ياسر الششتاوي باحث مستقل وأستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا للهندسة المعمارية والتخطيط والحفظ بجامعة كولومبيا. وهو مؤلف كتاب "دبي: فيما وراء المشهد الحضري"، كما له إصدارات أخرى.
لطالما استخدمت الأنظمة الاستبدادية التي تبحث عن الشرعية المشاريع العملاقة لترسيخ سلطتها وتأكيد سيطرتها على سكانها. وتعد مصر واحدة من هذه الأنظمة. كان النظام العسكري للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يتولى السلطة منذ انقلابه عام 2013، منشغلًا ببناء العديد من المشاريع العملاقة الباهظة—الخيالات—مثل إضافة ممر آخر إلى قناة السويس، وبناء قصور رئاسية فخمة، والأهم من ذلك كله، بناء عاصمة جديدة في الضواحي الصحراوية للقاهرة. المدينة التي يطلق عليها حاليًا اسم العاصمة الإدارية الجديدة، سيتم توصيلها بالقاهرة بواسطة سكة حديد أحادية عالية السرعة. وعلى خلفية موجة البناء هذه التي تحركها الديون، هناك برامج ضخمة لتطهير الأحياء الفقيرة تعتمد على إعادة توطين واجتثاث المصريين المهمشين في كثير من الأحيان.
لقد زرتُ بنفسي العديد من هذه الخيالات في مصر، ومن الواضح بالفعل أن العاصمة الإدارية الجديدة ليست سوى "حلم صحراوي" آخر—والذي وصفه الاقتصادي والمخطط العمراني المقيم في القاهرة ديفيد سيمز في كتابه "أحلام الصحراء في مصر: تنمية أم كارثة؟" بأنه خيال مُكلِف للتنمية العمرانية والتوسع في الصحراء من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عقود. يكتب سيمز أن الدولة المصرية، سواء في عهد السيسي أو حسني مبارك أو أسلافهما، رأت الصحراء على أنها "ساحة لعب حيث يمكن إنشاء مصر جديدة". ويضيف: "الصحراء تصبح الحدود، ومصر تتحول بطريقة سحرية إلى مجتمع حدودي رائد مع كل ما يترتب على ذلك من خطاب ورمزية". إنّ الدولة مهووسة بالتنمية الصحراوية لدرجة أنها نوع من "الحملة الصليبية الوطنية" الخاصة بها—وهو ما يفسر سبب عدم توقفها أبدًا، حتى بعد العديد من "المدن الجديدة" الفاشلة ومشاريع الغرور التي تنتشر في الصحاري خارج القاهرة ومدن أخرى.
ومثل الأحلام الصحراوية الأخرى التي سبقتها، استنزفت العاصمة الإدارية الجديدة الاقتصاد المصري لكنها أثْرت الحسابات البنكية لقادة الجيش وأعوانهم الذين يمتلكون الأرض ويطورونها، بينما تنحدر الطبقة الوسطى في مصر إلى الفقر. تتسق عاصمة السيسي الجديدة مع أعمال الحكام المستبدين المصريين المتعاقبين الذين سعوا جميعًا إلى احتلال الصحراء، لكنها أيضًا هروب لنظامه من شعبهم—مثل "المنطقة الخضراء" التي يسيطر عليها الجيش حيث سيتم إحاطة الوزارات الحكومية بالأسوار، وعلى بعد أميال من أي محتجين محتملين. ذكرت ميشيل دن أن "الفراغ الذي يتردد صداه في أرجاء المدينة يرمز إلى أنه ليس لمعظم المصريين مكان في رؤية السيسي".
العاصمة الإدارية الجديدة هي التعبير الأوضح للهجوم على المشهد العمراني للقاهرة في عهد السيسي—إفراغ العاصمة المصرية الحالية من المباني والمؤسسات الحكومية، وتدمير أحياء القاهرة القديمة والتراث العمراني باسم "التقدم" في شكل جديد متضخم من الطرق السريعة والجسور وناطحات السحاب. وكما حذر تقرير نقدي من قبل مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن العاصمة الجديدة "ستكون مكانًا لتجمع الغبار مع بناء المزيد من الهياكل العظمية الخرسانية في الصحراء".
العاصمة الإدارية الجديدة هي التعبير الأوضح للهجوم على المشهد العمراني للقاهرة في عهد السيسي.
