English
وُلدت رولا جبريل لعائلة فلسطينية في حيفا وترعرعت في دار للأيتام في القدس الشرقية المحتلة من قبل إسرائيل منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، وشهدت رولا في سن مبكرة حرمان بعض الأشخاص من الحقوق الأساسية. وتتذكر قائلة: "بغض النظر عن حقيقة أن بعض أفراد عائلتي لديهم جواز سفر إسرائيلي، لأنهم وُلدوا داخل إسرائيل في حيفا—وولد آخرون في القدس الشرقية—فقد كان يتم معاملتنا كمواطنين من الدرجة الثانية، أو حتى أسوأ من ذلك". وأضافت: "كنا جميعًا نرزح تحت الاحتلال العسكري بشكل أو بآخر". كما تتذكر "الإذلال" الذي كان يتعرض له والدها عندما كان يتم إيقافه باستمرار من قبل الشرطة أو الجنود الإسرائيليين، مثل العديد من الفلسطينيين الآخرين.
تقول رولا جبريل في مقابلة أجرتها معها مؤخرًا مجلة "الديمقراطية في المنفى" التابعة لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN): "كل ذلك جعلني أكثر حساسية لقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات والعدالة والديمقراطية". وتضيف: "كان من الواضح، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أن هذا النوع من الحكم الاستبدادي الذي مكّنته القوى الأجنبية هو السبب في انعدام الأمل في التغيير وعدم القدرة على إنتاج أي شيء عدا البطالة الجماعية واليأس والتطرف".
قام والدها، وهو إمام صوفي في المسجد الأقصى، بوضعها هي وشقيقتها الصغرى في دار الطفل، وهي دار للأيتام في القدس كانت تضم 3,000 فتاة، بعد وفاة والدتهما. كانت هذه الدار تحت إدارة هند الحسيني، وهي المرأة الفلسطينية التي أسست الدار في أعقاب أحداث عام 1948. تقول رولا جبريل: "لقد كرّست هند حياتها لتربية وتعليم الفتيات والنساء." وأضافت: "أرادت أن تخلق جيلًا من الفتيات والنساء القادرات على تمكين مجتمعاتهن. تخيل لو تمكنا من فعل ذلك في جميع أنحاء العالم". تم إنتاج رواية رولا جبريل "ميرال"—التي تروي قصة هند الحسيني ودار الطفل—على شكل فيلم عام 2010. كتبت رولا سيناريو الفيلم.
اليوم، رولا جبريل محللة في شؤون السياسات الخارجية ومؤلفة وأستاذة زائرة في جامعة ميامي. وهي تظهر على وسائل الإعلام بشكل متكرر للتعليق على السياسة الخارجية الأمريكية. تحدثت إلى مجلة "الديمقراطية في المنفى" بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعلى خلفية الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر/أيلول. وتقول إن أهداف أمريكا في أفغانستان "لم تكن تتعلق بالديمقراطية أبدًا، إلا عندما تخاطب الجمهور الأمريكي. لم يكن الأمر يتعلق أبدًا بالمساواة بين الجنسين في هذه البلاد." وبدلًا من ذلك، تم إنفاق تريليونات الدولارات في أفغانستان لدعم نظام استبدادي، أولاً في عهد الرئيس حامد كرزاي ثم في عهد الرئيس أشرف غني، بعد أن "توارت طالبان خلف الأنظار واختبأت في بلدان مجاورة".
تردد أصداء الفشل الأمريكي في أفغانستان و "الحرب على الإرهاب" بصورة عامة في الولايات المتحدة، مع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والهجوم الذي تم في 6 يناير/كانون الثاني على مبنى الكابيتول في واشنطن من قبل أنصاره المتطرفين. تقول رولا: "الحرب على الإرهاب تعود إلى الوطن لتطاردنا جميعًا، بشكل مباشر وغير مباشر". كما تقول. "ما تراه هو دورة كاملة من الحرب على الإرهاب خلال 20 عامًا".
