داريو صباغي صحفي مستقل ظهرت مقالاته في "الإندبندنت" و "ميدل إيست آي" و "دويتشه فيله" ومنصات أخرى.
English
بيروت—في اليوم الرابع من كل شهر، في تمام الساعة 6:07 مساءً، يتجمع العشرات أمام تمثال برونزي يبلغ ارتفاعه 12 قدمًا يقابل مرفأ لبنان الرئيسي. التمثال، الذي يصور مهاجرًا لبنانيًا، نجا بطريقة ما من الانفجار الكارثي في المرفأ في 4 أغسطس/آب 2020، والذي نتج عنه موجات صدمية في مختلف أنحاء المدينة ودمر المباني على بعد أميال عديدة. من المحتمل أن هؤلاء البيروتيين لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض قبل ذلك المساء من شهر أغسطس/آب قبل أكثر من عامين عندما اشتعل مخزون ضخم من نترات الأمونيوم، بعد السادسة مساءً بقليل، مولّدًا انفجارًا دمر جزءًا كبيرًا من العاصمة اللبنانية، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان وأدى إلى مقتل أكثر من 220 شخصًا وإصابة أكثر من 6,500 آخرين.
منذ ذلك الحين، توحدوا في أحزانهم على أحبائهم الذين فُقدوا في الكارثة، وتوحدوا في تصميمهم على تحقيق العدالة. عندما يجتمعون عند أسفل التمثال، فإنهم يقابلون صوامع الحبوب التالفة في المرفأ—الهيكل الوحيد المتبقي بالقرب من مركز الزلزال—والتي أصبحت رمزًا ماديًا لواحد من أقوى الانفجارات غير النووية التي تم تسجيلها على الإطلاق، والتي غيّرت واجهة بيروت البحرية وأفقها فجأة. تم تخزين نترات الأمونيوم، وهي مادة كيميائية صناعية شائعة الاستخدام في الأسمدة وكمتفجر في المحاجر والتعدين، بشكل خطير في المرفأ منذ عام 2014 بعد مصادرة سفينة شحن متجهة إلى موزمبيق.
يطالب أهالي الضحايا، في تجمعاتهم الشهرية ونشاطهم اليومي في بيروت، بمحاسبة الطبقة السياسية اللبنانية الفاسدة عن الإهمال الذي كان مسؤولًا بشكل مباشر عن الانفجار. ومع ذلك لم تتم محاسبة أحد. بالنسبة للعديد من اللبنانيين، فإن كل ما يتعلق بالانفجار بما في ذلك عواقبه المدمرة والافتقار المستمر لأي محاسبة، يجسد كل الخلل والفساد الذي تعاني منه الدولة اللبنانية.
تقول سيسيل روكز، 48 سنة، التي فقدت شقيقها في الانفجار، أن السياسيين اللبنانيين "يبذلون قصارى جهدهم لعرقلة التحقيقات. الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو الاحتجاج". كان شقيقها يعمل في المرفأ وقت الانفجار. تقول عن قادة لبنان: "كلهم كانوا يعلمون بوجود نترات الأمونيوم في المرفأ. قتلوا 80 شخصًا داخل المرفأ. نصلي من أجل ضحايانا لأننا لم نحقق العدالة بعد".
في السنوات التي سبقت الانفجار، كان المسؤولون اللبنانيون على دراية جيدة بمخاطر تخزين نترات الأمونيوم في المرفأ، كما أوضحت ملفات ورقية واسعة النطاق. أرسل مسؤولو الجمارك عدة رسائل إلى المحاكم اللبنانية يطلبون فيها إزالة الشحنة المصادرة، لكن تم رفض ذلك. على الرغم من التحذيرات المتزايدة الخطورة بين بعض المسؤولين في الحكومة اللبنانية حتى الأسابيع التي سبقت الانفجار، بما في ذلك بعض رؤساء الوزراء، بقيت نترات الأمونيوم في مستودع المرفأ. تقول منظمة هيومن رايتس ووتش أن الأدلة المتاحة "تشير إلى أن العديد من السلطات اللبنانية كانت، على الأقل، مهملة جنائيًا بموجب القانون اللبناني في تعاملها مع الشحنة، ما خلق خطرًا غير معقول على الحياة".
