English
ملاحظة المحرر: هذه المقالة مقتبسة من ورقة بحثية تم تقديمها في ورشة عمل بعنوان "حقوق الإنسان تذهب إلى الحرب" والتي عقدتها منظمة (DAWN) وشارك في رعايتها مركز شيل لحقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق بجامعة ييل.
هناك عدد من المنظمات التي يتضمن عملها التركيز على القانون الإنساني الدولي والنزاع المسلح—ومن بينها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومجموعة الأزمات الدولية—تدعم أو دعمت المفهوم الإشكالي للتدخل العسكري لأسباب "إنسانية"، والتي تنطوي عادةً على دعوة دولة أو تحالف دول للتدخل في حالة نزاع مسلح في بلد آخر لوقف أو منع وقوع فظائع جماعية. لقد حان الوقت لمراجعة وإصلاح مثل هذا الدعم للتدخل العسكري، ليس فقط لأنه يتعارض مع مهام المنظمات في دعم حقوق الإنسان والقوانين والأعراف الدولية، ولكن لأنه يعمل كذلك على إدامة الصراع المسلح والسياسات الخارجية الغربية المفرطة في العسكرة.
تتطلب معايير المنظمات للدعوة إلى التدخلات العسكرية الإنسانية بشكل عام تحديد أن مثل هذه التدخلات ستؤدي إلى منافع—أي وقف الفظائع أو منعها—أكثر من أضرار، أي الموت والدمار وزعزعة الاستقرار بسبب التدخل العسكري المقترح. في حين أن ميثاق الأمم المتحدة يصرّح بالحرب فقط للدفاع عن النفس أو وفقًا لتفويض من مجلس الأمن الدولي، إلا أن بعض المنظمات تسمح بالتدخل العسكري الإنساني حتى في حالة عدم وجود مثل هذا التفويض، في حين أن البعض الآخر منها يقيد مثل هذه التدخلات فقط إذا تم التفويض بها من قبل مجلس الأمن.
ركزت الانتقادات الموجهة للمنظمات التي تركز على الحقوق والتي تسمح لوائحها بالدعوة للتدخل العسكري الإنساني—منفصلة ومتمايزة عن انتقادات التدخلات الإنسانية في حد ذاتها—على عدم اتساق عمل هذه المنظمات في تعزيز حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، مع العمل من أجل الترويج للحرب، حتى لو كانت لأغراض إنسانية معلنة. يبدو أيضًا أن مثل هذه اللوائح المتساهلة تستند إلى مفاهيم مسبقة عن الاستثناء الأمريكي أو الغربي، حيث تم توجيه دعوات لمثل هذا التدخل حصريًا إلى حكومة الولايات المتحدة و/أو دول غرب أوروبا، على افتراض أنها وجهودها الحربية ستكون قوى "خيّرة" متأصلة، غافلين عن الفظائع الأخيرة التي قامت بها تلك الدول حول العالم أو متسامحين معها.
ومن الجوانب المقلقة الأخرى للدعوات للتدخل العسكري الإنساني أنها تصدر في حالات فردية من نزاع مسلح ينطوي على فظائع. يؤدي اتخاذ القرار على أساس كل حالة على حدة إلى تضخيم النقطة العمياء في تقييم الأضرار الأوسع للنزعة العسكرية المفرطة وصناعة الحرب من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، ما يجعل معالجة كل أزمة تستدعي دعوات للتدخل الإنساني، والاستجابة المناسبة لها، فريدة من نوعها. تمارس المنظمات أيضًا انتقائية إشكالية في تحديد حالات الفظائع التي تستحق أن يكون فيها تدخل عسكري إنساني. لا يوجد سجل لأي من هذه المنظمات تطالب بمثل هذا التدخل حيث يكون الجناة وراء الفظائع أو الفظائع المحتملة هم حلفاء الولايات المتحدة أو دول غرب أوروبا، مثل إسرائيل أو السعودية. أخيرًا، هناك تناقض في المواقف المعلنة للحياد في النزاع المسلح، والتي ترفض عادةً إصدار حكم بشأن بدء العدوان العسكري أو الحرب والتي تمنع منظمة هيومن رايتس ووتش، على سبيل المثال، من توجيه دعوات لوقف إطلاق النار، مقابل المواقف التي تسمح بالدعوة إلى الحرب لأسباب "إنسانية" معلنة.
لمعالجة هذه المخاوف، اقترحت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) سلسلة من التوصيات التي تحث منظمات حقوق الإنسان وغيرها من منظمات المناصرة التي لديها سياسات تسمح بالتدخل الإنساني لمراجعتها وتطوير العمل البرامجي لأخذ الأمور على محمل الجد وترتيب الأولويات فيما يتعلق بالحق في الحياة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الضغط من أجل إنهاء النزاعات المسلحة ومبيعات الأسلحة على الصعيد العالمي.
الحق في الحياة مقابل قوانين الحرب
تخضع مجموعات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات المناصرة بشكل عام للقانون والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتعلن أنها تسترشد بها. وتشمل هذه المعاهدات المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه"، والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أن "كل إنسان له الحق الأصيل في الحياة. يجب حماية هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا."
