مايراف زونسزين هي كبيرة المحللين في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية.
في يوم الاثنين 3 يوليو/تموز، بينما كانت القوات الإسرائيلية تداهم مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة، في هجوم بري وجوي أجبر آلاف المدنيين الفلسطينيين على إخلاء منازلهم، استضاف السفير الأمريكي توم نيديس رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس في فعالية الاحتفال بيوم الاستقلال الأمريكي الذي يوافق 4 يوليو/تموز. وتحدثا عن العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وابتسما للكاميرات.
خلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي استمرت يومين—وهي الأكبر في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية—قدمت الولايات المتحدة دعمها الفعلي لإسرائيل. فقد قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للرئيس جو بايدن للصحافة "نحن ندعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن شعبها ضد حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية والجماعات الإرهابية الأخرى". كان ذلك تكرارا لادعاءات إسرائيل بأن أكثر من 50 هجومًا ضد الإسرائيليين وقعت في جنين على مدى العامين الماضيين، حيث قدمت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة توغلها القاتل في منطقة مدنية مكتظة بالسكان على أنه "عملية مكافحة إرهاب" ضرورية تستهدف المسلحين الفلسطينيين ومواقع القيادة و مخابئ الأسلحة.
يذكّرنا المشهد المتباين بين جنين والقدس بافتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في إسرائيل في 14 مايو/أيار 2018، والتي نقلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تل أبيب إلى القدس، في تغيير للسياسة الأمريكية التي استمرت عقودًا. ابتسمت ابنة ترامب، إيفانكا، التي تعمل ظاهريا مستشارة في البيت الأبيض، أمام الكاميرات عندما افتتحت رسميًا السفارة في القدس الغربية أمام حشد من الشخصيات الإسرائيلية البارزة. وعلى بُعد أقل من 50 ميلًا، أطلق الجنود الإسرائيليون النار على مئات الفلسطينيين المتظاهرين في غزة على طول حدودها خلال احتجاجات "مسيرة العودة الكبرى"، ما أسفر عن مقتل 60 فلسطينيًا في ذلك اليوم. لم يتراجع بايدن عن قرار نقل السفارة إلى القدس. كما أنه لم يُعد فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي أغلقها ترامب كما وعد.
ترسل إدارة بايدن رسالة موافقة ضمنية إلى إسرائيل مفادها أن لها حرية القرار كما تراه مناسبًا في الضفة الغربية، حتى لو تضمن ذلك هجومًا جويًا كاملًا بطائرات بدون طيار على مخيم للاجئين.
- مايراف زونسزين
كان هجوم إسرائيل على جنين، بضربات جوية قصفت منطقة حضرية مكتظة بالسكان، خطوة أخرى في تطبيق مبدأ "جز العشب" الذي تستخدمه إسرائيل بانتظام في غزة—قصف القطاع المحاصر لإضعاف وردع حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بينما تدمر البنية التحتية المدنية للقطاع—والضفة الغربية. ومثلما حدث في غزة، لم تفعل عملية جنين شيئًا لتغيير الواقع الأساسي للاحتلال العسكري أو مقاومة الفلسطينيين له: فقد وقع بالفعل هجومان منفصلان على إسرائيليين منذ بدء العملية.
ترسل إدارة بايدن رسالة موافقة ضمنية إلى إسرائيل مفادها أن لها حرية القرار كما تراه مناسبًا في الضفة الغربية، حتى لو تضمن ذلك هجومًا جويًا كاملًا بطائرات بدون طيار على مخيم للاجئين. كما دعمت الحكومات الأوروبية التوغل بهدوء، مع تحذير بتذكير إسرائيل بواجبها في حماية المدنيين. هذا، حتى بعد أن أطلق الجنود الإسرائيليون النار وقتلوا الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة في جنين العام الماضي—مع عدم وجود توقعات بمحاسبة أحد، بالإضافة إلى هياج المستوطنين الإسرائيليين في قرى الضفة الغربية دون أن يواجه أحد الملاحقة القضائية بسبب إيذاء الفلسطينيين أو حتى قتلهم أو الإضرار بممتلكاتهم، وحتى مع مضي الحكومة الإسرائيلية علانية في المزيد من التوسع الاستيطاني والتوسع على مراحل في إطارها القانوني على الضفة الغربية المحتلة في عملية ضم تدريجي.
هناك شخصان لم تتم دعوتهما لحضور حفل احتفال يوم الاستقلال الأمريكي في السفارة الأمريكية في القدس وهما عضوان يمينيان متطرفان سيئ السمعة في حكومة نتنياهو: وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. إدارة بايدن في حالة مقاطعة لكلا الوزيرين، وهما مستوطنان متشددان، منذ توليهما منصبيهما في ديسمبر/كانون الأول 2022. (كما لم يتلق نتنياهو دعوة إلى البيت الأبيض، ويرجع ذلك أساسًا إلى قيادته لتشريعات مناهضة للديمقراطية تقوض الضوابط والتوازنات التي يفرضها القضاء الإسرائيلي على سلطة الحكومة.)
