نادر هاشمي هو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وأستاذ مشارك لسياسة الشرق الأوسط والسياسة الإسلامية في كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر. وهو زميل غير مقيم لدى منظمة DAWN.
نادر هاشمي أستاذ مساعد ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر
تعود مقولة "لقد رجع الدجاج إلى البيت ليقيم" لتشوسر، كما تم ترديدها في العصر الإليزابيثي في إنجلترا في حين ارتبطت ملامحها الأمريكية بقصيدة لروبرت ساوذي في القرن التاسع عشر. يمكن تفسير هذه المقولة عمومًا بكون المخطئ سيلقى عاقبة أفعاله السيئة. لقد ظلت هذه العبارة تدور في ذهني خلال العامين الماضيين أي منذ اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. إن السياسات القمعية لحليف مقرب من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أدت مرة أخرى إلى حدوث أزمة دولية متأصلة في فكرة أن بإمكان أي رئيس دولة استدراج صحفي إلى قنصلية بلده وقتله ومن ثم الأمل في الإفلات من العقاب. لاشك أن هذا يقوض عمل الصحفيين في كل مكان ويعكس الغضب العالمي اتجاه مقتل هذا المعارض السعودي. كما يطرح هذا الحدث أيضًا تساؤلات جوهرية حول مدى حكمة السياسة الخارجية الأمريكية الحزبية المترسخة بشكلٍ كبير في التحالف مع الأنظمة الديكتاتورية.
لقد تعرضت إدارة الرئيس ترامب عن حق لانتقادات كثيرة بسبب تقديم دعم غير محدود من القطاعين العام والخاص لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من أن الأخير أطلق مجموعة من التحركات العدوانية والمتهورة داخل المنطقة وخارجها. ولا شك أن جرأة محمد بن سلمان وطموحه يعودان إلى علاقته القوية بجاريد كوشنر وقناعته أنه لن يحاسب على أفعاله الأكثر وحشية.
ومع ذلك، فليس من الصواب أن نلقي باللوم بشكل كامل على الرئيس ترامب فيما يتعلق بأزمة السياسة الخارجية هذه. فعلى الرغم من أن هذا التأطير يمكن أن يكون له تأثير مهدئ فكريًا لمنتقدي الرئيس ترامب، إلا أنه لا يتناول بشكل أساسي
المشاكل البنيوية الأعمق في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه منطقة الشرق الأوسط والمتأصلة في مجموعة من الافتراضات الخاطئة والأساطير الشائعة التي لا تصمد في وجه التدقيق النقدي. إن أكبر افتراض خاطئ هو أسطورة الاستقرار الاستبدادي: أي الاعتقاد بأن الحكام المستبدين في منطقة الشرق الأوسط يمكنهم من حماية المصالح الأمريكية من خلال فرض النظامين السياسي والاجتماعي على المواطنين المغلوبين على أمرهم.
لكن العكس هو الصحيح تمامًا حيث إن الأنظمة الاستبدادية تعتبر المصدر الأساسي في عدم استقرار المنطقة من حيث طبيعة حكمهم وسياستهم التي يتبعونها، ذلك أن الأزمة التي عرفتها العلاقات الأمريكية السعودية عقب مقتل جمال خاشقجي تحيل مباشرة إلى هذه النقطة.
منذ عام 1945، أي عندما أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العالمية البارزة في منطقة الشرق الأوسط، كان هنالك إجماع حزبي واسع في وضع سياسة خارجية أمريكية على أنه لا يوجد بديل فعال للحكم الاستبدادي. لقد كان يُنظر إلى دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان على أنه أمر غير ضروري ويزعزع الاستقرار وساذج إلى حدٍ خطير. بل أن البعض يرى أن المنطقة ليست مناسبة ثقافيًا أو دينيًا أو تاريخيًا للحكم الديمقراطي والدليل على ذلك رد الفعل المحافظ المضاد على الربيع العربي. يعتقد هؤلاء أيضًا أن الاستراتيجية الأكثر حصافة هي الاستمرار في دعم المنزل المنهار الذي ساعد الغرب في بنائه. وبناءً على هذا النمط في التفكير، فإنه وبغض النظر عن المشاكل البنيوية المتعلقة بالمخطط الحالي، فإن السعي لوضع أساس جديد لدعم منزل قوي مهمة مستحيلة.
لكن الاعتماد على حكم استبدادي افتراض خطير بشكل متأصل؛ لأنه يحط من قدر التطلعات الديمقراطية ويفترض تجاهل صوت الناس إلى الأبد. لكن، ولهذا السبب بالتحديد، فإن هذا الشكل من أشكال الحكم غير مستقر أساسًا؛ لأنه يفتقر إلى الشرعية السياسية الأساسية. فالاستبداد في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يستمر إلا من خلال العنف المتفشي الذي تفرضه الدولة للسيطرة على المجتمع وقمع مطالب التغيير السياسي من أسفل.
يبين التاريخ أن تركُّز السلطة السياسية في أيدي قلة من الناس يؤدي إلى نتائج سيئة، ومنطقة الشرق الأوسط لا تشذ عن هذه القاعدة، حيث إن هذا ينتج عنه فساد في الداخل وتهور في الخارج، ويصدق هذا بوجه خاص عندما يكون صاحب السلطة أميرًا متعجرفًا يبلغ من العمر 35 عامًا ويترأس نظامًا ملكيًا مطلقًا ولديه ثروة هائلة تحت تصرفه ويحظى بدعم سطحي وغير مشروط من القوى الغربية.