هناك تضارب متأصل بين مفهوم الحق في الحياة وقوانين الحرب، التي توفر مبادئ توجيهية للقتل المشروع في أوقات النزاع المسلح. ويرتبط هذا التضارب بالفهم العام بأن عمليات القتل في أوقات النزاع المسلح التي لا تنتهك القانون الإنساني الدولي لا تشكل حرمانًا "تعسفيًا" من الحياة. ومع ذلك، لا توجد حرب لا يترتب عليها خسائر في الأرواح بسبب انتهاكات قوانين الحرب. والواقع أن التجاهل الواسع النطاق والمنهجي للقانون الدولي الإنساني الذي يؤدي إلى القتل التعسفي وغير القانوني للمدنيين هو الوضع السائد عالميًا. الحقيقة هي أن الحروب، من الناحية العملية، تنطوي دائمًا على انتهاكات لحق الإنسان في الحياة.
تم اللجوء لمفهوم التدخل العسكري "الإنساني" لأول مرة في الأمم المتحدة في حرب العراق عام 1991، عندما سمح مجلس الأمن للقوات الأجنبية بحماية اللاجئين الأكراد العائدين إلى شمال العراق. أدى ذلك إلى فرض مناطق حظر طيران في شمال العراق من قبل الولايات المتحدة وفي جنوب العراق من قبل المملكة المتحدة، ما سمح بشن هجمات على الطائرات العراقية في الأراضي الخاضعة للسيادة العراقية. تبع ذلك تدخل الناتو في كوسوفو، وهو أول تدخل عسكري من هذا القبيل دون موافقة من مجلس الأمن، مع تبرير الناتو قصفه لكوسوفو بأنه جهد إنساني لإنقاذ شعب كوسوفو المحاصر والألبان. لقد كان الدافع لذلك المذبحة التي وقعت سابقًا في عام 1995 لحوالي 8,000 رجل وصبي مسلم في مدينة سريبرينيتشا في البوسنة، حيث أُدين المجتمع الدولي لعدم تحركه. وأعلنت اللجنة الدولية المستقلة بشأن كوسوفو لاحقًا أن قصف كوسوفو من قبل الناتو "غير قانوني ولكنه مشروع" ودعت إلى اتفاقية دولية جديدة للتدخل العسكري الإنساني.
أدت هذه الصراعات وغيرها في تسعينيات القرن الماضي والتي اشتملت على فظائع بين المدنيين، في رواندا على وجه الخصوص، إلى قيام العديد من المنظمات بإصدار دعوات للتدخل العسكري "الإنساني"—أي التدخل العسكري لمنع وقوع فظائع، على الرغم من تعارض ذلك مع التزامها بحماية الحق في الحياة. من السمات المثيرة للجدل والحاسمة لمثل هذه الدعوات أنها سمحت بالموافقة على التدخلات العسكرية حتى لو انتهكت الحظر على استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة، الذي لا يعترف بالتدخل العسكري القانوني إلا كدفاع عن النفس أو إذا تم الموافقة عليه من قبل الامم المتحدة.
تتعارض هذه الدعوات أيضًا مع الحياد المعلن لمنظمات مثل منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، التي ترفض عمومًا اتخاذ موقف يدين نزاعًا مسلحًا في حد ذاته أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار في النزاعات المسلحة. كما تشرح منظمة العفو الدولية، وعلى غرار منظمة هيومن رايتس ووتش، "المنظمة بشكل عام لا تدين أو تتغاضى عن اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية، ولا تقدم أي تعليقات أو تصدر أحكامًا على الحجج التي تبرر استخدام القوة." إنّ الحجج الإنسانية لتبرير الدعوات إلى استخدام القوة هي بالطبع الاستثناء من ذلك.
ما يلي هو نظرة موجزة وغير مكتملة على الأرجح لسجل المنظمات الحقوقية والنزاعات المسلحة الرائدة في دعوات التدخل العسكري الإنساني، بناءً على المناقشات مع موظفي تلك المنظمات ومراجعة لسياساتها ومنشوراتها.
تبنت منظمة هيومن رايتس ووتش سياستها بشأن التدخل الإنساني في عام 1996، بشأن "الاستخدام الدولي للقوة العسكرية" (توجد نسخة من الوثيقة لدى منظمة DAWN). توضح هذه الوثيقة المعايير التي ستأخذها المنظمة في الاعتبار قبل الدعوة إلى التدخل الإنساني من قبل دولة أو دول حتى في حالة عدم وجود تفويض من مجلس الأمن: فظائع جماعية أو تهديد بارتكاب فظائع جماعية، واستنفاد بدائل التدخل العسكري في نزاع معلق، على سبيل المثال، الدبلوماسية، بحيث يكون مثل هذا التدخل هو حقًا الملاذ الأخير، وتقييم أن التدخل العسكري من المرجح أن يؤدي إلى نفع أكثر من ضرر. في حين تقول منظمة هيومن رايتس ووتش بخلاف ذلك إنها محايدة في حالات النزاع المسلح وتحقق فقط في الامتثال لقوانين الحرب، إلا أنها لم توضح كيف تتوافق دعوات التدخل العسكري من قبل دولة أو دول في نزاع مسلح مع موقفها العام من الحياد. المنظمات الأخرى التي أيدت التدخل بشكل عام تطبق نفس المعايير.
قبل التبني الرسمي لهذه السياسة، أيدت منظمة هيومن رايتس ووتش التدخلات العسكرية الإنسانية في العراق عام 1991، لدعم مناطق حظر الطيران التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك التدخلات في الصومال ورواندا والبوسنة وتيمور الشرقية. لكن منذ ذلك الحين، لم تطبق هذه السياسة رسميًا وعلنيًا. أوضحت منظمة هيومن رايتس ووتش سبب عدم تصنيف التدخل العسكري الأمريكي في العراق عام 2003 على أنه "تدخل إنساني." وقد ناقش موظفوها الأمر على نطاق واسع ولكنهم قرروا في النهاية عدم الدعوة إلى التدخلات الإنسانية في ليبيا وسوريا، مع عقد اجتماعين "لجميع الموظفين" حول التدخل في سوريا على مدار الحرب الأهلية. حدثت هذه النقاشات خلال دعوات عامة مكثفة لتدخلات بدون تفويض من الأمم المتحدة في كل من ليبيا وسوريا، لكن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تشارك علنًا قرارها بعدم الدعوة إلى هذه التدخلات العسكرية. نتيجةً للنقاش حول المعايير والإجراءات في سياسة التدخل فيما يتعلق بليبيا، قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بتعديل سياستها بشكل طفيف في عام 2012.
