داريو صباغي صحفي مستقل ظهرت مقالاته في "الإندبندنت" و "ميدل إيست آي" و "دويتشه فيله" ومنصات أخرى.
English
كان علي يتجول في منطقة محافظة في بيروت، عندما أوقفه ثلاثة رجال وهددوه لكي يخلع أقراطه. كان عمره 13 سنة. يتذكر ذلك اليوم ويقول: "اضطررت إلى خلع أقراطي. لم يكن لدي أدنى فكرة عن هويتهم أو ما الذي يمكنهم فعله، لذلك قمت بخلعها من أجل سلامتي."
بعد عشر سنوات، علي (الذي طلب الكشف عن اسمه الأول فقط لحماية هويته) هو الآن ناشط في مجتمع الميم وعضو في منصة "مثليو بيروت" على الإنترنت. ويقول أن حدوث مثل هذه الأمور تراجع منذ ذلك الحين في لبنان، لكنها ما زالت ممكنة الحدوث. ووصف حالة حديثة لشخصين من نفس الجنس كانا في سيارة تحت جسر يتحدثان ويتشاركان لحظة حميمة. أوقفهم بعض الرجال وضربوهم وطلبوا بطاقات الهوية الخاصة بهما.
يُعتبر لبنان على نطاق واسع أحد أكثر البلدان أمانًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأفراد مجتمع الميم. ومع ذلك، تؤكد العديد من الأحداث الأخيرة، بما في ذلك خلال "شهر الفخر الدولي" في يونيو/حزيران، كيف أن المجتمع لا يزال يكافح للتعبير عن نفسه بحرية ومن أجل حماية حقوق مجتمع الميم، على الرغم من الانفتاح النسبي في لبنان مقارنة بالعالم العربي. في أواخر يونيو/حزيران، أرسل وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي رسالة غامضة إلى المديريات العامة لقوات الأمن اللبنانية يطلب منها منع التجمعات والاحتفالات التي "تروج للمثلية الجنسية." وصرح المولوي بأنه "لا يمكن التذرع بحرية التعبير في هذه الحالة، لأنها انتهاك لعادات وتقاليد مجتمعنا، ومخالفة لمبادئ الأديان السماوية."
خططت المنظمة غير الحكومية "حلم"، التي تروج لحقوق مجتمع الميم في لبنان، لمظاهرة ردًا على ذلك أمام مقر وزارة الداخلية في بيروت، لكن اضطرت إلى تأجيلها بسبب تهديدات بالقتل ودعوات إلى مظاهرات مضادة. قال المدير التنفيذي لمنظمة حلم، طارق زيدان: "إنّ قرار وزارة الداخلية غير القانوني بحظر الفعاليات التي تروج لحقوق مجتمع الميم يشير بشكل مقلق إلى تدهور حقوق الإنسان والحريات في لبنان." وأضاف: "الحظر يعطي رسالة إلى مجتمع الميم مفادها أن الحكومة مستعدة للتخلي عن حقوقهم الأساسية إذا أراد الآخرون ذلك." عندما انطلقت الاحتجاجات في أواخر يوليو/تموز، تظاهر المئات ضد "جرائم النظام الأبوي"، لكن ليس أمام وزارة الداخلية.
الهجمات على مجتمع الميم في لبنان لم تتوقف هنا. فقد قال المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، أكبر شخصية دينية سنية في لبنان، في بيان له أن دار الفتوى، وهي أعلى سلطة سنية في لبنان، "لن تسمح بإضفاء الشرعية على المثلية الجنسية أو الزواج المثلي المدني." وقامت مجموعة مسيحية تطلق على نفسها اسم "جند الله" بتخريب لوحة إعلانية بعد ساعات من نصبها في 25 يونيو/حزيران من قبل المنظمين لمسيرة "شهر الفخر في بيروت" في حي الأشرفية، حيث تم تشكيل علم قوس قزح من الزهور تحت وسم (#lovealwaysbooms). وفي منشور على صفحة فيسبوك بعنوان "رجال التبانة"، أحد أحياء طرابلس، تم التحريض على العنف في الأماكن الصديقة لمجتمع الميم في المدينة وضد الأفراد الذين تحدثوا ضد المفتي وبيانه الذي يدين المثلية الجنسية. وأعلنت شركة "ماستر شيبس"، وهي شركة محلية لبنانية للوجبات الخفيفة، أنها لن تستخدم ألوان قوس قزح بعد الآن في عبواتها، لذلك لن ترتبط بأي شيء له علاقة بمجتمع الميم.
كان النقد اللاذع ضد شهر الفخر قويًا لدرجة أن الجمعية اللبنانية للطب النفسي أصدرت بيانًا أوضحت فيه أن المثلية الجنسية لا يمكن اعتبارها مرضًا يتطلب العلاج.
