علي مشيمع ناشط بحريني وسجين سياسي سابق مقيم في لندن. في عام 2012، أسقطت حكومة البحرين جنسيته وحكمت عليه غيابيًا بالسجن لمدة 45 عامًا.
"الأخبار التي تأتي عن أحوال القادة والأسرى الأحباء تؤلم قلبي، وأتألم من أجلهم، ولولا ظروفي الصحية ما ترددتُ لحظة واحدة في الانضمام إليهم. أسأل الله تعالى أن يثبتهم، ويثبت قلوبهم، ويحفظهم من كل سوء، ويخفف عنهم".
هذا ما قاله لي والدي المسجون، حسن مشيمع، البالغ من العمر 75 عامًا، عبر الهاتف قبل أن يقطع حراس سجن جو البحريني مكالمته في 19 أغسطس/آب.
يقوم حاليًا أكثر من 800 سجين في سجن جو بتنظيم أكبر إضراب عن الطعام في تاريخ البحرين. يضم السجن المركزي سيئ السمعة في البحرين أكثر من 2,600 سجين مدان، نصفهم تقريبًا من السجناء السياسيين، بما في ذلك والدي وغيره من نشطاء المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين تم سجنهم منذ عام 2011 في أعقاب حملة القمع العنيفة على حركة الاحتجاج الجماهيرية المطالبة بالإصلاح الديمقراطي.
ويقترب الآن الإضراب عن الطعام، الذي بدأ في 7 أغسطس/آب بمشاركة حوالي 400 سجين سياسي، من أسبوعه الرابع، وأشعل احتجاجات نادرة في الشوارع، على الرغم من كون البحرين دولة بوليسية. يطالب السجناء في سجن جو بإنهاء الحبس الانفرادي للعديد من الذين ظلوا في عزلة منذ أكثر من عام، حيث يخرجون حوالي ساعة يوميًا من زنزاناتهم (يظل السجناء حاليًا 23 ساعة في زنازينهم)، ويطالبون بالحصول على الرعاية الطبية اللازمة، حيث يعاني السجناء مما يسمونه "الموت البطيء" الناجم عن حرمانهم بشكل روتيني من العلاج الطبي، والسماح بالزيارات العائلية لكي يتمكن السجناء من مقابلة أحبائهم دون أن يفصلهم حاجز زجاجي، والقدرة على الصلاة معًا في غرف الصلاة في السجن.
يواصل النظام البحريني تجاهل مناشدات السجناء وعائلاتهم لأنه لم تتم محاسبته أبدًا على انتهاكاته.
- علي مشيمع
هذا المطلب الأخير هو تذكير قاتم بقسوة وعدم تسامح نظام آل خليفة الحاكم، الذي هدم العديد من المساجد الشيعية انتقامًا من الانتفاضة الشعبية في عام 2011، والتي سعت إلى إنهاء التمييز المنهجي الذي تمارسه الحكومة ضد الأغلبية الشيعية في البحرين. وكان لبعض تلك المساجد أهمية تاريخية سبقت حكم آل خليفة في البحرين، مثل مسجد الأمير محمد البربغي الذي يعود تاريخه إلى 400 عام. وهذا هو نفس النظام الذي يدّعي اليوم أنه يدافع عن التسامح والتعايش من خلال الدعاية لذلك مثل ما يقوم به مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي.
يكشف إضراب السجناء الجماعي عن الطعام عن العديد من الحقائق الصارخة حول البحرين، بدءًا من المدى الذي يرغب النظام في الذهاب إليه لإذلال وإهانة خصومه السياسيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم. يرمز الإضراب إلى الأزمة السياسية المستمرة والمتجذرة بين شعب البحرين ونظام آل خليفة الاستبدادي، بعد مرور أكثر من 12 عامًا على الانتفاضة الشعبية. أولئك الذين يطالبون بالعدالة والديمقراطية لا زالوا يقبعون بالسجن ويخضعون للتعذيب، وملاذهم الوحيد هو الإضراب عن الطعام.
كما أن إضرابهم عن الطعام يكشف مدى نفاق الغرب وتجاهله لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. فالمملكة المتحدة، التي التزمت الصمت إزاء الإضراب عن الطعام، تقوم بتدريب وتمويل الأجهزة الأمنية البحرينية والمؤسسات والمسؤولين المتورطين في الانتهاكات، وتغض الطرف عن تلك الانتهاكات. حتى أن الحكومة البريطانية قامت مؤخرًا بإزالة البحرين من قائمتها للدول ذات الأولوية في مجال حقوق الإنسان بعد تعهد البحرين باستثمار 1.3 مليار جنيه إسترليني في اقتصاد المملكة المتحدة.
