ليليان أفيديان هي متدربة تحريرية في مجلة الديمقراطية في المنفى، وكاتبة في صحيفة (The Armenian Weekly)، كما أنها طالبة دراسات عليا في جامعة نيويورك.
شعر سفيان حناني بالحرية في أن يكون على طبيعته في منزل عائلته الذي نشأ فيه في المغرب. لم يثنه والده أبدًا عن مشاهدة الأفلام الرومانسية المصرية التي كان يعشقها، والتي عادة ما يقوم ببطولتها الثنائي الشهير عمر الشريف وفاتن حمامة. لم يُقال له قط أنه يجب عليه ممارسة الرياضة بدلًا من مشاهدة قصص الحب. لكن كل هذا تغير في المدرسة حيث سخر منه زملاؤه. كانوا يقولون أن الأفلام المصرية للنساء وليست للرجال.
وهو يتذكر هذه التجارب المبكرة التي هي جزء من العقلية الذكورية السامة التي يتبنّاها معظم الشباب في المغرب. لا يزال عقله المبكر يحتفظ بهذه الذكريات، وهي أسس غضبه الهادئ الذي سيوجهه لاحقًا إلى التنظير والنشاط في مرحلة البلوغ. لقد أثاروا اهتمامه، على وجه التحديد، لفهم الذكورة.
سفيان حناني، الحاصل على الدكتوراه في علم الأورام والبيولوجيا الجزيئية، هو منتج برنامج "ماشي رجولة"، وهو برنامج بودكاست شهير باللغة الفرنسية في المغرب يعيد التفكير في مفهوم الذكورة. اسم البرنامج هو عبارة شائعة في اللهجة المغربية والتي تعني "ليس رجلًا"—وهي تُستخدم غالبًا للإشارة إلى أن شخصًا ما "ليس رجلًا"، مع كل الصور النمطية الضمنية حول الرجولة والذكورة. يهدف البودكاست، كما قال حناني، إلى "استعادة هذا التعبير والدعوة إلى مفهوم الذكورة التعددية والشاملة، بدلًا من الذكورة الحصرية والسامة".
"من الصعب للغاية بالنسبة لشخص مثلي أن يحصل على التعليم والخدمات الاجتماعية والعلاج في المستشفيات. جميع المشاكل في المجتمع مرتبطة بوضع المثلية. إذا كان هناك عنف في المجتمع، فإن المثليين يتعرضون لانتهاك أكبر".
- سفيان حناني
لم يعرف حناني النظرية النسوية أو المثلية في شبابه. فقد نشأ وترعرع في مدينة الجديدة، وهي بلدة صغيرة تبعد حوالي 60 ميلًا عن ساحل الدار البيضاء والمعروفة بشواطئها المذهلة. وخلال طفولة حناني، لم تكن هناك دور سينما أو مقاهي أو أماكن عامة أخرى لتجمع الشباب. بالنسبة لعقل الشاب الفضولي الذي يحركه النشاط الثقافي، كان إيقاع المدينة بطيئًا للغاية.
قال لي حناني: " كنت أشعر كما لو أنني في المكان الخطأ عندما كنت أعيش هناك ".
وكان من الصعب عليه أيضًا عيش حياة خاصة في الجديدة، بعيدًا عن أعين المجتمع المحلي المتماسك. ومع ذلك، فإن قلة النشاطات قدمت لحناني هدية غير متوقعة. فقد استغل الصمت والعزلة للتفكير وبناء إحساس ذاتي واثق لا يتزعزع. لم يكن الدخول في هويته المثلية مثقلًا بالصدمة أو الذنب أو العار. لقد كان "سَلِسًا" على حد تعبيره.
ويصف حناني المغرب بأنه مجتمع "محافظ ومنغلق". لا تتم مناقشة قضايا المثلية بشكل علني، خاصة في المدارس. وهذا الصمت بمثابة نوع من الرقابة عن طريق الإغفال. لا يحتاج الأطفال إلى أن يقال لهم صراحة أن كونهم مثليين هو أمر خاطئ لكي يشعروا ضمنيًا أن مشاركة مشاعرهم من شأنها أن تعرضهم لخطر ردود الفعل العقابية من السلطات أو الآباء أو المعلمين. وقال أنه خاصة في بلدة صغيرة فيها عدد قليل من أماكن التجمع العامة، فإن الشباب المثليين "ليس لديهم مكان يمكن أن يشعروا فيه بالأمان".