قال علي: "لقد توقعنا هذه الاحتجاجات." عادة ما يكون هناك رد فعل عنيف من الحكومة ضدنا. إنه أمر مضحك لأن العديد من الأطراف تصطدم مع بعضها البعض من أجل أي شيء، ولكن تصبح حلفاء عندما يواجهون مبادرات مجتمع الميم.
لكن بالنسبة لبيرثو ماكسو، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك لمنظمة "فخر لبنان" غير الحكومية، فقد كان رد الفعل العنيف أيضًا يتعلق بالظهور العام. قال: "المجتمع اللبناني منافق لأنه سيتقبل فعاليات مجتمع الميم فقط إذا كانت غير علنية." في مايو/أيار 2017، هددت هيئة علماء المسلمين منظمة فخر لبنان ومنظمات أخرى لاستضافتها فعاليات خلال أسبوع الفخر الأول في لبنان. ولكن منذ ذلك الحين، تجنبت منظمة فخر لبنان المواجهات مع المحافظين ونجحت في تنظيم أربع فعاليات مختلفة لمناصرة مجتمع الميم في لبنان هذا العام، بما في ذلك خلال شهر الفخر.
قال ماكسو: "كنا محظوظين لأننا نظمنا هذه الفعاليات." وأضاف ماكسو أنه على الرغم من أن الأشخاص من مجتمع الميم لديهم الحق في التعبير عن نفسهم، إلا أنه يعتقد أن المنظمين الذين نصبوا لوحة الإعلانات التي تعرضت للتخريب لم يكونوا يبحثون عن مصلحة مجتمع الميم في لبنان. قال ماكسو: "لقد تم الإعلان عن هذه الفعاليات أكثر من اللازم." وأضاف: "لماذا نضع لوحة إعلانية بدون تنظيم فعاليات أو أنشطة؟ هذا ليس من ضمن أنشطة شهر الفخر. هذا مجرد تسويق. هؤلاء الناس يبحثون عن الاهتمام. عليهم التفكير في المخاطر التي تأتي من الفعاليات العامة. حاولنا اختيار الكلمات دون إهمال حقوق مجتمع الميم."
بالإضافة إلى مواجهة المقاومة من شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني، فإن أفراد مجتمع الميم هم أيضًا أهداف للتمييز القانوني. تحظر المادة 534 من قانون العقوبات الخاص بالعهد الاستعماري والمنشأ في ظل الانتداب الفرنسي بشكل غامض "أي اتصال جنسي مخالف للطبيعة" وله عقوبة تصل إلى السجن لمدة عام واحد. المادة 521 من قانون العقوبات تعتبر قيام رجل "بتشبّه بالنساء" جريمة جنائية مع عقوبة تصل إلى ست سنوات سجن.
أعلنت عدة أحكام قضائية في لبنان منذ عام 2007 أنه لا يمكن استخدام المادة 534 لإدانة أفراد مجتمع الميم، "حيث لا يستطيع القانون تحديد ما إذا كانت العلاقات الجنسية غير المعتادة بأنها غير طبيعية،" كما أشارت منظمة حلم. ومع ذلك، ذكرت المنظمة أيضًا أن عدد الاعتقالات بموجب المادة 534 قفز من 43 في عام 2012 إلى 76 في عام 2016.
في كل جانب من جوانب المجتمع اللبناني، يبدو أن هناك ردود فعل عنيفة ضد أفراد مجتمع الميم وانتهاكات لحقوقهم. منذ عام 2017، حاولت قوات الأمن اللبنانية بانتظام إغلاق مؤتمرات مجتمع الميم وغيرها من الفعاليات، على الرغم من أنها تندرج تحت الحقوق المحمية في المادة 13 من الدستور اللبناني، والتي تضمن حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، من بين أمور أخرى. في عام 2021، وثقت منظمة حلم أكثر من 4,000 حالة إساءة معاملة لأفراد مجتمع الميم، تتراوح من التحرش الجنسي والعنف المنزلي إلى الاغتصاب والاتجار بالجنس.
قال علي أن احتمال التعرض للتنمر بسبب الميول الجنسية أو الهوية الجنسية يتغير بناءً على مكانك في بلد معروف بانقسامه إلى حد كبير وفقًا لاعتبارات طائفية والتأثير الديني الكبير. وليس من المستغرب أن المناطق الأكثر تحفظًا هي أقل تسامحًا. وقال: "في بعض الأحيان يمكن أن يتغير الوضع من شارع إلى شارع. عليك أن تفكر في مكانك عندما تخرج. سعى العديد من أفراد مجتمع الميم من العالم العربي إلى اللجوء إلى لبنان لأنه أكثر حرية للتعبير عن الذات بشكل عام. لكن، على سبيل المثال، إذا كنت تعيش في ضواحي بيروت، حيث يكون الناس أكثر تحفظًا، فلن يكون لديك الكثير من الحرية."
