كاوه مدني هو أستاذ باحث في كلية مدينة نيويورك. شغل سابقًا منصب وكيل وزارة البيئة الإيرانية.
English
نفد الماء في إيران، وضاق الإيرانيون ذرعًا بهذا الوضع. على مدار العام الماضي، خرج الإيرانيون إلى الشوارع بشكل منتظم للتعبير عن إحباطهم من النقص الحاد في المياه وعدم كفاءة الحكومة ما أدى إلى تفاقم الوضع. كانت أحدث موجة لهذا الغضب في مدينة أصفهان المركزية، التي كانت في يوم من الأيام عاصمة الإمبراطورية الصفوية وموطن زيانده رود، أحد أشهر الأنهار في إيران ومصدر رزق لمئات الآلاف من المزارعين. لكنه كان يجف منذ سنوات. أصبح نهر زبانده رود، الذي يترجم حرفيًا "مانح الحياة" ساحة معركة للاحتجاجات الدموية التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما خيّم الآلاف من المزارعين ونشطاء البيئة والمواطنين المعنيين على شريط طويل من مجرى النهر الجاف الذي يرمز إلى المصير المأساوي لثروتهم الوطنية.
جاءت احتجاجات أصفهان بقوة في أعقاب مظاهرات دامية بسبب نقص المياه في محافظة خوزستان، جنوب غرب إيران، خلال صيف عام 2021. عبّر سكان خوزستان الغنية بالموارد، بما في ذلك السكان العرب، عن غضبهم من سوء إدارة الحكومة الجسيم للمياه وتدمير البيئة الطبيعية للمحافظة، التي تم التضحية بها من خلال محاولات لعقود من الزمن لاستخراج النفط والغاز. تعد خوزستان، مثل أصفهان، مثالًا آخر على وضع إيران الحالي من "الإفلاس المائي". تستخدم البلاد كل عام من المياه أكثر مما يتم تعويضه. ببساطة، لم يتبق ما يكفي من المياه لتلبية الاحتياجات الأساسية للمزارعين وسكان الريف والصناعات التي تفتقر إلى كفاءة المياه والأراضي الرطبة العطشى في إيران.
ونظرًا لنطاقها الواسع وكونها مناهضة للحكومة، احتلت هذه الاحتجاجات الأخيرة المتعلقة بالمياه في إيران عناوين الصحف العالمية. لكن كل تلك التغطية الإعلامية فشلت في رسم صورة كاملة لحجم الدمار البيئي في البلاد. أنهار تجف وبحيرات تتلاشى ومستويات منخفضة من المياه الجوفية وأراضي تغرق وعواصف ترابية خطيرة ومياه ملوثة وغابات تتعرض للإزالة وفقدان للتنوع البيولوجي وحرائق في الغابات، كل هذه ليست سوى عدد قليل من علامات التحذير التي تجاهلتها الحكومة، ما تسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها للنظام البيئي الإيراني.
كان الإفلاس المائي في إيران نتيجة متوقعة وحتمية. إذا كان يُنظر إلى موارد المياه على أنها أموال—على سبيل المثال، المياه السطحية والمياه الجوفية كحسابات جارية وتوفير—فقد استنزفت الحكومة الإيرانية جميع مواردها المالية وتركت للعملاء ما يعادل الشيكات المرتجعة. الاحتجاجات التي اندلعت في أصفهان وخوزستان هي مظاهر واضحة للإفلاس المائي، حيث كان المطالبون بالمياه، وهم المزارعون في هذه الحالة، مثل المودِعين الذين يقفون خارج بنك فارغ.
منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، امتلكت الحكومة الإيرانية عقلية الاكتفاء الذاتي والاستقلال المعلن عن العالم الخارجي، جزئيًا استجابة لسنوات من العقوبات الاقتصادية الصارمة والحرب، وجزئيًا بسبب الرغبة في فرض نفوذ إقليمي. إنّ إرواء هذا "التعطش للتنمية" كان على حساب موارد المياه النفيسة لإيران، والتي استُنزفت على مدى عقود بسبب التنمية غير المستدامة.
أحد الأمثلة الأكثر إظهارًا لهذه الحملة الأيديولوجية الضيقة هو قيام الحكومة بتوفير قطاع زراعي غير فعال بشكل واضح إذ يعتمد بشكل كبير على الري ويتلقى أكثر من 90 في المئة من موارد المياه العذبة في إيران. حاولت الحكومة دعم المزارعين من خلال دعم استخدام المياه والطاقة في الزراعة، ما يسمح لهم باستخدام هذه الموارد بشكل مبذر لتحقيق مستوى معين من الأمن الغذائي مع الحفاظ على أعمال سكان الريف. وما زاد الطين بلّة أن الحكومة لسنوات أساءت التعامل مع تخصيص المياه من خلال البناء المفرط للسدود وأنفاق نقل المياه التي تنقل المياه من حوض نهري إلى آخر، لتعويض نقص المياه في أجزاء مختلفة من إيران. لكن هذا يسبب مشاكل لكل من المناطق الغنية بالمياه، مثل خوزستان والمناطق الفقيرة بالمياه مثل أصفهان.
