DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

كيف يعيد الذعر الأخلاقي الذي حدث في مصر بشأن فتيات التيك توك ذاكرتنا إلى قرنٍ مضى من الزمن

Avatar photo

رافائيل كورماك حاصل على درجة الدكتوراه في المسرح المصري من جامعة إدنبرة ويعمل حاليًا باحثًا زائرًا في جامعة كولومبيا. وهو مؤلف كتاب "منتصف الليل في القاهرة: نجمات العشرينيات الصاخبة في مصر". وهو كذلك محرر ومترجم عربي، وكتب عن الثقافة العربية لمجلة لندن للكتب وغيرها.

English

في ربيع عام 2020، انتهيتُ من تأليف كتاب "منتصف الليل في القاهرة: نجمات العشرينيات الصاخبة في مصر" وهي سيرة ذاتية جماعية للنساء القويات والمستقلات اللواتي وضعن بصمة في إحدى حقب العاصمة المصرية. تزامن تقديم المسودة مع بداية حملة قمع على العديد من نجمات وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، اللواتي عُرفن باسم "فتيات التيك توك".

 زعمت السلطات المصرية أن هؤلاء الفتيات ومقاطع الفيديو التي نشرنها تنتهك "الآداب العامة" و "القيم الأسرية". اثنتان منهن على وجه الخصوص، حنين حسام ومودة الأدهم، قضيتا عامًا من الجحيم في المحاكم المصرية. وفي آخر فصول قصتهما، تم الحكم عليهما الشهر الماضي بأحكام قاسية للغاية من قبل محكمة الجنايات، حيث حُكم على حنين حسام، البالغة من العمر 20 عامًا، بالسجن لمدة عشر سنوات، وحُكم على مودة الأدهم، البالغة من العمر 23 عامًا، بالسجن لمدة ست سنوات. كما تم تغريمهما 20 ألف جنيه مصري (حوالي 1،275 دولارًا أمريكيًا).

كان من الصعب أحيانًا، وسط كل التهم الموجهة إلى هؤلاء النساء المصريات، معرفة الخطأ الذي يفترض أنهن ارتكبنه على وجه الدقة. أكثر اتهام ملموس—على الرغم من أنه من السذاجة تصديقه أيضًا—هو أنه من خلال تشجيع متابعيهن على الانضمام إلى منصة تواصل اجتماعي شهيرة أخرى، وهي تطبيق (لايكي)، واستخدام ذلك لكسب المال، فإنهن ينخرطن في شكل من أشكال "الاتجار بالبشر".

لكن سيطر على قضاياهن والتغطية المحيطة بهن مفاهيم غير ملموسة مثل "الآداب العامة" و "القيم الأسرية" و "الفجور". يصعب تصنيف هذه التهم. غالبًا ما نشعر أن مجرد وجود فتيات ينشرن مقاطع فيديو حميمة، وأحيانًا ذات طابع جنسي معتدل، لأنفسهن، وهن يحركن الشفتين مع الأغاني ويرقصن على موسيقى البوب​​، هو أمر مسيء للغاية بالنسبة للسلطات في مصر. شابتان تستمتعان على التيك توك، مثل ملايين آخرين حول العالم، تم إجبارهما فجأة على تحمل عبء ما يسمى بـ "بأخلاق" الأمة بأكملها.

ومع ظهور هذه القصص في الأخبار في مصر، أتذكر أني تعمّقتُ في حياة بعض النساء المصريات المختلفات، اللواتي تواجدن قبل مائة عام: المغنيات والراقصات والممثلات وصاحبات الملاهي الليلية في القاهرة. كلما تقرأ المزيد من قصص النساء من جيل سابق، كلما يكون من الملفت أوجه الشبه بينهن وبين "فتيات التيك توك". يمكن أن يساعدنا النظر إلى حياتهن على فهم هذا المفهوم الغريب الغامض الذي يسمى "الآداب العامة" في مصر، وكيف يتم استخدامه ضد النساء.