وتحذر قائلة: "الاستبداد لم يعد في الشرق الأوسط فحسب—لقد أتى ليطارد ديمقراطية أمريكا نفسها". وأضافت: "إذا لم يربط الناس بين هذه الأحداث، فستتكرر هذه الدورة مرارًا. حان الوقت للتنبّه لذلك".
تم تحرير النص التالي بشكل طفيف من أجل الإيضاح وملائمة طول المادة.
ما هي دلالة الانسحاب الأمريكي والإجلاء المفاجئ الذي قامت به إدارة بايدن من أفغانستان على السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام؟
لكي نكون واضحين، علينا أن نفهم كيف وصلنا إلى هنا، وذلك من أجل أن نفهم هذا الخروج الفاشل. لا يوجد ما يخفي حقيقة أن هذه كانت عملية خروج فاشلة، ولكن كيف وصل بايدن إلى هذه النقطة؟ نحن بحاجة إلى أن نكون موضوعيين حقًا هنا. في عام 2018، بدأت إدارة ترامب المفاوضات مع طالبان ثم وقعت اتفاقية معها. وكان الاتفاق على النحو التالي: الانسحاب الكامل من أفغانستان والإفراج عن 5,000 أسير مقابل ماذا؟ لا شيء. في الواقع، كان المقابل ألّا يطلقوا النار علينا. كانت تلك صفقة استسلام أبرمها ترامب. قاموا بإفراغ قاعدة باغرام الجوية، ومنذ ذلك اليوم انتهت اللعبة.
بحلول الوقت الذي تولى فيه بايدن رئاسة البلاد، كان هناك أمران. كان هناك اتفاق لا بد من الالتزام به، وهو الخروج من هناك. وكان هناك 2,500 جندي فقط لم يتمكنوا من المحافظة على أمن بلد يبلغ تعداد سكانه 38 مليون نسمة. وهكذا بدأ الانسحاب تدريجيًا. كانت هناك عدة عوائق، أهمها هو برنامج [تأشيرة الهجرة الخاصة] الذي وضعه الرئيس أوباما [للأفغان الذين عملوا لصالح حكومة الولايات المتحدة أو بالنيابة عنها]، والذي تم حظره وإلغاؤه من قبل الرئيس ترامب، بسبب عنصريته وكراهيته للأجانب ووجهات نظره المتعلقة بتفوق العِرق الأبيض.
لذلك لم يكن بالإمكان إجلاء الأفغان، وخاصة حلفائنا والمترجمين والنشطاء والصحفيين—كل الأشخاص الذين عملوا مع الأمريكيين لمدة 20 عامًا وساعدوهم والذين قد يتم ذبحهم من قبل طالبان. لا يمكن إجلاء كل هؤلاء الأشخاص بسبب وجود قواعد جديدة حول كيفية إجلاء الأشخاص.
كان يواجه بايدن، في الوقت الذي أتى فيه إلى البيت الأبيض، تحديات متعددة منها تغير المناخ وجائحة كورونا. من الواضح أن أجندته كانت "عودة أمريكا"—لكنها عادت فقط فيما يتعلق بالسياسة المحلية. علينا أن نتذكر أنه كان هناك هجوم 6 يناير/كانون الثاني الإرهابي على مبنى الكابيتول، لذلك كانت الإدارة تتعامل مع عدة أمور في وقت واحد. لا أعتقد أن بايدن كان يركز [على أفغانستان]، وقد اعتمد على المعلومات الاستخباراتية في البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.
