مايكل شيفر عمر-مان هو مدير أبحاث إسرائيل وفلسطين في منظمة (DAWN)
English
حملة إسرائيل اليائسة لكبت جهود المناصرة الفلسطينية لحقوق الإنسان لا تسير كما يُراد لها. فأهم شركاء إسرائيل التجاريين والأمنيين، يكشفون واحدًا تلو الآخر—وحتى وكالات الاستخبارات الصديقة—أن ادعاءات إسرائيل بأن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية هي واجهات لمنظمات إرهابية، لا أساس لها من الصحة. إذا أردنا اتباع هذه الحجة السخيفة، فإن إسرائيل لا تتهم منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بالضلوع في الإرهاب، وإنما تتهم منظمات إرهابية بالانخراط في جهود الدفاع عن حقوق الإنسان.
الشهر الماضي، داهم جنود إسرائيليون مكاتب ست من أبرز منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الفلسطينية التي تحظى باحترام واسع في الضفة الغربية، وصادروا ملفاتها وأغلقوا أبوابها. قبل أقل من عام، كانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد صنفت المنظمات الست على أنها "إرهابية"، في ما كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنها عملية ضغط لحمل الدول الأوروبية على وقف تمويل تلك المنظمات.
ما هو الدليل على هذه الادعاءات؟ لا نعرف، لأن الأدلة المزعومة من الوزارة "سرية"، ما يجعل من المستحيل على مؤسسة الحق ومنظمة الدفاع عن الطفل الدولية-فرع فلسطين ومنظمات المجتمع المدني الأخرى دحض هذه المزاعم.
ما نعرفه هو أن ملف الدليل "السري" الذي تشاركه إسرائيل منذ ذلك الحين مع الولايات المتحدة وما يقرب من اثنتي عشرة دولة أوروبية كان غير مقنع تمامًا. في يوليو/تموز، رفضت 10 دول أوروبية والاتحاد الأوروبي علنًا مزاعم إسرائيل بتصنيف تلك المنظمات بأنها إرهابية واستأنفت التمويل لتلك المنظمات الفلسطينية، الذي تم تجميده العام الماضي بعد تصنيفات إسرائيل لتلك المنظمات بأنها "إرهابية".
الشهر الماضي، ذكرت الولايات المتحدة أنها لم تر أي دليل يجعلها تتعامل مع تلك المنظمات على أنها إرهابية، ويبدو أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي إيه) ذكرت في تقرير سري أنها غير قادرة على تأكيد الاتهامات الإسرائيلية.
ربما لا يكون هذا مفاجئًا لأن إسرائيل لم تتهم في الواقع أيًا من هذه المنظمات بارتكاب أو دعم عمل إرهابي واحد. ولم تقم باعتقال أي موظف أو توجيه لائحة اتهام أو إدانة له بتهم الإرهاب كجزء من عمله في أي من المنظمات الست. في الواقع، إذا أردنا أن نأخذ ادعاءات إسرائيل في ظاهرها، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية ليس لديها مشكلة مع حقوق الإنسان والعمل الإنساني الذي تقوم به هذه المنظمات. وبدلًا من ذلك، يبدو أن المزاعم ترقى إلى مستوى الادعاءات بأن تلك المنظمات تقوم بعملها بناءً على طلب منظمات إرهابية أخرى وخدمة مصالحها.
خذ على سبيل المثال تصنيف وزارة الدفاع الإسرائيلية الرسمي لمؤسسة "الحق"، وهي منظمة فلسطينية حقوقية تحظى باحترام واسع، بأنها منظمة إرهابية، ما يوضح أن التصنيف "ليس بسبب أنشطتها المدنية المذكورة" ولكن بسبب "العلاقات المزعومة" مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي حزب سياسي فلسطيني وجماعة مسلحة.
صنفت إسرائيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كمنظمة إرهابية في عام 1986، إلى جانب حركة فتح، الحزب الذي يقوده الآن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومنظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت إسرائيل بأنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني بعد سبع سنوات فقط. هذه الكيانات الثلاثة لا تزال على قائمة إسرائيل الإرهابية حتى يومنا هذا.
يذكر التصنيف الإسرائيلي أن مؤسسة الحق "تعمل بالنيابة عن [الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين] وبناءً على تعليماتها كجزء من كفاح المنظمة الإرهابية ضد إسرائيل". عندما زعم ضابط من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك أنه اتصل، بحسب بعض التقارير، بشعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، في 21 أغسطس/آب، بعد أيام من مداهمة مكاتبها، هدده بالسجن—ليس بسبب أي إجراءات قام بها هو أو المؤسسة خلال فترة إدارته لمؤسسة الحق التي استمرت 16 عامًا، ولكن لمجرد فتح أبواب المؤسسة كل صباح.
لا يمكن أن تكون شرعية الانخراط في ممارسة حقوق الإنسان مشروطة بهوية الممارس أو علاقته المزعومة بالآخرين. من المؤكد أنه لا يمكن نزع الشرعية عن طريق اتهامات لا أساس لها بأن العمل في مجال حقوق الإنسان يخدم أجندة قوى أجنبية أو منظمات إرهابية.
