DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

"كابوس" أن تكون مثليًا في تونس

Avatar photo

داريو صباغي صحفي مستقل ظهرت مقالاته في "الإندبندنت" و "ميدل إيست آي" و "دويتشه فيله" ومنصات أخرى.

English

كان المخرج التونسي كريم بلحاج على وشك الانتهاء من أول فيلم وثائقي طويل له عن الجالية اليهودية في تونس، بعد أن عمل كمساعد مخرج في فيلمين قصيرين وشق طريقه في صناعة السينما في البلاد لسنوات. لكن حياته انقلبت رأسًا على عقب عندما اعتقلته الشرطة التونسية في شقته في تونس العاصمة في مارس/آذار 2017. وعثر عليه ضباط الشرطة برفقة طالب يبلغ من العمر 23 عامًا، اعترف لاحقًا بأنه يعمل في الجنس.

اعترف كلاهما بممارسة الجنس بالتراضي، وهو أمر مُجرَّم في تونس بين أفراد من نفس الجنس ويعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. ووجهت إلى بلحاج، الذي كان يبلغ من العمر 38 عامًا وقتها، تهمة ممارسة المثلية الجنسية واحتُجز في سجن المرناقية المدني جنوب غرب تونس العاصمة.

قصة بلحاج مألوفة للغاية في تونس، حيث يتعارض تجريم المثلية الجنسية مع الحق في الخصوصية وعدم التمييز الذي يفترض أنه منصوص عليه في دستور تونس لعام 2014. بموجب المادة 24 من الدستور، تلتزم الدولة بحماية "الحياة الخاصة وحرمة المسكن"، بينما تنص المادة 21 على أن "جميع المواطنين، ذكورًا وإناثًا، متساوون في الحقوق والواجبات، وهم متساوون أمام القانون من غير تمييز ".

ومع ذلك، تُجرّم المثلية الجنسية بموجب المادة 230 من قانون العقوبات التونسي، الذي يعود تاريخه إلى حقبة الاستعمار الفرنسي. تم وضع القانون في عام 1913—قبل أكثر من قرن من اعتماد تونس لدستورها الجديد بعد الإطاحة بالرئيس المستبد زين العابدين بن علي في الانتفاضة الشعبية التي أشعلت شرارة الربيع العربي.

قال منير باعتور، وهو محام وناشط تونسي ومؤسس مشارك ورئيس منظمة شمس، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق المثليين: "بالإضافة إلى المادة 230 [من قانون العقوبات]، المادتان 226 و 227، اللتان تدينان المجاهرة بالفحش، تمثل تهديدًا للمثليين." وأضاف: "هناك حوالي 120 قضية تتعلق بهذه المواد كل عام." يعرف باعتور قصة بلحاج جيدًا، وقد أدين هو نفسه بقضية مماثلة في عام 2013 لممارسة الجنس بالتراضي مع رجل وقضى أربعة أشهر في السجن.

تبرز قضية بلحاج لأنه بعد فترة وجيزة من اعتقاله، أصبحت القضية علنية، وعلى عكس قضايا أخرى، تم التطرق إليها على نطاق واسع في وسائل الإعلام التونسية والفرنسية. ضاعفت التغطية الإعلامية لاعتقاله أثرها عليه وعلى أسرته، حيث أنه كان متزوج حينها، رغم انفصاله عن زوجته، ورُزق بابنة صغيرة. تُظهر محنته صعوبة العيش كشخص مثلي في بلد يتم فيه إدانة المثلية الجنسية وتعتبر غير قانونية، ويمكن أن يكون للوصمة الاجتماعية الناتجة عن ذلك عواقب وخيمة على حياة الناس.

في مقابلة حديثة مع مجلة "الديمقراطية في المنفى"، قال بلحاج إنّ قضيته تم التشهير بها بشكل واسع دون علمه أثناء وجوده في السجن. كما قال: "تم الكشف عن هويتي، وهذا أضر بكامل عائلتي." وأضاف: "منع آباء زملاء ابنتي أطفالهم من رؤيتها. تعرضت حياتي الخاصة للأذى. لقد تلطخت كرامتي بالوحل إلى الأبد."