في نفس الوقت تقريبًا، في عام 2005، تبنت هيئة الحوكمة الدولية التابعة لمنظمة العفو الدولية سياسة استثنائية جديدة بشأن التدخل العسكري، وفي عام 2016 أصدرت إرشادات مفصلة حول كيفية تنفيذ هذه السياسة (توجد نسخة منها لدى منظمة DAWN). وسبق هذه السياسة وتبعها نقاشات داخلية مكثفة، لا سيما فيما يتعلق بأي تصريح من المنظمة للدعوة إلى التدخل العسكري. وتجدر الإشارة إلى أن سياسة منظمة العفو الدولية لديها حواجز حماية أكثر صرامة من تلك التي تتبعها منظمة هيومن رايتس ووتش، أهمها أنها تتطلب أنها قد تدعو فقط إلى استخدام للقوة من خلال تفويض من الأمم المتحدة وبما يتوافق فقط مع القانون الدولي.
أشارت المبادئ التوجيهية الأصلية لمنظمة العفو إلى أنها لم تضع بعد سياسة بشأن القرار 1674، الذي تبناه مجلس الأمن بالإجماع في عام 2006، بشأن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، والذي يُفهم على نطاق واسع أنه يسمح بالتدخل العسكري لحماية المدنيين. واستشهدت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومجموعة الأزمات الدولية بالقرار في رسالة وجهتها عام 2006 إلى مجلس الأمن تحثه على السماح باستخدام القوة العسكرية في السودان باعتباره "اختبارًا رئيسيًا لالتزام مجلس الأمن بمفهوم المسؤولية عن الحماية." ورفضت منظمة العفو الدولية في وقت لاحق الدعوة إلى التدخل العسكري في سوريا وسط حربها الأهلية وصرحت علنًا بأنها رفضت القيام بذلك. كان هذا في حد ذاته موقفًا صعبًا ومثيرًا للجدل تم اتخاذه في وقت كان كبار المسؤولين في الحكومات الأمريكية والبريطانية والفرنسية يسعون للحصول على دعم المجتمع المدني للتدخلات العسكرية الأحادية التي كانوا يفكرون بها ضد نظام الرئيس بشار الأسد، خاصة بعد استخدام نظام الأسد أسلحة كيماوية ضد المدنيين في عام 2013.
في حين أن الموقف العام لمنظمة العفو الدولية لا يزال قائمًا على أنها لا تعلّق على شرعية أو استصواب تدخلات عسكرية معينة أو أشكال أخرى من النزاعات المسلحة، إلا أن سياستها الجديدة لعام 2016 تسمح لها بدعم ومعارضة استخدام القوة العسكرية عبر الحدود الدولية، مرهونة بالمعايير والبروتوكولات الداخلية. في أبريل/نيسان 2022، أصدرت منظمة العفو الدولية أول دعوة لها، حيث أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره "عملًا عدوانيًا" ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، متذرعة على ما يبدو بهذه السياسة. وتعيد السياسة التأكيد بشدة على أن منظمة العفو الدولية لن تتخذ موقفًا بشأن استخدام القوة داخل الدولة، موضحة أنه يجب عليها تجنب الانحياز لأي طرف في النزاعات المسلحة الداخلية. كما أن هذه السياسة تسمح صراحةً للمنظمة بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، ولكن فقط إذا كان لا يمكن اعتبار هذه الدعوة على أنها توفر ميزة عسكرية لأي من الطرفين المتحاربين.
هناك القليل من المعلومات المتوفرة حول سجلات وسياسات المنظمات الأخرى. دعت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى التدخل العسكري في كوسوفو في أغسطس/آب 1998 وذهبت إلى أبعد من ذلك للضغط من أجل دخول قوات برية في يناير/كانون الثاني 1999، بينما حذرت من التأثير المحتمل لحملة القصف على المدنيين. عندما بدأ القصف، انتقدت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان تأثيره على المدنيين لكنها لم تطالب بوقفه.
تجنبت مجموعة الأزمات الدولية عمدًا اتباع سياسة رسمية بشأن التدخل العسكري، مشيرة إلى أنها تأخذ كل حلقة من نزاع مسلح على أساس كل حالة على حدة. لقد أيدت التدخل الإنساني في كوسوفو وكذلك في ليبيا، ولكن فقط كدعم لخيارها المفضل المتمثل في المفاوضات الدبلوماسية. في عام 2012، دعت لويز آربور، الرئيسة والمديرة التنفيذية للمجموعة آنذاك، إلى تغيير النظام كهدف مناسب إذا حدث تدخل عسكري إنساني. في سوريا، عندما نظرت المجموعة أخيرًا في الدعوة إلى التدخل العسكري، أصدرت تقريرًا في عام 2015 يقدم توصية على استحياء إلى الولايات المتحدة لاتخاذ تدابير محدودة للتدخل العسكري، بما في ذلك فرض منطقة حظر طيران في جنوب سوريا. ومع ذلك، تُصدر مجموعة الأزمات الدولية دعوات لوقف إطلاق النار وتدين الغزو، دون أي قيود سياساتية لتقييد المواقف التي تتخذها بشأن هذه القضايا.