أعتقد أن الفشل الحقيقي كان الفشل في التواصل، وأعني هنا التواصل مع الشعب والجمهور الأمريكي فيما يتعلق باتفاق الانسحاب الذي أبرمه ترامب. الشيء الآخر الذي لم يتحدث بايدن عنه هو ليس فقط سبب مغادرتنا، ولكن أيضًا لماذا سنواجه مشاكل في المغادرة، خاصة فيما يتعلق ببرنامج التأشيرات. أعتقد أنه كانت هناك مشكلة كبيرة في التواصل. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف بايدن ما نعرفه جميعًا: أن مؤسساتنا الإعلامية تكون تقدمية وتؤيد الديمقراطية وتؤيد تعدد الثقافات في أمريكا، ولكن عندما يتعلق الأمر بذوي البشرة السمراء والسوداء والمسلمين والشعوب في الخارج، فتلك المؤسسات في الواقع تؤيد الاستبداد. والدليل ما نراه اليوم.
انظر إلى كل مقالة كُتبت عن كل ديكتاتور في الشرق الأوسط. وُصف محمد بن سلمان، ولي عهد السعودي، الذي كان يعذب ويقتل الناس، بأنه إصلاحي. كان الناس يتحدثون عن الحرب على الإرهاب ويقولون إننا بحاجة للذهاب إلى تلك المناطق من العالم، ويقولون لهؤلاء المسلمين، أو هؤلاء الناس ذوي البشرة السمراء، "تجرّعوا هذا." كان هذا هو النهج المتبع. لذلك، لدينا مشكلة خطيرة عندما يتعلق الأمر بزملائنا، وخاصة في غرف التحرير التي تفتقر إلى التنوع. قد لا تكون عنصريًا في أمريكا، ولكن عندما يتعلق الأمر بهؤلاء الأشخاص ذوي البشرة السمراء، فإنهم يطلقون على أنفسهم واقعيين، لكن هذه ليست واقعية—فهم لا يهتمون بحقوق الإنسان، ولا يهتمون بالديمقراطية الحقيقية في العالم الإسلامي والعربي. إنهم لا يهتمون بالأفغان أو الإيرانيين أو الفلسطينيين.
لم يذكر أحد أنه في عام 2019، تم إلقاء 7,400 قنبلة في أفغانستان. وتم إلقاء أطنان من القنابل في اليمن وأماكن أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لا أحد يهتم بذلك. نستمر في إعداد هؤلاء الحكام المستبدين، هؤلاء الطغاة—السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد—بغض النظر عن حقيقة أن هؤلاء الأشخاص يُصدّرون نهجهم الاستبدادي إلى جميع أنحاء العالم، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن هنا في أمريكا كذلك.
هل هناك أي دروس مستفادة هنا بالنسبة للولايات المتحدة؟
يجب أن تكون وسائل الإعلام أكثر تنوعًا. كما أعتقد أن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى التواصل بوضوح حول فشلها—وأيضًا حول الكيفية التي وصلنا فيها إلى هذه المرحلة، لنكون صادقين مع الشعب الأمريكي. على الإدارة قول الحقيقة الكاملة الصادقة بشأن ترامب وصفقة طالبان وبرنامج التأشيرات. يجب على الإدارة التواصل بشكل استراتيجي مع الأقليات، ومحاولة أن تكون أكثر تقدمية بشأن السياسة الخارجية، وقبل كل شيء، الاستماع إلى الناس في المنطقة.
أنتم تستمعون إلى توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز وديفيد بروكس، وجميع هؤلاء السفراء الذين يعملون في هذه الشركات—سواء كانت بيغاسوس، أو تقنية تجسس أخرى. هؤلاء هم مستشاريك؟ أنتم تنشئون هذا النظام، هذه الغرفة التي لا يرتد لها سوى صداها، إنه حوار أحادي الجانب فيما بينكم. أنتم بحاجة إلى تضمين أصوات متنوعة تقدم أطروحات مختلفة من أجل فهم الواقع على الأرض.
