صادف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الذكرى الثانية للاغتيال المأساوي للمعارض السعودي والصحفي والكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في القنصلية السعودية في تركيا.
بعد عامين من مقتله، أصبح خاشقجي الهدية التي لا تتوقف أبدًا عن منح عطاياها للمحاربين من أجل الحرية في المملكة العربية السعودية. ففي حين كان جمال يعمل بلا كلل على تعزيز الإصلاح الديمقراطي كمعارض سعودي في واشنطن العاصمة، ألهم وفاته عددًا لا يحصى من الآخرين ليحذوا حذوه. أنت تقرأ هذا المقال على موقع منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، المنظمة التي كان يساعد على إنشائها قبل مقتله.
سلطت الأحداث منذ وفاته الضوء على بعض القيود الأساسية في صميم النظام السعودي، والتي تُبرز الحاجة التي كان يتصورها جمال لإجراء إصلاحات فورية وفعلية. تكشف المحاكمة الأخيرة التي أجراها النظام السعودي ضد فريق اغتيال خاشقجي عن خلل هيكلي يجعل القيادة الحالية غير قادرة تمامًا على أي إصلاح فعلي.
أصدرت المحكمة الابتدائية في سبتمبر/أيلول أحكامًا بالسجن تتراوح بين 10 و 20 عامًا على ثمانية متهمين لم يتم الكشف عن أسمائهم أُدينوا بتُهم مرتبطة بجريمة قتل خاشقجي المروّعة. (بدأت محاكمة منفصلة، لمحاكمة 20 متهمًا غيابيًا، في تركيا في يوليو/تموز).
قال مراقبون دوليون إن أولئك الذين تم محاكمتهم في السعودية كانوا كبش فداء للقيادات رفيعة المستوى التي وافقت على القتل وخططت له. بالنسبة لهؤلاء المراقبين، تسبب التستر الصارخ في تورط النظام السعودي في خطأ فادح في العلاقات العامة. ألم يكن التظاهر بأن السعوديين يتمتعون بإحساس معقول بالعدالة أقل تكلفة بكثير، وإجراء محاكمة جادة لجميع الأطراف المشاركة في العملية الفاشلة؟ في نهاية الأمر، من المعروف أن الأنظمة الاستبدادية تضحي حتى بأقرب المقربين إليها عندما يرى النظام أن من مصلحته القيام بمثل هذه الخطوة.
ومع ذلك، فشل النظام السعودي في القيام بذلك، في محاولة واضحة لحماية عنصر هش في هيكله الداخلي: عنصر كشفه نشاط خاشقجي غير المسبوق، وسيتم استغلاله بالتأكيد من قبل أولئك الذين يحذون حذوه.
من أجل أن نفهم كيف وضع عمل خاشقجي النظام السعودي في مأزق، أُشير إلى عمل الاقتصادي السياسي البارز والأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دارون أسيموغلو ومفهومه الخاص بنظام "السُلطة الورقية" (Paper Leviathans)، الذي يقع ضمن التصنيف الأوسع للأنظمة السياسية الفاسدة.
وفقًا للفكرة الرئيسية لأسيموغلو، فإن نظام "السُلطة الورقية" هو شكل من حكومات شديدة الاختلال تجاه مواطنيها، ولكنها توفر منصات آمنة للغاية للطغاة للعمل مع الإفلات من العقاب. يعتمد الركن الأساسي لمثل هذه الأنظمة على شبكة متشابكة من الروابط الشخصية بين النخب السياسية التي تعمل داخل دوائر تسهل مستويات عالية من الثقة الداخلية والمصالح المشتركة. يتم تعزيز هذه الشبكة من خلال الرشاوى المالية والمناصب العليا داخل الحكومة للحفاظ على الشبكة سليمة. تلعب المؤهلات والعمل الجاد دورًا ضئيلًا أو معدومًا في التعيينات والترقيات، لا سيما في المستويات الحكومية العليا.
ونتيجة لذلك، فإن قدرة الدولة في ظل أنظمة "السُلطة الورقية" تكون محدودة للغاية على تحقيق تنمية هادفة ونمو اقتصادي. ومع ذلك، نظرًا لشبكة العلاقات الشخصية القوية الخاصة بهم، يمكن للقيادة حماية الشبكة الداخلية بشكل فعال من أي مخاطر خارجية، وسوف تستجيب بشراسة تجاه أي أشخاص قد يسعون إلى كشف عدم الكفاءة المطلق للنظام.
