ياسر الششتاوي باحث مستقل وأستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا للهندسة المعمارية والتخطيط والحفظ بجامعة كولومبيا. وهو مؤلف كتاب "دبي: فيما وراء المشهد الحضري"، كما له إصدارات أخرى.
English
العلاقة بين العمارة والاستبداد قديمة قدم العمارة نفسها. تم بناء المعالم الأثرية العظيمة في الماضي، مثل أهرامات مصر أو البارثينون اليوناني، على حساب العمال العبيد، وتم استغلالها لتمجيد الطبقة الحاكمة. استمر هذا الأمر طوال مسار التاريخ المعماري.
كأس العالم في الدولة الخليجية قطر ليس أمرًا مختلفًا. إنها تستخدم الهندسة المعمارية والبنية التحتية المذهلة لتقول أن البلد وعاصمتها الدوحة قوة عالمية حديثة ولامعة، على الرغم من أن أيًا من هذا لم يكن ممكنًا لولا جهود قوة عاملة مهاجرة ضخمة تم استيرادها لهذا الغرض. هذا يثير قضية مسؤولية المهندسين المعمارين في قبول الأعمال من الأنظمة الاستبدادية. هل يُعتبرون ضمنيًا مشاركين في الاستغلال وسوء المعاملة؟ هل العمارة عمل محايد سياسيًا كما يدّعي بعض المعماريين؟ هل يمكن للهندسة المعمارية أن تكون وسيلة للتغيير الاجتماعي؟
تعاون المعماريان السويسريان المشهوران جاك هيرزوغ وبيير دي ميرون مع الفنان الصيني المنشق آي ويوي لتصميم الملعب الرئيسي لأولمبياد 2008 في بكين، والمعروف باسم عش الطائر. قال المهندسون المعماريون بكل جدية أنه بعد انتهاء الألعاب، يمكن استخدام الأماكن العامة والحدائق المحيطة بالملعب والمساحات الخارجية الكهفية كمواقع للتجمع والنشاط الديمقراطي. لقد اعتقدوا أن ذلك من شأنه أن "يغيّر الصين". قال رِم كولهاس، مصمم مقر تلفزيون الصين المركزي في بكين الذي افتُتح بعد الألعاب الأولمبية، أن المهندسين المعماريين بحاجة إلى تبني "نهج أكثر دقة عند النظر إلى التطورات في البلدان الديكتاتورية". وذكر المهندس الهولندي "اللامع" أن قضايا الحرية والعدالة والديمقراطية، على الرغم من أهميتها، تحتاج إلى أن تثار دون التحدث عن "الجانب الأخلاقي" ولا يمكن أن تحدث إلا إذا كان هناك حوار. وأضاف كولهاس: "في الصين، هناك نظام استبدادي للغاية يقوم بأشياء رائعة من نواح كثيرة لمواطنيه".
هناك رؤى متشابهة جدًا عندما يشارك المهندسون المعماريون في أعمال في الشرق الأوسط، وخاصة الخليج الغني بالنفط والغاز. عندما سُئلت المهندسة المعمارية البريطانية العراقية الراحلة التي لها صيت عالمي زها حديد عن مسؤوليتها فيما يتعلق بمأساة العمال المهاجرين المشاركين في بناء استاد الوكرة بالدوحة (المعروف الآن باسم استاد الجنوب) استعدادًا لكأس العالم 2022، ردت قائلة: "لا علاقة لي بالعمال. أعتقد أن هذه مشكلة يجب على الحكومة حلها—إذا كانت هناك مشكلة—نأمل أن يتم حل هذه الأمور".
تصميم زها حديد للملعب مميز معماريًا، بأسلوب متموج مميز، لكن هل يجب أن تحل الاعتبارات الجمالية محل الآثار الاجتماعية والسياسية لقبول أعمال من الدولة القطرية؟ مثل هذا التصريح الجريء من قبل زها حديد—التي واجهت تدقيقًا مشابهًا لمشاريعها في بلدان أخرى، مثل مركز علييف الثقافي في أذربيجان، والذي تم تشبيهه بـ "غسل سمعة الديكتاتوريات من خلال الفن"—يوضح أحد القضايا الرئيسية في هذا الحدث الضخم في قطر: العلاقة الدنيئة بين الأنظمة الاستبدادية والعمارة والمشاريع العملاقة، والتي تسعى الأنظمة من خلالها إلى تبييض، أو غسل سجلات حقوق الإنسان التعسفية، وتقديم بلدها كمنارة للمشاركة والتقدم.
