DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

محكمة العدل الدولية والاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الحقوق الفلسطينية

Avatar photo

شغل مايكل لينك بين عامي 2016 و 2022 منصب المقرر الخاص السابع للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وهو يدرّس في كلية الحقوق بالجامعة الغربية في أونتاريو، كندا.

English

يعتبر الحكم التاريخي لمحكمة العدل الدولية والذي يقضي بأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني بموجب القانون الدولي أحد أهم القرارات في تاريخ أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة على مدار 79 عامًا. وعلى الرغم من أنه غير ملزم كرأي استشاري للمحكمة في لاهاي، إلا أن المحكمة قضت بأن إسرائيل يجب أن تنهي احتلالها المستمر منذ 57 عامًا بالكامل و"بأسرع ما يمكن" وأن الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، تتحمل مسؤوليات محددة بالامتناع عن مساعدة الاحتلال أو الاعتراف بوجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتباره غير قانوني.

يُعد هذا الحكم جزءًا من سلسلة من الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية حيث تم التقاضي بشأن قضايا الفصل العنصري والاحتلال والحكم الاستعماري، مثل ناميبيا (1971)، والصحراء الغربية (1975)، وتيمور الشرقية (1995) وأرخبيل تشاغوس (2019)، وكذلك فلسطين (2004) نفسها.

ولقد قضت المحكمة بأن الاحتلال الإسرائيلي يمارس التمييز المنهجي ضد الفلسطينيين، وهو ما يرقى إلى حد التفريق العنصري والفصل العنصري. ولا شك أن منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والدولية سوف تعتمد على هذا الجزء من الحكم لدعم قضيتها من أجل إعادة إنشاء اللجنة الخاصة للأمم المتحدة ضد الفصل العنصري، وإلزام هيئات الأمم المتحدة الأخرى بالإعلان عن أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد أكد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أن غزة لا تزال محتلة إلى الحد الذي يسمح لإسرائيل بالسيطرة الفعلية، وهو ما أقرت المحكمة بأنه كبير. كما قالت أن اتفاقيات أوسلو، التي بدأت في عام 1993، لا يمكنها أن تحرم الفلسطينيين من الحماية الواسعة التي توفرها اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تشكل القلب النابض للقانون الإنساني الدولي. كما قضت المحكمة بأن إسرائيل لابد وأن تخلي جميع المستوطنين الإسرائيليين البالغ عددهم 740,000 مستوطن من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأن الفلسطينيين يحق لهم الحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بكل من يعيشون تحت الاحتلال.

وقد تناولت المحكمة باستفاضة العديد من القضايا القانونية في حكمها المطول. وهناك ستة أمور مهمة يجب تسليط الضوء عليها.

يعتبر الحكم التاريخي لمحكمة العدل الدولية أحد أهم القرارات في تاريخ أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة على مدار 79 عامًا.

- مايكل لينك

أُسس الرأي الاستشاري

    لهذا الرأي الاستشاري العديد من السوابق، وقد تطورت جميعها في عصر إنهاء الاستعمار والحظر المطلق للضم القسري. ينص ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 على أن جميع الأعضاء "يجب أن يمتنعوا… عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة". وفي أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967 مباشرة، عندما احتلت إسرائيل الأراضي العربية، بما في ذلك القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الأساسي رقم 242، والذي أعلن "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة". وفي رأيها الاستشاري في ناميبيا عام 1971، قضت محكمة العدل الدولية بأن استمرار حكم جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري لناميبيا كان إساءة خطيرة لسلطاتها الانتدابية، حيث أصبح "تنازلًا مقنّعًا" أحبط حق تقرير المصير للشعب الناميبي.

