جون هيرش هو مدير البرامج في منظمة (DAWN)
English
يستضيف الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأسبوع المقبل افتتاح "قمة الديمقراطية" التي تهدف إلى تعزيز هدف إدارته المعلن بـ"تجديد الديمقراطية في الداخل ومواجهة الأنظمة الاستبدادية في الخارج." بدأ بايدن في الترويج لهذه الفعالية الهامة خلال حملته الانتخابية في العام الماضي ووعد بإقامتها خلال عامه الأول في المنصب. وبعد تأخيرها بسبب جائحة كورونا، سيتم أخيرًا عقد القمة، وإن كان ذلك افتراضيًا.
لكن تم تشويه "قمة الديمقراطية" حتى قبل أن تبدأ. ففي منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم، أدى استمرار تسليح الحكومة الأمريكية للحكام الاستبداديين إلى تقويض الحركات الديمقراطية وترسيخ الحكومات التي يكافح الإصلاحيون الديمقراطيون وقادة المجتمع المدني لإسقاطها. وبدلًا من استخدام القمة لتقديم خطابات جوفاء وإصدار بيانات سياساتية غير جادة حول "الدفاع ضد الاستبداد" و "تعزيز احترام حقوق الإنسان،" تخيل لو كانت إدارة بايدن قد اتخذت قرار جريء وأعلنت عن إنهاء المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة للحكومات الاستبدادية التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي وتحبط الإصلاح الديمقراطي.
من خلال رفض دعم المستبدين الذين يستفيدون من المساعدات العسكرية الأمريكية للبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى، يمكن للإدارة إزالة واحدة من أكبر العوائق أمام الإصلاح الديمقراطي وتحفيز المستبدين على السماح لمواطنيهم بدور أكبر في الحياة السياسية والحكم في بلادهم.
منذ أن تعهد بايدن لأول مرة بعقد قمة عالمية حول الديمقراطية، ذكرت إدارته باستمرار بأن استضافة هذه القمة سيعمل على تعزيز هدفها الاستراتيجي المتمثل في تحدي صعود الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء العالم. ظل بايدن ملتزمًا باستضافة هذه القمة حتى بعد تمرد 6 يناير/كانون الثاني والانتقاد من المنافسين الأجانب وخبراء السياسة الأمريكية بأن الولايات المتحدة يمكن أن تستفيد أكثر من النظر إلى الداخل لمعالجة عيوبها الديمقراطية أكثر من استضافة قمة تمجد فضائل الديمقراطية الأمريكية. انتقد المعلقون القمة أيضًا لعرضها الاستبداد والديمقراطية كثنائي مفرط في التبسيط ولإقامة فعالية هي مجرد ذريعة لمزيد من إدانة الخصوم الجيوسياسيين، وعلى الأخص الصين وروسيا.
في حين أن هذه الانتقادات لها مبرراتها، إلا أن القمة ما زالت توفر فرصة مهمة لدعم الإصلاحيين الديمقراطيين، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يسيطر الحكم الاستبدادي والقمعي. إنّ الحاجة إلى دعم الإصلاح الديمقراطي أكبر من أي وقت مضى، حيث أدى الانقلاب العسكري الأخير في السودان والانقلاب الرئاسي المستمر في تونس إلى القضاء على الحكم الديمقراطي في جميع أنحاء المنطقة، ما أفضى إلى سلسلة من الانتكاسات المؤلمة منذ لحظات الربيع العربي العصيبة.
يمكن لإدارة بايدن أن تقدم للمصلحين الديمقراطيين داخل المنطقة قدرًا كبيرًا من الدعم ببساطة عن طريق رفض تسليح القادة الاستبداديين مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. سيساعد مثل هذا القرار أيضًا في نزع التسليح عن السياسة الخارجية الأمريكية، وهو هدف مهم في حد ذاته، وفي عملية إعادة تقويم للأمور بعد عقدين من الحروب اللانهائية التي كلفت الكثير ولم تحقق سوى القليل.
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المنطقة الأقل حرية والأقل ديمقراطية في العالم. تتلقى المنطقة أيضًا—إلى حد كبير—معظم المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة. بعد عقود من البدايات الزائفة والفرص الضائعة لتعزيز الإصلاح الديمقراطي، حان الوقت للاعتراف بأن هذه العلاقة تقوض التقدم الديمقراطي وتهدد حقوق الإنسان الأساسية. الأدلة التاريخية لا لبس فيها، ومن الواضح أن إمداد الأنظمة الاستبدادية بكميات هائلة من الأسلحة لا يؤدي إلى الديمقراطية والسلام، بل إلى قمع خانق وديكتاتوريات عسكرية راسخة وملكيات غير خاضعة للمساءلة تُصعّد الصراعات وتُرهب مواطنيها. علاوة على ذلك، فإن المساعدات العسكرية الأمريكية ومبيعات الأسلحة لم تجعل المنطقة أكثر أمنًا، ولم تزد من نفوذ الولايات المتحدة على الحكومات المتلقية.