ومع ذلك، لم تتمكن هذه البيئة من اختراق إحساس حناني الآمن بالهوية. بل بالعكس، أدى ذلك إلى تغذية غضبه ورغبته في تفكيك أنظمة الظلم الاجتماعي القائمة.
قال حناني: "كنت متمردًا. لقد كان من علامات شخصيتي كمراهق أنني لا أقبل نظام المجتمع. حتى عندما كنت طفلًا، أعتقد أنني كنت هكذا".
ومع ذلك، لم يكن للجميع مثل تجربة حناني. تعرض زملاؤه الذين أظهروا تعبيرًا جنسيًا غير تقليدي، والذين لم يتمكنوا من إخفاء مثليتهم كما فعل هو، للتنمر. لم يتمكن أحد زملائه من التعامل مع المضايقات المستمرة واضطر إلى ترك المدرسة.
وبالتأمل في شبابه، يقوم حناني بالتنظير لهذه التجارب من خلال عدسة التقاطعية، أو كيف تتداخل أنظمة مختلفة من عدم المساواة لإنتاج أشكال فريدة من القمع للأشخاص ذوي الهويات المهمشة المتعددة. ويقول أن المغاربة المثليين والمحرومين على أساس طبقتهم أو عرقهم أو أي علامات هوية أخرى يواجهون "تمييزًا مزدوجًا".
وقال حناني: "من الصعب للغاية بالنسبة لشخص مثلي أن يحصل على التعليم والخدمات الاجتماعية والعلاج في المستشفيات". وأضاف: "جميع المشاكل في المجتمع مرتبطة بوضع المثلية. إذا كان هناك عنف في المجتمع، فإن المثليين يتعرضون لانتهاك أكبر".
انغمس حناني لأول مرة في التحديات التي تواجه مجتمع المثليين في المغرب عندما انضم إلى منظمة في المدرسة الثانوية تناضل من أجل الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وعلاجه. وعندما انتقل إلى الدار البيضاء للالتحاق بالجامعة، بقي حناني جزءًا من المنظمة، حيث عمل في مجال التثقيف في مجال الصحة الجنسية. وأصبح فيما بعد عضوًا في منظمة العفو الدولية، حيث عمل في مجال الحرية الإنجابية والجنسية، فضلًا عن قضايا مثل العنف السياسي والفساد في المغرب.
وفي بداية جائحة كورونا، قرّر حناني أخذ استراحة من رسالة الدكتوراه لإطلاق بودكاست (Elille)، حيث أنشأه مع أصدقائه لتعزيز التنوع الجندري—واسمه، كما قال حناني لمحاور آخر، "يمكن أن يعني "الليل" باللغة العربية، ولكن في الغالب عبارة عن اختصار أو تورية للضميرين [باللغة الفرنسية] "هي" و "هو". وكان اسم البودكاست الناتج عن ذلك "ماشي رجولة"، حيث يستضيف الأكاديميين والناشطين العاملين في الدراسات المثلية والنسوية لإجراء نقاشات تعيد تصور الذكورة.
يصيغ حناني البودكاست الخاص به ليكون في متناول جماهير واسعة. ويأمل أن يتولّد للأشخاص الذين يتابعون البرنامج إدراك في أن قضايا المثليين ليست منفصلة، وإنما تؤثر على الجميع في بلد مثل المغرب. يكشف الدفاع عن حقوق الأشخاص من فئة المثليين عن مجموعة كاملة من المعايير المجتمعية التي تقيّد حرية التعبير والاستقلال الجسدي للأشخاص الذين ليسوا جزءًا من مجتمع المثليين.
"هذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا نختار موضوع الذكورة للعمل على مثل هذه الأمور. إنّ ذلك بمثابة العمل على جذور المشكلة، وأصلها. ان تحرير الأشخاص المثليين، هو تحرير للمجتمع بأكمله".
- سفيان حناني
على سبيل المثال، ترتبط التحديات التي تواجه الأشخاص المثليين في المغرب ارتباطًا وثيقًا بقضايا المرأة. تجرّم المادة 490 من القانون الجنائي المغربي ممارسة الجنس خارج إطار الزواج. ويعني هذا القانون، الذي يعود تاريخه إلى الحكم الاستعماري الفرنسي في المغرب، أن الأشخاص المثليين والنساء غير المتزوجات يمكن أن يواجهوا الملاحقة القضائية بسبب سعيهم إلى حرياتهم الجنسية. يصف حناني حركة إلغاء المادة 490 بأنها "نفس الكفاح" بالنسبة للنساء والأشخاص المثليين—"إنها الكفاح من أجل الحرية".