هناك انطباع واسع الانتشار بأن المرأة المصرية في عشرينيات القرن الماضي كان لديها "حرية" أكثر وضوحًا—وهو مفهوم آخر قد يكون غامضًا—مما هي عليه الحال الآن. بالنظر إلى صور النساء اللواتي يرتدين ملابس أكثر انفتاحًا على المسرح أو عند القيام برقصة الكانكان، بدأ الناس في إضفاء الطابع الرومانسي على سنوات ما بين الحربين العالميتين في القاهرة، عندما كانت مصر بوتقة ثقافية متنوعة على الرغم من أنها كانت لا تزال تحت التأثير الإمبراطوري البريطاني، حيث كانت تلك الفترة تتسم بالانفتاح الشديد. لكن عند إجراء نظرة فاحصة لهذه الفترة يتضح أن الأمر لم يكن بهذه البساطة.

لم يقتصر الأمر على تمتع النساء في مصر في العشرينيات من القرن الماضي بحقوق سياسية أقل بكثير مما يتمتعن به الآن—التي كان من أهمها الحق في التصويت—فقد واجهن أيضًا نفس حواجز "الآداب العامة" غير المحددة التي تواجهها نجمات التيك توك في هذا العقد.

هناك أمثلة لا حصر لها في القاهرة في فترة ما بين الحربين العالميتين على اتهام فنانات بانتهاك "الآداب". غالبًا ما كانت تُدعى الممثلات عاهرات. وكانت تعتبر الراقصات مفسدات لشباب البلاد. في عشرينيات القرن الماضي، تم حظر "الرقص الشرقي" من النوادي الليلية في القاهرة، وتم إغلاق أحد النوادي الليلية مؤقتًا وفُرضت عليه غرامة بسبب قيامه بعرض "الرقص الشرقي" الذي "ينتهك الآداب العامة". تمت صياغة العديد من هذه الاتهامات قبل قرن من الزمن بنفس الطريقة التي صيغت بها التهم الموجهة إلى حنين حسام ومودة الأدهم، والتي تشير على وجه التحديد إلى "العادات" و "القيم" و "والآداب".

في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كان يُنظر إلى النساء على أنهن تجسيد للفضيلة الوطنية لمصر. كان يتم تجاهل تصرفات الرجال الغريبة أو التسامح بها إلى حد كبير، لكن المرأة لا تستطيع التحرك دون أن تكون لدى أحدهم مشكلة في ذلك. حتى خارج المسرح، كان يتم وضع النساء تحت المجهر.

ذكرت إحدى المقالات المنشورة في إحدى الصحف المصرية في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي أن راقصات النوادي الليلية في القاهرة أخذن يتسكعن في المقاهي في حي الحسين بعد الانتهاء من عروضهن. يبدو أن "مكتب حماية الأخلاق" اعتبر مجرد وجود الراقصات في هذا الجزء من المدينة—الذي يضم أيضًا جامع وجامعة الأزهر ومساجد ومواقع دينية أخرى—مؤشرًا خطيرًا. حتى أنه تم منعهن تمامًا من الجلوس في المقاهي في المنطقة، والتي وصفتها صحيفة الأهرام بأنها ذات "طابع ديني" معين.

لم تكن مجرد شخصيات ثانوية في الموسيقى والمسرح والأفلام والملاهي الليلية التي كانت مزدهرة في القاهرة في ذلك الوقت من تعاني من المشاكل. كانت بعض النساء اللواتي يُعتبرن الآن أكبر النجوم في عشرينيات القرن الماضي أهدافًا للنقد الأخلاقي في كثير من الأحيان. ففي عام 1925، أنشأت الفنانة روز اليوسف واحدة من أكثر المجلات شهرة في فترة ما بين الحربين العالميتين، أطلق عليها اسم روز اليوسف نسبة إلى رئيس تحريرها. نمت المجلة لاحقًا إلى إمبراطورية تضمنت صحيفة ودار نشر محترمة لا تزال نشطة حتى اليوم.