لكن هذه المقاطعة لمن تعتبرهم الولايات المتحدة الأكثر تشددًا في الحكومة الإسرائيلية لم يكن لها أي تأثير على الإجراءات الإسرائيلية. إنّ رفض الحكومات الأمريكية والأوروبية التعامل مع بن غفير وسموتريتش قد ترك لكلا الوزيرين، من الناحية العملية، الحبل على الغارب—حيث منحهما وللمستوطنين العنيفين الذين يمثلونهم الضوء الأخضر للاستمرار في أفعالهم. الرسالة التي تصل إلى القدس هي أن الغرب لن يتدخل.
في الأشهر الستة التي انقضت منذ أن استعاد نتنياهو السلطة وشكّل أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل، تم المصادقة على 13,000 وحدة سكنية استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وفقًا لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال. واكتفت الحكومات الغربية بتكرار إداناتها الاعتيادية، قائلة أنّ المستوطنات، غير القانونية بموجب القانون الدولي، هي "عقبات أمام السلام". سموتريتش، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الدفاع، مُنح سلطة على جميع جوانب تطبيق القانون فيما يتعلق بجميع أعمال البناء في الضفة الغربية. ومنذ أن تولى هذه الصلاحيات، انخفض تطبيق القانون ضد البناء الاستيطاني غير القانوني بشكل كبير، بينما أعلن بتحدٍ عن نيته لمضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية.
عندما لا تتخذ القوى الخارجية التي تزود إسرائيل بالمساعدات العسكرية الحيوية والغطاء الدبلوماسي أي إجراء في مواجهة وقاحة إسرائيل فإن الرسالة التي تصل للقدس وللمستوطنات الإسرائيلية المتطرفة الصغيرة على قمم التلال في الضفة الغربية، هي أن العنف ينجح ويحظى بموافقة الغرب.
- مايراف زونسزين
في غضون ذلك، بالإضافة إلى الاحتلال العسكري الإسرائيلي والتوسع المستمر في المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، يزداد ترويع الفلسطينيين بسبب عنف المستوطنين، والذي اعترف مسؤولو الدفاع الإسرائيليون أنه تم تمكين ذلك العنف من خلال سياسة الحكومة. يقوض المسؤولون في السلطة—ولا سيما بن غفير، الذي يشرف على قوة الشرطة—الجهود والموارد اللازمة لكبح هجمات المستوطنين التي تستهدف البلدات والقرى الفلسطينية.
تمتلك إدارة بايدن عددًا لا يحصى من الأدوات تحت تصرفها—سواء كانت عامة أو غير ذلك—لمحاسبة إسرائيل على أفعالها المدمرة أحادية الجانب في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. وتشمل هذه إنفاذ قانون ليهي، الذي يمكن أن يحد من المساعدات الأمريكية المقدمة لوحدات معينة من جيش الدفاع الإسرائيلي يتبين أنها متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإزالة معارضة الإدارة الأمريكية للتحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية، وربط أي تعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول إيران بقيام إسرائيل بوقف التوسع الاستيطاني وتهجير المجتمعات الفلسطينية في المنطقة (ج)، وهي الـ 60 في المئة من الضفة الغربية التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية الإدارية والعسكرية المباشرة.
لكن بدلًا من استخدام أي من هذه الأدوات، كان البيت الأبيض يلوح باحتمال مساعدة إسرائيل على تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، كامتداد لاتفاقات إبراهام، على أمل تحفيز قادة اليمين المتطرف في إسرائيل على عدم مفاقمة الوضع بصورة أكبر. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مؤخرًا: أبلغنا أصدقاءنا وحلفاءنا في إسرائيل أنه إذا كان هناك حريق مشتعل في ساحتهم الخلفية، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تعميق اتفاقيات [التطبيع] الحالية وتوسيعها لتشمل على الاحتمال السعودية. ومع ذلك، لا يوجد دليل يشير إلى أن إسرائيل ستوقف ضمها التدريجي للضفة الغربية، حتى لو تباطأ في بعض الأحيان، بسبب حوافز غامضة.
عندما لا تتخذ القوى الخارجية التي تزود إسرائيل بالمساعدات العسكرية الحيوية والغطاء الدبلوماسي أي إجراء في مواجهة وقاحة إسرائيل—التي توسع باستمرار المستوطنات، وتشرّد المزيد من الفلسطينيين، وتضم ببطء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمنح المستوطنين العنيفين الإفلات من العقاب، وتقصف جنين وغزة من الجو—فإن الرسالة التي تصل للقدس وللمستوطنات الإسرائيلية المتطرفة الصغيرة على قمم التلال في الضفة الغربية، هي أن العنف ينجح ويحظى بموافقة الغرب.