درس آخر آمل أن نتعلمه وهو أن هؤلاء الجمهوريين الطائشين سيحاولون إعادة كتابة التاريخ، لكنهم مسؤولون عن الحرب على الإرهاب. بدأ بوش هذا الأمر بكذبة العراق. والآن يشكون من اللاجئين بعد أن زعزعوا استقرار بلادهم. لا تدعهم يفلتون من العقاب.
الدرس الثالث وهو الأهم بالنسبة لي: قال بايدن إنه يؤمن بالديمقراطية والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه ليست كلمات يستمع إليها الناس في جميع أنحاء العالم. نحتاج إلى تمكين المجتمعات المدنية، من خلال الانفاق على التعليم والمنح الدراسية، وتمكين الفتيات والنساء وحماية الأقليات والقيم الأمريكية والدفاع عنها. يمكننا إنفاق 1٪ من ميزانية البنتاغون على هذه القضايا—بإمكانك إلقاء نظرة على الشرق الأوسط وسترى من الذي سيفوز في الانتخابات عندما تكون لديك انتخابات حرة، وهذا أمر نادر.
يمكننا تمكين أعضاء المجتمعات المدنية والأشخاص الذين يحاولون مساعدة الفئات الأكثر ضعفًا والأكثر فقرًا. سيساعدنا حلفاؤنا الأفغان الذين نقوم بإخلائهم وإعادة توطينهم على فهم كيفية التعامل مع أفغانستان—كيفية تسيير الأمور والتعامل مع طالبان وداعش والقاعدة. هذه هي أفضل الموارد المتوفرة لدينا. وبالتالي لن تكون معلوماتنا من عملاء وكالة المخابرات المركزية (CIA) في الشرق الأوسط ممن قد يتحدثون اللغة أو لا يتحدثونها، أو بعض المحللين في صحيفة نيويورك تايمز. أفضل الأشخاص بالنسبة لنا—أفضل أمل لنا—هو تمكين الناس على الأرض، ولكن أيضًا إجلاء حلفائنا الذين يمكن أن يصبحوا أفضل مصادرنا لفهم التحديات القادمة.
كيف يمكن أن يؤثر الفشل الذريع في أفغانستان على مكانة الولايات المتحدة في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط؟
يعتمد الأمر بشكل كامل على ما نفعله مع اللاجئين. أعتقد أن هذه نقطة هامة. لن يحكم عليك العالم على الانسحاب. كان العالم يعرف أن الولايات المتحدة ستغادر عاجلًا أم آجلًا. كان أحدهم يقول أن طالبان لديها كل الوقت، بينما يداهم الوقت أمريكا. كان لدى الشرق الأوسط الوقت الكافي. ما سيؤثر على سمعتنا هو طريقة تعاملنا مع الأشخاص الذين نعدهم بإعادة التوطين والإنقاذ والإجلاء—هذا ما سيؤثر علينا، لأنه لن يثق بنا أحد إذا تخلينا عن هؤلاء الأشخاص.
الأمر الآخر هو أنه عندما يتعلق الأمر بالتحديات القادمة، فإننا إذا غادرنا مناطق معينة علينا عدم التوقف عن التفاوض—تفاوض ترامب مع طالبان وتحدث معهم، كما تتحدث الصين وروسيا وإيران معهم. حان الوقت لإعادة الدبلوماسية إلى طاولة المفاوضات. عليك أن تتحدث إلى الأشخاص الذين تكرههم، فهؤلاء هم الأشخاص الذين تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق معهم. وإلا ستكون في عزلة. في هذه الحالة أنت لا تعزل العالم، وإنما تعزل نفسك. حان الوقت لإعادة الدبلوماسية إلى طاولة المفاوضات.
ينبغي على بايدن العودة إلى الاتفاق الإيراني الآن أكثر من أي وقت مضى. كما يجب على الإدارة الأمريكية الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان. إذا كانوا يريدون الحصول على كل البلاد، فعليهم أن يمنحوا الفلسطينيين حقوقًا متساوية وحقوق التصويت، لأنه لا يمكنك القيام بشيئين باتجاهين مختلفين. لا يمكن أن يكون لدينا فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين.