احتُجز بلحاج لمدة 13 شهرًا قبل أن يواجه المحاكمة. ذكر أن تلك الفترة التي قضاها في السجن كانت كابوسًا. يتذكر قائلًا: "كان يتم اعتباري أسوأ نوع من السجناء وعاملني الآخرون وكأني طاعون. كنت آكل وحدي. لا أحد يريد التحدث معي. في زنزانتي، كان هناك حوالي 115 سجينًا." وقال أنه تعرض للسرقة ثلاث مرات على الأقل. وأضاف: "سخر مني الجميع وأهانوني، سجناء وضباط، خاصة وأن عائلتي التي صُدمت من الاعتقال لم تأت لزيارتي خلال الأشهر الأولى من سجني. ومع ذلك، كان قلقي الوحيد هو أنني لم أتمكن من حضور عيد ميلاد ابنتي، الذي كان بعد أيام قليلة من الاعتقال."

تجربة بلحاج في السجن هي مجرد مثال واحد على الانتهاكات والإساءات التي يواجهها المثليون في المجتمع التونسي. أكد علي بوسلمي، المدير التنفيذي لمنظمة "موجودين"، وهي منظمة غير حكومية تونسية تناضل من أجل حقوق المثليين، رواية بلحاج عن السجن ووصف غالبية المجتمع التونسي بأنهم كارهون للمثليين. قال بوسلمي: "هناك الكثير من الانتهاكات في الشوارع وحتى داخل عائلات المثليين." وأضاف: "غالبًا ما يُجبر المثليون في تونس على العمل في الدعارة حيث لا يوجد لديهم خيار آخر للاندماج في المجتمع. يعاني الكثير من نقص فرص العمل، ويواجه المتحولون جنسيًا مشاكل في نظام الرعاية الصحية العامة."

نورا نورالا، باحثة حقوقية ومساعدة أبحاث في قسم حقوق المثليين في منظمة هيومن رايتس ووتش، تعتبر المجتمع التونسي أكثر قبولًا لمجتمع المثليين مقارنة بالبلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقالت: "إنها دولة أكثر ليبرالية من جيرانها، لكن النظرة الاجتماعية لحقوق المثليين قد لا تكون ليبرالية كما نعتقد." وأضافت: "بعد ثورة 2011، تغيرت الكثير من الأمور، لكن معاداة المثلية الجنسية استمرت."

عندما أعلن منير باعتور، وهو أيضًا رئيس الحزب الليبرالي التونسي، في عام 2019 أنه سيرشح نفسه لرئاسة البلاد، أصبح أول مرشح رئاسي مثلي الجنس علنًا، ليس فقط في تونس ولكن في العالم العربي بأسره. ركزت حملته على الحقوق المدنية والفردية، بما في ذلك إلغاء المادة 230. ولكن بعد شهر من انتهاء حملته الرئاسية، فرّ باعتور إلى فرنسا هربًا مما أسماه تهديدات بالقتل "خطيرة جدًا" من الإسلاميين في تونس نتيجة منشور نشره على الفيسبوك يُنظر إليه على أنه مسيء للإسلام. حوكم من قبل السلطات التونسية على هذا المنشور وحُكم عليه فيما بعد بالسجن لمدة عام.

تمامًا مثل باعتور عندما تم اعتقاله في عام 2013، خضع بلحاج لـ "فحص شرجي" لـ "إثبات" تهم اللواط الموجهة إليه. قال بلحاج أن "الاختبار" فُرض عليه رغم أنه رفض. قال بلحاج: "كان الأمر مروعًا. منذ ذلك اليوم، وأنا أعاني من كوابيس، وما زلتُ مصدومًا. حدث هذا أمام عدة أشخاص. أجرى الطبيب الاختبار ببرودة ولامبالاة وازدراء. كان برفقته مساعده الذي لم يطلب منه المغادرة ورافقني ضابطا شرطة. تم نزع القيود من على يدي في اللحظة الأخيرة. ثم أمرني الطبيب بأن أضع نفسي في وضع مهين للغاية فورًا."

قال: "اعتقدت، وما زلت أعتقد، أنه كان شكلًا من أشكال الاغتصاب."

بعد الإفراج عن بلحاج بعد أن أمضى 13 شهرًا في السجن في 2018، وجد نفسه محطمًا نفسيًا. تبرأ منه جميع أفراد أسرته، باستثناء أخته وزوجته. قال: "قال لي والداي أنهما لم يعودا يرغبان بالتواصل معي." حاول بلحاج إعادة بناء حياته والعمل مرة أخرى في صناعة السينما، لكن الوظيفة الوحيدة التي وجدها كانت كمدرس سينمائي خاص. أدت وصمة عار التشهير به على أنه مثلي إلى مزيد من التمييز في الأماكن العامة، بما في ذلك عندما يخرج إلى الحانات والمقاهي، كما يتعرض لمضايقات متكررة من قبل الشرطة.