- ياسر الششتاوي
مع تفشي جائحة كورونا، عندما دخل العالم في حالة إغلاق، لم أتمكن من السفر إلى مصر لزيارة عائلتي. اضطررتُ للبقاء داخل حدود شقتي في فيلادلفيا سنتر سيتي. ومع انحسار الوباء عند وصول اللقاحات، تمكنتُ أخيرًا من العودة إلى القاهرة. كنتُ قد قرأت كثيرًا في ذلك الوقت عن أحدث مشروع ضخم للسيسي، وهي عاصمة جديدة تم تسويقها في البداية تحت الاسم الباهت "العاصمة القاهرة". وبعد فترة وجيزة من عودتي إلى القاهرة، طلبتُ من أخي أن يقودنا إلى هذه المدينة الجديدة التي تبعد حوالي 30 ميلًا شرقًا في الصحراء باتجاه قناة السويس. حتى ذلك الحين، كانت المرة الوحيدة التي نظرت فيها لهذا المشروع الضخم من السماء عندما هبطت الطائرة التي كنتُ على متنها في مطار القاهرة الدولي.
سلكنا الطريق الدائري المؤدي إلى القاهرة الجديدة، وهي مدينة تابعة سابقًا تم تخطيطها وبنائها في عهد مبارك، وهي موطن لمجتمعات مسورة والحرم الجامعي الجديد للجامعة الأمريكية في القاهرة، والتي انتقلت من حرمها الجامعي الذي يعود تاريخه إلى ما يقرب من قرن من الزمان في ميدان التحرير. مررنا بالعديد من اللوحات الإعلانية التي تعد بحياة سعيدة، حيث يظهر عليها سكان بملامح غربية يستمتعون في المساحات الخضراء التي لا تُظهر شيئًا من المناظر الطبيعية الصحراوية. كانت هناك لافتة بالكاد تكون واضحة تشير إلى مخرج يؤدي إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
اقتربنا أكثر، واصطدمنا بجدران ضخمة ورأينا أبراج المركز الإداري الذي تم بناؤه للتو تظهر من بعيد. اقتربنا من بوابات الدخول، حيث أوقفنا أحد الحراس وأبلغنا أن هذا الموقع "جهة عسكرية" وأننا ممنوعون من الدخول.
ومع ذلك، بعد نقاش طويل مع الحارس، تمكنا من الدخول، لكننا لم نرَ سوى شوارع خالية، وهياكل لمباني سكنية مكتملة ومجمعات كبيرة أخرى في مراحل مختلفة من البناء. وظهر كسراب بعيد أطول مبنى في إفريقيا—يُطلق عليه حاليًا اسم "البرج الأيقوني"، وهو ناطحة سحاب شاهقة بنيت في مكان معزول. حاولنا الوصول إليه لكن لم نجد طريقة لذلك. ومع حلول الظلام، عدنا وتركنا هذه "العاصمة" الجديدة وراءنا.
عند العودة إلى منزلي في إحدى ضواحي القاهرة، شعرتُ بالحيرة أكثر من أي وقت مضى بشأن مبرر بناء هذه المدينة الجديدة. تذكرتُ فعالية أقيمت في حرم الجامعة بالقاهرة الجديدة في عام 2019: حلقة نقاشية مع اثنين من المهندسين المعماريين الدوليين المشهورين المعروفين بتصميماتهما التقدمية، نورمان فوستر من بريطانيا وأليخاندرو أرافينا من تشيلي.
بعد عرض عن العاصمة الإدارية الجديدة قدمه نائب وزير الإسكان المصري، تساءل أرافينا عما إذا كان بإمكان الحكومة تغيير الخطة، من أجل توفير مدينة إنسانية حقًا، وعلى وجه الخصوص، مدينة توفر ظلالًا من شمس الصحراء الحارقة. تساءل عن الحكمة في بناء أطول برج زجاجي في إفريقيا، حيث سيكون أكبر "مولد لتأثير الاحتباس الحراري". اتفق فوستر مع ذلك وذهب إلى حد القول بأن الطرق السريعة التي تشكل محور المشروع أصبحت "ديناصورات". وأشار إلى أنه في أماكن أخرى من العالم، تم "تدمير" الطرق السريعة والجسور العالية الضخمة وتحويلها إلى حدائق خضراء وشوارع للمشاة.
هذه الفعالية التي كان من المفترض أن تكون استعراضًا للرؤية الحضرية للحكام العسكريين في مصر، تحولت بدلًا من ذلك إلى إدانة عالية المستوى لخططهم، ما يدل على الخيال المطلق والتبذير في الاستثمار في مثل هذا النهج في التنمية الحضرية. بالطبع، هذا ليس مفاجئًا. فكل ما يهتم به الجيش حقًا هو إيجاد طرق لتوسيع نفوذه—اقتصاديًا وسياسيًا—مع حماية نفسه من شعبه وإضفاء الشرعية على حكمه المكون من أقلية صغيرة من النخب التي ستستفيد من هذه الصحراء.