وموقف الولايات المتحدة مماثل في النفاق. ولم تصدر وزارة الخارجية الأمريكية سوى بيان وديع قالت فيه إنها "على علم وتشعر بالقلق" بشأن إضراب السجناء عن الطعام. لكن في الشهر الماضي فقط، عندما زعمت وزارة الخارجية أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أثار مخاوف بشأن السجناء في اجتماع مع وزير خارجية البحرين، أمطره بلينكن أيضًا بالثناء العلني. وتستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، وهي واحدة من "حلفاء أمريكا الرئيسيين من خارج الناتو".
هناك زخم لهذا الإضراب عن الطعام، ولم يعد محصورًا خلف جدران السجن. كما انقشع الخوف من الشوارع، حيث تقود عائلات السجناء السياسيين احتجاجات متجددة.
- علي مشيمع
وحتى لو لبّت السلطات مطالب السجناء، فإن المضربين عن الطعام سيبقون خلف القضبان كسجناء سياسيين في مملكة الخوف والقمع. تعود تجربتي الخاصة مع السلطات البحرينية إلى عام 1998، عندما تم اعتقالي ثم تعذيبي خلال الاحتجاجات الجماهيرية السلمية التي تطالب بالتغيير الدستوري والتي امتدت لفترة طويلة من تسعينيات القرن الماضي. كان عمري حينها 15 عامًا فقط. شاركتُ في إضرابي الأول عن الطعام أثناء الاحتجاز عام 1998، وفي إضرابي الثاني عن الطعام في العام التالي في سجن الحوض الجاف في الحد. احتُجز مئات السجناء السياسيين آنذاك لشهور، إن لم يكن لسنوات، دون تهمة أو محاكمة.
والإضراب عن الطعام هو الإجراء الأخير الذي يتخذه السجناء عندما يبدو أن تغيير وضعهم مستحيل. لا أحد يأخذ الإضراب عن الطعام باستخفاف. اليوم الأول هو الشعور بالجوع، وانخفاض الطاقة. وبعد أيام قليلة، تصبح لعبة ذهنية، والخوف من أن المعاناة لن تنتهي إلا بالموت.
في عام 2018، حُرم والدي من الرعاية الطبية، بما في ذلك الأدوية الحيوية، ما لم يخضع للأغلال. فضّل والدي الموت على الإهانة لكرامته. كان النظام يقتل والدي ببطء، وكان علي أن أفعل شيئًا. لجأتُ إلى الإضراب عن الطعام أمام السفارة البحرينية في لندن، مطالبًا بتمكين والدي من مقابلة أطبائه، وكذلك السماح بالزيارات العائلية والكتب. استمر إضرابي عن الطعام لمدة 46 يومًا. نمت على الرصيف خارج السفارة احتجاجًا لمدة 63 يومًا بالمجمل.
وبسبب الاهتمام الذي ولّده إضرابي عن الطعام، في لندن وعلى المستوى الدولي، اضطرت السلطات البحرينية في النهاية إلى منح والدي إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية دون أن يكون مقيدًا، والسماح له بالزيارات العائلية دون حاجز زجاجي. ومع ذلك، على الرغم من أنني حققتُ شيئًا ما في ذلك الوقت، إلا أن معاناته في السجن، مثل العديد من السجناء السياسيين الآخرين، لم تنتهِ. ولن تنتهي أبدًا حتى يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين في البحرين. فبعد خمس سنوات من إضرابي عن الطعام، على السجناء في سجن جو المخاطرة بحياتهم في إضرابهم عن الطعام بسبب بعض المطالب نفسها.
يواصل النظام البحريني تجاهل مناشدات السجناء وعائلاتهم لأنه لم تتم محاسبته أبدًا على انتهاكاته. وعلى الرغم من التركيز الإعلامي على إضراب السجناء عن الطعام، فإن الملك حمد واثق من أن داعميه الغربيين لن يُصدروا سوى أقل انتقادات علنية، هذا إن قالوا أي شيء على الإطلاق.
لكن هناك زخم لهذا الإضراب عن الطعام، ولم يعد محصورًا خلف جدران السجن. كما انقشع الخوف من الشوارع، حيث تقود عائلات السجناء السياسيين احتجاجات متجددة. ويجب على السلطات في البحرين ألا تستهين بالعواقب إذا رفضت مطالب المضربين عن الطعام.