قطر ليست وحدها في هذا الصدد. يمكن توجيه اتهامات مماثلة لاستضافة الأرجنتين لكأس العالم 1978 عندما كانت تحت حكم المجلس العسكري، واستضافة روسيا لكأس العالم 2018 التي كانت انتصار دعائي لفلاديمير بوتين، وانتهاكات الصين للعمال المهاجرين أثناء التحضير لأولمبياد 2008 في بكين، أو أكثر قربًا لقطر، استغلال دبي لقوة عاملة مهاجرة هائلة في الإمارات العربية المتحدة في معارضها الدولية المتعددة، مثل معرض إكسبو في دبي 2020. وحتى معاملة الولايات المتحدة للعمال المهاجرين غير المسجلين، حيث ستستضيف كأس العالم المقبلة إلى جانب المكسيك وكندا. يجب التحدث عن الظلم متى وحيثما يحدث. في الواقع، فإن المهندسين المعماريين—خاصة أولئك الذين يتمتعون بمكانة حديد وكولهاس وآخرين، مثل نورمان فوستر الذي صمم ملعب لوسيل الذي سيستضيف نهائي كأس العالم—عليهم التزام إضافي لتحدي من هم في السلطة، بدلًا من قبول أعمال سخية أخرى منهم.
لا شك أن التحول الحضري المحموم في الدوحة لم يستخدم فقط الآلاف من العمال المهاجرين، ولكن أيضًا جيشًا من المهندسين المعماريين والمخططين والاستشاريين، وكلهم في خدمة تنظيم كأس العالم—بتكلفة تبلغ حوالي 300 مليار دولار. ذهب جزء كبير من الإنفاق الضخم في هذه الدولة البترولية الصغيرة إلى بناء بنية تحتية كاملة، بما في ذلك نظام مترو جديد لاستيعاب 1.2 مليون زائر متوقع لكأس العالم. وتم إنشاء سبعة ملاعب جديدة حصريًا للبطولة، كلها باستثناء واحد سيتم تفكيكه في ختام البطولة. يوجد أيضًا مطار جديد وسلسلة واسعة من الطرق الجديدة وحوالي 100 فندق جديد. يضاف إلى ذلك مشروع تجديد واسع النطاق لوسط المدينة، والذي يتضمن تطوير مشيرب، وهو حي راق ومتعدد الاستخدامات يوصف بأنه "وسط مدينة الدوحة الجديد" والذي يشبه إلى حد كبير أي مشروع فاخر آخر في دبي أو أبو ظبي أو غيرها من مدن الخليج.
تماشيًا مع مشاريع مماثلة في المنطقة، تم بناء مدينة جديدة بالكامل، لوسيل—والتي تم التخطيط لها وتصميمها بشكل كبير من قبل فوستر—حول الملعب الذي سيستضيف المباراة النهائية. تشير الأرقام الحكومية الرسمية إلى أنه تم توظيف 30,000 عامل أجنبي فقط لبناء الملاعب، من بين إجمالي القوى العاملة المهاجرة التي تقدر بنحو مليوني عامل. يأتي معظمهم من بنغلاديش والهند والنيبال والفلبين. لوضع هذه الأرقام في سياق أكبر، من بين ما يقرب من 3 ملايين نسمة، يشكل المواطنون القطريون 15 بالمئة فقط من البلاد، أو حوالي 350,000 شخص. لا شك أن مثل هذا الخلل الديموغرافي الهائل يمثل مشكلة ويكشف عن عدم المساواة الهائل في قطر (كما هو الحال في معظم دول الخليج)، لكنه يسلط الضوء أيضًا على حقيقة أن جهود البناء السريعة هذه لا تأتي بدون تكلفة بشرية.
فبحسب ما أشارت العديد من التقارير، لا جدال في أن آلاف العمال لقوا حتفهم أثناء العمل الشاق في العديد من مواقع البناء في قطر. وزعمت صحيفة الغارديان، في تقرير استُشهد به على نطاق واسع واعتمد جزئيًا على أرقام السفارات الرسمية لبلدان المهاجرين الأصلية، أن أكثر من 6,500 عامل مهاجر من الهند وباكستان والنيبال وبنغلاديش وسريلانكا لقوا حتفهم في قطر منذ فوزها باستضافة كأس العالم. تُقدر الأرقام الإجمالية بأنها أعلى من ذلك بكثير، لأن تقارير الغارديان لم تتضمن الوفيات من دول مثل الفلبين وكينيا التي ترسل أيضًا آلاف العمال إلى قطر.
هذه الإحصائيات ليست أرقام مجردة. وراء كل وفاة قصة مأساوية توضح الظروف الأليمة التي يجب أن يعمل هؤلاء المهاجرون في ظلها. خذ على سبيل المثال محمد شهيد مياه، وهو مهاجر من بنغلاديش ظهر في مقالة الغارديان تلك، حيث تعرض للصعق بالكهرباء في منزله الرديء الخاص بالعمال بعد أن لامست مياه الفيضانات كابلات كهربائية مكشوفة. يعيش عدد لا يحصى من الآخرين أمثاله في مخيمات العمال، في مناطق لها أسماء مثل المنطقة الصناعية والمدينة الآسيوية، بعيدًا عن مشهد المدينة الجذاب الذي بنته حكومة قطر للزوار.
