رمزي قيس زميل قانوني في منّا، وهي منظمة غير حكومية للدفاع القانوني ومقرها جنيف تدافع عن الحقوق والحريات الأساسية وتعززها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أكمل دراسته العليا في العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في أكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
رمزي قيس زميل قانوني في منّا لحقوق الإنسان وهي منظمة غير حكومية للمناصرة القانونية ومقرها جنيف تدافع عن الحقوق الأساسية والحريات وتعززها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حصل على درجة الماجستير في العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان وسيادة القانون من أكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
English
القمع السياسي ليس بالأمر الغريب في المملكة العربية السعودية، لكن في السنوات التي أعقبت صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة، وصل الثمن الذي يجب أن تدفعه الأصوات الناقدة في المملكة إلى مستويات مشؤومة للغاية.
ففي الشهر الماضي، كشفت منّا لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية للمناصرة القانونية ومقرها جنيف، ومنظمة القسط لدعم حقوق الإنسان، وهي منظمة مقرها لندن تدافع عن حقوق الإنسان في منطقة الخليج، عن تفاصيل جديدة ومروّعة حول الاختفاء القسري والتعذيب بحق الداعية السعودي سليمان الدويش—بما في ذلك أنه تم إحضاره مباشرة إلى محمد بن سلمان بعد اعتقاله وتعرضه للضرب على يد ولي العهد نفسه.
تم اختطاف الدويش، وهو شخصية دينية محافظة ومثيرة للجدل في السعودية، في 22 أبريل/نيسان 2016، بينما كان في رحلة إلى مكة، بعد يوم واحد فقط من نشر سلسلة تغريدات انتقدت ضمنيًا محمد بن سلمان، المعروف على نطاق واسع باسم "مبس". لم يُرَ الدويش في العلن ولم يسمع عنه شيء منذ ذلك الحين.
الدويش ليس معارضًا سعوديًا بأي حال من الأحوال. فحسابه على تويتر، الذي يتابعه أكثر من 133,000 شخص، يعكس ولاءً قويًا لأسرة آل سعود الحاكمة.
كما أظهر ازدراءً لا حرج فيه لحركات الاحتجاج والمعارضة السياسية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في المنطقة الشرقية للمملكة، وأبدى بُغضًا شديدًا لليبرالية وعدو السعودية الإقليمي، إيران.
لكن في التغريدات التي يبدو أنها أدت إلى اختطافه، كتب الدويش عن مخاطر قيام الأفراد بمنح أبنائهم المدللين صلاحيات ومسؤوليات مفرطة دون مراقبة ومحاسبة.
وربما كانت تلك إشارة غير واضحة إلى الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان، الذي كان في ذلك الوقت يكتسب قوة سياسية جديدة بعد أن عينه والده قبل عام من ذلك وزيرًا للدفاع ونائبًا لولي العهد. وبحلول عام 2017، أصبح محمد بن سلمان وليًا للعهد.
اختفى الدويش بعد اعتقاله في مكة. وبحسب شاهد عيان، سرعان ما تم نقله جوًا إلى الرياض، حيث تم تكبيل يديه بالسلاسل ونقله إلى مكتب محمد بن سلمان نفسه.
ووفقًا لمصادر منظمة منّا لحقوق الإنسان، جعل محمد بن سلمان الدويش يجثو على ركبتيه وشرع في الاعتداء عليه شخصيًا، حيث لكمه في صدره وحنجرته، وقام بتوبيخه بسبب تغريداته. كان الدويش ينزف بشدة من فمه وفقد وعيه.
ثم تم وضع الدويش في منشأة احتجاز غير رسمية تقع في قبو أحد القصور الملكية في الرياض.
وبحسب مصادر منظمة القسط، تم استخدام الطابق السفلي من هذا القصر لسجن وتعذيب كبار المسؤولين السعوديين وأعضاء العائلة المالكة، من قبل حاشية محمد بن سلمان.
ماهر المطرب وسعود القحطاني، وهما عضوان في فرقة الاغتيال الشهيرة "فرقة النمر" المسؤولة عن قتل الصحفي جمال خاشقجي ومعارضين سعوديين آخرين، كانا مسؤولين عن إدارة السجن السري وأشرفا شخصيًا على تعذيب الدويش.
الأفراد الذين احتُجزوا في نفس سجن الدويش، والذين نُقلوا بعد ذلك إلى مراكز احتجاز سعودية أخرى، أبلغوا عائلة الدويش لاحقًا بأنهم كانوا محتجزين معه.
وذكروا أنهم رأوا الدويش آخر مرة في يوليو/تموز 2018. وعلى الرغم من انتشار شائعات حول الدويش، زاعمة على سبيل المثال أنه توفي في أغسطس/آب 2018 بعد تعرضه للتعذيب، لم تؤكد السلطات السعودية ذلك أو تنفيه.
لا يُعرف الكثير عن مصير الدويش منذ اختطافه لأن السلطات السعودية سعت عن عمد إلى محو أي دليل حول احتجازه.
وبعد بضعة أشهر من اختفائه، وجدت عائلة الدويش اسمه في سجل السجناء الذي تحتفظ به المديرية العامة للمباحث— جهاز المخابرات الداخلي الغامض المعروف في المملكة باسم المباحث—حيث تم الإشارة إلى أنه تم القبض عليه في 22 أبريل/نيسان 2016، وكان "رهن التحقيق".
وبعد عدة محاولات للحصول على مزيد من المعلومات من وزارة الداخلية، قام موظف في الوزارة من الرتب الدنيا بإبلاغ عائلة الدويش أنه تم سجنه وأدين بتهم تتعلق بـ "إثارة الرأي العام".
