أ. ديرك موسز هو أستاذ مقعد آن وبرنارد سبيتزر للعلاقات الدولية في كلية مدينة نيويورك، ومحرر مجلة أبحاث الإبادة الجماعية، ومؤلف كتاب "مشكلات الإبادة الجماعية: الأمن الدائم ولغة التعدي" (2021).
أثناء بحثي لتأليف كتابي "مشكلات الإبادة الجماعية: الأمن الدائم ولغة التعدي"، صادفت مقالًا استثنائيًا للقانوني الأمريكي روبرت جاكسون، في مجلة نيويورك تايمز في سبتمبر/أيلول 1945. تم نشر المقال بعد أن أصدر الاتحاد السوفييتي وبريطانيا والولايات المتحدة ميثاق محاكمات نورمبرغ، حيث شرح جاكسون، الذي تم تعيينه المدعي العام الأمريكي، الإجراءات الوشيكة للجمهور الأمريكي. وتحت عنوان "أسوأ جريمة على الإطلاق"، برر جاكسون لماذا كانت الحرب العدوانية التي شنتها ألمانيا هي الجريمة الكبرى في الميثاق: لأن كل الجرائم الأخرى—الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب—مستمدة منها. كما توصل المقال أيضًا إلى نتيجة مرعبة أخرى في ضوء قيام الولايات المتحدة بإسقاط قنبلتين ذريتين على مدينتين يابانيتين قبل شهر من ذلك، فيقول جاكسون: "إذا كانت هناك حروب مستقبلية، فعلينا أن ننتصر فيها، ولا يمكننا أن ننتصر إلا بأن نكون قتلة أفضل، بقتل أشخاص أكثر وبسرعة أكبر من العدو، والقيام بالقتل بمخاطر أقل على أنفسنا".
لقد صدمتني هذه الحجة الوقحة باعتبارها صادقة ووحشية، لأن جاكسون كان يدافع فعليًا عن انتهاك "مبدأ التمييز" المقرر قانونًا بين المقاتلين وغير المقاتلين من خلال تصوير الحرب على أنها صراع بين الشعوب وليس على أنها قوات عسكرية. وأعلن قائلًا: "لأن الحقيقة واضحة، وهي أن الحرب الحديثة أصبحت أكثر فأكثر صراعًا بين شعوب بأكملها، وليس بين الجيوش وحدها. فالمسألة هي من الذي سيتم إخضاعه ومن الذي سيبقى على قيد الحياة". وتابع أنه بالتالي، كان من الضروري في الحروب المقبلة "قتل العدو وتشويهه وتدمير كل ما يؤويه وكل ما يعيش به ليس فقط في الميدان بل في كامل البلاد". وكان قتل المدنيين التابعين للعدو حتى يستسلموا هو الاستراتيجية المتبعة—كما أشارت حالات هيروشيما وناجازاكي غير المذكورة. وفي مقابل ذلك، قتل النازيون مدنيين "دون أي غرض عسكري"، كما قال جاكسون لاحقًا خلال محاكمات نورمبرغ.
وقد ثبت أن هذا النهج تنبؤي بشكل قاتل. فمنذ ذلك الحين، تؤيد معظم الحكومات إيقاع خسائر في صفوف المدنيين في صفوف العدو بدلًا من تعريض قواتها العسكرية للخطر. لقد كان قصف الأعداء—الذين يُنظر إليهم على أنهم مجتمعات بأكملها—لإخضاعهم هو الوسيلة المفضلة، بدءًا من سحق الولايات المتحدة لكوريا الشمالية في أوائل الخمسينيات ولاحقًا في فيتنام، إلى القصف الروسي لغروزني في الشيشان في التسعينيات، إلى قصف الحكومة السورية لحلب وحمص بالبراميل المتفجرة، وتدمير اليمن من خلال التحالف الذي تقوده السعودية.
اليوم، يعمل قانون الإبادة الجماعية الدولي كما تم تصميمه، من أجل السماح للدول بإبادة التهديدات الأمنية بلا رحمة مع جعل تطبيق هذا القانون صعبًا.