لا ينبغي محاسبة بايدن عن الأمور التي قام بها ترامب وبوش. ينبغي النظر إليه بالطريقة التي يرى بها العالم. إذا كان بايدن يريد الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فعليه أن يفعل ذلك. فقد حان الوقت للقيام بذلك. ينبغي عليه أن يعود مجددًا إلى الاتفاق النووي الإيراني وأن يتفاوض مع الإسرائيليين—والضغط عليهم من خلال وضع شروط للمساعدات الأمريكية تتعلق باحترام حقوق الإنسان والديمقراطية وإنهاء الفصل العنصري. إحدى القضايا الرئيسية لأمريكا هي أن النفاق لم يعد يجدي بعد الآن. لا يمكنك القول إنك مؤيد للديمقراطية، لكن حلفاءك هم دولة فصل عنصري ونظام قاتل وديكتاتور في مصر. لا يمكننا فعل الشيء ونقيضه. حان وقت الاختيار. وهذا هو وقت الحقيقة.
في التغطية الإعلامية المتعلقة بعمليات الإجلاء من مطار كابول، وفي أعقاب الهجوم الانتحاري الوحشي الذي أدى إلى مقتل أكثر من 180 شخصًا بينهم 13 جنديًا أمريكيًا، كان تركيز الإعلام الغربي، مرة أخرى، على الخسائر الأمريكية. ما الذي تفتقده هذه التغطية الإعلامية الضيقة فيما يتعلق بعواقب السياسة الخارجية الأمريكية السيئة؟
نحن بحاجة إلى أصوات متنوعة في غرف الأخبار ووسائل الإعلام. قلبي ينفطر على عائلات هؤلاء الجنود. كان بعضهم في العشرينات من العمر، ما يعني أنهم أمضوا حياتهم كلها في الحرب على الإرهاب، وماتوا وهم يحاولون إنهاءها. ومع ذلك، فإن رؤية هؤلاء الجنرالات الفاشلين على شاشات التلفزيون—وفي المقابل لا يظهر أشخاص أفغان ولا نساء، ويظهر القليل من الصحفيين والنقاد، والقليل من الخبراء الحقيقيين لأن وجهات نظرهم غير مريحة أو ربما قاسية—تجعلني أشعر بالغثيان. وهذا يعني أن الإعلام قد فشل كذلك وما زال يفشل.
وهذا هو سبب وصولنا إلى هذه المرحلة. نحن بحاجة إلى لحظة من التفكير، سواء كان ذلك في إطار مؤسسات السياسة الخارجية أو من قبل زملائنا في وسائل الإعلام أو صنّاع السياسة. نحن بحاجة إلى التفكير وأن نفهم كيف فشلنا جميعًا معًا. أشعر بمسؤولية كبيرة لأنني أعرف المنطقة، لقد أتيت من المنطقة، وأنا هنا أحاول التحدث لوسائل الإعلام في الولايات المتحدة لخلق نوع من الصحوة، لأننا نحتاجهم للبدء في فهم ذلك. فبدون هذه الأصوات الناقدة وأصوات الأقليات، سنستمر في حلقة مفرغة التي هي واقع بديل، وليس الواقع الذي حدث في السنوات العشرين الماضية.