بالإضافة إلى هذا التعصب المجتمعي، أدت الأزمة الاقتصادية المرعبة التي اجتاحت لبنان منذ أواخر عام 2019، وتلاها جائحة كورونا، إلى تفاقم الظروف المعيشية لأفراد مجتمع الميم بشكل كبير. أثرت الصدمات المزدوجة للأزمة الاقتصادية والجائحة بشدة على الأسر المكونة من شخص واحد، والتي تشمل العديد من الأفراد البالغين من أفراد مجتمع الميم الذين غالبًا ما كان لديهم مشاكل أدت إلى الخروج من منازل عائلاتهم وإيجاد مساكنهم الخاصة. إنّ انخفاض قيمة العملة المحلية واعتماد الاقتصاد على الدولار—من خلال بيع المزيد والمزيد من السلع والخدمات بالدولار أو بسعر الصرف اليومي الحاد—جعل العدد القليل من المقاهي والحانات الصديقة لمجتمع الميم باهظة الثمن.
ومما أدى إلى تفاقم هذه المشاكل الاقتصادية، أن العقبات التي تحول دون العثور على شقة للإيجار أو الحصول على وظيفة جعلت حياة أفراد مجتمع الميم في لبنان أكثر صعوبة. أُجبر الكثيرون على العودة إلى أسر محافظة وفي بيئات غير متسامحة لا تقبلهم، ما يعرضهم لخطر العنف المنزلي وتهديد صحتهم العقلية.
على حد تعبير ماكسو، للبنان وجوه كثيرة، وسلامة المرء "تعتمد على ما إذا كنت تعرف كيف تتصرف وإلى أين تذهب. أنت لست محميًا إذا كنت شخصًا متحولًا جنسيًا أو لاجئًا. لبنان مجتمع أبوي للغاية. وهذا أمر غير مناسب، لأن القانون يجب أن يحميك من التمييز. لكن الانتهاكات ستستمر حتى يتم إزالة الإشكاليات في قانون العقوبات."
في عام 2018، أنشأت منظمة فخر لبنان فريق عمل بمساعدة منظمات غير حكومية أخرى—بما في ذلك المركز اللبناني لحقوق الإنسان ومركز "ريستارت"، الذي يساعد ضحايا العنف والتعذيب—على محاولة إلغاء المادة 534 من قانون العقوبات من خلال حث الأحزاب السياسية لاتخاذ إجراءات في البرلمان. وبحسب ماكسو، فقد تحدث فريق العمل مع أعضاء في البرلمان ينتمون إلى 13 حزبًا سياسيًا مختلفًا، بما في ذلك حزبين مسيحيين—القوات اللبنانية والكتائب—والعديد من الأحزاب الإسلامية، فضلًا عن نواب مستقلين.
قال ماكسو: "لقد وافقوا على العمل معنا لإلغاء المادة 534 من قانون العقوبات." لقد وجدنا أرضية مشتركة مع هذه الأحزاب. نحن لا نطالب بزواج المثليين أو التبني أو نقابات مدنية. إننا نطالب السلطات بوقف الاعتقالات وترهيب الناس فقط لأنهم يحبون شخصًا من نفس الجنس."
وكان ماكسو مترددًا في ذكر أسماء أعضاء البرلمان لأنه يخشى أنه إذا تم الكشف عن أسمائهم قبل صدور مشروع قانون بإلغاء المادة 534، فقد يتعرضون للضغط أو الترهيب للتخلي عن دعمهم لهذا المشروع. وأوضح أن مشروع القانون سيتضمن إلغاء المادة 534 وشطب سجلات الأفراد المسجونين بحسب هذه المادة أو الذين لديهم قضايا معلقة.
قال ماكسو عن هؤلاء النواب: "لقد قرروا الانخراط في قضايانا لأن مطالبنا محلية وعقلانية." كان لابد من تأطير حملتهم لإنهاء تجريم العلاقات المثلية في لبنان على أنها قضية لبنانية، وليست مستوردة من الخارج. وشدد على أنه "اخترنا عدم جلب القيم الغربية إلى لبنان، فالمجتمع اللبناني غير مستعد لمناقشة الأمر أكثر من مجرد نزع الصفة الجرمية." وأضاف: "قلنا أن مجتمع الميم اللبناني بحاجة إلى أن يُعامل بكرامة واحترام."