وفي الآونة الأخيرة، كتب علماء القانون وأصوات حقوق الإنسان من الأمم المتحدة أن احتلال إسرائيل أصبح لا يمكن تمييزه عن الضم، وبالتالي أصبح غير قانوني. وفي عام 2017، بصفتي المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، أصدرتُ تقريرًا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خلص إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح غير قانوني وأوصيتُ الجمعية العامة بالسعي للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن هذه القضية. ومؤخرًا، نشرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بالاشتراك مع المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان، دراسة بارزة وصفت إسرائيل بأنها "محتل غير شرعي". وتوّجت هذه الدراسات باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022، لقرار يطلب من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري بشأن الاحتلال. وطلب الطلب من المحكمة دراسة العواقب القانونية المترتبة على حرمان إسرائيل للفلسطينيين من تقرير المصير، واحتلالها المطول، واستيطانها وضمها للأراضي الفلسطينية، واعتمادها للتشريعات والتدابير التمييزية ذات الصلة. كما طلب قرار الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية تقييم العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي المستمر على جميع الدول والأمم المتحدة نفسها.

وفي فبراير/شباط الماضي، استمعت المحكمة إلى مرافعات على مدى ستة أيام حول القضايا التي أثارها الرأي الاستشاري. وقد قدم عدد قياسي من الدول والمنظمات الدولية مذكرات شفوية ومكتوبة إلى محكمة العدل الدولية، حيث زعم عدد قليل منها، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمجر وكندا وفيجي، أن المحكمة لا ينبغي لها أن تجيب على طلب الجمعية العامة، لأنه من وجهة نظرهم لن يؤدي إلا إلى إزعاج عملية السلام القائمة في أوسلو ودفع الأطراف بعيدًا عن التسوية التفاوضية. وعلى النقيض من ذلك، زعمت الغالبية العظمى من المذكرات أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح غير قانوني ويجب أن ينتهي تمامًا ودون قيد أو شرط وفي أسرع وقت ممكن.

الضم الإسرائيلي غير القانوني

لقد أمضت محكمة العدل الدولية وقتًا طويلًا في دراسة الطرق العديدة التي حوّلت بها إسرائيل احتلالها المطول إلى ضم بحسب القانون وضم فعلي. وأشارت المحكمة إلى أن الضم بحسب القانون هو الإعلان الرسمي عن السيادة على الأراضي المحتلة من قبل القوة المحتلة، في حين أن الضم الفعلي هو أفعال "أمر واقع" من قبل القوة المحتلة والتي لا ترقى إلى مستوى الإعلان الرسمي، ولكنها مع ذلك تهدف إلى تعزيز سيطرتها الدائمة. وكلاهما غير قانوني.

ومن بين الأفعال التي استشهدت بها المحكمة ضم إسرائيل الرسمي للقدس الشرقية في عام 1980، وتوسيع نطاق القانون المحلي الإسرائيلي ليشمل الضفة الغربية، والقيود الشديدة على البناء الفلسطيني في القدس الشرقية والضفة الغربية، والنزوح الناتج عن ذلك للسكان الفلسطينيين المحليين من مجتمعاتهم وأراضيهم في الأراضي المحتلة.

وما لفت انتباه محكمة العدل الدولية بشكل خاص هو اتساع وتأثير ممارسات الاستيطان الإسرائيلية. وقد قبلت الأدلة التي تثبت أن الحكومة الإسرائيلية كانت القوة الدافعة لإنشاء وصيانة وتوسيع المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية. وعلى وجه الخصوص، استشهدت المحكمة بالحوافز التي تقدمها الدولة لنقل الأفراد والشركات الإسرائيلية إلى المستوطنات، والبناء العام للبنية التحتية المدنية لدمج المستوطنات في إسرائيل، ومصادرة الدولة المستمرة للأراضي الفلسطينية لخدمة المستوطنات، والتراخيص الحكومية للشركات الإسرائيلية والأجنبية لاستغلال الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه والمعادن، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والعنف الواسع النطاق الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين والذي لم تتمكن قوات الأمن الإسرائيلية من السيطرة عليه إلى حد كبير. وفي الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وأكتوبر/تشرين الأول 2023، لاحظت المحكمة أن إسرائيل وافقت على بناء 24,300 وحدة سكنية في المستوطنات، ما عزز استمرار وجودها في الأراضي المحتلة.