قضت محكمة استئناف فيدرالية مؤخرًا بأن وكالة المخابرات المركزية (CIA) وغيرها من وكالات الاستخبارات الأمريكية غير مطالبة بتأكيد أو نفي وجود سجلات تشير إلى علم الولايات المتحدة بالتهديدات التي تعرض لها الصحفي والناقد السعودي جمال خاشقجي قبل مقتله في 2018. قالت المحكمة الأمريكية في رأيها أن الكشف عن وجود مثل هذه الوثائق "من المتوقع بشكل معقول أن يؤدي على الأقل إلى إلحاق ضرر جسيم بالأمن القومي". ما رأيكِ في هذا الأمر؟ هل فعلت الولايات المتحدة ما يكفي لمحاسبة الحكومة السعودية؟
فعلت ما يكفي؟ هل أنت جاد؟ لم تقم الولايات المتحدة بما يكفي ونحن نرى أتباع محمد بن سلمان أحرارًا. أي نوع من العدالة هذا؟ لم نفعل ما يكفي لمحاسبة أي شخص من النظام السعودي، وخاصة الرجل الذي أمر بعملية القتل. لا يزال هو الحاكم، وسيستمر في قتل الناس يمينًا ويسارًا، لأنه يعرف أنه من خلال الحكم بهذه الطريقة ستكون سلطته أقوى ويدرك أنه يمكنه الإفلات من العقاب. إنه يعلم أنه يمكن أن يفلت بجريمة القتل, ولقد أفلت بالفعل بها. ولدينا رئيس سابق يدافع عنه، ثم يقوم بتسريب معلومات إلى الصحفي بوب وودوارد: "لقد أنقذت مؤخرته". وأعذرني على هذه الكلمة.
كان خمسة عشر من أصل تسعة عشر من المختطِفين المتورطين في أحداث 11 سبتمبر/أيلول من المواطنين السعوديين. نعلم أن السعوديين ضخوا ملايين الدولارات، عامًا بعد عام، لصالح الحركة الجهادية العالمية. لم نحاسبهم على ذلك أبدًا. لذلك، لستُ مندهشة من أننا لن نحاسبهم أبدًا على أي شيء، لأن الأمر لا يتعلق أبدًا بحقوق الإنسان، ولا يتعلق الأمر أبدًا بالديمقراطية. يتعلق الأمر بمن يستفيد من الثروة السعودية. وكما نعلم، يستفيد الكثير من جماعات الضغط في واشنطن العاصمة، والكثير من المشرّعين من تلك الثروة. للأسف، يتم تمويل الكثير من المؤسسات البحثية ومؤسسات الرأي من قبل السعوديين والإماراتيين. الكثير من السياسة الخارجية الأمريكية لا تعكس قيمنا، بل تعكس من يدفع لتلك المؤسسات. وهذه مهزلة.
من أفغانستان إلى ليبيا، إلى العراق، إلى سوريا، لم تحقق سياسة التدخل الأمريكية أهداف سياستها الخارجية المقصودة.
في الواقع لقد حققت ذلك. ما هي أهداف السياسة الخارجية؟ إذا كانت أهداف السياسة الخارجية هي الخطاب حول الديمقراطية وحقوق المرأة، فهذه كانت أكاذيب. قلنا لأنفسنا الأكاذيب لمدة 20 عامًا. قالوا لنا أكاذيب لمدة 20 عامًا. كانت الأهداف الحقيقية هي الذهاب إلى تلك المناطق والقول لتلك الشعوب: "تجرّعوا هذا". تحدث توماس فريدمان، عندما أجرى تلك المقابلة [في مايو/أيار 2003، حول الحرب في العراق]، عن أهدافنا هناك. قال اذهبوا إلى هناك واضربوهم بقوة كما تريدون، بغض النظر عن العواقب.
تسبب ذلك في تكاليف بشرية هائلة لعدة أجيال. كيف يمكن لسلسلة إخفاقات الولايات المتحدة في الخارج أن تؤثر على النظام الدولي الليبرالي؟
لقد تسبب ذلك في تدمير النظام الدولي. لقد دمر الكثير من مكوناته حقًا. كانت هناك رؤيتان بعد الحرب العالمية الثانية، رؤية للحرية والديمقراطية وأخرى للسلطوية. لقد كانتا رؤيتان متعارضتين، ما خلق الحرب الباردة والجدل حول من يقف في هذا الجانب ومن يقف في الجانب الآخر. الآن نجد أنفسنا، مرة أخرى، نحاول إحياء الديمقراطية. هناك تهديد وجودي، وهو الحركات الاستبدادية والسلطوية والعنصرية وكراهية الأجانب على مستوى العالم التي تحاول شن حرب في كل مكان على الديمقراطية.