معايير إشكالية
المعايير القياسية لاستدعاء التدخل العسكري هي نفسها إشكالية للغاية وذاتية وتنطوي على قدر هائل من التخمين والأمل في تحقيق الأفضل. ما الذي يشكل "فظائع جماعية" أو حتى أكثر غموضًا "خطر الفظائع الجماعية"؟ كيف يتم معرفة ما إذا كانت الوسائل العسكرية هي بالفعل "الملاذ الأخير"؟، والأهم من ذلك، كيف يتم معرفة ما إذا كانت فوائد التدخل ستفوق الأضرار؟—هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها في أي وقت. لكن من الصعب الإجابة عليها بشكل خاص في أوقات الطوارئ والضغط الدولي، حيث يوجد شعور غامر بالرغبة في القيام "بشيء ما" والحاجة إلى أن يُنظر إليها على هذا النحو، في مواجهة أزمة تهدد حياة السكان الضعفاء.
لا توجد معايير متفق عليها بشكل عام لما يشكل على وجه التحديد "فظائع جماعية" باستثناء تعريفها على أنها "عنف منظم واسع النطاق ضد السكان المدنيين." اقترح مشروع الإنذار المبكر وقوع 1,000 شخص كحد أدنى من الوفيات بين المدنيين ليتم تصنيف الوضع على أنه فظائع جماعية، لكن لا يوجد إجماع على ذلك. حتى أن هناك فهمًا أقل للظروف التي قد تسمح لنا باستنتاج أن الفظائع "محتملة" أو "وشيكة"، على الرغم من أنها لم تحدث بعد. خذ على سبيل المثال الصراع الأخير في ليبيا، حيث سمح قرار مجلس الأمن رقم 1073 بالتدخل العسكري لأسباب إنسانية—"واتخاذ جميع التدابير اللازمة"—لمنع الفظائع ضد الليبيين الذين ثاروا ضد معمر القذافي في عام 2011، في الوقت الذي قتلت فيه قواته حوالي 350 متظاهرًا في شرق ليبيا. اعتبر مجلس الأمن هذه الهجمات جرائم ضد الإنسانية، لكنه أشار على وجه التحديد إلى ضرورة حماية المدنيين في مدينة بنغازي الشرقية، والتي قال القذافي أنه سيقتحمها لإنهاء الثورة ضد نظامه. ثم تحول التدخل بقيادة حلف الناتو إلى عملية لتغيير النظام، حيث قصفت قوات الناتو العاصمة طرابلس ومدن رئيسية أخرى، مستهدفة القذافي ومقاتليه المهزومين أثناء فرارهم إلى غرب ليبيا.
ومع ذلك، كان هناك شعور عالمي واسع النطاق بأن القذافي كان طاغية شرير فريد من نوعه يجب إيقافه، مدفوعًا جزئيًا على الأقل بالتعاطف العام الواسع مع الانتفاضات العربية، بالإضافة إلى أدلة على وجود آلاف المتظاهرين في مصر وتونس والبحرين واليمن الذين قُتلوا برصاص حكوماتهم. لم تطالب أي من منظمات حقوق الإنسان بالتدخل العسكري في أي من هذه البلدان أثناء الهجمات على المتظاهرين، لكن منظمة هيومن رايتس ووتش ومجموعة الأزمات الدولية فكرتا في توجيه مثل هذه الدعوة بالنسبة لليبيا. لم يكن هناك تساؤل عام عما إذا كانت هذه الوفيات جماعية بما فيه الكفاية، سواء بالنسبة إلى فظائع أخرى أو كحدث فريد لتبرير التدخل العسكري الذي من شأنه (وقد تم ذلك) أن يكلف على الأقل إزهاق العديد من أرواح المدنيين.
رفضت منظمة هيومن رايتس ووتش في النهاية توجيه دعوة للتدخل الإنساني في ليبيا لأنه لم يتم تقديم أي حجة مقنعة داخليًا تفيد بحدوث فظائع جماعية بالآلاف، أو أنها ستحدث، لكن المنظمة لم تعدل سياستها مطلقًا لتوفير معايير كمية أو نوعية لتحديد ما يشكل "فظائع جماعية." ومع ذلك، أدلى كبار المسؤولين في المنظمة بتصريحات تدعم التدخل العسكري الإنساني، بحيث كان يُنظر إلى منظمة هيومن رايتس ووتش على نطاق واسع على أنها أيّدت تدخل الناتو. ومن الملاحظ أن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تصدر بيانًا قالت فيه إنها ناقشت التدخل لكنها امتنعت عن تأييده. على النقيض من ذلك، دعت مجموعة الأزمات الدولية فقط إلى التدخل العسكري في ليبيا كدعم إذا فشلت الدبلوماسية.