لكن بينما كانت تبدأ حياتها المهنية، كانت أيضًا هدفًا لهجمات عنيفة. بدأت كنجمة في فرقة مسرحية كانت تحاول تقديم المسرحيات الهزلية والفودفيل الفرنسية، بالترجمة العربية، إلى الجمهور المصري. عندما بدأت روز اليوسف باكتساب شعبية، قامت امرأة مجهولة الهوية بمكاتبة الصحافة، بالإضافة إلى مقارنة فناني قاعة الموسيقى بالبغايا، حيث ذكرت أنها ضد تقديم مسرحيات الفودفيل الفرنسية استشهادًا بمفهوم الآداب المألوف اليوم في قضية فتيات التيك توك. قالت "الفرنسيون والمصريون مختلفون". وأضافت: "لدينا عاداتنا وأخلاقنا هنا، ولديهم عادات مختلفة هناك".

منيرة المهدية، مغنية وممثلة كانت واحدة من أعظم النجمات في القاهرة في عشرينيات القرن الماضي، اتُهمت أيضًا بـ "إفساد أخلاقنا ونشر الرذيلة". نظرًا لأن النساء مثلها ومثل روز اليوسف اكتسبن منذ ذلك الحين مكانة ثقافية أسطورية في مصر وخارجها، فقد تم تلطيف حوافهن القاسية، وتم التغاضي إلى حد كبير عن مدى الجدل الذي أحاط بهن في عصرهن. ومع ذلك فقد تعرضن للهجوم بسبب نفس الاتهامات الغامضة المتعلقة بانتهاك "الآداب العامة" المستخدمة ضد حنين حسام ومودة الأدهم وشابات أخريات على التيك توك مؤخرًا.

ماذا يكشف كل هذا إذن عن مصر؟ مصر ليست البلد الوحيد في إجبار النساء على تمثيل وتجسيد بعض "الآداب العامة" الغامضة. دائمًا ما تشير هذه الآداب إلى الآداب الجنسية، وأي "تجاوزات" متصورة للجنس الأنثوي يتم اعتبارها دليلًا على وجود مجتمع فاسد. كانت هذه وجهة نظر منتشرة في مصر في عشرينيات القرن الماضي، على الرغم من المشهد الثقافي النابض بالحياة في القاهرة في ذلك الوقت، ولا تزال وجهة النظر تلك قائمة حتى اليوم.

أوجه التشابه بين فترة قرن من الزمن هي الأكثر إثارة للدهشة وهي أكبر من أي اختلافات أخرى، حيث يكمن هذا التشابه في النظام الذكوري المبتذل. وعلى الرغم من أن كل حالة ذعر أخلاقي تقوم على الاعتقاد بأن التدهور القائم أسوأ من أي حالة أخرى، إلا أنها تبدو متشابهة للغاية في نهاية المطاف. إنه نمط محدد. يظهر شكل جديد من أشكال الترفيه ويصبح شائعًا—سواء كان مسرح الفودفيل الفرنسي أو كباريه أو منصة تواصل اجتماعي جديدة—ويخشى الناس من أن النساء قد يستخدمنه لإفساد "الآداب العامة".

اليوم، تقع حنين حسام ومودة الأدهم في دوامة مألوفة في مصر، على الرغم من أن شدة العقوبات التي تلقينها مختلفة بالفعل. في عشرينيات القرن الماضي في القاهرة، لم يُحكم على أي راقصة ملهى ليلي بالسجن لمدة 10 سنوات. من غير الواضح أين ستنتهي هذه القصة. وهل سينظر الناس إليهن بعد مائة عام كنظرهم الآن لروز اليوسف ومنيرة المهدية كرائدات جريئة؟

 أم أنهن سيتعرضن للإحباط بسبب محاكمتهن؟ هناك شيء واحد مؤكد. في حين أنهما متهمتان بانتهاك القيم التقليدية، وهي نفس التهم التي واجهتها نساء القاهرة في العشرينيات من القرن الماضي، فإن حنين حسام ومودة الأدهم اليوم لا ترغبان في المشاركة في نضال "التقليدية" الصرفة—وهي حملة يتم شنها ضد النساء من قبل أشخاص قاموا بتنصيب أنفسهم أوصياء على الآداب العامة.

Source: Getty IMages

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.