أحمد الغباري صحفي يمني مستقل قدّم تقارير عن حرب اليمن لوسائل الإعلام الدولية منذ اندلاع الحرب في عام 2015. وقد ظهرت أعماله في الغارديان والجزيرة الإنجليزية ووسائل إعلامية أخرى. قام الغباري، بصفته مخرج مشارك للتصوير الفوتوغرافي، بتصوير الفيلم الوثائقي "سماء الإرهاب في اليمن" في عام 2018، والذي تم ترشيحه لجوائز إيمي وشيفيلد، وفاز بجائزة الصحافة الإلكترونية. أطلق الغباري أيضًا حملة تبرع عامة عبر حسابه على تويتر لتقديم الدعم للأطفال ضحايا الحرب.
English
كان قد مرّ شهر على بدء الغارات الجوية على اليمن، عندما كنت في الليل مع أحد أصدقاء طفولتي، بلال الشبيبي، البالغ من العمر 22 عاما. وكنا نتحدث عن الحرب التي تقودها السعودية والغارات الجوية التي تقوم بها، ونتساءل عما إذا كانت القنابل الذكية التي توفرها الولايات المتحدة قد تخطئ أهدافها في مرحلة ما، وتجد الطريق إلى بيوتنا في العاصمة اليمنية صنعاء.
وذلك نظرا لأنها أخطأت أهدافها سابقاً، وأصابت مدرسة وحافلة وسوقًا، وتركت مشاهد الموت والدمار. ضحكنا أنا وبلال ثم نمنا. لم تتوقف الانفجارات وكان يتردد صداها طوال الليل. كانت تلك آخر مرة رأيت فيها بلال.
في الصباح الباكر من اليوم التالي، في 20 أبريل/نيسان 2015، سقطت قذيفة ضخمة ألقتها طائرة مقاتلة سعودية على قمة تل في الجزء الغربي من العاصمة. أسفر الانفجار الثانوي عن مقتل عشرات المدنيين، بمن فيهم بلال.
وفيما صادف 26 مارس/آذار من هذا العام الذكرى السادسة للحرب التي شنها السعوديون إلى جانب دعم من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، لهزيمة جماعة الحوثي التي أطاحت بالحكومة المتحالفة مع السعودية، فإن الحرب فشلت في كبح جماح قوة الحوثيين.
وعلى العكس من ذلك، ازدادت قوة الحوثيين مع سنوات الحرب. وفي الوقت الذي فشل فيه السعوديون في إخضاع الحوثيين، أدت حملة القصف والحصار الجوي والبحري التي قاموا بها إلى تدمير الاقتصاد اليمني الهش وقتل الآلاف من المدنيين اليمنيين، وخلق ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر كارثة إنسانية في العالم.
وفي حين أن السعوديين يبحثون الآن عن مخرج من مستنقع الحرب، وبدفع من الإدارة الأمريكية الجديدة، فإن دبلوماسية الرياض لم تنجح حتى الآن، بينما تفاقمت الكارثة الإنسانية في اليمن.
ويواصل السعوديون معاقبة المدنيين اليمنيين باستخدام الحصار الجوي والبحري كورقة ضغط للحصول على تنازلات من الحوثيين، الذين ليس لديهم نية للاستسلام ولديهم أفكار مختلفة تمامًا حول كيفية إنهاء الحرب.
أما أنا فلدي أيضًا أفكاري الخاصة حول كيفية إنهاء الحرب. أعتقد أنه من أجل تحقيق سلام دائم وليس وقف إطلاق نار مؤقت، يجب على السعوديين دفع ثمن جرائم الحرب التي ارتكبوها.
وبينما لا يمكنهم إعادة الحياة لمن ماتوا في هذه الحرب، فإنه يمكنهم دفع تعويضات لليمن وضحايا الحرب. وكخطوة أولى، يجب على السعوديين التحقيق في سلوكهم في الحرب والسعي لفهم حجم الدمار والموت الذي تسببوا فيه في اليمن.
وبعد أن يتم مناقشة ذلك داخليًا، يجب على السعوديين أن يعتذروا للشعب اليمني علنًا. وفي حين أن مثل هذا الاعتذار سيكون رمزيًا إلى حد كبير، إلا أنه سيضع أساسًا مهمًا للمصالحة بين البلدين.