وبطريقة شديدة الصراحة، هذا عمل عنف حضري تم إلحاقه بالمصريين. هذا لا يختص فقط بالعاصمة الإدارية الجديدة، ولكن بالعديد من المشاريع الأخرى قيد التنفيذ، مثل تطوير مثلث ماسبيرو في وسط القاهرة، على أنقاض حي تقليدي بأكمله، يقطنه 18,000 شخص تم هدمه مؤخرًا. تم نقل سكانه القدامى إلى الأسمرات، وهو مجمع سكني بعيد يقع شرق القاهرة تم بناؤه لسكان من "الأحياء الفقيرة" التي هُدمت مؤخرًا.
كل تفصيل في المدينة الجديدة في الصحراء يبدو باهظًا أكثر من الذي يليه، وهذا دليل على خيال السيسي المطلق.
- ياسر الششتاوي
تمثل العاصمة الإدارية الجديدة في جوهرها ملاذًا بعيدًا عن القاهرة، ولكنها مكلفة للغاية. إنها ظهور غير طبيعي في وسط الصحراء يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية يمكن إنفاقها في أماكن أخرى—مثل المدن التي يعيش فيها المصريون بالفعل. كما أنها أيضًا مشروع عقاري تخميني، يتم تسويقه وبيعه لمن يدفع أعلى سعر، وهو ما سيؤدي فقط إلى تفاقم المشاكل الحضرية في القاهرة الكبرى ويزيد من حدة عدم المساواة.
مرّت العاصمة الإدارية الجديدة بالعديد من التغييرات منذ الكشف عنها في مؤتمر استثماري في شرم الشيخ في مارس/آذار 2015. وبعد انسحاب مطوريها الإماراتيين الأوائل، تم استبدالهم بشركة مصرية مملوكة للدولة تم إنشاؤها حديثًا—تُعرف باسم العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، التي يسيطر الجيش المصري على 51 في المئة منها ووزارة الإسكان على 49 في المئة—وتعمل بالتعاون مع مطورين صينيين.
كل تفصيل في المدينة الجديدة في الصحراء—من حجمها غير المعقول (تقول الحكومة إنها ستنافس سنغافورة)، إلى سماتها الخيالية، مثل "نهر أخضر" اصطناعي يهدف إلى استحضار نهر النيل وتشكيل جزء يدعي مخططوها أنه سيكون أكبر حديقة في العالم—يبدو باهظًا أكثر من الذي يليه، وهذا دليل على خيال السيسي. ليس من الواضح، على سبيل المثال، كيف ستوفر الحكومة الكميات الهائلة من المياه اللازمة. بالنظر إلى أن العاصمة الجديدة آخذة في الارتفاع وسط أزمة مناخية متفاقمة، ونقص حاد في المياه في جميع أنحاء مصر، فمن المحير حقًا أن النظام قد مضى قدمًا في هذا المشروع الضخم. ثم هناك ثمن لهذا المشروع، على الأقل 60 مليار دولار حتى الآن.
هناك عدة سيناريوهات لمستقبل العاصمة الإدارية الجديدة. يمكن أن تظل في حالة دائمة من عدم الاكتمال، مثل أحلام الصحراء الفاشلة الأخرى قبلها في مصر—والتي تُركت مهجورة، وأصبحت طي النسيان واستولت عليها الصحراء. من المسلّم به أن هذا يبدو غير مرجح إلى حد كبير، بالنظر إلى حجم الاستثمار الذي وضعه السيسي والجيش في المشروع. السيناريو الأكثر واقعية هو أنه سيتم الاستحواذ عليها وتحويلها من قبل سكانها النهائيين، أولئك الذين كانت لديهم الشجاعة، أو الذين أُجبروا على الانتقال إلى أبراجها الجديدة المهجورة. وبهذه الطريقة، ستكون قابلة للمقارنة مع التحولات الحضرية الأخرى التي حدثت على مدار تاريخ القاهرة الطويل، حيث تم دمج ما كان في السابق جزء من الصحراء ليصبح باستمرار جزءا من المدينة—ليس من خلال أمر حكومي، ولكن من قبل الناس أنفسهم، وفي كثير من الأحيان في أشكال أكثر شمولًا للتنمية الحضرية.
