في منتصف شهر يونيو/حزيران، أعلن العشرات من الشخصيات السياسية والقبلية من محافظة حضرموت، أكبر محافظات اليمن، عن إنشاء كيان سياسي جديد يعرف باسم مجلس حضرموت الوطني، والذي قالوا أنه "يهدف إلى أن يكون بمثابة منصة سياسية للتعبير عن تطلعات ولتمثيل مصالح المجتمع الحضرمي في اليمن". وتشترك حضرموت، التي تمتلك نحو 80 في المئة من احتياطيات النفط في اليمن، في حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية—وهو ما يفسر جزئيًا سبب الإعلان عن تشكيل المجلس في الرياض، وليس في اليمن نفسها.
وكان قد تم استضافة الممثلين اليمنيين في العاصمة السعودية لإجراء محادثات لمدة شهر، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يعلنوا عن المجلس الوطني الجديد لحضرموت بحضور السفير السعودي لدى اليمن محمد بن سعيد آل جابر. وفي أوائل أبريل/نيسان، قام آل جابر بزيارة رفيعة المستوى إلى صنعاء لإطلاق محادثات علنية مباشرة مع الحوثيين للمرة الأولى منذ عام 2015، على أمل إخراج السعودية من حرب اليمن الطويلة، بعد سنوات من المحادثات السرية مع الحوثيين بوساطة عُمانية، ووقف إطلاق النار الهش بوساطة الأمم المتحدة. ولكن على الرغم من التفاؤل الأولي، فإن محادثات السلام بين السعوديين والحوثيين توقفت بالفعل بسبب الخلل الأساسي وهو حقيقة أنها استبعدت العديد من الأطراف المتحاربة الأخرى في اليمن.
ومن بين الكيانات التي تم تهميشها من المحادثات السعودية الحوثية مجلس القيادة الرئاسي، وهو كيان مكون من ثمانية أشخاص من المتنافسين السياسيين اليمنيين الذين تولوا السلطة من الرئيس اليمني المنفي عبد ربه منصور هادي العام الماضي في عملية تسليم منسقة في الرياض. كما تم استبعاد المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة، شريكة السعودية السابقة في التحالف في اليمن، والذي أصبح منافسًا على الأرض. ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على جزء كبير من جنوب اليمن ويعتبر نفسه حكومة في انتظار قيام جنوب اليمن المستقل، الذي كان دولة منفصلة منذ عام 1967 حتى توحيد اليمن في عام 1990.
وكشف الجمود في محادثات السلام عن الانقسامات العميقة والخصومات المتداخلة في اليمن، بما في ذلك داخل التحالف الذي تقوده السعودية لقتال الحوثيين. وتتزايد الخلافات بين الرياض وأبو ظبي في اليمن، إذ تدعمان وكلاء متنافسين وتسعيان إلى تحقيق مصالح متباينة، خاصة في جنوب وشرق اليمن. ومن المرجح أن يكون لدى كل من السعودية والإمارات خطط بشأن موانئ المنطقة ومواردها. وقد أدى هذا التنافس المختمر إلى تأجيج التوترات في جميع المحافظات الجنوبية لليمن تقريبًا، والتي يقع معظمها حاليًا تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تريد السعودية تقليص نفوذه.
"لا يوجد طريق لاستعادة الاستقرار في اليمن إلا من خلال اللامركزية العميقة والسماح للمحافظات بحكم نفسهاز"
- عبد الغني الإرياني
وقد يبدو أن مجلس حضرموت الوطني جزء من هذه الخطة السعودية. فبعد الإعلان عن تكوين المجلس، حذر غريغوري جونسن، الزميل غير المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن والعضو السابق في فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، من أنها "مجرد آخر محاولات السعودية لوضع رؤيتها لدولة اليمن".
وكانت حضرموت منذ فترة طويلة ساحة للمصالح السعودية الإماراتية المتنافسة منذ تدخل البلدين الخليجيين في اليمن في عام 2015 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء. ويسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى طرد القوات المتحالفة مع السعودية من حضرموت في محاولة لإخضاع المحافظة لسيطرته الكاملة.
وقال عبد الغني الإرياني، الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات، لمجلة الديمقراطية في المنفى، أن "الإمارات العربية المتحدة أحبطت المخططات السعودية في شرق اليمن منذ بداية الحرب". وقال أن كلًا من مجلس القيادة الرئاسي، الذي تم تشكيله العام الماضي، ومجلس حضرموت الوطني الجديد يعكسان الجهود التي تبذلها السعودية لصد المجلس الانتقالي الجنوبي واستعادة النفوذ في جنوب وشرق اليمن.
ومع ذلك، أثبت مجلس القيادة الرئاسي أنه أضعف من أن يدير الحكومة اليمنية من عدن، وهي أيضًا مقر المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لا يزال القوة المهيمنة في جنوب اليمن. لقد أدى إنشاء مجلس حضرموت الوطني إلى إدخال لاعب جديد إلى هذا المشهد السياسي الممزق. قد يرغب المجلس الانتقالي الجنوبي في الاستقلال، لكن اليمن يمكن أن يتجه بدلًا من ذلك نحو دولة لا مركزية وفيدرالية.
وأكد الإرياني أنه "لا يوجد طريق لاستعادة الاستقرار في اليمن إلا من خلال اللامركزية العميقة والسماح للمحافظات بحكم نفسها". ويعتقد أن المجلس الوطني لحضرموت "سيُمكّن حضرموت من ممارسة استقلالها الذاتي" وأن المجلس الانتقالي الجنوبي "يجب أن يرحب به".