إنّ كل هذه الأفعال، كما قالت محكمة العدل الدولية، "ترقى إلى ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة". وفي نظر أغلبية قضاة المحكمة الخمسة عشر، فإن "السعي إلى اكتساب السيادة على الأراضي المحتلة، كما يتبين من السياسات والممارسات التي تتبناها إسرائيل في القدس الشرقية والضفة الغربية، يتعارض مع حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية ومبدأ عدم اكتساب الأراضي بالقوة".

الجدار العازل الإسرائيلي على مشارف القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، 13 فبراير 2020. (تصوير أحمد غرابلي / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز)

الفصل العنصري والتفرقة العنصرية

طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في طلبها الحصول على الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية تقييم "تبني إسرائيل للتشريعات والتدابير التمييزية ذات الصلة". وخلال المرافعات التي قُدمت أمام المحكمة في فبراير/شباط، قدمت 24 دولة ومنظمة—بقيادة جنوب أفريقيا وناميبيا—حججًا تفيد بأن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحثت محكمة العدل الدولية على التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج.

إنّ تحليل المحكمة لهذه القضية يكشف، أكثر من أي قضية أخرى في الرأي الاستشاري، عن التسويات التي لابد وأن حدثت في غرف القضاة أثناء سعيهم إلى التوصل إلى إجماع الأغلبية. ويخصص حكم محكمة العدل الدولية 49 فقرة لمناقشة مسألة التشريعات والإجراءات التمييزية التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو القسم الأطول في الرأي الاستشاري. وتفحص المحكمة بتفصيل كبير سياسة تصاريح الإقامة("غير المبررة") التي تنتهجها إسرائيل، والقيود الشديدة التي تفرضها على حركة الفلسطينيين ("التمييز المحظور")، وممارسة إسرائيل الشاملة لهدم الممتلكات، إما كإجراء عقابي أو لعدم وجود تصريح بناء يكاد يكون من المستحيل الحصول عليه ("لا يوجد هدف عام مشروع").

ولقد قررت المحكمة أن "هذا النظام من القيود الشاملة التي تفرضها إسرائيل يشكل تمييزًا منهجيًا يقوم على… العرق أو الدين أو الأصل العرقي، في انتهاك" للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

ولكن هل يرقى هذا إلى مستوى الفصل العنصري؟ لقد استشهدت المحكمة على وجه التحديد بالمادة الثالثة كاملة من اتفاقية التمييز العنصري، التي تعد إسرائيل طرفًا فيها: "تدين الدول الأطراف بشكل خاص التفريق العنصري والفصل العنصري وتتعهد بمنع وحظر واستئصال جميع الممارسات من هذا النوع في الأراضي الخاضعة لولايتها القضائية".

ثم لاحظت محكمة العدل الدولية أن هذه المادة "تشير إلى شكلين شديدي الخطورة من أشكال التمييز العنصري: التفريق العنصري والفصل العنصري". ثم واصلت المحكمة الإشارة إلى كيفية عمل سياسة الاستيطان الإسرائيلية على تعزيز التفتت المادي للضفة الغربية والقدس الشرقية، فضلًا عن تطويق المجتمعات الفلسطينية في جيوب. وبالإضافة إلى ذلك، أشارت المحكمة إلى أن الفصل بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية هو فصل بحسب القانون أيضًا، لأن إسرائيل فرضت نظامين قانونيين مختلفين وغير متساويين للغاية لحكم الشعبين.