ربما يكون هذا المعيار، أكثر من أي معيار آخر، المتمثل في التذرع بـ "الفظائع الجماعية" لتبرير الدعوة إلى التدخل العسكري، هو الذي يُخضع مجموعات حقوق الإنسان ومنظمات المناصرة الأخرى لاتهامات تتعلق بالانتقائية، حيث أن الاهتمام والتعاطف العام مع أحد أطراف الصراع يبدو أنه تمليه المقتضيات الإعلامية والسياسية، على عكس المعايير الموضوعية للفظائع الجماعية نفسها. كما تم ملاحظته، لم تحث أي منظمة على التدخل العسكري لحماية المدنيين أثناء الهجمات العنيفة ضد المتظاهرين في مصر أو اليمن، والتي تضمنت فظائع موثقة جيدًا، في نفس الوقت الذي كان فيه التدخل في ليبيا قيد المناقشة. وبالمثل، وفي موازاة ذلك، على الرغم من أن الكثيرين أيدوا التدخل العسكري لحلف الناتو عام 1999 في كوسوفو مستشهدين بمقتل 1,500 مدني هناك في عام 1998، لم يدعو أحد إلى التدخل العسكري في فلسطين بعد بدء الانتفاضة الثانية، عندما قتلت القوات الإسرائيلية 1,500 مدني فلسطيني فيما بين عامي 2000 و 2002. بحلول الوقت الذي انتهت فيه الانتفاضة الثانية، قتلت القوات الإسرائيلية حوالي 3,000 مدني فلسطيني.
لم تكن هناك أيضًا دعوة للتدخل الإنساني في اليمن منذ بدء الحرب السعودية الإماراتية هناك في عام 2015، بدعم من الولايات المتحدة.—وهي حرب خلّفت مئات الآلاف من القتلى اليمنيين، التي كان سببها أساسًا الهجمات السعودية والإماراتية العشوائية والمتعمدة على المدنيين وكذلك حصارهم البري والبحري والجوي غير المشروع على البلاد. لو كان هناك تأخير في الدعم العسكري الأمريكي وأوروبا الغربية لأوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي، لكان من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت منظمات حقوق الإنسان والمناصرة ستنظر في الدعوة للتدخل العسكري هناك، نظرًا لعدم قيامها بمثل هذه الدعوات في اليمن.
يعتبر مفهوم القوة العسكرية "كملاذ أخير" معيارًا آخر يصعب تحديده، وهو مثقل بالقرارات الذاتية والخطيرة في كثير من الأحيان بناءً على المعلومات المتوفرة غير الكاملة. هناك العديد من خطوط التحقيق المشروعة التي هي في أحسن الأحوال قابلة للنقاش ولكن من غير المرجح أن تقدم إجابة مؤكدة بأن التدخل العسكري هو الملاذ الأخير حقًا: إلى أي مدى تم استنفاد الجهود الدبلوماسية فعلًا؟ وإلى أي مدى قد تُحبط التدخلات العسكرية السرية أي محاولات دبلوماسية جارية، كما كان الحال في سوريا؟ وإلى أي مدى تدفع المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية للتدخل العسكري والتقليل أو التقويض احتمالات الخيارات البديلة لحل النزاع؟
إنّ أهم المعايير التي يجب على منظمات حقوق الإنسان والمناصرة استيفاءها قبل الموافقة على التدخل العسكري، والأكثر صعوبة إن لم تكن مستحيلة، هي أن يكون من المرجح أن نفع التدخل العسكري أكثر من ضرره. بالنظر إلى المدى الذي يتعارض فيه مفهوم التدخل العسكري مع المهام الأساسية لدعم حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، يؤدي ذلك إلى تقويضها. يجب أن يكون هناك استنتاج قوي جدًا وواضح جدًا مفاده أن التدخل العسكري سينفع أكثر من ما يضر، قبل الدعوة لمثل هذا التدخل. ومع ذلك، يبدو أنه لا توجد طريقة عملية وواقعية لأي منظمة للوصول إلى مثل هذا الاستنتاج.
عملية طرح سؤال "النفع" مقابل "الضرر" تميل إلى الكشف عن تحيزات المنظمات نفسها، المشحونة بمفاهيم الثقة. سواء كان السؤال من تدقيق ضيق للحقائق فيما يختص بالنزاع والجهات الفاعلة المعينة في الحرب، أو بالنظر بشكل أوسع إلى السجلات التاريخية والعالمية لهؤلاء الفاعلين في النزاعات المسلحة، غالبًا ما تعتمد الإجابات على وجهات النظر العالمية والخلفيات والتجارب الشخصية لموظفي المنظمة، على عكس التقييم المحايد للمعايير الموضوعية.
يوجد دراسة حالة عن سوريا تكشف هذا الأمر. اعتقد أولئك الذين يدافعون عن التدخل العسكري الأحادي من قبل الولايات المتحدة في سوريا في نهاية المطاف من باب الإيمان بقدرة الحكومة الأمريكية على أن تكون جهة فاعلة خيّرة وموثوقة أن دافع الولايات المتحدة الأساسي هو إنقاذ المدنيين السوريين، وتجاهلوا جميع الحقائق والسياقات الأخرى أو قللوا من شأنها. ويشمل ذلك سجل الولايات المتحدة في العراق المجاور، الذي دمره الغزو والاحتلال الأمريكي، والذي تم ترويجه زورًا للأمريكيين بأنه تدخلًا إنسانيًا. أدت الحرب إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين، بينما احتجزت القوات الأمريكية آلاف العراقيين وأخضعت الكثيرين لانتهاكات مروعة. على الرغم من الدعم العسكري الأمريكي المستمر للأنظمة الأخرى في نفس المنطقة التي ترتكب الفظائع في نفس الوقت الذي تحولت فيه الانتفاضة السورية إلى حرب أهلية، ظل العاملون في منظمات حقوق الإنسان الذين يضغطون من أجل التدخل العسكري الأمريكي مقتنعين بأن الولايات المتحدة ستكون فاعلًا لـ "خيّرًا" في سوريا. مهما كان الضرر الذي سيكلفه التدخل العسكري بالنسبة للمدنيين السوريين على المدى القصير أو الطويل، فإنه "يستحق المخاطرة"، كما وصفت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت العقوبات المدمرة على العراق في تسعينيات القرن الماضي.