إلا أن التحقيق في انفجار المرفأ قد أُخرج عن مساره من قبل الكتل القوية والأحزاب الطائفية في النظام السياسي اللبناني، والتي تبدو أكثر اهتمامًا بحماية نفسها من كشف حقيقة الانفجار. بعد استقالته في الأيام التي أعقبت الانفجار، إلى جانب العديد من النواب ومسؤولين آخرين، بقي رئيس الوزراء حسان دياب في منصبه في حكومة تصريف أعمال، بناءً على طلب الرئيس ميشال عون. شكلت حكومة تصريف الأعمال لجنة تحقيق برئاسة دياب نفسه، حيث ألقت القبض على 25 شخصًا يشتبه في تورطهم في الانفجار، من بينهم عدد من ضباط الموانئ ومسؤولي الدولة.
ثم عيّن مجلس القضاء الأعلى في لبنان القاضي فادي صوان لقيادة التحقيق ومساءلة مسؤولي الدولة. بعد إجراء مقابلات مع شهود وجمع وثائق لعدة أشهر، اتهم صوان، أواخر عام 2020، دياب وثلاثة وزراء سابقين—وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزيران سابقان للنقل والأشغال العامة يوسف فنيانوس وغازي زعيتر—بالإهمال الجنائي في حادثة الانفجار. ثم رفضوا جميعًا التعاون مع التحقيق الذي يجريه صوان وحاولوا تشويه سمعته.
قدم علي حسن خليل وغازي زعيتر، المرتبطان بحزب أمل الشيعي، شكوى رسمية لإبعاد القاضي عن القضية. كما شنت فصائل لبنانية أخرى، بما في ذلك حليف أمل، حزب الله، ورئيس الوزراء السني السابق سعد الحريري—رغم تنافسهما في النظام السياسي لتقاسم السلطة في لبنان—حملة ضد صوان، مشككين في حياده ويتهمونه بتجاوز سلطاته.
نتج عن ذلك قيام محكمة النقض اللبنانية بإبعاد صوان من التحقيق في فبراير/شباط 2021. استندت المحكمة في قرارها جزئيًا، بشكل غريب، إلى حقيقة أن منزل القاضي صوان قد تضرر في انفجار المرفأ، حيث ادعت أن ذلك أثار تساؤلات مشروعة حول حياده. إذا كان ذلك قد أثار ارتياب حول حياد صوان، فإن الأمر ينطبق على أكثر من 300,000 نازح من سكان بيروت بسبب الانفجار الذي دمر 77,000 وحدة سكنية في المدينة، وفقًا لتقدير مشترك للأمم المتحدة وبلدية بيروت.
أثار قرار المحكمة غضب أهالي الضحايا وأفراد المجتمع المدني اللبناني الذين وصفوه بأنه استهزاء بالعدالة. وسلط ذلك الضوء على عدم وجود تعاون، بل وحتى عداء صريح، لأي تحقيق من جانب الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها.
القاضي الذي خلف صوان، طارق بيطار، واجه نفس العقبات عندما تولى التحقيق بعد عزل صوان. منذ أوائل عام 2021، تم تعليق عمل بيطار عن التحقيق أربع مرات بسبب دعاوى قضائية رفعها العديد من السياسيين الذين استدعاهم للاستجواب. طلب كل من حزب الله وحركة أمل إبعاده عن التحقيق. كما عطّل أعضاء البرلمان التصويت على طلب بيطار برفع الحصانة من الملاحقة القضائية عن السياسيين والمسؤولين الأمنيين رفيعي المستوى المشتبه بهم في القضية—ما منع القاضي بشكل أساسي من التحقيق مع كبار الشخصيات في لبنان.
وسط هذا التدخل السياسي في التحقيق، يواصل أهالي الضحايا النزول إلى الشوارع كل شهر لتذكّر أحبائهم والاحتجاج خارج الوزارات للمطالبة بالعدالة. حصل بيطار، بينما كان يتصارع مع العقبات القانونية والسياسية، على دعم العديد من عائلات الضحايا وكثير من المجتمع المدني اللبناني كقاضٍ نزيه وشفاف.