كان الهجوم الإرهابي في 6 يناير/كانون الثاني، بقيادة ترامب وحلفائه من الحزب الجمهوري في الكونغرس، مع هجوم البلطجية على الكونغرس، أحد أعلى مستويات فشل النظام الدولي في الدفاع عن الديمقراطية وتوسيعها. وأعتقد أن الناس لم يدركوا ذلك—فإذا نظرت إلى أرقام استطلاعات الرأي لليمين المتطرف في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، فجميعهم قد يفوزون في الانتخابات، وقد يحكمون تلك البلدان. إنّ حلفاء ترامب في جميع أنحاء أوروبا آخذون في الازدياد، وإذا استولوا على دولة أو دولتين في أوروبا، فيمكنهم تدمير الاتحاد الأوروبي.
إننا نشهد مرة أخرى إعادة كتابة للتاريخ—التاريخ الفاشي المظلم على مستوى العالم. لعبت الحرب على الإرهاب دورًا كبيرًا في ذلك، لأن هؤلاء الأشخاص أنفسهم الذين بدأوا الحرب، والذين زعزعوا استقرار البلدان، والذين تسببوا في العواقب الإنسانية الكارثية الهائلة لملايين اللاجئين—الآن يحرضون على العنف ضد هؤلاء اللاجئين ويستخدمونهم كسلاح لبذر الخوف والبارانويا والكراهية. أعتقد أن الوحيدين الذين استفادوا ونجحوا وهم الفائزون بطريقة ما في الحرب على الإرهاب هم الحركة الفاشية العالمية أو الحركة الترامبية والجهاديون.
في أبريل/نيسان الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أن الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة "قاسية لدرجة أنها ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد." قال بايدن، خلال حملته الانتخابية، أن حقوق الإنسان ستكون ركيزة السياسة الخارجية لإدارته. كيف يجب أن ينطبق هذا الوعد على إسرائيل؟
إذا نظرت إلى الواقع الإسرائيلي، فسترى مقتل رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995، رئيس الوزراء الوحيد الذي حاول فعلًا إيجاد أي حل دبلوماسي مع الفلسطينيين. اليوم، يواصل أشخاص مثل نفتالي بينيت التحريض ضد أي حل دبلوماسي مع الفلسطينيين أو مع الإيرانيين أو مع أي شخص في المنطقة، باستثناء المجرمين القتلة في الشرق الأوسط، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.
لكن من الواضح أنه ليس قرارًا دبلوماسيًا يهدف إلى توسيع الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان. يتعلق الأمر بتحالف—معادٍ للشيعة ومعادٍ لإيران—لشراء وبيع الأسلحة. إنها صفقة أسلحة. انه ليس حلًا دبلوماسيًا حقًا. والولايات المتحدة متواطئة في الجرائم الإسرائيلية. نمول إسرائيل بما يقرب من 4 مليارات دولار [سنويًا]، بينما نتجاهل سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها وندافع عنها دبلوماسيًا في الأمم المتحدة. لذلك، نحن متواطئون. نحن جزء من النظام الذي دمر حياة الفلسطينيين. لا أعرف ما إذا كان يمكن للفلسطينيين البقاء على قيد الحياة في هذه المرحلة. أعتقد أنه يمكنهم ذلك. إن شعب فلسطين يقاتل من أجل وجوده واستمراره كأمة، وأرى مستقبلًا قاتمًا للغاية فيما يتعلق بذلك.