إنّ مناقشة مثل هذا الاستنتاج يختص بمسؤولي الحكومة الأمريكية، ولكنه يمثل إشكالية كبيرة بالنسبة لمنظمة دولية ذات التزام معلن فقط بحقوق الإنسان للناس في جميع أنحاء العالم وسيادة القانون. ومن المثير للاهتمام، أن قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، الذين كانوا بأغلبية ساحقة من المنطقة ولديهم عقود من التجربة المباشرة للأعمال العسكرية الأمريكية هناك، عارضوا بالإجماع الدعوة إلى التدخل العسكري في سوريا في مناسبتين عندما فكرت المنظمة في ذلك. بعد ذلك انضمت إليهم كل الأقسام الإقليمية الأخرى في منظمة هيومن رايتس ووتش في رفض الدعوة للتدخل.
في المناقشة الثانية من هذا النوع التي عقدتها منظمة هيومن رايتس ووتش داخليًا، كان البعض في وزارة الخارجية الأمريكية يطالبون بنشاط بتأييد المنظمة للتدخل العسكري الأمريكي، بعد أن أثارت أدلة على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية ما دعا الرئيس باراك أوباما لفرض "خط أحمر" من خلال القوة العسكرية الأمريكية. كان هذا دليلًا على مدى اعتبار موقف منظمة هيومن رايتس ووتش مفيدًا لإقرار هذا التدخل العسكري. لكن صفقة اللحظة الأخيرة الخاصة بسوريا للتخلي عن ترسانتها من الأسلحة الكيماوية، والتي تفاوض عليها وزير الخارجية جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، خففت الضغط على أوباما، وامتنعت منظمة هيومن رايتس ووتش عن توجيه دعوة للتدخل العسكري، على الرغم من أن كبار المسؤولين في المنظمة كان لهم مواقف عامة تؤيد ذلك التدخل.
أخيرًا، يعني عدم وجود معايير للإجابة على السؤال المتعلق بـ "النفع" مقابل "الضرر" أن الإجابة غير كاملة دائمًا. أولًا، الحكم على النفع الناتج عن التدخل الوقائي من المستحيل قياسه من الناحية الواقعية، لأنه سيظل دائمًا تخمينيًا بالكامل، في غياب سجل مكتوب للخطط الوشيكة لقتل عشرات الآلاف من المدنيين. وفي حين يتم وضع النفع النظري المتمثل في "الأرواح التي يتم إنقاذها" على جانب واحد من المعادلة، فإن الأضرار المتوقعة—إطالة أمد الحرب مع وجود موارد عسكرية جديدة، وإضفاء الطابع الإقليمي على الصراع الداخلي وتدويله إلى ساحة معركة بالوكالة، على سبيل المثال لا الحصر في حالة سوريا—يمكن رفضه مباشرة باعتباره تخمينيًا أو بعيدًا.
هناك أيضًا قصر نظر خاص في تأييد التدخل العسكري كإجراء من شأنه أن ينفع أكثر من أن يضر، وهو ما يدفع إلى فكرة أن أسباب وعواقب النزاع المسلح تبدأ وتنتهي بالقتال القائم، وأنه يمكن إنقاذ الأرواح في فوهة البنادق الأكبر والأقوى. حتى التدخل "الناجح" لكوسوفو في عام 1999 لم يكن مجرد تدخل عسكري قصير، ولكنه تطلب، ولا يزال يتطلب، وجود قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو في البلاد بعد أكثر من 20 عامًا. إنّ الدعوة الواقعية والصادقة للتدخل يجب أن تفكر في عقود من حفظ السلام والدعم الإنساني والاقتصادي والسياسي للبلاد، على الأرجح نتيجة عقود من الزمن من تواجد قوات الاحتلال. هذا، في جميع الاحتمالات، لن يكون دعوة تقبلها أي دولة أو منظمة حقوق الإنسان، خاصة بالنظر إلى سجل الولايات المتحدة في جهود بناء الدولة.
الضرر بالنسبة للمنظمة
هناك مخاطر داخلية وخارجية لمنظمات حقوق الإنسان ومجموعات المناصرة الأخرى التي تدعم التدخل الإنساني، بما في ذلك استنزاف موارد المنظمة وزيادة المخاطر الأمنية للموظفين والتكاليف المتعلقة بمهمة المنظمة وسمعتها.
أي نزاع جديد ينتهي حتمًا باستنزاف انتباه أعداد كبيرة من الموظفين في أي منظمة من هذا القبيل، حيث يتم تحويل الموظفين والأولويات البرامجية لتغطية الصراع. إنها لعنة العمل في مجال الصراع أن تنجذب هذه المنظمات، مثل المجموعات الإنسانية ووسائل الإعلام الإخبارية، إلى الأخبار الجديدة، حتى لو كانت الحرب "الماضية" لا تزال مستعرة. إنّ التصميم على التدخل العسكري الإنساني وسط ضغوط العالم الحقيقي للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني وكشفها يمثل عبئًا إضافيًا هائلاً من الضغط على الموظفين، الذين ينخرطون في نقاشات ليس فقط حول مزايا مثل هذا القرار في حالة معينة بناءً على معايير المنظمة، ولكن أيضًا ما إذا كان قرارًا مناسبًا للمنظمة بأن تتخذه على الإطلاق.
