على عكس الفلسطينيين، لم يتم طرد الأويغور بشكل جماعي من وطنهم التاريخي. وعلى الرغم من أن معسكرات الاعتقال أدت بالتأكيد إلى المزيد من الوفيات بين الأويغور، خاصة خلال جائحة كورونا، إلا أن شينجيانغ لم تشهد عمليات قتل جماعي مثل تلك التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة على يد القوات الإسرائيلية، الأمر الذي دفع جنوب أفريقيا إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية متهمة إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
بالإضافة إلى الاعتقال الجماعي، فإن السمة المميزة الرئيسية لاضطهاد الأويغور هي قمع الولادات. فمن خلال التعقيم القسري وزرع اللولب، يمكن للصين أن تقلل عدد سكان الأويغور بما يصل إلى 4.5 مليون شخص في غضون 20 عامًا، وفقًا لباحثين، باسم ما تسميه السلطات الصينية "التحسين السكاني"—وهو طموح استعماري واضح لجعل المنطقة مشابهة عرقيًا لبقية الصين الهانية. وتعترف المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية على وجه التحديد "بفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل الجماعة" باعتباره عملًا من أعمال الإبادة الجماعية. واستندت محكمة الأويغور، وهي محكمة مستقلة أُنشئت في المملكة المتحدة ويرأسها جيفري نيس، الذي كان المدعي الرئيسي في محاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش، إلى هذه الحقيقة لاستنتاج أن الصين كانت منخرطة في سياسة الإبادة الجماعية ضد الأويغور.
وفي حين أن نفاق الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي تدعم إسرائيل كان صارخًا، فقد سارعت إلى إدانة إحدى عمليات الإبادة الجماعية ولكنها رفضت حتى الاعتراف باحتمال وقوع تلك الجريمة في مكان آخر، إلا أن أجزاء كبيرة من الجنوب العالمي مذنبة بالنفاق أيضًا. ففي ذروة اضطهاد الأويغور في الصين، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي المكونة من 57 عضوًا بيانًا في اجتماع لوزراء الخارجية في عام 2019 "أثنى على جهود جمهورية الصين الشعبية في توفير الرعاية لمواطنيها المسلمين". لقد كانت الأنظمة العربية التي لها علاقات وثيقة مع بكين متواطئة في قمع الأويغور في الصين، ومنحت الضوء الأخضر علنًا لجهود الحكومة الصينية.
وفي الآونة الأخيرة، ردّدت جنوب أفريقيا خطاب الصين بشأن الأويغور. ففي ديسمبر/كانون الأول، وهو نفس الشهر الذي رفعت فيه جنوب أفريقيا قضيتها إلى محكمة العدل الدولية للدفاع عن الفلسطينيين من خطر الإبادة الجماعية تحت القصف الإسرائيلي، أشاد المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم "بالتقدم الكبير الذي أحرزته بكين في مجال حقوق الإنسان" في شينجيانغ، بما في ذلك ما أسماه "إنجازات ملحوظة" في الحد من الفقر بين الأويغور. وحتى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أيّد دعاية بكين، قائلًا أثناء زيارة للصين، حيث كان يسعى للحصول على مساعدات اقتصادية، أن سياسات الصين تجاه المسلمين في شينجيانغ "لا علاقة لها بحقوق الإنسان وتهدف إلى استئصال التطرف ومجابهة الإرهاب والانفصالية".
المعايير المزدوجة كثيرة. والنرويج هي واحدة من الدول القليلة التي شجبت كلا الوضعين، في غزة وشينجيانغ.
ومن الواضح أن الجغرافيا السياسية والمصالح التجارية والسياسة الداخلية، وغيرها من الاعتبارات "البراغماتية" المفترضة، قد أصابت العديد من القادة السياسيين بالعمى الساخر عن المعاناة الجماعية، ما دفعهم إلى انتهاك المعايير العالمية التي يزعمون أنهم يؤيدونها. ينهار مفهوم حقوق الإنسان العالمية عندما لا يتم تطبيقه بشكل متساوٍ ومتسق في جميع الحالات.
عندما تفشل الحكومات بشكل واضح في احترام القانون الدولي، وتلجأ إليه بدلًا من ذلك بشكل انتقائي عندما يناسب مصالحها، فكيف ينبغي أن يكون رد المواطنين المعنيين؟ لا ينبغي لنا أن نيأس. بل عوضًا عن ذلك، ينبغي فضح هذه الحكومات علنًا، ومواجهتها بقوة والتصويت لصالح إقصائها، من أجل عالم أفضل، بما في ذلك "نظام دولي قائم على القواعد"، حيث تنطبق القواعد على الجميع.