عندما دعا خاشقجي في صفحات الواشنطن بوست إلى إصلاح فعلي داخل النظام السعودي، سلطت كتاباته الضوء على الشبكة الداخلية لنظام "السُلطة الورقية." كان تسليط الضوء على العناصر الفاسدة داخل النظام سيكشف عن اللمسات السطحية التي كان يتم الترويج لها كإصلاح حقيقي، والتي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجيله الجديد داخل النظام الملكي. في مرحلة ما، يمكن ممارسة قدر مُحرج من الضغط السياسي على النظام لتفكيك شبكته الداخلية.
ونظرًا لأن هذا الثمن كان باهظًا على النظام، قررت الشبكة الداخلية أن خاشقجي يجب أن يرحل. بعد الكشف عن العملية الفاشلة، وضع النظام السعودي نفسه في موقف أكثر صعوبة— إذ اضطر إلى الاختيار بين الملاحقة الحقيقية ظاهريًا للمتآمرين من خلال محاكمة عادلة، أو الحفاظ على حيوية الشبكة الداخلية لنظام "السُلطة الورقية." إن وجود محاكمة حقيقية يتم فيها التضحية بجميع، أو على الأقل معظم، المتواطئين المعنيين يعتبر أمرًا محظورًا لأنه كان سيقوّض بشكل خطير نظام "السُلطة الورقية" نفسه.
في ضوء مثل هذا التناقض السياسي، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل لماذا حاصر السعوديون أنفسهم في نكسات لا نهاية لها في العلاقات العامة وفي أخطاء دبلوماسية. ما بدا للكثيرين على أنه استراتيجية غير محسوبة بشكل جيد لإغلاق قضية خاشقجي كان في الواقع معضلة محيرة تركت النظام مشلولًا حقًا. القتلة ليسوا عملاء حكوميين محترفين يقبلون مهام محفوفة بالمخاطر ويوافقون في وقت مبكر على مواجهة المخاطر التي تنطوي على تلك المهام، لقد كانوا مقرّبين وشركاء على صلة جيدة داخل شبكة نظام "السُلطة الورقية." إن التضحية بالعملاء الفاشلين للحفاظ على صورة النظام لن ينجح على الإطلاق. على العكس من ذلك، فقد أثار التساؤل حول متانة الشبكة الداخلية وطول عمر نظام "السُلطة الورقية" نفسه.
لذا، كخطوة أخيرة للحفاظ على ما تبقى من صورة النظام، تم طرح المحاكمة الصورية التي انتهت في سبتمبر/أيلول. لكن على الرغم من تقديم كبش فداء، فإن النظام السعودي لن يكون قادرًا على إيقاف ما بدأه خاشقجي. ففي حين أن السعوديين ربما وافقوا على قبول نظام استبدادي على أمل الحصول على بعض التنمية الاقتصادية في المقابل، فإن إرث خاشقجي والمحاكمة الخاصة بجريمة قتله قد كشفت أن التنمية الاقتصادية ونظام "السُلطة الورقية" متعارضان أكثر من أنهما متوافقان سياسيًا.
في الواقع، ما أطلقه النظام لم يخنق المعارضة. بدلًا من ذلك، يمكن أن يؤدي إلى تعديل أوراق اللعب السياسية في المملكة وقلب الافتراضات السياسية القديمة رأسًا على عقب. وسوف يتم تحدي بعض الفرضيات مثل التسامح مع الطغاة المستبدين على أمل تحقيق بعض التنمية الاقتصادية التي لا تتحقق أبدًا. إن مثل هذه التحولات في مواقف الناس، إذا تم تبنيها على نطاق واسع، قد تؤدي في الواقع إلى انهيار نظام "السُلطة الورقية" وتؤدي إلى فجر جديد من الحرية والديمقراطية والمساواة في المملكة العربية السعودية وباقي المنطقة أيضًا.
***
تعليق على الصورة: عَلَم المملكة العربية السعودية يرفرف خلف أسلاك شائكة في القنصلية السعودية في اسطنبول في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018. – أعرب السفير السعودي لدى بريطانيا عن قلقه بشأن مصير الصحفي الذي اختفى بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول الأسبوع الماضي. لكن قال محمد بن نواف آل سعود لبي بي سي إنه بحاجة إلى انتظار نتائج التحقيق قبل التعليق أكثر على مصير جمال خاشقجي. (تصوير أوزان كوزه/ وكالة الصحافة الفرنسية AFP) (يجب أن تكون عبارة حقوق الصورة كالتالي: أوزان كوزه/ وكالة الصحافة الفرنسية AFP عبر جيتي إيماجز).