تخطط إدارة بايدن حاليًا لدعوة مسؤولين حكوميين عراقيين وإسرائيليين للمشاركة في قمة الأسبوع المقبل. قلة من ممثلي حكومات دول المنطقة يستحقون دعوتهم لفعالية مصممة لإعادة إحياء الديمقراطية، لكن اختيار العراق وإسرائيل يعتبر إشكاليًا في حد ذاته. ففي العراق، شهدت الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول أقل مشاركة للناخبين منذ غزو الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003، بنسبة 41 في المائة. عبّر غالبية الناخبين العراقيين عن أنفسهم باختيارهم عدم التصويت—رافضين المشاركة فيما يعتبرونه عملية سياسية مخترقة استولت عليها النخبة السياسية الفاسدة.
كما أن إدراج إسرائيل هو ذو إشكالية أكبر. يزداد الاعتراف بإسرائيل بأنها دولة فصل عنصري. لقد احتلت الأراضي الفلسطينية لأكثر من 50 عامًا، وفرضت حصارًا خانقًا على غزة منذ 15 عامًا، وتقوم الآن بضم مساحات كبيرة من الأراضي في الضفة الغربية حيث نجحت في إخلاءها من سكانها الفلسطينيين. إنّ السماح للمسؤولين الإسرائيليين بالمشاركة في فعالية تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والدفاع عنها—خاصة بعد محاولة إسرائيل الأخيرة لتصنيف ست منظمات فلسطينية رائدة في مجال حقوق الإنسان والعمل الإنساني بأنها كيانات "إرهابية"—يهدد مصداقية القمة بأكملها. علاوة على ذلك، فإن دعوة المسؤولين من بلد يفرض حكمًا عسكريًا، وليس ديمقراطية على الكثير من السكان الخاضعين لسيطرته يقلل من قيمة كفاح الإصلاحيين الديمقراطيين ويدعو إلى مزيد من انتقاد النفاق الأمريكي.
لا شك في أن السياسة الإسرائيلية قد أصبحت أكثر تشددًا على مدى العقود القليلة الماضية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحلول العسكرية والأمنية قصيرة المدى قد طغت على الحلول لتأمين حقوق متساوية للإسرائيليين والفلسطينيين. منذ الحرب العالمية الثانية، لم تتلق أي دولة مساعدات أجنبية وعسكرية من الولايات المتحدة—146 مليار دولار—أكثر من إسرائيل. الميزة العسكرية الهائلة لإسرائيل، التي تؤمنها المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية التي تبلغ 3.3 مليار دولار، تسمح للقادة الإسرائيليين بتحصين مكاسبهم وفي نفس الوقت الضغط على غزة والضفة الغربية في مساحات غير صالحة للسكن للفلسطينيين وضم الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنين الإسرائيليين. وعلى الرغم من أن هذا المبلغ الهائل جعل الجيش الإسرائيلي قوة قتالية حديثة وقاتلة تمامًا، إلا أنه، على نحو متناقض، جعل السلام والديمقراطية أقل قابلية للتحقيق للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء من خلال القضاء على حاجة إسرائيل لتقديم تنازلات.
ومن ثم هناك مصر، التي تتلقى حكومتها 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة كل عام منذ عام 1987، وهو مبلغ يأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل. لكن مثل هذا التدفق الضخم والمطرد للمساعدات العسكرية لم يجعل القادة المصريين يتقبلون طلبات الولايات المتحدة حتى في الإصلاح الديمقراطي المتواضع أو الالتزام بالحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان. بل على العكس تمامًا.
كما أن ربط المساعدات العسكرية الأمريكية بمعايير ديمقراطية محددة أو متطلبات في مجال حقوق الإنسان قد فشل أيضًا في دفع الحكومات المصرية المتعاقبة لإجراء إصلاحات بدائية، ناهيك عن الديمقراطية نفسها، حيث مارس المسؤولون الأمريكيون عادةً "إعفاء الأمن القومي" الذي يسمح لمصر بالحصول على هذه المساعدات المشروطة على الرغم من الانتهاكات الواضحة.
