حمد الشامسي هو نائب رئيس الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع والمدير التنفيذي لمركز مناصرة معتقلي الإمارات
English
في أواخر أغسطس/آب، أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، قانونًا احتفت به وسائل الإعلام الحكومية لإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي يفترض أنها مستقلة في أبو ظبي—ما أثار شكوكًا عارمة من مراقبي حقوق الإنسان حول مدى جدية هذه المؤسسة. بدت السلطات الإماراتية وكأنها تعجّل الإعلان عن هذه الهيئة عن عمد، من أجل تخفيف الضغط الدولي على سجلها في مجال حقوق الإنسان قبل بدء معرض إكسبو 2020 دبي، الذي افتُتح في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنه لم يتم الإعلان عن تفاصيل القانون بعد ما يقرب من شهرين من صدوره.
فشلت الخطوة الإماراتية في إقناع أغلبية المشرعين في الاتحاد الأوروبي، بأنها جادة في اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الدولة، على الرغم من ادعاءات وسائل الإعلام الإماراتية بأن الهيئة الجديدة "تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان والحريات وحمايتها". في 15 سبتمبر/أيلول، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا ينتقد بشدة سجل الإمارات لحقوق الإنسان.
وأدان القرار اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان وكرر الدعوة للإفراج الفوري وغير المشروط عن سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين و "المعارضين السلميين" في الإمارات. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للسلطات الإماراتية هو القرار الذي دعا الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى مقاطعة إكسبو 2020 دبي، الذي تم تأجيله العام الماضي بسبب وباء فيروس كورونا، واعتماد "إجراءات هادفة ضد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة" في ظل نظام عقوبات حقوق الإنسان العالمي للاتحاد الأوروبي.
سرعان ما انتقدت أبو ظبي القرار، معلنة أنه سياسي مغلف بنكهة حقوقية. واتهمت وسائل إعلام إماراتية بعض المنظمات الحقوقية التي أيدت القرار بالانحياز إلى الحوثيين في اليمن—الذين تعتبرهم الإمارات إرهابيين. أوضح رد الفعل الرسمي وغير الرسمي المحموم أن البرلمان الأوروبي قد أزعج السلطات الإماراتية وأثارها. ورفض بيان صادر عن وزارة خارجيتها ما وصفته بـ "المزاعم" الواردة في القرار، التي زعمت أنها "غير صحيحة من الناحية الواقعية" و "تتجاهل تمامًا كل الإنجازات الهامة التي حققتها الإمارات في مجال حقوق الإنسان".
بالطبع لا يوجد شيء في القرار غير صحيح من الناحية الواقعية، والإمارات لديها تاريخ طويل في اعتقال المعارضين السياسيين. لكن هناك بعض الحقائق حول توقيت قرار البرلمان الأوروبي، وحول "الإنجازات" المفترضة للإمارات في مجال حقوق الإنسان، والتي تستحق تسليط الضوء عليها، لا سيما في ظل رد الفعل العنيف من الحكومة الإماراتية.
الحقيقة رقم 1: لم يصدر قرار البرلمان الأوروبي من فراغ. لقد كان قيد المناقشة لعدة أشهر حيث فشلت الإمارات في الاستجابة لدعوات متكررة من المسؤولين الأوروبيين، وكذلك خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة ومنظمات المناصرة، للإفراج عن سجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان. يشير القرار في ديباجته إلى ما يقرب من 20 نقطة تم أخذها في الاعتبار، بما في ذلك القرارات السابقة للبرلمان الأوروبي وبيانات مسؤولي الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حول انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان.
هذا القرار هو ليس الأول الذي يدعو السلطات الإماراتية إلى الإفراج عن أحمد منصور، وهو ناشط إماراتي بارز في مجال حقوق الإنسان تم اعتقاله في عام 2017، وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان. يشير القرار على وجه الخصوص إلى التصريحات السابقة لخبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة الذين طالبوا بالإفراج الفوري عن منصور وإدانة الظروف القاسية لاحتجازه.
الحقيقة رقم 2: سبق قرار البرلمان الأوروبي 10 جولات من الحوار حول حقوق الإنسان بين الاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة. عقدت مجموعة العمل الإماراتية والاتحاد الأوروبي المعنية بحقوق الإنسان جلسات نصف سنوية منذ تشكيلها في عام 2013. عُقد آخر لقاء تقريبًا في يونيو/حزيران الماضي. ومع ذلك، فإن تلك الاجتماعات، التي تهدف إلى مناقشة سبل المعالجات المحتملة لانتهاكات حقوق الإنسان، لم تسفر عن أي إصلاحات أو إجراءات مهمة من قبل دولة الإمارات، باستثناء إنشاء الهيئة الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان، التي لا يزال أعضاؤها ووظائفها الفعلية غير معروفة منذ أن تم كشف النقاب عنها.