إن اعتراف المرء بخطئه لعدوه هو الطريقة التي يحل بها اليمنيون نزاعاتهم القبلية، بما في ذلك الصراعات العنيفة التي تخلّف وفيات جماعية.
نعم، لقد قتل السعوديون مئات الآلاف من اليمنيين نتيجة العمليات العسكرية وآثارها، لكن لم يفت الأوان لصنع السلام.
ولا يحتاج المرء إلى النظر إلى أبعد من عملية التحكيم القبلي اليمني، التي توفر نموذجًا لحل النزاعات المعقدة والعنيفة بنجاح. فقد مكّن العرف القبلي المتمثل في الاعتراف بالخطأ، والمترسخ بعمق في المجتمع اليمني، أعتى الأعداء من تحقيق السلام.
بادرة الاعتراف بالخطأ تُلزم الطرف الذي وقع عليه الظلم بقبول الاعتذار وطلب حل عادل. غالبًا ما يتخذ القرار شكل التعويض والضمانات بعدم تكرار مثل هذه المخالفات.
بالنسبة للسعوديين، ستشمل هذه العملية اعتذارًا علنيًا وإنهاء جميع العمليات والأفعال العسكرية، بما في ذلك عمليات القصف والحصار. في المقابل، سينهي الحوثيون الهجمات الصاروخية والطائرات المُسيّرة على المملكة العربية السعودية التي يتم شنها كردّ انتقامي.
وفي حال اتخذ السعوديون الخطوات المذكورة أعلاه، فسيكون الحوثيون تحت ضغط هائل للرد بالمثل من خلال إنهاء عملياتهم العسكرية.
أما إذا اختار الحوثيون، على الرغم من اعتذار السعودية ووقف إطلاق النار، إطالة أمد الصراع، فإنهم سيفقدون قدرًا كبيرًا من الدعم الشعبي في جميع أنحاء اليمن. ويبدو أن الحوثيين يفهمون هذا وقد أظهروا بالفعل وأعربوا عن استعدادهم للنظر في مبادرات السلام السعودية.
وبعد أن يكون هناك اعتذار وهدنة، يجب على السعوديين اتخاذ الخطوة الأكثر أهمية في تحقيق حل دائم لحرب اليمن، ألا وهي تعويض ضحايا الحرب.
السعوديون بالطبع لديهم الموارد للقيام بذلك، وعليهم أن يفعلوا ذلك على الفور. وقد شعر اليمنيون العُزّل إلى حد كبير، بشعور كبير من الإذلال بسبب قتل السعوديون للمقاتلين والمدنيين بشكل عشوائي.
ونتج عن الخسائر الكبيرة في الأرواح احتجاجًا شعبيًا بين الجمهور ودعوات للانتقام من السعوديين. لقد وُلِد جيل يمني جديد لا يعرف عدوًا سوى السعودية.
وفيما أظهر الجمهور اليمني، في الخطابات العامة والنقاشات الخاصة، تعطشًا للانتقام والمقاومة ضد السعوديين، فإنه لا يمكن التخفيف من حدّة ذلك إلا من خلال عمل مباشر وشفاف من قبل السعوديين لتقديم التعويضات.
يجب أن تذهب التعويضات السعودية إلى الضحايا الأفراد ونحو أغراض عامة أكثر من أجل تعزيز الاقتصاد اليمني وإعادة بناء الخدمات العامة. وبغياب التعويضات، فإن اليمنيين سيظلون يشعرون بإحساس عميق بالظلم من قبل السعوديين ما سيمنع السلام الحقيقي بين البلدين.
حان الوقت ليحاول السعوديون إصلاح الأضرار التي أحدثوها على مدار ست سنوات من الحرب بأفضل طريقة ممكنة. يجب أن يفعلوا ذلك الآن قبل فوات الأوان. ويمكن للرياض أن تختار مرة أخرى أن يكون لها جار مسالم أو عدو متربص على حدودها الجنوبية. إن المصلحة الذاتية السعودية تتطلب من المملكة سلوك طريق السلام.
وهناك بوادر تبعث على الأمل. فالأمريكيون والسعوديون تحدثوا بإيجابية عن خطة السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة. لكن من أجل تحقيق خطة سلام سليمة ومقبولة للجميع، يجب على السعوديين الاعتذار وتعويض ضحايا الحرب. عندها فقط سيضع اليمنيون الحرب وراء ظهورهم ويتخذون خطوات نحو السلام.