في وقت سابق من هذا العام، دخلت إدارة بايدن التاريخ من خلال عدم إصدار إعفاء الأمن القومي على 130 مليون دولار من 300 مليون دولار محتملة كمساعدات عسكرية مشروطة. ورغم أن هذا القرار الخاطئ قد حظي بالتهليل من قبل البعض، إلا أنه كان مؤسفًا لأنه في الواقع بعث برسالة للحكومة المصرية، مرة أخرى، أنه ليس لديها الكثير لتقلق بشأنه إذا لم تستوف شروط الكونغرس لتلقي هذه المساعدات. فالمبلغ الأكبر من المساعدات—مليار دولار—لم يكن مشروطًا على الإطلاق، وفشلت الحكومة المصرية بكل الطرق الممكنة في تلبية متطلبات الحصول على أي مبلغ من الـ 300 مليون دولار المشروطة، لكنها حصلت على أكثر من نصف هذا المبلغ، 170 مليون دولار. تضمنت تلك الشروط بنودًا غامضة لتعزيز سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد، وتنفيذ إصلاحات في المجتمع المدني—لكن لم تفعل حكومة السيسي أيًا من ذلك.
بدلًا من ذلك، أصبحت مصر اليوم في عهد السيسي أكثر استبدادًا من أي وقت مضى، حيث تم سجن أو احتجاز أكثر من 60 ألف سجين سياسي، مع انتشار التعذيب على نطاق واسع والقيام بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري. السيسي نفسه رجل عسكري، استولى على السلطة إلى حد كبير من خلال ضمان استمرار النخبة العسكرية في مصر في جني الفوائد المالية من المشاركة العسكرية الضخمة في الاقتصاد المصري. في الوقت نفسه، لا يزال الجيش قوة قتالية غير فعالة، على الرغم من تلقيه 47 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية على مدى العقود الأربعة الماضية. في الواقع، تعاني القوات المسلحة المصرية في محاولة هزيمة تمرد الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء الذي يقاتل في صفوفهم ما لا يزيد عن 1,200 مقاتل على الأكثر.
لا يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تدافع عن الديمقراطية بمصداقية في جميع أنحاء العالم بينما تعمل أيضًا كمصدّر رئيسي لوسائل القمع لهؤلاء القادة غير الديمقراطيين والمستبدين بشكل علني. بالطبع، ستعترض شراكات صناعة الدفاع الأمريكية التي تبلغ عقودها مليارات الدولارات على تقييد مبيعات الأسلحة هذه. لا شك أن جماعات الضغط التابعة لها في واشنطن ستصرّ على أنه ستكون هناك خسائر فادحة في الوظائف الأمريكية وستكون هناك تداعيات اقتصادية وأن الصين وروسيا ستغطي ببساطة الفراغ الناتج عن ذلك وتوفران أسلحة مماثلة.
هذه السيناريوهات المشؤومة وغيرها غير مقنعة. إنّ فقدان الوظائف وغيرها من المشاكل الاقتصادية الناتجة عن قطع مبيعات الأسلحة مبالغ فيها، وتُظهر الدراسات الحديثة أن الإنفاق الفيدرالي على البرامج المحلية يؤدي إلى نمو في الوظائف أكبر من الاستثمار في الإنفاق الدفاعي والعسكري. توفر الصين وروسيا بالفعل أسلحة لبعض الحكومات الاستبدادية التي تتلقى أسلحة من الولايات المتحدة، لكن لا ينبغي تجاهل التفضيل للتكنولوجيا العسكرية الأمريكية والاعتماد عليها.
من السهل أن تكون متشائمًا، ولكن على الأقل من المرجح أن يقبل بعض المستبدين مطالب الإصلاح الديمقراطي بدلًا من المخاطرة بفقدان حصولهم على المساعدات العسكرية الأمريكية الضخمة. والأهم من ذلك، أن الرفاهية المالية لشركات صناعة الدفاع الأمريكية لا تنبغي أن تقود السياسة الخارجية الأمريكية، تمامًا كما لا ينبغي أن يحل تقبّل الحاكم المستبد محل التزام أمريكا بالديمقراطية.
وعد بايدن عندما تولى المنصب "بإعادة حقوق الإنسان إلى صُلب" السياسة الخارجية الأمريكية وأن يقود "بالقدوة" من خلال الدفاع عن الديمقراطية في الداخل والخارج. الآن، بعد مرور عام تقريبًا على رئاسته وفي عشية "قمة الديمقراطية" التي طال انتظارها، فشل في الوفاء بجوانب رئيسية من هذا الوعد، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. توفر هذه القمة فرصة تاريخية لبايدن للعمل بجرأة والوفاء بتعهده من خلال رفض إعادة تسليح الدول الاستبدادية التي ليس لديها حاليًا الحافز لإجراء إصلاح ديمقراطي حقيقي.