هل ترين أي تغييرات في إسرائيل وفلسطين في السنوات الأربع المقبلة من خلال ما تقوم هذه الإدارة؟
أعتقد أننا نشهد إبادة جماعية بطيئة. كم عدد الأطفال الذين يُقتلون يوميًا؟ إننا نرى منازل مدمرة وانقطاع لسبل العيش والحياة، ما يدفع الفلسطينيين أكثر فأكثر إلى اليأس. إنه يتم محاصرتهم في غزة كما لو كان سجنًا في الهواء الطلق، بحيث يمكنك قصفهم وقتما تشاء وانتهاك أي قوانين دولية من خلال وجود قوة عظمى تقف إلى جانبك. إذا قرأت تقرير لجنة 11 سبتمبر/أيلول، فإنك سترى في ملاحظاتهم أسباب وقوع تلك الأحداث، إذ أنهم يعتقدون أن فلسطين لم تكن سببًا في ذلك—تأثير القضية الفلسطينية على الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في أذهانهم وقلوبهم. قد لا يتحدث الحكام والقادة عن ذلك خاصة الزعماء العرب والمسلمين، لكن في كل بيت عربي، يُنظر إلى تلك القضية على أنها الظلم الأكبر في حياتهم ومنطقتهم، ويشيرون إلى نفاق أمريكا والغرب. لا أرى أننا نسير باتجاه أي حل. لا أعتقد أن بايدن سيفعل أي شيء. سيواصل سياسة الكلام. ولكن بعد ذلك سيواصل تمويل إسرائيل والدفاع عنها في الأمم المتحدة وهذا كل ما سيفعله.
لماذا كان المجتمع التقدمي في الولايات المتحدة صامتًا تمامًا حيال هذه القضية؟
لأنهم التزموا الصمت حيال اليمنيين والباكستانيين والإيرانيين والأفغان. لأن الأمر يتلخص في النقطة الرئيسية. لا أعتقد أن معظم المؤسسات التقدمية، باستثناء الأقلية—مثل النائبة الكساندرا كورتيز أو النائبة أيانا بريسلي أو النائبة رشيدة طليب—تتحدث بشكل صريح عن هذه القضايا، وذلك لأنهم ينحدرون من أصول أقلية، ولأنهم شهدوا القمع والفصل العنصري والعنصرية. لديهم مصلحة في الحديث عن هذه القضايا، على عكس غالبية الأشخاص التقدميين الذين لا يهتمون حقًا بحياة الفلسطينيين أو الإيرانيين، أو بحياة البشر بشكل عام خارج نطاق مجتمعاتهم. بالنسبة لهم، إذا فعلت إسرائيل ما تقوم به ضد الألمان أو النرويجيين أو البريطانيين، فستحدث ضجة، لكن أن تفعل ذلك ضد أصحاب البشرة السمراء أو البشرة السوداء أو ضد الفلسطينيين أو المسلمين، فهذا لا يهم بالنسبة لهم. قد لا يكونون عنصريين في جوهرهم، لكنهم لا يمانعون وجود سياسات عنصرية تجاه هؤلاء الناس.
من برأيكِ سيدفع فاتورة الحرب الأمريكية على الإرهاب؟
لا أحد. لقد كذبوا في العراق ودمروا البلاد. لم يدفع أحد الثمن. لا يزال ديك تشيني هنا، ويتحدث الآن عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، ولا يزال جورج بوش هنا. ليس هناك مساءلة على الإطلاق عن أي من أكاذيبهم السابقة. لماذا يجب أن يكون هناك مساءلة الآن؟ لا يوجد أي مساءلة لهؤلاء الأشخاص. انظر إلى ترامب! لقد شن حربًا على دستور الولايات المتحدة، ولا توجد مساءلة حتى بالنسبة له. دافع الجمهوريون عنه، ودافعوا حتى ضد عزل ثانٍ. لا أعتقد أنه ستكون هناك مساءلة على الإطلاق.
–ساهم المحرر التنفيذي فريدريك ديكناتل في هذه المقابلة.