كما أن الدعوات إلى التدخل العسكري، أو حتى النقاشات حولها، تكشف أيضًا للجمهور عن التحيز والانتقائية لمنظمات حقوق الإنسان والمناصرة في وقت حرج عندما أصبحت مكانتهم كمنظمات مستقلة قائمة على القيم أكثر أهمية من أي وقت مضى. حتى لو لم يتم اتخاذ قرار رسمي من قبل المنظمة، فإن حقيقة أن البعض في المنظمة يُنظر إليهم على أنهم صادقوا على التدخل العسكري، أو تسريب مداولات النقاش، يساهم في ظهور التسييس والانقسام. كما يواجه الموظفون المقيمون في المنطقة التي يتم دراسة تدخل عسكري فيها خطرًا فعليًا يتمثل في التعرض للعنف الانتقامي.
والأهم من ذلك، أنه إذا قام المتدخلون عسكريًا الذين تم الموافقة عليهم بتنفيذ عمليات قتل وانتهاكات أخرى، فإن هذه الأضرار تصبح، في الواقع، مسؤولية المنظمات التي دعت إلى التدخل الإنساني المسلح. سيُنظر إليهم على أنهم ساهموا بأنفسهم في الانتهاكات، ما يقوض مهمة منظمتهم في دعم حقوق الإنسان للجميع. في الوقت نفسه، وخاصة بالنسبة للمنظمات التي تتخذ من الغرب مقرًا لها، فإن دعم التدخل العسكري يكشف الغطرسة في اتخاذ قرار بالدعوة إلى الحرب—وهو عمل يستتبع القتل دائمًا—في بلد أجنبي، دون موافقة البلد المحتَل. في حين أن أنصار النزاع داخل بلد ما قد يسعون إلى التدخل العسكري الأجنبي لأسباب متنوعة، والعديد منها سياسي، فمن المستحيل على منظمة حقوق الإنسان أو مناصرة أن تسعى أو تحصل على موافقة الذين يتم غزوهم والذين سيتحملون وطأة أي تدخل عسكري.
خرافة الحياد
ستجادل بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات المناصرة بأنها عمومًا لا تنحاز إلى أي طرف في نزاع مسلح أو تفحص شرعية الحرب أو "سبب عادل" لشنها، من أجل الحفاظ على قدرتها على إجراء تحقيقات "محايدة" في انتهاكات قوانين الحرب. بالإضافة إلى ذلك، يجادلون بأن الموقف الحيادي الصارم يضمن الوصول إلى مناطق النزاع على غرار المنظمات الإنسانية ويقدم درجة من السلامة للموظفين كمحققين محايدين. عادةً ما تبذل مجموعات حقوق الإنسان ومنظمات المناصرة هذه قصارى جهدها لفحص الانتهاكات التي ترتكبها "جميع أطراف" النزاع للحفاظ على مظهر الحياد هذا. (غالبًا ما يكون هذا أمرًا مفيدًا للموظفين، مدفوعًا بالحاجة إلى الحفاظ على مظاهر الحياد العامة بدلًا من إعطاء الأولوية المشروعة للانتهاكات الجسيمة حقًا).
يتجنب موقف الحياد بشكل مثير للإعجاب النقاشات التي لا نهاية لها حول من بدأ الحرب، ومن خرق وقف إطلاق النار، وعلى نطاق واسع، بسبب منْ نشبت الحرب. لكن عند اختيار تأييد الحروب لأسباب إنسانية، تخلّت بعض منظمات حقوق الإنسان والمناصرة عن حيادها دون أي انزعاج واضح من تناقض مواقفها. يبدو أن المخاوف بشأن تجنب ظهور الانحياز، وضمان قبول تحقيقاتهم على أنها ذات مصداقية، وتأمين الوصول والسلامة للموظفين تفقد أهميتها عندما تكون ضرورة الدعوة إلى حرب إنسانية نبيلة مطروحة على الطاولة. هذا الاستثناء، على الرغم من ندرة الاحتجاج به، يعني أن مبررات تجنب النشاط المناهض للحرب نظرًا لأنه سيُنظر إليه على أنه انحيازي، غالبًا ما يتم رفضه على أنه مجرد "سلبية"، تبدو فارغة.
في الوقت نفسه، لا يوجد استثناء آخر لسياسة الحياد، مثل الدعوة إلى وقف إطلاق النار أو وقف الأعمال العدائية لأسباب إنسانية—"وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية"، إذا صح التعبير—يمكن التغاضي عنه، على الأقل ليس من قبل منظمة هيومن رايتس ووتش، لأنه، كما يقال، ينتهك قاعدة الحياد. ومن المبررات الأخرى لحظر أي دعوة لوقف العنف أنها قد تجعل المنظمة تبدو مسالمة للغاية، أو أنها قد تحدث بشكل متكرر بحيث تقوّض مصداقية تحقيقاتها في القانون الدولي الإنساني. في حين أن الدعوة إلى الحرب مسموح بها حتى وإن كان ذلك بشكل استثنائي أو بشكل غير قانوني، فإن الدعوة إلى السلام أمر محضور حتى وإن كان ذلك بشكل استثنائي إن لم يكن غير قانوني أبدًا.
إنّ سياسة منظمة العفو الدولية لعام 2005، التي تسمح لها بمعارضة التدخل العسكري في ظروف استثنائية، تتعارض مع هذا التقليد، ولكن لم يتم الاحتجاج بهذه السياسة إلا مؤخرًا في غزو روسيا لأوكرانيا. سياستها العامة لا تزال هي البقاء على الحياد في موضوع التدخل العسكري. ومن المثير للاهتمام أن سياسة منظمة العفو الدولية تشير إلى أنه عندما تعارض تدخلًا عسكريًا تعتبره غير قانوني، فإنها يمكن أن تعارض جميع عمليات القتل التي نتجت عن هذا التدخل، وليس فقط تلك التي تنتهك القانون الإنساني الدولي.