- أ. ديرك موسز
ولكن إذا كان جاكسون متنبئًا بشأن شكل صراع ما بعد الحروب، فإنه كان مخطئًا بشأن أسوأ جريمة. فبحلول أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حلت الإبادة الجماعية محل الحروب العدوانية باعتبارها العتبة التي "صدمت ضمير البشرية". وكان النموذج الأصلي للإبادة الجماعية هو المحرقة. ولم تتمكن الدول من الاتفاق على تعريف الحروب العدوانية، في حين ظهر ضحايا المحرقة (الهولوكوست) على نحو متزايد بعد المحاكمات المتسلسلة للجناة الألمان.
وكتبت المؤرخة والدبلوماسية الأمريكية ديبورا ليبستادت بعد سنوات، في مقال ردت على "مغازلة" إدارة ترامب لمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست: "كانت المحرقة شيئًا مختلفًا تمامًا". وأوضحت: "لقد كان برنامجًا منظمًا يهدف إلى إبادة شعب معين. ولم يفعل اليهود أي شيء حتى يُنظر إليهم على أنهم يستحقون القتل". وأضافت: "كان يتم قتل كبار السن الذين كان لا بد من نقلهم إلى قطارات الترحيل والأطفال الذين كان لا بد من حملهم. لم يكن الهدف، كما هو الحال في البلدان المحتلة، التخلص من الناس لأنهم قد يشكلون مقاومة للنازية، ولكن التخلص من اليهود لأنهم يهود".
إحدى نتائج هذه الحجة المألوفة هي فصل المحرقة عن غيرها من أمثلة تدمير المدنيين. إنّ المحرقة ليست "مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الأعمال اللاإنسانية"، كما أصرت ليبستادت وآخرون منذ فترة طويلة. وباعتبارها جريمة كراهية واسعة النطاق ضد الضحايا الأبرياء—أي أنهم لم يشاركوا في صراع عسكري، ولم يُقتلوا بسبب الضرورة العسكرية—فقد شكلت المحرقة نوع الضحية المثالي.
ومع اعتبار المحرقة نموذجًا أصليًا لها، أصبحت الإبادة الجماعية—بدلًا من الجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في محاكمات نورمبرج—المعيار الذهبي للاعتراف بمجموعات الضحايا منذ أواخر الأربعينيات. وفي العقود التي تلت ذلك، كانت هناك ادعاءات خطيرة بحدوث إبادة جماعية في العديد من الصراعات المناهضة للاستعمار وما بعد الاستعمار، مثل الحرب النيجيرية البيافرانية بين عامي 1967 و1970، وانفصال باكستان الشرقية لتشكيل بنغلاديش في عام 1971. إنّ عدم الاعتراف بها على أنها إبادة جماعية ونسيانها بسرعة—على عكس الفظائع التي ارتُكبت في وقت لاحق في التسعينيات في رواندا والبوسنة—لم يكن من قبيل الصدفة.
إنّ الدول التي صاغت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في الأمم المتحدة في عامي 1947 و1948 صممتها بحيث لا تتعرض سيادة الدولة للخطر في شن نزاعات مسلحة دولية وغير دولية. كيف فعلوا ذلك؟ أولًا، تنص اتفاقية الأمم المتحدة على أن الإبادة الجماعية تعني "نية التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه" بوسائل مختلفة. عبارة "بصفتها هذه" تتطلب استهداف الضحايا فقط على أساس هويتهم—لأسباب رمزية وليست مادية، مثل الحرب. لقد تعمدت الدول التي تفاوضت على تعريف الاتفاقية تصميمها على غرار المحرقة—التي تُفهم على أنها أكبر جريمة كراهية في التاريخ—لتمييزها عن الحرب وحتى طرد السكان، بما في ذلك التطهير العرقي.
ففي نهاية المطاف، لم تعتبر هذه الدول الحرب في حد ذاتها على أنها غير شرعية. لقد هزموا للتو قوى المحور، ودمروا مدنهم بالنيران والقنابل الذرية، وأيدوا الطرد القسري لـ 12 مليون ألماني من شرق ووسط أوروبا. وكانت الحرب الباردة قد بدأت، وواجهت حركات الاستقلال الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية التي أعادت تأكيد سيطرتها على آسيا وشمال أفريقيا. بالنسبة للمنتصرين في الحرب، كان الحق السيادي للدول في الانخراط في صراع مسلح دولي وغير دولي يتطلب إنقاذ "الضرورة العسكرية" من تشويه سمعتها من خلال الأسلوب النازي المتمثل في حرب الإبادة والاحتلال.