ويعمل المجلس الانتقالي الجنوبي على زيادة انتشاره في الخارج حيث يسعى إلى زيادة النفوذ في اليمن ويحاول كسب المزيد من الدعم لهدفه المتمثل في استقلال الجنوب. وفي أواخر يونيو/حزيران، استضاف معهد تشاتام هاوس في لندن، اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي. وفي حديثه هناك، كرر الزبيدي ما قاله لصحيفة الغارديان في مقابلة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن دون قبول واقع جديد يتمثل في شمال يسيطر عليه الحوثيون وجنوب منفصل تحت سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي تشاتام هاوس، أصر الزبيدي على ضرورة إعادة تصميم محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن من خلال إعطاء الأولوية لقضية استقلال الجنوب، ودعا إلى إجراء استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة للسماح للجنوبيين بالتصويت على يمن منفصل أو موحد أو حتى فيدرالي وأضاف: "يقول بعض الناس إننا جرّبنا دولتين منفصلتين في اليمن ولم ينجح الأمر، وحاولنا الوحدة ولم تنجح، لذلك ربما يتعين علينا تجربة النظام الفيدرالي".
ويرى الإرياني أن الزبيدي والمجلس الانتقالي الجنوبي "يستعدان لفكرة اليمن الفيدرالي".
"يجب أن تتناول هذه العملية السياسية بعيدة المنال التي تتوسط فيها الأمم المتحدة ما إذا كان يمكن لليمن أن يظل دولة موحدة."
-محمد علي كلفود
وقالت ندوى الدوسري، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، لمجلة الديمقراطية في المنفى، أن التوصل إلى نتيجة سلمية تؤدي إلى يمن فيدرالي تبدو أشبه بالخيال في ظل الظروف الحالية. فلا يزال الصراع في اليمن يتطور. وبينما يتخذ السعوديون خطوات لإخراج أنفسهم من الحرب، فمن المرجح أن يشتد القتال داخليًا. ولا يزال الحوثيون يهدفون إلى السيطرة على اليمن بأكمله.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن السعودية "عارضت دائمًا النظام الفيدرالي في اليمن"، حسبما ذكر فرناندو كارفاخال، الخبير اليمني الذي عمل سابقًا في فريق خبراء الأمم المتحدة. وقال أن الدولة اليمنية الفيدرالية ستجعل من الصعب على الرياض "إدارة الأحزاب في جميع أنحاء البلاد". كما شكك في أن المجلس الانتقالي الجنوبي سيقبل نظامًا فيدراليًا متعدد المناطق، فإما "منطقتان"— شمال وجنوب اليمن—أو "مواصلة القتال".
ويرى كارفاخال أن مجلس حضرموت الوطني "يغذي للأسف سياسة فرّق تسد". وقال أن دور المجالس الإقليمية في المحافظات اليمنية حتى الآن هو "الحفاظ على التشرذم داخل دولة موحدة، لأن هذا يسمح للحكومة—وراعيها—بالحفاظ على الوحدة من خلال جهات فاعلة مختلفة تمنع الانقسامات الجغرافية". وأضاف أن حضرموت لا يمكن أن تنفصل عن اليمن اليوم "لأنه حينها ستتقاتل ثلاثة أطراف حول من سيحكم المنطقة". إنّ "وحدة" اليمن الممزقة "ستظل قائمة طالما أن هذا الصراع موجود".
وفي حين أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يتخذ بعد موقفًا رسميًا بشأن إنشاء مجلس حضرموت الوطني، إلا أن عددًا من مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي يصرون على أن المجلس الجديد "يفتقر إلى الإجماع". وزعم آخرون أن "إنشاء المجالس السياسية البديلة مؤخرًا لن يوقف مطالب الجنوبيين". ونظرًا لوجود حقول النفط والغاز في حضرموت، سيكون ذلك مفتاحًا لأي حلم للمجلس الانتقالي الجنوبي بإقامة دولة مستقلة، مما قد يضع السعودية والإمارات على مسار تصادمي عبر وكلائهما في جنوب اليمن.
وقالت ندوى الدوسري: "من المحتمل بالتأكيد أن يقوم المجلس الانتقالي بالتصعيد من خلال حشد المؤيدين في حضرموت، الأمر الذي قد يتطور إلى اشتباكات". وتتصاعد التوترات بالفعل بين الفصائل المتنافسة في حضرموت.
ويعتقد الإرياني أن احتمال حدوث مثل هذا الصراع قد يدفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى "الاعتراف بأن الحكم الذاتي داخل اليمن الموحد هو خيار أفضل من الطريق الوعر نحو الاستقلال".
وفي الوقت نفسه، يواصل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، التحذير من أن الأطراف المتحاربة في اليمن قد تعود إلى القتال المفتوح مع تعثر محادثات السلام. وقال غروندبرغ أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر: "يبقى في صميم جهود الوساطة التي أبذلها يظل هدف استئناف عملية سياسية شاملة يملكها اليمنيون"، حيث توفر "منصة لعدد وافر من اليمنيين من جميع أنحاء البلاد للحوار الجماعي وتحديد مستقبلهم الخاص." يجب أن تتناول هذه العملية السياسية بعيدة المنال التي تتوسط فيها الأمم المتحدة ما إذا كان يمكن لليمن أن يظل دولة موحدة.