ومع ذلك، نفى مسؤول رفيع المستوى في مكتب التنسيق الأمني بالوزارة ذلك لاحقًا. ثم أخبر ضابط رفيع المستوى في المديرية العامة للمباحث العائلة أن وجود اسم الدويش في سجل السجناء كان نتيجة "خطأ". وبحسب منظمة القسط، أبلغ المسؤول نفسه الأسرة بالبحث عن الدويش "في المشرحة أو المصحات العقلية أو المستشفيات" بدلًا من ذلك.
وفي تطور غريب ومشؤوم آخر، أفادت عائلة الدويش بتلقي مكالمتين هاتفيتين قصيرتين منه في عام 2018، تم إجراؤها من رقم هاتف أمريكي. وبحسب أسرته، زعم الدويش أنه اتصل من تركيا في المكالمة الأولى، ثم من سوريا في المكالمة الثانية، وقال إنه "سافر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام".
لم يكن الأمر منطقيًا بالنسبة لعائلته، لأنه قبل اختطافه، عارض الدويش علنًا تنظيم الدولة الإسلامية ومن ينضمون إليها.
شككت العائلة في صحة هذه المكالمات الهاتفية، واستفسرت أيضًا من أحد أفراد العائلة المالكة، وهو أيضًا مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة الداخلية، والذي أكد للعائلة في نهاية الأمر أن المكالمات تم إجراؤها في الواقع من داخل السعودية.
تعكس حالة الدويش نمطًا متناميًا لعمليات الاختطاف والاختفاء في السعودية. ففي الشهر الماضي، قدمت منّا لحقوق الإنسان ومنظمة القسط لدعم حقوق الإنسان، مناشدة بشأن قضية الدويش إلى الفريق العامل التابع للأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري، طالبت فيها السلطات السعودية بتوضيح مصيره ومكان وجوده.
بعد مرور خمس سنوات على اختطافه، لا يزال سبب اختفاء الدويش غير واضح، بدلًا من مثوله أمام السلطات القضائية مهما كانت جريمته.
وعلى الرغم من أن المحاكم السعودية لعبت دورًا فعالًا منذ فترة طويلة في الجهود المبذولة لسحق أي مظهر من مظاهر المعارضة السياسية في المملكة، إلا أن القمع في عهد محمد بن سلمان يُمارس بشكل متزايد خارج أي إطار قانوني.
وأفادت منظمات المجتمع المدني بوجود اتجاه جديد مقلق منذ وصول ولي العهد إلى السلطة: المزيد من الأفراد، مثل الدويش، محتجزون في مقرات اعتقال سرية يكون فيها التعذيب أمرًا شائعًا.
ولم ينج حتى أفراد العائلة المالكة من هذه الحملات، ففي يناير/كانون الثاني 2018، تم استدعاء أحد أفراد العائلة المالكة وهو الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان آل سعود، المعروف أيضًا باسم سلمان غزالان، إلى القصر الملكي في الرياض في منتصف الليل، حيث تعرض للضرب ثم تم القبض عليه دون توجيه تهم إليه.
وتم القبض على والده، عبد العزيز في اليوم التالي، أيضًا دون توجيه اتهامات رسمية له.
بعد احتجازهما في البداية لمدة عام تقريبًا في سجن الحائر شديد الحراسة جنوب الرياض ومن ثم وضعهما قيد الإقامة الجبرية، اختفى كل من سلمان ووالده في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ولا يزال مصيرهما ومكان وجودهما مجهولًا إلى اليوم.
أحد الأسباب المذكورة لاعتقالهما واختطافهما، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، كان غيرة محمد بن سلمان من ابن عمه سلمان المروّج الدولي البارز للثقافة السعودية الحاصل على درجة الدكتوراة في القانون من جامعة السوربون، والذي طور أيضًا علاقات مؤثرة مع النخب السياسية في أوروبا.
من جانبه، أدان الفريق العامل التابع للأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي هذا النمط الجديد من القمع في السعودية. ففي عام 2020، في أعقاب تقرير سابق قدمته منّا لحقوق الإنسان، أصدر الفريق العامل تقريرًا يسلط الضوء على العديد من العوائق التي تحول دون تنفيذ إعلان الأمم المتحدة لعام 1992 بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في المملكة، وخلص إلى أن عمليات الاختفاء تلك كانت "منتشرة"، و"مدروسة" و "مدمجة في الإطار المؤسسي والسياسي للمملكة العربية السعودية".
كما أدان الفريق العامل استخدام الاحتجاز والاختفاء "لقمع المعتقدات والسلوكيات التي لا تتماشى مع العقيدة السياسية والدينية التي تقرها الدولة".
منذ أن أصبح محمد بن سلمان وليًا للعهد، تعرض العشرات من أفراد العائلة المالكة والأمراء والشخصيات ذات النفوذ الكبير في المملكة، بالإضافة إلى المدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان والناقدين في المجتمع المدني، لحملة مروعة من الاختطاف والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية، وامتد ذلك أيضًا إلى القتل ومحاولات الاغتيال المزعومة.
ويبدو أن المستهدفين هم أي فرد يجرؤ على انتقاد محمد بن سلمان وسلطته المترسخة.
إنّ اعتقال واختفاء داعية محافظ مثل سليمان الدويش لمدة خمس سنوات والذي كان يدعم العائلة المالكة،لمجرد بضع تغريدات، يدل على الكثير حول جنون العظمة الذي يحكم به محمد بن سلمان السعودية. فلا أحد في مأمن من ذلك.