الحقيقة رقم 3: استشهدت العديد من وسائل الإعلام في الإمارات بـ "دراسة" نشرتها مؤسسة تريندز للأبحاث والاستشارات، وهي مؤسسة أبحاث في أبو ظبي تابعة للحكومة الإماراتية، دافعت عن سجل الإمارات في مجال حقوق الإنسان ورددت خطاب الحكومة حول المزاعم التي "لا أساس لها من الصحة" في قرار البرلمان الأوروبي. وزعمت أن القرار "اختصر حقوق الإنسان في الإمارات في حالة واحدة، وهي حالة أحمد منصور.
معظم ما يسمى بالدراسة التي أجرتها "تريندز" كان بمثابة قراءة للبيان الصحفي الصادر من الحكومة الإماراتية، مع إضافة بعض الأمور مثل هذه حول القرار: "استندت أحكامه وبنوده إلى مجموعة من المعلومات الكاذبة التي نشرتها بعض المنظمات الحقوقية المشبوهة التي تحصل على معلومات من مصادر غير جديرة بالثقة لإعداد تقاريرها بدلًا من المعلومات الصادرة عن الجهات الرسمية."
إذا كان هناك أي ادعاء لا أساس له، فهو هذا، حيث تناول القرار تفاصيل مهمة حول الوضع السيئ لحقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك القمع المنهجي للمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين. يتضمن ذلك استخدام مجموعة NSO لبرامج تجسس لتعقبهم خارج دولة الإمارات، في إطار "التعريف الغامض والفضفاض للغاية للإرهاب في القانون الإماراتي" ضد النشطاء السياسيين السلميين والشرعيين، فضلًا عن انتهاكات حقوق المرأة و "ممارسات الإمارات اللاإنسانية بحق العمالة الوافدة" من خلال نظام الكفالة التعسفي.
أشار قرار البرلمان الأوروبي على وجه التحديد إلى تصريحات خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مثل ماري لولور، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، التي قالت أن الظروف التي يواجهها منصور وناشطان بارزان آخران، محمد الركن وناصر بن غيث، في الاحتجاز، بما في ذلك الحبس الانفرادي المطول "ننتهك معايير حقوق الإنسان وقد يشكل تعذيباً".
علاوة على ذلك، فإن القرار لا يتجاهل تصريحات السلطات الإماراتية. بل إنه يستشهد ببيان صدر عام 2017 عن وزارة الخارجية الإماراتية حول أسباب اعتقال منصور، "بتهمة نشر معلومات كاذبة ومضللة عبر الإنترنت، من خلال أجندات تهدف إلى نشر الكراهية والطائفية". وكما يشير القرار، أكد ذلك البيان أن منصور قد اعتقل في الواقع فقط بسبب الآراء التي قام بمشاركتها على الإنترنت.
الحقيقة رقم 4: تجاهلت الإمارات أو رفضت باستمرار طلبات الزيارة من مسؤولي الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة المعنيين بانتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك من منظمات المناصرة، ما سيسمح لهم بالتحقق من المعلومات حول المعتقلين السياسيين ومراقبة معاملتهم في السجن. لا يمكن للسلطات الإماراتية أن تدعي أن قرار البرلمان الأوروبي "غير صحيح من الناحية الواقعية" بينما تمنع في الوقت نفسه مراقبي حقوق الإنسان من الوصول إلى دولة الإمارات وترفض الرد على استفسارات خبراء الأمم المتحدة.
ربما كان توقيت قرار البرلمان الأوروبي هو الأكثر أهمية، قبل أيام فقط من افتتاح معرض إكسبو 2020. استثمرت الإمارات الكثير في المعرض التجاري الضخم الذي تم تأجيله، والذي تعتمد عليه الإمارات لتنشيط اقتصادها بعد أن دخلت في ركود عميق العام الماضي بسبب جائحة كورونا. بالإضافة إلى ذلك، فإن إكسبو 2020 هو أكثر رمزية لأنه يتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، مع احتفالات "اليوبيل الذهبي" في ديسمبر/كانون الأول. تعتبر الإمارات العربية المتحدة معرض إكسبو 2020 والتقارير الصحفية الإيجابية التي تأمل أن تصدر عن نشاطات المعرض وسيلة لتبييض انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتقديم نفسها للعالم كدولة متسامحة.
لذا، جاء قرار البرلمان الأوروبي، بدعواته للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمقاطعة معرض إكسبو في دبي ودعوات الشركات الراعية لسحب دعمها، في وقت غير مريح بشكل خاص للإمارات، ما أدى إلى رفع تكاليف اقتصادية وخيمة على سمعة دولة الإمارات. لا عجب أن السلطات الإماراتية كانت مستاءة للغاية من القرار.