لقد أدرك الجميع أن الصراع المسلح يؤثر على المدنيين بشكل كبير. أقرّ تعليق لجنة الخبراء الرسمية على مسودة اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي كتبها جزئيًا القانوني البولندي رافائيل ليمكين—الذي صاغ مصطلح الإبادة الجماعية خلال الحرب العالمية الثانية، لوصف حملات الإبادة النازية—بأن السكان المدنيين تأثروا بالحرب الحديثة مع "خسائر أكثر أو أقل خطورة". لذا فقد ميزت بين النزاع المسلح والإبادة الجماعية من خلال القول بأن في الأخيرة "يهدف أحد الأطراف المتحاربة إلى إبادة سكان أراضي العدو ويدمر بشكل منهجي ما لا يشكل أهدافًا عسكرية حقيقية". وفي المقابل، كانت الأهداف العسكرية تهدف إلى فرض إرادة المنتصر على الخاسر، الذي لم يكن وجوده معرضًا للخطر. وكان قتل أعداد كبيرة من المدنيين أمرًا مقبولًا، وإن كان مؤسفًا، عندما يكون الدافع وراءه أهداف عسكرية: النصر، وليس التدمير.
إن الطبيعة البشعة لقانون الإبادة الجماعية هي أن أعداد الضحايا لا علاقة لها بالموضوع. كل ما يهم هو النية.
- أ. ديرك موسز
وقد ساد هذا الرأي بين الدول المتفاوضة على اتفاقية الإبادة الجماعية. ونتيجة لذلك فإن الحروب التي اندلعت منذ ذلك الحين، بما في ذلك من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي مات فيها ملايين المدنيين، لا يمكن تصنيفها قانونيًا على أنها إبادة جماعية. لقد فشلت إلى حد كبير الجهود الرامية إلى إلصاق صفة الإبادة الجماعية على الدول المنخرطة في صراع مسلح مدمر، بما في ذلك الولايات المتحدة بسبب حربها في فيتنام، والدولة النيجيرية بسبب الحصار المميت الذي فرضته على إقليم بيافرا الانفصالي في تلك الحرب الأهلية.
اليوم، يعمل القانون الدولي الخاص بالإبادة الجماعية كما تم تصميمه من أجل: السماح للدول بإبادة التهديدات الأمنية بلا رحمة مع جعل تطبيق هذا القانون صعبًا. ووفقًا للمنطق الذي يسوّقه المحامون الدوليون الذين يؤيدون الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة اليوم، فلا توجد حدود لعدد المدنيين الفلسطينيين الذين يمكن أن يُقتلوا بشكل عرضي أثناء سعي إسرائيل لتحقيق أهداف عسكرية. فمن أجل استئصال ما يقدر بنحو 30,000 مقاتل من حماس في غزة، كم عدد المدنيين الفلسطينيين الذين سيموتون؟ كم سيُجرح؟ حتى الآن قُتل ما يقرب من 20,000 فلسطيني، ثلثاهم من النساء والأطفال، وأصيب نحو 50,000 آخرين منذ شنت إسرائيل حملتها العسكرية ردًا على هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ويزعم المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أنهم قتلوا مدنييَّن فلسطينيَّين مقابل كل مقاتل من حماس—حوالي 5,000 مقاتل حتى الآن، استنادًا إلى التصريحات الإسرائيلية الأخيرة في وقت سابق من هذا الشهر. وإذا استمرت هذه النسبة، فإن 60,000 فلسطيني سوف يُقتلون ويُشوّه عدد لا يحصى من الأشخاص من أجل "القضاء" على حماس، وهو أحد الأهداف العسكرية الإسرائيلية المعلنة في غزة.
ومع ذلك، فإن الطبيعة البشعة لقانون الإبادة الجماعية هي أن أعداد الضحايا لا علاقة لها بالموضوع. كل ما يهم هو النية. وإذا كانت النية عسكرية وليست إبادة جماعية، فإن كثيرين سوف لن يزعموا أن ما يقومون به هو دفاع مشروع عن النفس وليس إبادة جماعية فحسب، بل إنّ ما يقومو ن به هو أيضًا قانوني بل وأخلاقي كذلك. إنه أمر فظيع ولكن مشروع، كما يقال، حتى لو كانت ما يسمى بالحرب "المتحضرة" أكثر فتكًا بكثير من ما يسمى بالعنف "الهمجي".