يعلمنا التاريخ أيضًا أن الحوكمة الجيدة والحكومة المستقرة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالفصل بين السلطات وبالضوابط والتوازنات والمساءلة السياسية والشفافية وسيادة القانون. تعتبر هذه حقائق لا خلاف عليها يستند عليها الغرب ويحتفي بها كمبادئ عالمية. لكن المؤيدين الأمريكيين للوضع الاستبدادي الراهن لم يفسروا أبدا سبب عدم تطبيق هذه المسلمات على منطقة الشرق الأوسط.
إن للخطر الاستراتيجي لتعزيز الولايات المتحدة التحالف الشخصي والسياسي مع محمد بن سلمان سابقة واضحة ولكنها غالبًا ما يتم التغاضي عنها. فمنذ فترة ليست بالبعيدة، كان هناك أمير آخر في منطقة الشرق الأوسط أصبح فيما بعد ملكًا مثل محمد بن سلمان وكان حكمه بمثابة العمود الفقري للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. لقد تمت الإشادة بهذا الملك على نطاق واسع (وبشكل خاطئ) باعتباره مُحدثًا ومصلحًا وصاحب رؤية وحليفًا غربيًا مستقرًا يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل. وعندما زار الولايات المتحدة الأمريكية مثل محمد بن سلمان، حصل على استقبال حار وعلى البساط الأحمر. واستخدم إيراداته من النفط – مثل محمد بن سلمان – في شراء أسلحتنا واستخدم دعمنا السياسي والعسكري لانتهاك حقوق الإنسان بشكلٍ كبير. هذا الشخص هو محمد رضا بهلوي، أو شاه إيران.
لقد كانت الإطاحة به عام 1979 وظهور جمهورية إيران الإسلامية لحظة تاريخية فارقة في السياسة الحديثة بمنطقة الشرق الأوسط. لا يمكن فهم التحدي الذي فرضته إيران على الغرب منذ ذلك الحين بعيدًا عن السياسة الخارجية الأمريكية المضللة. لقد كانت الثورة الإيرانية النتيجة المباشرة للدعم الثابت والمطلق للاستبداد الحكومي الوحشي دون إيلاء اعتبار جاد لمظالم الشعب الإيراني ومطالبه في التغيير السياسي. إننا فقط نحصد ما زرعناه.
إن هذه المقارنة لا تهدف إلى القول أن المملكة العربية السعودية اليوم في حالة ما قبل الثورة مثل إيران عام 1978، بل إنها بعيدة للغاية عن ذلك. إن الأمر يتعلق بتسليط الضوء على حماقة الاستثمار في الحكم الاستبدادي لكسب وهم الاستقرار السياسي مع التغاضي عن القمع الممنهج للأصوات والحركات الديمقراطية. وفي نهاية المطاف، فإن "الدجاج سيرجع إلى البيت ليقيم". لم يعد لدينا ترف الشعور بالرضا عن الذات. إن منطقة الشرق الأوسط في حالة اضطراب شديد والتوقعات للمستقبل تبدو غير واضحة. ترسم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية صورة واضحة للكارثة القادمة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا. يوجد في منطقة الشرق الأوسط أكبر نسبة بطالة بين الشباب في العالم بنسبة تتراوح ما بين 30% في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عامًا، كما يوجد بها أسرع نسب نمو سكاني في العالم. في عام 1950، وصل عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا إلى 100 مليون، وزاد هذا العدد إلى 380 مليون في عام 2000، ومن المتوقع أن يصل إلى 722 مليون في عام 2050.
تعتبر المنطقة أيضًا واحدة من أكبر المناطق التي تدفع الرواتب لموظفي القطاع العام، كما أنها تدعم بشدة أسعار الغذاء والوقود، وتجذب استثمارات أجنبية مباشرة أقل من مناطق أخرى (أفريقيا جنوب الصحراء هي وحدها أكثر سوءا). وبالإضافة إلى تعميق السيطرة الاستبدادية التي ترفض التخلي عن السيطرة أو تقاسم السلطة أو تقبل النقد، يبدو أنه لا مفر من اضطراب مجتمعي كبير. يتمثل الجناة الرئيسيون في الأنظمة الاستبدادية بمنطقة الشرق الأوسط والحكومات الغربية التي تقدم دعمًا غير محدود لها. ولذلك، فإن تعزيز دعمنا للحكام المستبدين – كما فعلت إدارة ترامب – سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع. إننا بحاجة إلى استراتيجية جديدة وطويلة الأمد لعلاقاتنا مع الشرق الأوسط بشرط أن تنفصل بشكلٍ كبيرعن الماضي. يجب إعادة تقييم افتراضاتنا وحججنا القديمة عن الاستقرار الاستبدادي مع التركيز على المستقبل دائمًا.
لقد أظهر مقتل جمال خاشقجي مرة ثانية الطبيعة المحفوفة بالمخاطر للاعتماد على الأنظمة الاستبدادية. لذلك، فإن هذه الأزمة تعتبر اللحظة الحاسمة والتي يمكن أن نتعلم منها الدروس المناسبة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستساعد هذه الأزمة على إعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية والمنطقة بأكملها؟ وهل سنتعلم منها حقًا أم لا؟