هذه المخيمات ليست إلا مناطق شعبية حيث من المفترض أن يجد العمال فيها بعض الراحة بعد الكدح لساعات طويلة تحت شمس الخليج القاسية. ومع ذلك، مرة أخرى يمكن أن تكون هذه الظروف غير الإنسانية قاتلة. على الرغم من أن ظروفهم المعيشية مزرية، فقد طُرد العديد من العمال منهم قبل المباراة الافتتاحية لكأس العالم الشهر الماضي. تم إنهاء عملهم لأنه لم تعد هناك حاجة إليهم. ولأنهم وجدوا أنفسهم في الشارع، فقد كافحوا للعثور على عمل أو حتى العودة إلى وطنهم.
تشكك الحكومة القطرية في هذه الحقائق والأرقام وتقول أنه تم تنفيذ إصلاحات في أوضاع العمل. ومع ذلك، فقد كان تنفيذ تلك الإصلاحات غير متسق ومتقطع.
ماذا لو تم تطبيق شعار الفيفا "اللعب النظيف" على البناء والعمارة؟ الفكرة هي أن البيئة المبنية يجب أن تلعب دورًا في ضمان الوصول العادل للجميع وليس فقط قلة مختارة—وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع كأس العالم في قطر، ولكن أيضًا كأس العالم السابقة في روسيا والمعرض العالمي في دبي. ماذا لو تبنّى المهندسون المعماريون والمخططون الحضريون مدونة أخلاق خاصة بهم، على غرار قَسَم أبقراط في مهنة الطب، لدعم المعايير الأخلاقية و "عدم إلحاق الضرر"؟ يمكن النظر إلى ذلك على أنه "قَسَم للمهندسين المعماريين" يتعهدون فيه بعدم الانخراط في مشاريع من شأنها أن تؤدي إلى الظلم والقمع والإقصاء.
الحقيقة المؤسفة بالطبع هي أن الأذى يحدث بغض النظر عن النوايا الحسنة. إنّ مجرد الاستماع إلى بعض شهادات العمال المهاجرين المشاركين في بناء العمارة المذهلة في قطر أمر مفجع، لأنه يوضح كيف تم منعهم من الاستمتاع بالحدث الذي لعبوا دورًا كبيرًا في بنائه. خصصت صحيفة أثليتيك مؤخرًا مقالًا رائعًا لمذكرات أربعة عمال مهاجرين، اثنان من النيبال واثنان من كينيا. وكما كتب كارون، من النيبال: "حاولتُ شراء التذاكر. لسوء الحظ، لم تكن هناك طريقة للقيام بذلك. كنت حزينًا جدًا. كنا نأمل جميعًا في مشاهدة الحدث في الملعب! لكن بدلًا من ذلك، كنتُ أشاهده على هاتفي المحمول، جالسًا في غرفتي". ويقول جاغات، وهو عامل نيبالي آخر: "أنا لا آكل الفراولة في قطر. أشتري غاز الطهي وأطبخ ما أستطيع في مكان إقامتي. يوجد 60 إلى 70 شخصًا منا على نفس الأرضية، وهناك ستة حمامات فقط لنا".
ستقام قريبًا المباراة النهائية لكأس العالم هذه، وربما سيكون الهدف الأخير المسجل باسم أحد النجوم الرياضيين المشهورين في الدوحة: ميسي أو مبابي أو رونالدو. وسيتم منح الكأس الذهبية الخالصة. المشجعون سوف يهتفون. وسيهنئ الفيفا نفسه وقطر على هذه البطولة الناجحة، الأولى في الشرق الأوسط. وستعلن قطر انتصارها وأنها أصبحت دولة تستحق أن تسمى حديثة وتقدمية.
لكن بالنسبة للعديد من العمال المهاجرين، الذين يكدحون طوال اليوم في حرارة الصحراء ويعيشون في مخيمات عمل ضيقة، فهناك قصة مختلفة قد تنتهي بشكل مأساوي بالنسبة للبعض. ستستمر مثل هذه الظروف غير العادلة حتمًا في جميع أنحاء الخليج بعد انتهاء كأس العالم. الإمارات العربية المتحدة المجاورة تستعد بالفعل لحدثها الكبير القادم في مؤتمر المناخ (COP28) العام المقبل، بينما تتطلع المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم 2030. يجب على المهندسين المعماريين، وخاصة "المعماريين المشهورين" الذين صمموا وبنوا الكثير من مباني كأس العالم هذه والعديد من المشاريع الأخرى في جميع أنحاء الخليج، أن يستخدموا مناصبهم وامتيازاتهم وقوتهم للتحدث عن هذا الأمر. لديهم صوت، ولكن إذا ظلوا صامتين، فسوف يستمر سوء المعاملة والاستغلال دون رادع. ولا يمكن لأي قدر من غسيل السمعة عبر الرياضة أن يمحو هذا الإرث المؤسف.