عندما تحركت دول أخرى لحظر منظمات حقوق الإنسان، كان منطقها المعلن متشابهًا بشكل مخيف—لا يكون الاحتجاج على جوهر عمل تلك المنظمات في مجال حقوق الإنسان بل يتم اتهامها بالقيام بهذا العمل نيابة عن جهات فاعلة شائنة، وغالبًا ما تكون أجنبية بحكم تمويلها الدولي.
عندما تحركت روسيا لإغلاق مركز حقوق الإنسان التذكاري، في موسكو، وجهت اتهامات بأن المنظمة غير الحكومية كانت تعمل سرًا كوكيل لجهة أجنبية و "تبرير الإرهاب والتطرف". وعندما أجبرت مصر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان على الإغلاق، فعلت ذلك من خلال شروط التسجيل الصارمة للمنظمات التي تتلقى تمويلًا أجنبيًا. وعندما بدأت المجر في قمع المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك تلك التي تدعم اللاجئين، بدأت أيضًا بوضع قيود قمعية على المنظمات التي تتلقى تمويلًا أجنبيًا.
الفرق بين إسرائيل ومعظم الدول الاستبدادية الأخرى التي أغلقت منظمات حقوقية هو أن معظم تلك الدول تدّعي أن المنظمات تتعاون مع الغرب كجزء من محاولات سرية للتأثير الأيديولوجي، أو حتى تغيير النظام. لا يمكن لإسرائيل تقديم ادعاءات مماثلة بشكل مريح ضد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لها، أو الولايات المتحدة، راعيها العسكري والدبلوماسي.
لذا، بدلًا من اتهام هذه المنظمات الفلسطينية لحقوق الإنسان بالترويج لمؤامرة غربية شائنة، تتهمها إسرائيل بخدمة مصالح منظمات إرهابية. إنها بذلك تتهم فعليًا وبشكل مضحك أقرب حلفائها الغربيين بتمويل الإرهاب—وهو ادعاء أخذته 10 دول أوروبية على محمل الجد، وتم التحقيق فيه لمدة عام تقريبًا وتم رفضه تمامًا.
إنّ سلوك إسرائيل، مثل حال الدول الأخرى التي تغلق منظمات حقوق الإنسان، ليس عرضيًا أبدًا. إنه مرض مستوطن في الأنظمة التي تعتمد على الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان وإساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب للحفاظ على سلطتها على الأشخاص الذين تحكمهم بشكل غير ديمقراطي. قد تختلف دوافع الأنظمة المختلفة، بالطبع، بين مصر السيسي وروسيا بوتين.
في حالة إسرائيل، فإن انتهاكاتها مستوطنة في الحكومات العسكرية التي حكمت مجموعات مختلفة من الفلسطينيين طوال فترة وجود إسرائيل تقريبًا منذ إقامة الدولة، ونظام الفصل العنصري الأوسع الذي يمنح الأفضلية لليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين المضطهدين والمحرومين. (عاش المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل تحت حكم عسكري من عام 1948 حتى ديسمبر/ كانون الأول 1966، والذي كان من نواحٍ عديدة نموذجًا للحكومة العسكرية التي أقامتها إسرائيل في الأراضي المحتلة بعد سبعة أشهر فقط).
وبحسب ما ورد، سافر وفد إسرائيلي إلى واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر للضغط من أجل قضية التصنيفات "الإرهابية" مع وزارة الخارجية الأمريكية ووكالات الاستخبارات الأمريكية. أوضحت الزيارة، بحسب ما نقلته أكسيوس، أن إسرائيل لن تتراجع عن إساءة استخدامها لقوانين مكافحة الإرهاب لتجريم المجتمع المدني الفلسطيني، حيث "شدد الوفد في اجتماعه مع مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية على أن إسرائيل لا تتصرف ضد هذه المنظمات غير الحكومية بسبب النشاط السياسي، ولكن بسبب ما قال المسؤول أنه تورطها في الإرهاب".
استجابت وزارة الخارجية الأمريكية بخنوع لهذا الأمر. فبدلًا من انتقاد إسرائيل لمحاولتها تجريم المجتمع المدني في فلسطين، قالت وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي إنها "تواصل مراجعة" أي "معلومات إضافية" تشاركها إسرائيل.
عدم تحرك الولايات المتحدة يؤيد ويمكّن القمع الإسرائيلي للمجتمع المدني الفلسطيني. حتى مجرد مطالبة إسرائيل بإلغاء تجريم هذه المنظمات سيكون أقل من اللازم ومتأخرًا. وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة وجميع الدول الديمقراطية الاعتراف بدورها في المساعدة والتحريض على انتهاكات إسرائيل، مع الاستمرار في مكافأتها بالمليارات من المساعدات العسكرية والدعم السياسي غير القابل للنقاش.