وبصوت خافت، خلصت المحكمة إلى أن "التشريعات والتدابير الإسرائيلية تفرض وتخدم الحفاظ على فصل شبه كامل في الضفة الغربية والقدس الشرقية بين المستوطنين والمجتمعات الفلسطينية"، وبالتالي فهي تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التمييز العنصري.

إنّ أفضل قراءة لهذا الاستنتاج هي أن المحكمة وجدت أن إسرائيل تمارس التفريق العنصري والفصل العنصري ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفي حين أن الصياغة الدقيقة لهذه الفقرة قد صيغت على الأرجح لسد الفجوة بين أغلبية القضاة بشأن هذه القضية المثيرة للجدال، إلا أن معنى الفقرة—أن إسرائيل فرضت الفصل العنصري فضلًا عن التفريق العنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة—لا يقدم أي تفسير معقول آخر.

تقرير المصير

في قرارها الصادر عام 1995 بشأن تيمور الشرقية، قضت محكمة العدل الدولية بأن حق جميع الشعوب في تقرير المصير هو "أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي المعاصر". وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، في عام 2004، ذكرت المحكمة في رأيها الاستشاري بشأن الجدار العازل الإسرائيلي أن الشعب الفلسطيني له الحق في تقرير المصير. وكان السؤال المطروح أمامها في هذا الرأي الاستشاري الجديد هو ما إذا كانت ممارسات وسياسات إسرائيل تعرقل حق الفلسطينيين في تقرير المصير في انتهاك للقانون الدولي.

وفي إجابتها على السؤال، وجدت محكمة العدل الدولية أن حكم إسرائيل خارج الخط الأخضر لعام 1967 كان مصممًا لتعزيز سيطرتها الدائمة على الأراضي المحتلة مع تقسيم الوجود الفلسطيني و"تقويض سلامته كشعب". واستشهدت ببناء الجدار، وانتشار المستوطنات الإسرائيلية، وأعمال الضم بحكم القانون وبحكم الأمر الواقع، واستغلالها للموارد الطبيعية، وتأثيرها الضار على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للفلسطينيين، وإضعافها المستمر لحقوق الإنسان الفلسطيني.

ولقد أشارت المحكمة إلى أن "الطابع المطول للسياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية يزيد من تفاقم انتهاكها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير". وأضافت أن الاحتلال الإسرائيلي الذي دام عقودًا من الزمان حرم الشعب الفلسطيني "من حقه في تقرير المصير لفترة طويلة" و"يقوض ممارسة هذا الحق في المستقبل". ولهذه الأسباب، خلص القضاة إلى أن "السياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية تشكل انتهاكًا لالتزام إسرائيل باحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".

مستوطنة جفعات زئيف الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، 3 فبراير 2023. (تصوير أحمد غرابلي / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز)

الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني

منذ فترة طويلة، كان من المقبول لدى الدبلوماسيين والمحامين الدوليين أن العديد من سمات الاحتلال الإسرائيلي المطول غير قانونية مثل الضم الرسمي للقدس الشرقية والمستوطنات الإسرائيلية، وبناء الجدار العازل، والعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني. ولكن هل كان الاحتلال نفسه غير قانوني؟ لم يقدم القانون الإنساني الدولي إجابة واضحة على هذا السؤال، لأنه كان معنيًا فقط بتنظيم الاحتلال. إنّ القرارات المماثلة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية، وخاصة حكم ناميبيا في عام 1971 الذي يتناول إقليمًا تحت الانتداب، تشير إلى أن الاحتلال الذي كان يُعتقد في البداية أنه قانوني قد يصبح غير قانوني، ولكن دون أي يقين.

لقد أصبح لدينا الآن هذا اليقين. فقد ذكرت المحكمة أن ذروة ممارسات وسياسات إسرائيل "تعبّر عن نية خلق وجود إسرائيلي دائم لا رجعة فيه في الأراضي الفلسطينية المحتلة". ولا يمكن للاحتلال أبدًا أن يبرر للقوة المحتلة أن تكون بمثابة مصدر ملكية للأراضي أو يبرر اكتسابها من قبل القوة المحتلة. وبناءً على ذلك، قضت المحكمة بأن "الإساءة المستمرة من جانب إسرائيل لموقفها كقوة احتلال، من خلال الضم وتأكيد السيطرة الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة واستمرار إحباط حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي ويجعل وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني".

