رائد جرار هو مدير المناصرة في منظمة (DAWN).
إنّ إراقة الدماء المروعة في إسرائيل وغزة منذ يوم السبت تكشف حقيقة قاتمة: سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وفلسطين لم تقرّبنا ولو خطوة واحدة للسلام. في الواقع، لقد جعلت الأمور أكثر سوءًا. في هذا المنعطف الحرج، يملك الرئيس جو بايدن الخيار: إما التمسك بنفس السياسات الفاشلة التي انتهجها أسلافه، أو صياغة مسار جديد يمكن أن يساعد أخيرًا في وضع حد لدوامات العنف هذه.
واصلت إدارة بايدن سياسة أمريكية غير متوازنة منحت إسرائيل منذ فترة طويلة ليس فقط الحق في "الدفاع عن النفس"، ولكن ما يرقى فعليًا إلى الحق في القمع. لم تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل خلال عقود من السياسات التوسعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة فحسب، بل كانت الراعي والممول الرئيسي لها، حيث تقدم المليارات من المساعدات العسكرية كل عام. هذا ليس حيادًا، بل تواطؤ.
لقد اتخذت إدارة بايدن بعض الخطوات الجديرة بالثناء، مثل استئناف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين التي قطعتها إدارة ترامب، لكن هذه مجرد حلول مؤقتة. وبدلًا من الاستمرار في هذا الطريق، لدى بايدن فرصة لإعادة وضع الولايات المتحدة كوسيط حقيقي للسلام.
ان سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وفلسطين لم تقرّبنا ولو خطوة واحدة للسلام. في الواقع، لقد جعلت الأمور أكثر سوءًا.
- رائد جرار
ويبدأ هذا بالتوسط في وقف فوري لإطلاق النار. ليس هناك حاجة لمزيد من الخطابات أو مزيد من التأخير. إنّ حياة الناس على المحك، وكل لحظة من التردد تؤدي إلى المزيد من المعاناة غير الضرورية.
الخطوة التالية هي تبادل الأسرى. إنّ مثل هذه البادرة الإنسانية يمكن أن تنقذ حياة ما يقدر بنحو 150 رهينة وأسيرًا تحتجزهم حماس في غزة، وتمنع فقدان المزيد من أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين في هذه الحرب. إنّ فكرة تبادل الأسرى ليست جديدة. لقد تم القيام بها من قبل، بما في ذلك في ظل حكومة نتنياهو السابقة، ويمكن أن تساعد في تهدئة التوترات.
لقد حان الوقت أيضًا لفتح حوار مع كافة الجماعات الفلسطينية المنتخبة، مهما كانت شرعيتها قديمة منذ الانتخابات الفلسطينية الأخيرة قبل 17 عامًا. وهذا يعني إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس، وهي الهيئة الحاكمة في غزة—وهي حقيقة يجب على واشنطن الاعتراف بها، ولو على مضض. إنّ تجاهل فصيل سياسي ما قد يتناسب مع بعض الأهداف قصيرة المدى، لكن تحقيق سلام طويل الأمد يتطلب جلب الجميع إلى طاولة المفاوضات.
كل هذا يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع التزام حازم بإنهاء الدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية التي تفوح منها رائحة الفصل العنصري وتنتهك القانون الدولي. وطالما استمرت أميركا في تمويل الحملات العسكرية الإسرائيلية وتفشل في انتقاد تصرفاتها، فإننا لسنا وسطاء للسلام؛ نحن عوامل تمكين للصراع والمعاناة.
ولكن ماذا لو ظلت الولايات المتحدة عنيدة، ومكتفية ببساطة بدعم إسرائيل مهما كانت الظروف؟ ما هو الخطر الناتج عن ذلك؟ في أفضل الأحوال، فإننا ننظر إلى دائرة لا تنتهي من العنف، ما يبقي المنطقة في حالة من الاضطراب والتطرف من كلا الجانبين. وفي أسوأ الأحوال، فإننا نخاطر بحرب إقليمية، قد تشمل لبنان على الأقل، وربما إيران في نهاية المطاف. وفي كلتا الحالتين فإن أمريكا سوف تفقد مصداقيتها، الأمر الذي سيؤدي إلى تآكل قدرتها على القيادة على مستوى العالم. ودعونا لا ننسى أن واشنطن ستمول هذه الفوضى من خلال المزيد والمزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، ما يؤدي إلى إهدار أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على صراع يمكن تجنبه و لا طائل من ورائه.
إذا لم تكن إدارة بايدن مستعدة لاتخاذ هذه الخطوات، فعليها التنحي جانبًا والسماح للآخرين بأخذ زمام المبادرة، وذلك من خلال إشراك الأمم المتحدة بقوة أكبر. وكذلك التوقف عن استخدام حق النقض الذي تتمتع به أمريكا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية إسرائيل من المساءلة. وإذا لزم الأمر، نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة—الخوذ الزرق—للحفاظ على الاستقرار وحماية المدنيين، كما يتم في جنوب لبنان.