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تصاعدت الاحتجاجات لإزاحة بيطار في معركة شوارع دامية بين متظاهري حزب الله وحركة أمل وقناصة يُشتبه في أنهم من القوات اللبنانية، وهو حزب مسيحي يميني. قُتل سبعة أشخاص وأصيب أكثر من 30 في اشتباكات في حي كان خط المواجهة بين المناطق الشيعية والمسيحية خلال الحرب الأهلية الطويلة في لبنان.
أدت الاشتباكات إلى عسكرة النقاش المسيس بالفعل حول المسؤولية عن انفجار المرفأ وكيف—أو حتى ما إذا كان—يمكن التحقيق فيه. كما قسّمت أعمال العنف عائلات الضحايا إلى مجموعتين—بعضها تدعم بيطار وأخرى تطالب بإبعاده. وبسبب كل المناورات السياسية ضده، تم تعليق تحقيق بيطار إلى أجل غير مسمى منذ أواخر عام 2021.
اشتعل الجدل المحتدم حول التحقيق في الصيف الماضي عندما انهارت بعض الصوامع المتضررة في المرفأ، بعد أن ظلت الحرائق مشتعلة فيها لأسابيع. (كانت الصوامع تحتوي على معظم احتياطيات الحبوب في لبنان، ويبدو أن الحبوب المخمرة المتبقية في الموقع اشتعلت في حرارة الصيف). اتهمت عائلات الضحايا وجماعات المجتمع المدني الحكومة بمزيد من الإهمال ومحاولة تدمير أي ذاكرة مادية للكارثة. كان النشطاء والمدافعون الآخرون في بيروت يضغطون من أجل الحفاظ على الصوامع كنصب تذكاري لمناهضة فقدان الذاكرة الجماعي في لبنان، حيث لم يتم حتى إحياء ذكرى الحرب الأهلية رسميًا (العديد من نفس أمراء الحرب والميليشيات من الحرب الأهلية قاموا بإعادة تشكيل أنفسهم على أنهم سياسيين وأحزاب سياسية مع انتهاء الحرب في تسعينيات القرن الماضي).
لكن لا يزال يتم تعطيل التحقيق بسبب سياسات لبنان الملتوية. رفع غازي زعيتر وعلي حسن خليل، وهما من الوزراء السابقين المتورطين في التحقيق، دعوى قضائية الشهر الماضي ضد قاضٍ آخر، جان مارك أويس، الذي تم تعيينه للبت في طلبات الفصل المقدمة ضد بيطار، مدّعين بصورة غامضة وجود "أخطاء جسيمة". وفي تطور آخر أكثر سخافة، تحتاج محكمة النقض، التي ستتداول هذه الدعوى، إلى مزيد من الأعضاء لتشكيل النصاب القانوني، لكن وزارة المالية رفضت تقديم الأموال لتعيين أعضاء جدد.
تقول ماريانا فضوليان، المتحدثة باسم عائلات الضحايا، عن تدخل السياسيين اللبنانيين: "ما يحدث غير قانوني. هذا غير مقبول. لا يحق لهم القيام بذلك".
من الواضح أن الدعوات الدولية إلى عملية قضائية عادلة وذات مصداقية في لبنان لمحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ لم تسفر عن أي شيء. لكن التعاون الدولي غائب أيضًا، حيث يتلاشى الاهتمام بالقضية بعد سنوات من الانفجار. وفي حين دعا خبراء الأمم المتحدة والعشرات من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية إلى إجراء تحقيق دولي، من الصعب أن نرى كيف ستوافق النخبة السياسية في لبنان على ذلك.
بالنسبة إلى لينا بوبس، الناشطة البالغة من العمر 62 عامًا، فإن انعدام العدالة والتدخل السياسي الوقح في التحقيق يظهران كيف ترى الأحزاب والكتل الطائفية التي تدير لبنان اللبنانيين العاديين، حيث تقول عن النخبة السياسية: "لقد كنتُ أحتج مع عائلات الضحايا منذ البداية. لم أصب بأذى لكنهم دمروا بيروت. دمرونا لأننا بيروت".