الصراعات العنيفة حول نقص المياه في إيران في الأشهر الأخيرة هي نتيجة هذا الظلم البيئي وانعدام البصيرة لدى الحكومة الإيرانية. فشلت السلطات في تنفيذ السياسات التي من شأنها أن تقطع شوطًا طويلًا نحو معالجة مشكلة نقص المياه بشكل دائم—من خلال التقنيات المتقدمة والحفاظ على المياه وتحديث القطاع الزراعي وخفض الدعم عن المياه والطاقة وتوفير وسائل بديلة لكسب العيش لسكان الريف. بدلًا من ذلك، لجأت الحكومة دائمًا إلى إصلاحات مؤقتة، مثل نقل المزيد من المياه من أحواض الأنهار الأخرى، أو حفر آبار أعمق، أو حتى تنظيم صلوات استسقاء كبيرة طلبًا لهطول الأمطار.
ويأتي الجفاف الحالي في إيران، على الرغم من شدته، بعد عامين من الأمطار الشديدة التي ساعدت في ملء العديد من الخزانات في جميع أنحاء البلاد وروت بعض الأراضي الزراعية. لكن هذا، بالطبع، لم يدم طويلًا، حيث اختفت المياه في تلك الخزانات بسرعة، نظرًا لافتقار الحكومة للاستعداد والتخطيط لظروف الجفاف وارتفاع درجات الحرارة. على الرغم من أنه مجرد عامل جانبي للوضع المائي الحالي البائس في إيران، فمن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تكثيف وتسريع الظواهر الشديدة مثل الجفاف وحرائق الغابات والعواصف الترابية، ما يجعل الوضع البيئي أسوأ مما هو عليه اليوم في ظل السلطات الإيرانية.
يهدد انعدام الأمن المائي في إيران بالاضطرابات الاجتماعية، بالنظر إلى أن الإفلاس المائي يمكن أن يؤدي إلى انتشار البطالة والفقر للمزارعين وغيرهم من سكان الريف. لننظر إلى ما حدث في سوريا قبل الحرب الأهلية. من عام 2006 إلى عام 2010، عانت سوريا من جفاف شديد أدى إلى تحويل مناطق من الهلال الخصيب—مهد الزراعة منذ أكثر من 10,000 عام—إلى صحراء. ودفع ما بين مليونين وثلاثة ملايين سوري إلى فقر مدقع، وفقد العديد من المزارعين سبل عيشهم بالكامل.
أدى انهيار الزراعة، خاصة في شمال شرق سوريا، إلى هجرة جماعية لنحو 1.5 مليون شخص إلى المدن السورية، ما أدى إلى إجهاد الحياة في تلك المناطق الحضرية وفرض ضغط كبير على موارد المياه والكهرباء غير الكافية في البلاد. كما هو الحال في إيران، كان النقص المزمن في المياه في سوريا نتيجة عقود من سوء الإدارة الحكومية من قبل نظام حزب البعث في عهد حافظ الأسد ثم نجله بشار، إلى جانب الاضطرابات السكانية التي تفاقمت بسبب الفترة الطويلة من قلة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ.
إنّ ما يحدث في إيران اليوم بشأن نقص المياه، وما حدث في سوريا، يجب أن يكون بمثابة إشارة تنبيه لدول أخرى في منطقة الشرق الأوسط تعاني من مشاكل مماثلة للتنمية غير المستدامة وسوء الإدارة البيئية والاعتماد المفرط على المياه في القطاع الاقتصادي. يجب على الحكومات أن تنظر إلى الإفلاس المائي من خلال عدسة الاقتصاد السياسي وأن تدرك أنه بدون فصل الاقتصاد الإقليمي عن المياه، فإن الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط في خطر كبير.
يعد استخدام موارد المياه غير المتجددة للحفاظ على أعمال السكان عملًا محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لحكومات منطقة الشرق الأوسط. ترتبط المياه ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي، لا سيما حيثما يعتمد السكان ذوو الدخل المنخفض في المناطق الريفية اعتمادًا كبيرًا على المياه في أعمالهم وفي إطعام أسرهم. إنّ فصل الاقتصاد عن المياه لا يمكن تحقيقه بدون التنويع الاقتصادي والنمو المستدام لقطاعي الخدمات والصناعة لتوفير فرص عمل وسبل عيش جديدة للمزارعين وسكان الريف.
ما لم يتم استيعاب هذا الواقع وإجراء الحكومات لإصلاحات عميقة لهذه الممارسات المائية الخاطئة، فإن المزيد من النزاعات حول نقص المياه سوف تندلع مع ازدياد حرارة المنطقة وجفافها، مع ما يترتب على ذلك من عواقب عالمية.