وتلعب المحكمة الجنائية الدولية أيضًا دورًا حاسمًا في محاسبة جميع الأطراف على جرائم الحرب المحتملة وتعزيز بيئة السلام. يُعد استهداف المدنيين جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي والمعاهدة الحاكمة للمحكمة الجنائية الدولية كما أن للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. وكما نشرت المحكمة الجنائية الدولية فرق تحقيق في أوكرانيا للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة منذ الغزو الروسي، فيتعين على المحكمة أن تبدي اهتمامًا مماثلًا بهذا الصراع. إنّ النشر الفوري للمحققين وخبراء الطب الشرعي يمكن أن يكون بمثابة رادع قوي ضد المزيد من أعمال العنف والفظائع، ما يمهد الطريق نحو العدالة للضحايا في كل من إسرائيل وغزة.
وفي خطابه من البيت الأبيض يوم الثلاثاء، أعرب بايدن عن دعمه الكامل لإسرائيل. ولم تكن هناك رسالة تحث إسرائيل على "ضبط النفس" في غزة أو تدعو إلى وقف إطلاق النار. لم تكن مجرد فرصة ضائعة فحسب، بل كانت في الواقع تجديدًا لسياسة الشيكات على بياض التي تنتهجها الإدارة تجاه إسرائيل.
ليس هناك عيب في الاعتراف بأن سياسة ما ليست ناجحة. لكن يكمن العار في الاستمرار في اتباع استراتيجية كارثية عندما تظهر مسارات جديدة، رغم أنها قد تكون محفوفة بالمخاطر السياسية. سوف يندلع هذا العنف مرارًا وتكرارًا طالما استمرت السياسات التي تغذيه. لقد حان الوقت لاتخاذ طريق مختلف، طريق لم تسلكه الإدارات الأمريكية السابقة، ولكنه طريق يؤدي إلى نتيجة تشتد الحاجة إليها: سلام عادل ودائم أخيرًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
إذا كان بايدن يريد حقًا تغيير آفاق المنطقة، فيتعين عليه أن يواجه المشكلة التي تواجهه مباشرة وهي الوضع غير المستدام في إسرائيل وفلسطين.
-رائد جرار
حتى الأيام القليلة الماضية، بدا أن الأولوية الوحيدة لبايدن في المنطقة هي التوسط في اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية—بناءً على اتفاقيات أبراهام المعيبة التي أبرمها ترامب في أشهره الأخيرة في البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والأنظمة العربية الاستبدادية يقوم على تهميش الفلسطينيين وتجاهل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني نفسه، إلا أن إدارة بايدن تحدثت عن ذلك التطبيع باعتباره "يغيّر قواعد اللعبة" ويبشر بشرق أوسط "جديد". وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلن مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، بطريقة أو بأخرى أن "منطقة الشرق الأوسط أصبحت أكثر هدوءًا اليوم مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن".
هذا التركيز الضيق على عقد الصفقات بين إسرائيل والمستبدين العرب، مع تجاهل القضية الفلسطينية والتظاهر بأنها لم تعد ذات أهمية، أدى إلى خلق وهم الاستقرار. ومع ذلك، لا تزال إدارة بايدن تبدو ملتزمة بصفقة إسرائيلية سعودية مشؤومة، مدفوعة بضمانات أمنية أمريكية للرياض، مع تعهدات غامضة فقط للفلسطينيين. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن يوم الأحد عن التطبيع الإسرائيلي السعودي: سيغير هذا بالفعل آفاق المنطقة بأكملها في المستقبل البعيد، موضحًا أن ذلك من أولويات الإدارة حتى في أعقاب هجوم حماس.
إذا كان بايدن يريد حقًا تغيير آفاق المنطقة، فيتعين عليه أن يواجه المشكلة التي تواجهه مباشرة وهي الوضع غير المستدام في إسرائيل وفلسطين. ينبغي لرئيس الولايات المتحدة الذي يتطلع إلى صنع التاريخ في الشرق الأوسط أن يحاول تحقيق السلام الفعلي من خلال إنهاء صراعه المتجذر، بدلًا من خلق وهم السلام الذي يحافظ على الوضع الراهن على حساب الفلسطينيين. وإذا لم يفعل ذلك، فلن يكون الإسرائيليون والفلسطينيون هم الخاسرون وحدهم، بل كل واحد منا خاسر. إنّ الطرق القديمة لم تعد فعالة ولن تؤدي إلا إلى المزيد من إراقة الدماء.