ومع ذلك، ليس هناك شك في أنه حتى في هذا السيناريو، ستظل العاصمة الجديدة ترمز إلى النية الحقيقية وراء بنائها: خوف النظام من شعبه ورغبته في الاختباء خلف جدران ضخمة بعيدة في الصحراء، محميًا من أي احتجاجات واضطرابات مستقبلية مثل انتفاضة 2011 التي اندلعت في وسط القاهرة. من خلال التخلي عن القاهرة والذهاب إلى الصحراء وترك المدينة في حالة من الضعف والتدهور، فإن عاصمة السيسي الجديدة هي ببساطة طريقة أخرى تستخدم فيها السلطات المصرية التنمية الحضرية لخدمة مصالحها الخاصة بدلًا من احتياجات الناس.
تمثل العاصمة الإدارية الجديدة في جوهرها ملاذًا بعيدًا عن القاهرة، ولكنها مكلفة للغاية. إنها ظهور غير طبيعي في وسط الصحراء يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية يمكن إنفاقها في أماكن أخرى—مثل المدن التي يعيش فيها المصريون بالفعل. كما أنها أيضًا مشروع عقاري تخميني، يتم تسويقه وبيعه لمن يدفع أعلى سعر، وهو ما سيؤدي فقط إلى تفاقم المشاكل الحضرية في القاهرة الكبرى ويزيد من حدة عدم المساواة.
مرّت العاصمة الإدارية الجديدة بالعديد من التغييرات منذ الكشف عنها في مؤتمر استثماري في شرم الشيخ في مارس/آذار 2015. وبعد انسحاب مطوريها الإماراتيين الأوائل، تم استبدالهم بشركة مصرية مملوكة للدولة تم إنشاؤها حديثًا—تُعرف باسم العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، التي يسيطر الجيش المصري على 51 في المئة منها ووزارة الإسكان على 49 في المئة—وتعمل بالتعاون مع مطورين صينيين.
كل تفصيل في المدينة الجديدة في الصحراء—من حجمها غير المعقول (تقول الحكومة إنها ستنافس سنغافورة)، إلى سماتها الخيالية، مثل "نهر أخضر" اصطناعي يهدف إلى استحضار نهر النيل وتشكيل جزء يدعي مخططوها أنه سيكون أكبر حديقة في العالم—يبدو باهظًا أكثر من الذي يليه، وهذا دليل على خيال السيسي. ليس من الواضح، على سبيل المثال، كيف ستوفر الحكومة الكميات الهائلة من المياه اللازمة. بالنظر إلى أن العاصمة الجديدة آخذة في الارتفاع وسط أزمة مناخية متفاقمة، ونقص حاد في المياه في جميع أنحاء مصر، فمن المحير حقًا أن النظام قد مضى قدمًا في هذا المشروع الضخم. ثم هناك ثمن لهذا المشروع، على الأقل 60 مليار دولار حتى الآن.
هناك عدة سيناريوهات لمستقبل العاصمة الإدارية الجديدة. يمكن أن تظل في حالة دائمة من عدم الاكتمال، مثل أحلام الصحراء الفاشلة الأخرى قبلها في مصر—والتي تُركت مهجورة، وأصبحت طي النسيان واستولت عليها الصحراء. من المسلّم به أن هذا يبدو غير مرجح إلى حد كبير، بالنظر إلى حجم الاستثمار الذي وضعه السيسي والجيش في المشروع. السيناريو الأكثر واقعية هو أنه سيتم الاستحواذ عليها وتحويلها من قبل سكانها النهائيين، أولئك الذين كانت لديهم الشجاعة، أو الذين أُجبروا على الانتقال إلى أبراجها الجديدة المهجورة. وبهذه الطريقة، ستكون قابلة للمقارنة مع التحولات الحضرية الأخرى التي حدثت على مدار تاريخ القاهرة الطويل، حيث تم دمج ما كان في السابق جزء من الصحراء ليصبح باستمرار جزءا من المدينة—ليس من خلال أمر حكومي، ولكن من قبل الناس أنفسهم، وفي كثير من الأحيان في أشكال أكثر شمولًا للتنمية الحضرية.
ومع ذلك، ليس هناك شك في أنه حتى في هذا السيناريو، ستظل العاصمة الجديدة ترمز إلى النية الحقيقية وراء بنائها: خوف النظام من شعبه ورغبته في الاختباء خلف جدران ضخمة بعيدة في الصحراء، محميًا من أي احتجاجات واضطرابات مستقبلية مثل انتفاضة 2011 التي اندلعت في وسط القاهرة. من خلال التخلي عن القاهرة والذهاب إلى الصحراء وترك المدينة في حالة من الضعف والتدهور، فإن عاصمة السيسي الجديدة هي ببساطة طريقة أخرى تستخدم فيها السلطات المصرية التنمية الحضرية لخدمة مصالحها الخاصة بدلًا من احتياجات الناس.