وينطبق الشيء نفسه على الوصمة المجتمعية المرتبطة بممارسة الجنس خارج إطار الزواج. يشعر كل من المثليين والنساء بالخجل من التحدث مع عائلاتهم ومناقشة حياتهم العاطفية بشكل منفتح. يخشى الشباب المثليون من التعرض للعار بسبب هوياتهم، وتخشى النساء أيضًا من العار بسبب رغبتهن في ممارسة الجنس. يعد الأشخاص المثليون والنساء أيضًا أهدافًا أساسية للتحرش الجنسي، والقائمة حول ذلك تطول.
يعتقد حناني أن الذكورة السامة هي جوهر اضطهاد النساء والأشخاص المثليين في المغرب. وقال حناني: "هذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا نختار موضوع الذكورة للعمل على مثل هذه الأمور. إنّ ذلك بمثابة العمل على جذور المشكلة، وأصلها." وأضاف: "تحرير الأشخاص المثليين، هو تحرير للمجتمع بأكمله".
بالنسبة لحناني، لا يقتصر الكفاح على تفكيك هرمية السلطة داخل المجتمع المغربي ككل. فهو يهدف أيضًا إلى مواجهة عدم المساواة التي تنعكس داخل مجتمع المثليين الأوسع، بما في ذلك في الخارج، حيث يوجد التعصب والتحيز بأشكال أخرى. وهو يشعر بذلك ضمنيًا عندما يسافر إلى أوروبا أو الولايات المتحدة لإجراء أبحاث أو لحضور مؤتمرات دولية. حتى عندما يكون في إحدى فعاليات المثليين، فإنه غالبًا ما يتعرض للتمييز باعتباره مغربيًا. وفي فرنسا، حيث يسافر بشكل متكرر، قال أن الانطباع السائد هناك أن الرجال العرب كارهون للنساء أو إرهابيون. وقال أنه في إحدى حانات المثليين في باريس، كان من الواضح أنه غير مرحب به، لأنه على الأرجح كان يبدو مغربيًا وله لحية. وقال: "لم أبدو مثليًا بما فيه الكفاية لأكون في هذه الحانة"، متذكرًا النادل الذي عامله وكأنه "ليس في المكان المناسب".
لقد شعر بنفس الديناميكيات في جميع أنحاء أوروبا حيث يُنظر إليه على أنه غريب فقط، بما في ذلك في برلين، وهي مدينة مشهورة بأنها صديقة للمثليين حيث أمضى حناني وقتًا في إجراء الأبحاث. وقال: "في المغرب، من الصعب على الشخص المثلي أن يخلق مساحة خاصة به في مساحات تقتصر على جنسين. وعندما تذهب إلى ألمانيا، يكون الأمر عكس ذلك. هناك مساحات للمثليين، لكن من الصعب أن تتواجد كشخص عربي مثلي. لذا، فهي نفس الآلية. تشعر بنفس الإقصاء، ولكن لأسباب مختلفة—هنا [في المغرب] لأنك مثلي، وهناك لأنك عربي".
يرى حناني أن هذه التجارب في الخارج هي امتداد آخر لأضرار الذكورة السامة. وهو يعتقد أن هناك شيئًا ذكوريًا متأصلًا في العنصرية والاستعمار، وفي المقابل، هناك شيء استعماري في الذكورة. ويتطلب تفكيك أنظمة القمع هذه تحويل الذكورة نفسها، من فكرة فردية تعتمد في كثير من الأحيان على العنف والسيطرة، إلى ذكوريات تعددية وإيجابية.
وقال حناني: "حتى عندما نكون مثليين، فإننا ننشأ في مساحات أبوية. أعتقد أن الذكورة السامة والعنصرية، كل هذه الأشياء هي معتقدات في المجتمع". وأضاف: "في بعض الأحيان عندما نذهب إلى مساحات المثليين، نذهب مع كل هذه المعتقدات. نحن بحاجة إلى العمل على التفكيك الذاتي لدينا لهذه المعتقدات. نحن نعمل على ذلك من خلال الوصول إلى المعرفة وخلق مساحات للحديث عنها وقراءة الكتب وإنشاء البودكاست".
تم دعم إعداد هذا المقال من قبل (NYU GlobalBeat)، البرنامج الدولي لإعداد التقارير الميدانية في معهد آرثر إل كارتر للصحافة بجامعة نيويورك.