لا تكشف خرافة الحياد هذه، لا سيما في منظمة هيومن رايتس ووتش، عن مشكلة التناقض الداخلي في المنظمة فحسب، بل تكشف أيضًا عن انحياز أوسع للمنظمة للاعتراف بمبادئ تفوّق الولايات المتحدة في العالم. يبدو هذا النهج ملحوظًا بشكل خاص في مجموعة الأزمات الدولية، أيضًا، مع الأخذ بعين الاعتبار الهيمنة والقيادة العسكرية الأمريكية كحقيقة سياسية مفروغة، بافتراض أنها فاعل خيّر بشكل عام، ولا تهتم أبدًا بالضرر الذي تسببه الولايات المتحدة بسبب نزعتها العسكرية وسياسة التدخل. في حين أن هذه المنظمات وغيرها من منظمات حقوق الإنسان والمناصرة قد توثق وتدين انتهاكات أمريكية معينة، مثل الضربات الجوية العشوائية في سوريا، والتعذيب في العراق أو حتى استخدام الأسلحة الأمريكية لترويع المدنيين في اليمن، فلا يوجد تصور أو تقييم مكتوب عن أضرار السياسة الأمريكية.
التحقيقات التي تركز على حوادث معينة من السلوك غير القانوني في الحرب، أو التقارير التي تركز على النزاعات في بلدان معينة، تحتكر الوقت في المنظمات وتركز على "الأشجار"، مع القليل من الاهتمام "للغابة"، بما في ذلك دور الحكومات القوية الغنية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي تساعد سياساتها ومبيعات أسلحتها في إثارة هذه الصراعات. حتى النتائج الإيجابية ظاهريًا، مثل متطلبات الإبلاغ عن الخسائر المدنية في التشريعات الأمريكية، لها جانب مظلم، التي تشير إلى أن معظم جهود الحرب الأمريكية قانونية.
إنّ التصور الداخلي والمتحيز للولايات المتحدة وغرب أوروبا بأنها دول تقود العالم للخير يصرف الانتباه عن العمل الذي تمس الحاجة إليه من قبل منظمات حقوق الإنسان لتحدي الأسبقية الغربية في تنظيم الشؤون العالمية. يجب عليهم إخضاع هذه الحكومات لنفس معايير حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي كباقي الدول التي تنتقدها بشكل روتيني، من الصين إلى روسيا. إنّ ازدواجية المعايير في معاملة الدول الغربية على أنها في جوهرها تستحق ثقة ومسؤولية أكبر كحامية للمصالح العالمية تتجلى أيضًا في انعدام الثقة الانعكاسي للفاعلين الآخرين.
لا تزال واشنطن والعواصم الغربية الأخرى مركزًا للكثير من المناصرة للتدخل العسكري والعقوبات وغيرها من الإجراءات في البلدان حول العالم، مع افتراضات معلنة وغير معلنة بأن الولايات المتحدة وغرب أوروبا سوف تتصرفان بطريقة خيّرة لدعم حقوق الإنسان. إنّ المناصرة النقدية لسوء السلوك الأمريكي أو الغربي صامتة وتعاني من قلة التمويل، لأسباب تتعلق بالتحيز الذاتي والخوف من فقدان الوصول والمصداقية في هذه العواصم القوية وإعاقة الآفاق الوظيفية للموظفين الذين قد يسعون في نهاية المطاف إلى وظائف في الحكومة.
الحرب في أوكرانيا هي نموذج مناسب للنظر فيه. عارضت منظمة العفو الدولية الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن هل منظمة العفو وغيرها من المنظمات مقصّرة في التزامها بالحفاظ على الحق في الحياة للأوكرانيين والروس إذا لم تتحدى هذه المنظمات التصعيد المستمر للحرب، بما في ذلك تدفق الأسلحة الغربية لمليارات الدولارات، أو دفعت من أجل طرق دبلوماسية؟ هل يكفي حقًا أن توثّق هذه المنظمات الانتهاكات التي ترتكبها "جميع الأطراف" ولكنها لا تطالب أبدًا بوقف إطلاق النار، بينما لا تشكك في الضرر الذي سيحدث لأوكرانيا إذا استمرت الحرب لسنوات، كما هو متوقع الآن؟ وبحسب الوضع القائم حاليًا، فإن أدنى إدانة لسلوك القوات الأوكرانية أو انتقاد للعقوبات الموسعة ضد روسيا تدعو إلى رد فعل عنيف واسع النطاق لكونها "موالية لروسيا" أو تعتبر تقليل لجرائمها.
لقد حان الوقت لأن تتطور منظمات حقوق الإنسان ومجموعات المناصرة الأخرى، مع تطور المجتمع السياسي الأوسع والجمهور، في انتقاداتهم للدور الأمريكي والغربي في تأجيج الحروب والانتهاكات حول العالم، مثل "الحروب الأبدية" التي انطلقت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، حيث أن الكثير منها كان باسم التدخل الإنساني. تتحمل هذه المنظمات، التي يعمل بها خبراء يتمتعون بامتياز الوصول والنفوذ، وكثير منهم مقيم في الولايات المتحدة وأوروبا، مسؤولية أكبر للتطرق لسوء سلوك الحكومات والصناعات الدفاعية وجماعات الضغط للحكومات الأجنبية، كما أن عليها الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.