 إنّ هذا الاستنتاج القضائي بأن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني له عدة آثار مهمة. أولًا، ينطبق هذا القرار على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في يونيو/حزيران 1967: القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة. وهذا يشمل أيضًا كامل الأراضي التي يحق للفلسطينيين ممارسة حقهم في تقرير المصير فيها، والتي يتعين على إسرائيل والعالم احترام سلامتها بموجب القانون الدولي. ولا يمكن للمفاوضات التي من المقرر أن تجريها إسرائيل والفلسطينيون في نهاية المطاف لإيجاد حل دائم لهذا الصراع أن تتناول الأراضي المحتلة وعدد المستوطنات التي يحق لإسرائيل الاحتفاظ بها، بل فقط الطرق التي يتعين على إسرائيل من خلالها إنهاء الاحتلال بشكل كامل وإخلاء جميع مستوطناتها ومستوطنيها.

ثانيًا، ذكرت المحكمة صراحة أن اتفاقيات أوسلو لا تسمح لإسرائيل بضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل تلبية احتياجاتها الأمنية. كما أنها لا تسمح لإسرائيل بالحفاظ على وجود دائم في الأراضي المحتلة لتلبية هذه الاحتياجات الأمنية. إنّ الافتراض الأساسي هنا هو أن الاحتلال الظالم وحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير كانا المصدر الرئيسي للمخاوف الأمنية الإسرائيلية، وأن إسرائيل سوف تضطر إلى التعامل مع الدولة الفلسطينية الناشئة باعتبارها طرفًا مساويًا لها في التفاوض على سبل جديدة لضمان الأمن للشعبين.

وثالثًا، في حين يستمر الاحتلال، فإن التأكيد على أنه غير قانوني لا يعفي إسرائيل من مسؤولياتها العديدة بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. فالشعب الفلسطيني يظل شعبًا محميًا. ولابد من إدارة الاحتلال مع مراعاة مصالحه الفضلى. ولابد من إنهاء الممارسات والتشريعات التمييزية. ولابد أن تتخذ إسرائيل كل الخطوات المعقولة لتفكيك العديد من سمات الاحتلال. ولابد أن تتفاوض بحسن نية مع الفلسطينيين لإنهاء الاحتلال بما يتفق مع سيادة القانون. ومن الأهمية بمكان أن نصحت محكمة العدل الدولية بأن تُلزَم إسرائيل بتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة للاحتلال المطول للأراضي الفلسطينية.

العواقب القانونية على المجتمع الدولي

طلب الجمعية العامة للرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية تضمن طلب إبداء رأيها بشأن العواقب القانونية المترتبة على استنتاجاتها وفقًا للمجتمع الدولي والأمم المتحدة. بالنسبة للمجتمع الدولي، ذكرت المحكمة أنه "ملزم بعدم الاعتراف بقانونية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعدم تقديم المساعدة أو الدعم في الحفاظ على الوضع الناجم عن الوجود المستمر لدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

أما بالنسبة للمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، فهي "ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

لقد تركت محكمة العدل الدولية الآليات القانونية والسياسية الفعلية للجمعية العامة ومجلس الأمن لتحديد الإجراءات المطلوبة "لإنهاء الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن".