قال بلحاج أن ثلاثة حراس في مكان للموسيقى في تونس ضربوه بمضارب بيسبول في ليلة حضر فيها حفلة موسيقية هناك، لأنهم عرفوا أنه المخرج المثلي الذي ظهر في الأخبار. قال: "إلى جانب الكدمات التي تعرضت لها في جميع أنحاء جسدي، كان لدي كسر مزدوج في ذراعي وخضعت لعملية جراحية." وأضاف: "لقد كانوا مصممين للغاية على ضربي كما لو كنت أنا الشيطان نفسه وأكثر شخص بغيض يستحق مثل هذا المصير." قال أن مدير المكان الذي استضاف الحفل "توسل إليّ لتقديم شكوى، لكن كان من غير الوارد أن تطأ قدماي مركز الشرطة مرة أخرى."

غادر العاصمة تونس ليعيش بضعة أشهر في جزيرة جربة، قبالة الساحل التونسي، للتعافي من الضرب، لكنه كان يملك القليل من المال وكان يعاني من الاكتئاب ولديه أفكار انتحارية. عندما عاد إلى العاصمة تونس، وجد أن والده قد غيّر قفل المنزل الذي كان يعيش فيه بلحاج.

تعكس ظروف بلحاج "الانتهاك القانوني والاجتماعي" للمثليين في تونس والعالم العربي الأوسع، بحسب ما ذكرته نورالا من منظمة هيومن رايتس ووتش. وأشارت إلى أنه: "يمكن أن يتعرض المثليون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للضرب على أيدي أسرهم أو أفراد المجتمع المقربين. ونادرًا ما يحاول الضحايا الوصول إلى السلطات بعد ذلك. هناك العديد من الادعاءات والمزاعم ضد عناصر الشرطة التي تشير إلى معاملتهم السيئة للمثليين بسبب جنسهم وميولهم الجنسية. يعذبونهم لفظيًا وجسديًا داخل وخارج أقسام الشرطة وفي السجن."

في بلد ومجتمع به هذا المستوى من التمييز، تلعب المنظمات غير الحكومية دورًا حيويًا وأصبحت شريان حياة للبقاء على قيد الحياة بالنسبة للمثليين. بعد الثورة التونسية، ظهرت الآلاف من المنظمات غير الحكومية في البلاد، بما في ذلك العديد من المنظمات التي تقدم خدمات لمجتمع المثليين، مثل المساعدة القانونية والمساعدة المالية والدعم النفسي والصحي. ولدى سؤاله عن سبب سماح الحكومة التونسية لهذه المنظمات غير الحكومية بالعمل بينما يجرّم قانون العقوبات المثلية الجنسية، قال باعتور أن هناك فرقًا بين القانون المدني والقانون الجنائي: "القانون المدني يسمح بتكوين جمعية، لكن القانون الجنائي يدين المثلية الجنسية."

بمساعدة إحدى المنظمات غير الحكومية في تونس، تمكن بلحاج من بدء العلاج النفسي. وبفضل تدخل وزارة الثقافة وصندوقها الخاص بالفنانين، تمكن من إجراء عملية جراحية، وهو يستعيد تدريجيًا استخدام يده اليسرى التي كُسرت أثناء الاعتداء عليه خارج مكان الحفل. كان دعم الوزارة علامة أخرى على التناقض الكئيب في تونس، حيث يمكن للمنظمات غير الحكومية مثل "موجودين" تنظيم فعاليات عامة للدفاع عن المثليين والاحتفال بهم، بما في ذلك المهرجانات السينمائية، ولكن الأنشطة الجنسية المثلية غير قانونية وتؤدي إلى السجن.

يخطط بلحاج الآن لمغادرة تونس وطلب اللجوء في الخارج. قال: "لا أرى أي إمكانية ولا بصيص أمل في هذا النفق المظلم الطويل الذي مررتُ به منذ دخولي السجن." وأضاف: "أطمح للعيش بهدوء وسلام وفي سرية والشعور بالأمان في يوم من الأيام."

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.