إنّ رأي محكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية المترتبة على استنتاجها بأن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، على الرغم من التعبير عنه في عموميات، سوف يعمل بلا شك على دعم الحركات والدول التي تسعى إلى زيادة التكلفة على إسرائيل بسبب انتهاكاتها المتسلسلة للقانون الدولي وحرمان الفلسطينيين من تقرير المصير. وسوف يتم استهداف مبيعات الأسلحة. وسوف تنمو الدعوة إلى سحب الاستثمارات من الشركات الإسرائيلية. وسوف يتم إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل، وخاصة فيما يتعلق باستيراد السلع والخدمات من المستوطنات. وسوف يكون هناك دفع لإعادة تأسيس اللجنة الخاصة للأمم المتحدة ضد الفصل العنصري. وسوف تتوسع حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات والاحتجاجات الطلابية. إنّ الضغوط من جانب المجتمع المدني والدول على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لتوسيع تحقيقاته في جرائم الحرب الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي—وخاصة المستوطنات الإسرائيلية—سوف تتزايد. وسوف يستمر في التضخم عدد البلدان التي تسعى إلى التدخل في محكمة العدل الدولية لدعم قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، متهمة إياها بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية في حربها في غزة.

 

إن قرار محكمة العدل الدولية سيساهم بالتأكيد في تحقيق الحقوق الفلسطينية.

- مايكل لينك

القانون الدولي ليس قائمة طعام حسب الطلب. فمنذ بدأ العصر الحديث للقانون الدولي بإنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، صُمم ليكون نظامًا متكاملًا من القواعد التي يتعين على الجميع طاعتها—الكبير والصغير، القوي والوديع، الديمقراطي والاستبدادي—لأن ذلك كان في مصلحتهم المشتركة. ومع ذلك، وكما كتب الباحث القانوني جان ألين، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، كان القانون الدولي أقرب إلى القوة منه إلى العدالة.

ففور صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المحكمة وحكمها حيث قال: "إنّ الشعب اليهودي ليس محتلًا في أرضه، بما في ذلك عاصمتنا الأبدية القدس ولا في يهودا والسامرة، وطننا التاريخي". وأضاف: "لا يمكن لأي رأي سخيف في لاهاي أن ينكر هذه الحقيقة التاريخية أو الحق القانوني للإسرائيليين في العيش في مجتمعاتهم في وطننا الأصلي".

وبلهجة مختلفة، رفضت الولايات المتحدة أيضًا الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، حيث صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن "رأي المحكمة من شأنه أن يعقّد الجهود الرامية إلى حل الصراع". وتضمنت رسالة واشنطن تقويض قوة حكم محكمة العدل الدولية، حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها "تثني بشدة" الأطراف عن استخدام رأي المحكمة "كذريعة لمزيد من الإجراءات الأحادية الجانب التي تعمق الانقسامات أو لتحل محل حل الدولتين المتفاوض عليه".

وعلى الرغم من هذا الرفض المتوقع، فإن قرار محكمة العدل الدولية سيساهم بالتأكيد في تحقيق الحقوق الفلسطينية في نهاية المطاف. إنّ النهج القائم على الحقوق وحده في التعامل مع استعباد الفلسطينيين وخلق إمكانية مستقبل مشترك ومزدهر للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء هو الذي يمكن أن ينجح. وكما أثبتت السنوات الثلاثين الماضية من عملية أوسلو المنهارة للسلام، فإن أي مسار تفاوضي يسعى إلى حل دائم بين إسرائيل والفلسطينيين يقوم على السياسة الواقعية، وليس على الحقوق، محكوم عليه بالفشل. إنّ أعظم هدية لهذا الرأي الاستشاري من أعلى محكمة في الأمم المتحدة هي أنه راسخ في الإطار القوي للقانون الدولي وحقوق الإنسان. ما يهم الآن هو الجمع بين القانون الدولي وشقيقه السياسي، مع العزم الدولي، لرسم الطريق إلى الأمام للخروج من هذا المستنقع المظلم.

محكمة العدل الدولية في لاهاي، 26 يناير 2024. (تصوير نيكوس أويكونومو/الأناضول عبر غيتي إيماجز)

Source: Getty IMages

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.